القائد الــمـُــلهَم في هذه الاستراتيجية هو الذي تـُـــؤلَّــف حوله القصص، وتــُنسَج حوله الأساطير التي تُظهِر عِلْمه وفهمه وبُعْد نظره وشجاعته وبراعته وحيويته وحنكته وحكمته واكتشافه لثقب الأوزون أيضاً.
ويكونُ هذا القائد دائماً رمزاً ترتبط به الجماهير وتتعلَّق به، إما من باب الخوف أو من باب الإعجاب، فترى هذا القائد الــمُلهَم مثلاً رياضياً بارعاً لا يُنافِسُه أحدٌ، وكاتباً أديباً ليس له مثيلٌ، ومفكِّراً عملاقاً لم يُنجِب مثلَه التاريخ، أو أحياناً تجده في أماكن العبادة خاشعاً مُنكسِراً زاهداً كالأنبياء، بغَضِّ النَّظَر عن مكان العبادة إن كان يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً.
وبجانب كلِّ ذلك تجده يظهر في زياراته الإنسانية في غاية الرحمة والشفقة على الفقراء والمسحوقين، وكل ذلك وَفقَ استراتيجيَّةٍ إعلاميَّةٍ مدروسةٍ من أجل أن تتعلَّق به الشعوب التي قد يكون هو نفسه الذي يذيقها الخوف والجوع والمآسي.
طبعاً في هذه الاستراتيجية “استراتيجية القائد الـمُلهَم” لا يُنسى الدَّور التاريخي لهذا القائد وخدماته الجليلة لهذا الوطن أو لهذا الشعب أو لهذا الحزب.
ويُعمَد لتكريس هذه الاستراتيجية إلى خُطَطٍ ووسائل لا تُعدُّ ولا تُحصى، ومنها الصُّور لهذا القائد..!
فتكون صوره مختارةً بعنايةٍ حين يخرج ويظهر ويتحرك، بالإضافة لترافق كلِّ ذلك بأزياء مختلفة ووضعيات معينة وأماكن معينة بدقة وأوقات مدروسة تماماً، بحيث تصبح العلاقة بين الأجيال الناشئة التي تخرج في ظل هذا البرنامج “برنامج هندسة العقول” علاقةً تكون أشبه بالتعظيم.
وتوضع صور هذا القائد الــمُلهَم المــُعجزة في أماكن عاليةٍ مرتفعةٍ ومدروسةٍ بدقَّةٍ من قِبَل كادر كامل من المختصِّين في مجالات عديدة يعملون تحت إمرته، مثلما كان يفعل “هتلر” في الحزب النازي، أو “موسيليني” في حزبه الفاشي، وكذلك قادة الثورة البلشفية من الشيوعيين في أحزابهم، حيث كانت توضع صورهم في أماكن عالية لتحفـر في أذهان هذه الأجيال التي تقدِّس هؤلاء القادة وفي عقلهم الباطن مبدأ الفوقية والدُّونية!
مبدأ الفوقية والسيطرة اللاإرادية لسلطة هذا القائد، فالأجيال حين ترى صورة هذا المُعظَّم وهذا القائد الــمُلهَم نشأ عليها أبوه ومن قبله جده، يأتيه في عقله الباطن صورة ذهنية تُعبِّر عن الفوقية والدُّونية، هو يشعر بالدُّونية، ودائما هذا القائد الــمُلهَم يشعر بالفَوقية .
——————————-
من كتاب ” التتفيه والتجهيل-وسائل واستراتيجيات- ” للكاتب المحامي مصطفى الزراق
What’s your Reaction?