علوم الفلك والأرض

القمر والأجرام السماوية وتهافت شركات الفضاء عليهم


في عام 1980 كان يوجد شخص اسمه دنيس هوك من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، كان تاجراً للسيارات.

وفجأة وجد دينيس نفسه عاطلاً عن العمل، وكان قد تطلق من زوجته مؤخراً ويكافحه ليلبي احتياجاته الأساسية.

أي كانت ظروفه سيئة للغاية، وفي يوم من الأيام كان يسير بسيارته ويفكر كيف سيتخلص من كل تلك المشاكل.

ويعود بحالة مادية جيدة، وفي تلك اللحظة وهو ينظر من نافذة السيارة، نظر على كوكب القمر، وقال لنفسه:

لقد وجدت الحل، ذهب مباشرةً إلى مكتبة الجامعة، وبدأ يبحث عن الكتب التي تتحدث عن القمر.

ثغرة في معاهدة الفضاء الخارجي

وأثناء بحثه علم أن هناك معاهدة دولية عام 1967 سميت بمعاهدة الفضاء الخارجي.

ويوجد بها مبادئ أساسية عن الأجرام السماوية، وعندما قرأها وجد ثغرة في تلك المعاهدة، وهي كالتالي:

تعلن المعاهدة أنه لا يمكن لأي دولة تأكيد السيادة على القمر.

وبالتالي فإن تلك المعاهدة لم تتحدث عن الأفراد، فأرسل دينيس رسالة إلى الأمم المتحدة، يقول لهم بأن القمر والأجرام السماوية الأخرى ملكه شخصياً.

وأصبح على مدار سنوات لاحقة، يبيع للناس صكوك ملكية على القمر إسمها Lunar Deed وعلى الأجرام السماوية الأخرى.

وكان يبيع 4200 متر بحوالي 25دولار، وحتى عرض كوكب بلوتو للبيع ب 250 ألف دولار.

والمفاجأة أن دينيس ربح ثروة تقدر ب12 مليون دولار.

فرغم عدم منطقية الموضوع، ولكنه يكشف عن جانب مشكلة كبيرة قادمة بالنسبة لتعاملات الدول على الأجرام السماوية مثل القمر، وحقوق الملكية في الفضاء.

ماذا تنص معاهدة الفضاء الخارجي

لنعد إلى الاتفاقية التي وقعت عليها دول كثيرة عام 1967، بما فيها الدول القادرة على الوصول إلى الفضاء، كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

وتنص على: لا يمكن لأي دولة امتلاك ممتلكات خارج الكرة الأرضية.

ورغم أن الولايات المتحدة قد وصلت إلى القمر بعد تلك المعاهدة بسنتين وغرسوا العلم الأمريكي فوقه.

كما في الصورة الشهيرة، وبالتالي القمر أصبح مشاعاً في متناول جميع البلدان.

وتتابع الاتفاقية: لا يجوز للأمم الموجودة في الأرض استخدام القمر والأجرام السماوية الثانية إلّا لأغراض سلمية.

وبالتالي فهي تحظر إنشاء قواعد عسكرية أو أسلحة دمار شامل، على أي مكان فضائي.

ما المشاكل التي تعاني منها المعاهدة

وهنا يوجد مشكلتان إحداهما أن تلك المعاهدة تم التفاوض عليها في الستينات، أي منذ زمن بعيد، عندما كانت أجهزة الكمبيوتر بحجم سيارة.

فالعالم لم يكن في ذلك التعقيد الموجود الآن. المعاهدة كانت أساسية ولا تملك إجابات لأسئلة  أصبحت حساسة في الوقت الحالي.

فبعد الاتفاقية بسنتين، رأى العالم لأول مرة نيل أرمسترونغ يخطو خطواته الأولى على سطح القمر عام 1969.

وذلك كان ضمن مشروع أبولو، التابع للولايات المتحدة. وآخر إنسان مشى على سطح القمر كان جين سيرنر عام 1972.

وإلى الآن بعد هذا التاريخ لم يعود أحد إلى القمر، أي في حوالي خمسون سنة تقريباً، لم يعد أحد إلى القمر.

المشكلة الثانية هي أن هذا الوضع على وشك أن يتغير بشكل جذري في الفترة القادمة.

حيث أن هناك العشرات من الرحلات القمرية خطط لها على مدار العشرين سنة القادمة، ويمكن أن تبدأ بالوصل إلى سطح القمر مع بداية عام 2023.

سباق الفضاء بين الدول والشركات

فالصين وروسيا واليابان والهند والاتحاد الأوروبي، لديهم خطط جادة للعودة للقمر، وهذا غير مقتصر على الحكومات ووكالات الفضاء الدولية.

ولكن على الشركات الخاصة ايضاً، فالحقيقة أن هذه الشركات هي التي ستقود التغيير الكبير الذي سيحصل في السفر للفضاء في قادم الأيام.

وتلك الشركات مثل BOEING و LOCKHEED MARTIN و ORBITBeyond و intuitive MACHINES و BLUE ORIGIN و SPACE X وغيرهم.

والقدرة الكبيرة التي جاءت لوكالات الفضاء والشركات جاءت من انخفاض تكاليف السفر للقمر.

مثلاً كثمن الإطلاق الفضائي الذي انخفض بنسبة كبيرة، وهو كان أغلى جزء في تكاليف الذهاب للقمر.

في عام 1981 دفعت وكالة NASA حوالي 62 ألف دولار للكيلو الواحد لإطلاق مكوك الفضاء.

وفي العام الفائت 2018 شركة SPACE X قللت تلك التكلفة لأقل من ألف دولار للكيلو.

ما هو سر الهجوم المفاجئ على القمر؟

من أكثر الأسباب التي تجعل القمر وجهة جذابة للدول والشركات، هي الموارد والمعادن الثمينة المتواجدة عليه.

Helium 3

وعلى رأس تلك المعادن Helium 3، وهو عنصر نادر جداً ويستخدم في الإنصهار النووي لإنتاج مصدر نظيف للطاقة.

لدرجة أن العلماء قالوا أن مخزون Helium 3 على القمر، ممكن أن يجعله خليجاً قادماً، كناية عن النفط والغاز الموجودان في منطقة الخليج.

فكيف تكون Helium 3 على القمر؟ من مليارات السنين وتمطر جزيئات من الشمس كوكب القمر.

وكما نعلم أنه غير محمي بغلاف جوي، ومن هنا جاء المخزون الضخم ل Helium 3 في تربة القمر.

الجليد على القمر

ومن الموارد الثمينة الموجودة على كوكب القمر الجليد، ففي السنوات الماضية تم اكتشاف جليد موجود في فوهات القطب الشمالي والجنوبي للقمر.

وهذا الجليد ممكن أن يتم استخراجه وتحويله إلى هواء أو ماء أو وقود للصواريخ، وتلك موارد أساسية لعيش البشر بشكل دائم على القمر.

وهناك بعثات تجهز لها وكالة ناسا سيكون شغلها الشاغل هذا الجليد.

السياحة إلى القمر

ومن الأسباب الأخرى التي تجعل القمر وجهة جاذبة، هي السياحة، فهناك سباق الآن على السياحة الفضائية.

فعلى سبيل المثال في العالم الماضي 2018 كشفت شركة SPACEX عن أول سائح في العالم وهو الملياردير يوساكو مايو زاوا.

وهذه الرحلة ستكون في عام 2023 وسيعقبها رحلات كثيرة بأعداد أكبر من السياح.

إلى جانب الموارد والمعادن والسياحة، فالقمر يخبرنا بأشياء كثيرة عن المجموعة الشمسية، وممكن أن يكون باباً لاستكشافات جديدة في الفضاء.

ودعم الرحلات إلى المريخ مثلاً. وبما أنه سيكون هناك رحلات كثيرة للقمر.

ستبدأ من الدول الكبرى على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، والسيطرة على موارد نادرة جداً.

فنحن أمام وضع معقد قليلاً، من ناحية استغلال الثروات سواء على القمر أو الأجرام السماوية الأخرى.

الخطر القادم إلى الفضاء

وكما ذكرنا مبادئ معاهدة الفضاء الخارجي وثوابت بعدها بتفاصيل كثيرة باتت ملحة في عصرنا الحالي.

مثل القواعد التي ستحكم السلوكيات فوق القمر، ومن الذي سيحددها، فلو دار صراع بين دولتين من الذي سيفك الاشتباك بينهما.

أو شركتين كل واحدة تابعة لدولة مختلفة، أو ما الذي سيحصل لو شركة أمريكية استخدمت معادن من موقع صيني على القمر.

أو شركة روسية قررت أن تبني فندقاً على بعد أمتار من متجر لشركة أمريكية، ماذا سيكون الوضع في تلك الحالة؟

معاهدة الفضاء ذكرت أنه لا يحق لأي دولة أن تتملك في الفضاء الخارجي، ولكن لم تذكر الموارد الموجودة فيه.

حسناً هل الدول الفقيرة النامية مثلاً لن يكون لها نصيب في تلك الموارد؟

قانون البحار مثلاً يحدد قواعد صارمة لاستغلال أعماق المحيطات وأعالي البحار، والتي تكون ملكيتها مشاعاً.

مثل أن الشركات يجب أن تحافظ على البيئة، ويجب أن تضمن أن بعض العائدات تذهب للدول الأقل نمواً.

والولايات المتحدة رفضت التوقيع على قانون البحار، وتسير بمبدأ الذي يجد شيئاً فهو ملكه.

أي أنه نفس المبدأ في الفضاء أيضاً، ليس هذا فقط، بل أعطت ضماناً للشركات الأمريكية.

الكويكبات الصغيرة

الكويكبات الصغيرة

في عام 2015 أصدرت الولايات المتحدة قانوناً للتنافس بين الشركات.

ونصت به على أن أي شركة لو وصلت لأي جرم سماوي، فيمكنها فعل ما تريد بالموارد التي تجدها.

طبعاً هذا القانون أعطى حافزاً للشركات الأمريكية، أن تصرف الأموال على الأبحاث، وتمول أنشطة السفر الفضائي.

المشكلة ليست في مجرد استغلال الموارد الموجودة على القمر فقط، ولكن على باقي الأجرام السماوية الثانية مثل الكويكبات.

وتخصصت شركات كثيرة على العمل على تلك الكويكبات فقط.

في عامنا الحالي 2019 وبعد رحلة استغرقت ثلاث سنين، هبطت المركبة الفضائية اليابانية Hayabusa، على كويكب اسمه Leucus.

وبدأت بتفجيرات صغيرة لكي تستخرج المعادن الموجودة وتعيدها على الأرض.

وكالة NASA في مهمة شبيهة، ولكن مع كويكب آخر اسمه Bennu، وسموه كويكب يوم القيامة، لأنه أخطر كويكب يهدد الكرة الأرضية.

والعينات التي أخذوها من Bennu ستعود إلى الأرض عام 2023 ، وتوجد شركة بريطانية اسمها ASTEROID MINING تعمل أيضاً على ذات موضوع .

وهناك شركتان أمريكيتان هما PLANETARY RESOURCES و DSI تعملان أيضاً على استخراج المعادن من الكويكبات.

ما خطر استغلال الفضاء الخارجي لأغراض عسكرية؟

وهذه الشركات كلها تعمل على الكويكبات فقط، فيما لا يقل عن خمسة عشر ألف كويكب قريب من الأرض.

وهي تحمل ما يقدر ب 2 تريليون طن من المياه غير المعادن، وبالتالي يمكن أن تحافظ على الحياة خارج الأرض.

وتمد المركبات الفضائية بالمياه في مساراتها المختلفة.

لو عدنا إلى القمر، ما هو الوضع لو قررت دولة ما انتهاك اتفاقية الفضاء الخارجي، بالاستخدام العسكري ونشر الأسلحة على القمر والأجرام السماوية.

الرئيس الأمريكي كل فترة يتنصل من اتفاقية دولية ما، ما دام ذلك فيه مصلحة للولايات المتحدة.

الصين وروسيا اقترحوا معاهدة جديدة تحظر استخدام الأسلحة التقليدية خارج الغلاف الجوي.

الولايات المتحدة رفضت الإقتراح لأنها تعلم أن هاتين الدولتين تعملان على تكنولوجيا الأقمار الصناعية والليزر لأغراض عسكرية.

فالصين مثلاً طورت ما يسمى قاتل الأقمار الصناعية، وهي عبارة عن مقذوفات تستطيع أن تدمر أي قمر صناعي.

ورداً على ذلك قامت الولايات المتحدة بتشكيل قوة فضاء أمريكية، وبالتالي فهناك مخاوف كبرى لانتهاك الدول الكبرى لاتفاقية الفضاء الخارجي.

وليس مستبعداً أن نجد صواريخ عسكرية على سطح القمر، موجهة نحو أهداف على الأرض.

أشرف الإبراهيم 

المصادر:

https://www.youtube.com/watch?v=pXh7vLTLTEc

https://www.politico.com/agenda/story/2019/06/13/space-travel-moon-resources-000899

http://theconversation.com/who-owns-the-moon-a-space-lawyer-answers-99974

https://www.nytimes.com/2019/02/19/us/politics/trump-space-force.html

https://www.congress.gov/congressional-report/114th-congress/senate-report/88/1

https://www.nbcnews.com/mach/science/no-one-has-set-foot-moon-almost-50-years-could-ncna953771

https://vacuumpick.com/who-owns-the-moon/

https://www.bbc.com/news/science-environment-45550755

https://www.wired.co.uk/article/spacex-moon-trip-announcement

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى