صحة

كيف تصيب الهلوسات الدماغ وكيف يحدث الملل

استجمام أم جنون يؤدي إلى الهلوسات : أنت وحدك تماماً معزول عن العالم، بدون أحد بدون أي شيء، لا موبايل أو كتاب أو قلم، بدون صوت أو ضوء أو لون أو لمسة أو حتى حركة.

أنا إيمان الإمام وهذه الاسبتالية.

الهلوسات البصرية

الهلوسات البصرية

 

منذ حوالي 250 سنة كتب أحد الفلاسفة السويسريين قصة جده بعد أن فقد بصره بسبب المرض، وعاد ليقول أنه يرى أشكالاً وأشخاصاً وأضواء وألوان واضحة جداً.

لكن للأسف كل المشاهدات كانت غير حقيقية وغير موجودة إلا في دماغ المريض.

الحالة الطبية تم تسميتها على اسم الفيلسوف Charles bonnet Syndrome وبمرور الوقت تم التأكد بأنها ليست حالة جده العجوز لوحده، وإنما حالة متكررة في المرضى المصابين بمشاكل في الإبصار.

هي حالة شبيهة جداً بحالة الهلوسات السمعية التي تتكرر مع مرضى فقد السمع، Musical Ear Syndrome والذي منهم موسيقيين أقروا بأنهم ألفوا سيمفونيات كاملة بوحي من الهلوسات التي أصابتهم.

هؤلاء المرضى لا ينكرون مرضهم مثل مرضى Anosognosia بل هم واعين جداً بمرضهم وفزعين مما يرون ويسمعون وخصوصاً أن الأطباء كانوا يؤكدون تمام صحتهم العقلية والنفسية.

من أين تأتي هذه الهلوسات؟ وهل تصيب المكفوفين أو الصم فقط؟

لو أن شخصاً سليماً ما زال يرى لكن لم يعد هناك شيء يراه، شخص يسمع لكن لا يوجد شيء يسمعه، فما الذي يحدث؟

وثائق طبية كثيرة وصلت إلينا من أوائل القرن التاسع عشر كانت تصف حالات الارتباك التي تصيب بعض الأشخاص الذين يتعرضون للعزلة لفترات طويلة.

مثل البحارة الذين يسافرون منفردين، أو مستكشفي المناطق القطبية والكهوف، أو الجبال والصحاري.

كيف أنهم بعد فترة تبدأ تتجسد لهم أشكال وأضواء ويسمعون أصواتاً أو حتى يشعرون بأشياء تلمسهم.

وتم تفسير قصصهم على أنها تواصل روحاني أو ما وراء الطبيعة.

لكن أول محاولات منظمة لإيجاد تفسير علمي كانت في خمسينات القرن العشرين.

تجارب الحرمان الحسي

عندما بدأ أطباء مخ وأعصاب وعلماء نفس على رأسهم Donald Hebb الذي ترشح لجائزة نوبل، تجارب يعرضون فيها بعض الأشخاص الأصحاء نفسياً وعقلياً لحالات من الحرمان الحسي.

غرف ضيقة ومظلمة أو مضيئة إضاءة ثابتة، معزولة عن الصوت والبيئة الخارجية، والشخص يلبس أغطية في كل أطرافه حتى لا يشعر بملمس أي شيء محيط به.

مع اختلافات بسيطة بين التجربة والأخرى، المهم أن حواس الشخص يصلها أقل قدر من المؤثرات حوله.

في كل التجارب كان الأشخاص بمرور الوقت تبدأ تظهر عليهم علامات التوتر وعدم الراحة، ويبدأوا بالتحدث مع أنفسهم، أو يغنون لمجرد كسر السكون. حتى تبدأ الهلوسات بإصابتهم.

الهلوسات كانت بسيطة مثل فلاشات ضوء أو أشكال وألوان في الفضاء أو هلوسات معقدة.

منهم من رأى غابات مليئة بالحيوانات، ومنهم من رأى بشراً لونهم أصفر، ومظاهرة من نظارات الشمس، منهم الذي سمع طائرات حربية فوق رأسه.

والذي أحس بألم شديد في ذراعه كأنه تلقى رصاصة، ومنهم من أحس أن عقولهم تترك أجسامهم وتسبح حولهم في الغرفة.

بعض هذه الاضطرابات النفسية كانت مطابقة لحالات تعاطي أنواع من المخدرات.

John Lilly أحد الأطباء الرائدين في هذا المجال، جرب أن يخلط الاثنان مع بعض، فعزل نفسه وأخذ LSD ليرى ما سيحدث.

تدهور الحالة الصحية

المشكلة لم تقف عند الهلوسات فقط، عندما كانوا يتساءلون في مسائل حسابية بسيطة أو يطلب منهم تقليد تشكيلات بالمكعبات أو يكررون كلمات.

كان يظهر تدهور واضح في قدراتهم العقلية مقارنة بما قبل التجربة.

عندما سألوهم عن آرائهم في وجود القوى الخفية والأشباح والشياطين كانوا يظهر أنهم مصدقين بوجودها ويشعرون بالخوف من ظهورها حتى بعد نهاية التجربة بأيام طويلة.

قناعاتهم كانت تتغير كلياً وهذا لا يفرق كثيراً، إن كنت شخصاً يحب التجديد أم تميل إلى الهدوء.

أكثر من ثلاثة أرباع الذين تعرضوا للحرمان الحسي من أي مؤثرات بصرية عن طريق تغطية أعينهم في تجربة جامعة هارفارد؛ ظهرت لهم الهلوسات البصرية في خلال ساعات محدودة.

ملل الدماغ لدى قوات الجيش

في الخمسينات عندما لاحظت القوات البحرية البريطانية أن الأشخاص الذين يعملون في متابعة شاشات الرادار الذين وظيفتهم فقط أن يرصدوا أي تحركات غريبة.

كانت تفوتهم حركة غواصات ضخمة ليس من السهل أن لا يلاحظونها.

وضعوا هؤلاء الموظفين في تجربة أمام شاشة تتحرك عليها نقطة في خط مستقيم، وطلب منهم أن يقدموا بلاغاً لو لاحظوا أن هذه النقطة قفزت من مكانها.

لاحظ المتخصصون أن تركيز الموظفين ينهار بعد نصف ساعة على الأغلب من كثرة الملل. وهذا أدى لاتخاذ قرارات لتقصير مدة الورديات التي يقوم الموظفون عليها.

هذا عدا عن ملاحظات شبيهة تم تسجيلها في الوثائق الطبية عن تشتت انتباه الطيارين وسائقي الشاحنات الذين يمر عليهم وقت طويل دون أن يروا مشهداً غير الطريق الثابت أمامهم بدون أي تغيير.

أن تعمل عملاً رتيباً ومملاً يمكن أن يؤثر على دماغك فعلاً.

الهلوسات والحبس الإنفرادي

وهذا الأمر ليس مجرد ملل أو هلوسة أو بعض الاضطراب في عقلك.

مجموع النتائج القاسية جداً لتجارب الحرمان الحسي أدت بالأمم المتحدة عام 2011 أن تنادي بمنع كل أشكال الحبس الإنفرادي مهما كانت التهمة.

وذلك لأن العزلة المشددة لأي بشر تعتبر وسيلة تعذيب حقيقية، وتتعارض مع أي هدف لتقويم وتصحيح سلوكه.

الهلوسات ولماذا يفعل الدماغ هذا

لا يجب أن تكون أعمى أو موثق العينين تماماً ليخرج دماغك عن السيطرة، أنت يمكن أن ترى بوضوح لكن ترى شيئاً ثابتاً وليس مثيراً كفاية.

كلنا نفهم أنه كي تشعر بشيء خارجي يحتاج الدماغ أن يستقبل إشارته من البيئة التي حولك ويتعامل معها.

فأن ترى شيئاً، فالمنطقة المسؤولة عن معالجة معلومات الإبصار تنشط، وكذلك باقي حواسك، والمفترض في غياب أي مؤثرات خارجية فهذه المناطق يكون نشاطها أقل.

حتى عام 2000 لاحظ العلماء في جامعة أوكسفورد زيادة نشاط المنطقة المسؤولة عن معالجة البيانات البصرية في المخ بعد ساعة واحدة من حرمانها من أي ضوء.

نشاطها كان يزيد عندما لا يبق أي شيء ينشطها.

في 2006 في جامعة ديوك تم تسجيل نفس الملاحظة بالنسبة للمنطقة المسؤولة عن البيانات السمعية. كانت تنشط أكثر في حالات غياب أي أصوات.

الأعجب لو أن الحرمان الحسي طال زمنه، فالمكفوفون وهم أطفال ظهر أن المنطقة المحرومة من البيانات البصرية أصبحت تعالج بيانات ليست لها أصلاً بيانات غير بصرية.

بدأت تتعامل وتنشط مع بيانات صوت، ولمس.

تخيل أننا في الوقت الذي نسعى فيه كأشخاص ومجتمعات للاستقرار والنظام الثابت والروتين، أدمغتنا لا تسعى لنفس الهدف. دماغك لو لم يجد ما ينشطه ويلهيه سيلهي نفسه.

انتقادات للتجارب

بعض الاعتراضات على هذه التجارب كانت أنها ليست تجارب حرمان حسي حقيقي.

الضوء مثلاً حتى لو كان ثابتاً يعتبر أمراً مجهدة جداً لأعصابنا، الحر والبرد والجاذبية الأرضية، تعتبر مؤثر حسي، أجهزتنا العصبية مضطرة للتعامل معها بكل ثانية من حياتنا بدون توقف.

الحرمان الحسي الحقيقي يعني حوض ماء في درجة حرارة جسمك تطفو فيه بدون مجهود، معزول عن أي ضوء أو صوت أو رائحة أو طعم.

وحينها فقط ستكون النتيجة ليست سلبية بتلك الشناعة، كما حدث في تجارب الخمسينات.

يمكن أن تكون عملية استرخاء وتعالج القلق والأرق والصداع وتحسن الإبداع والتركيز وتعالج الضغط العالي.

وبدلاً من أن تكون حرماناً حسياً تكون العلاج بتحجيم المؤثرات البيئية REST

طبعاً ما زالت الدراسات قليلة، ومتفرقة ومحيرة في نتائجها، لكن العمل التجاري لا يدع فرصة، اليوم تستطيع أن تخوض تجربة عزلة في مركز استجمام بتكلفة 35 يورو في الساعة الواحدة.

ليبق السؤال هل تقفل على نفسك وتدع الهلوسات تصيبك أم تفتح كل الأبواب؟

أمنياتي بالشفاء والقوة لكل محاربي الأمراض في كل مكان.

المصادر

 The Pathology of Boredom

Visual hallucinations during prolonged blindfolding

Enhanced Excitability of the Human Visual Cortex

Neural activity in speech-sensitive auditory cortex during silence

Isolation tank

Enhancement of scientific creativity by flotation rest

The use of restricted environmental stimulation therapy (REST)

Solitary confinement should be banned in most cases

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى