شخصياتقصص وحكايات

المكارثية وشيطنة الفكر المعارض


موضوع حلقة اليوم من برنامج قصة وفكرة هو المكارثية فأهلاً وسهلاً بكم مع هذه الحلقة وبطل حديثنا اليوم هو جوزيف مكارثي.

عن ثوبان رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، في حديث قدسي طويل:

قال الله تعالى: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، إني أعطيتك لأمتك ألا أهلكها بسنة عامة ولا أظهر عليهم عدواً من غيرهم فيستبيح بيضتهم.

ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها لن يستطيعوا حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين.

فالأمة لا زالت تعاني من تراث داحس والغبراء في الجاهلية، عندما يختلفون يحرص كل طرف على إلغاء الآخر انطلاقاً من شعار لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.

رأينا عبر التاريخ كيف كان بأس الأمة بينها شديداًـ بحيث سرعان ما يتحول أي اختلاف إلى خلاف ثم إلى إقصاء وأحياناً إلى قتل الآخر وإلغاءه.

هذه الآفة لا زالت تحكم علاقات الأمة حتى اليوم.

من هو جوزيف مكارثي وما قصته

المكارثية هي اتجاه سياسي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1950،

كان في ذلك الوقت الصراع شديد جداً بين أمريكا وروسيا، وبين الرأسمالية والشيوعية. فظهر بهدف تشديد الرقابة على الشيوعيين  الذين يعملون في الولايات المتحدة.

أصل المصطلح أنه ينسب إلى عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي.

كانت وسيلته في تأسيس ثقافة الخوف أن يخوف الناس من الشيوعيين ويحاول أن يؤثر على طريقة تعاطي الناس بعضهم مع بعض.

جوزيف ريموند مكارثي، كان نائباً جمهورياً في الكونغرس الأمريكي من ولاية وسكنسن في الفترة ما بين 1947 إلى 1957.

مع بدايات عام 1950 أصبح  مكارثي من أشهر الشخصيات العامة في أمريكا، عندما كانت الشكوك والعداء تجاه الشيوعية في أعلى درجاته في أمريكا وبدأت الحرب الباردة.

فلما انتهت أمريكا من صراعها مع النازية وانتهت الحرب العالمية سنة 1950 بدأ الصراع مع الشيوعيين الروس.

وتبنى مكارثي هذا الهجوم ضد الشيوعيين وظهر مصطلح المكارثية في عام 1950 وسموهم المكارثية نسبة لممارسات مكارثي نفسه.

حصل مكارثي على شهادة المحاماة عام 1935 وكان ذكياً جداً فانتخب أصغر قاضي محكمة استئناف وهو بعمر 33 سنة.

في عام 1939 بعد سنتين تطوع في جيش مشاة البحرية، فشارك في الحرب العالمية الثانية وعاد منتصراً وهذه البطولة جعلته  ينتخب عن ولايته.

مصلح المكارثية

وظهرت كلمة المكارثية لأول مرة ضمن كاريكاتير رسمه فنان أمريكي شهير يسمى هيربرت بلوك عام 1950، يصف الكاريكاتير هذه الهستيريا الجماعية التي تعيشها أمريكا في ذلك الوقت ضد الشيوعية.

قال بلوك لاحقاً أن هذه الكلمة كانت وصفاً لمرض لبلاء كان يصعب إيجاد إسم له فوجدت أن أكثر شخص يمارسه هو مكارثي فسميته المكارثية.

دخلت المكارثية القاموس المعاصر، فلو فتحت القاموس الإنجليزي تجد المكارثية mcarthism باعتبارها من وسائل اغتيال السياسية للخصوم بقتلهم معنوياً، عبر اتهامهم بشكل جماعي.

تطعن في شرفهم ووطنيتهم والهدف في النهاية التمهيد للتنكيل بهم واقصائهم ويمكن حتى سجنهم أو إعدامهم. كانت عبارة عن مجموعة اتهامات بالخيانة والعمالة وعندما نقول مكارثية يعني اتهامات جماعية وبدون دليل.

قارنوا ماذا يحدث في عالمنا العربي اليوم، فقد كانت عبارة عن اتهامات بالخيانة اتهامات بالعمالة بلا أدلة تثبت تلك الإدعاءات.

وينتج عنها ممارسات تفتيش في الضمائر والنيات وتلفيق اتهامات وفضائح تم تأليفها وتلفيق أدلة من أجل إسكات الآراء المخالفة للحكومة أو للدكتاتورية أو للجهة الحاكمة.

كل من يعترض على المكارثية يهاجمه المكارثي ويتهمه بالخيانة.

بداية هستيريا المكارثية

ومع كل هذا برزت شهرة السيناتور جوزيف مكارثي، ظهرت بشكل واضح بعد خطاب ألقاه أمام منظمة نسائية عام 1950 قال في هذا الخطاب:

أنا أملك قائمة بأسماء أكثر من مئتي شخص هم أعضاء بشبكة تجسس لصالح السوفييت وكلهم يعملون في وزارة الخارجية الأمريكية.

صارت ضجة كبيرة، هل وزارة الخارجية مخترقة؟ وبدأت تحقيقات واتهامات وأي شخص عليه أدنى كلام يعتقل فوراً.

ظنوا أن المسألة حقيقية لكن كلها أوهام وصارت وزارة الخارجية الأمريكية أولى ضحايا مكارثي، وتم طرد الكثير من الخبراء في شؤون الاتحاد السوفييتي وخبراء شرق آسيا.

والسبب أن ادعوا أنهم طابور خامس وليس ذلك فحسب، أي شخص يقدم تحليل موضوعي لا يهاجم الشيوعية بعنف يعتبر ليناً تجاه الشيوعية ولا يتناسب مع الهستيريا الفكرية الإيديولوجية الموجودة في ذلك الوقت.

أهداف المكارثية

أهدافها مكافحة الشيوعية في المجتمع الأمريكي وتتلخص بتنبي مجموعة معتقدات:

كثير من المواطنين الأمريكيين شيوعيين ومشكوك في ولائهم، هذا بداية ما تطرحه المكارثية.

تصنيف كثير من الموظفين في الأجهزة الحكومية بحسب معايير ليس لها أساس، أنهم جواسيس الإتحاد السوفييتي أو شيوعيين أو متعاطفين مع الشيوعية. هذه الاتهامات كانت سهلة جداً أن ترمى على أي إنسان.

فانشغلت المكارثية بالعاملين في الحكومة الأمريكية،  وكان يتم طرد أي شخص من وظيفته إذا توفر أي شك يشير أنه ليس له ولاء للحكومة الأمريكية أو قد يكون متعاطفاً مع الشيوعية.

وسرعان ما امتدت الحملة لتشمل آخرين وتم إعداد قوائم سوداء وحتى من فنانين صارت مشاركتهم في أي عمل تدين من أشركهم فوراً.

وكانت تتم ملاحقة شخصيات عامة واستدعاءات للتحقيقات، ومثول أمام لجنة مكارثي حيث أنشأ لجنة مكارثي لمجلس الشيوخ وسموها لجنة الممارسات غير الأمريكية.

وامتدت المكارثية وشملت كل قطاعات المجتمع، وراح ضحيتها من البارزين أكثر من مائتي شخص دخلوا السجون وعشر آلاف شخص في أمريكا تم طردهم من وظائفهم.

دور الحكومة الأمريكية

استغلت الحكومة هذا ولعبت المخابرات الفيدرالية دوراً كبير في دعم المكارثية، حيث أخذت بتسريب وثائق إلى الإعلام، تبدو كأنها تحمل أدلة تجسس ضد مئات من الكوادر المتعلمة وعلى رأسهم السياسيين.

راحت تسرب أخباراً غير حقيقية كأنها وثائق تدينهم وينشرها مكارثي، وأحياناً تنشرها وسائل الإعلام وأخذت وسائل الإعلام ترسل رسائل مجهولة المصدر تحمل وثائق مزورة تتهم أشخاصاً بالتجسس.

وهذا أثار الرأي العام وأنشئت الهيئة في منتصف الخمسينيات وأنشأت برنامجاً لمناهضة التجسس.

وهدفه مراقبة الشخصيات العامة وكانوا ينشرون الأكاذيب عن كل من يرون أنه سياسياً ضد الحكومة الأمريكية.

من وسائل المكارثية تزوير المعلومات وهذا ما يحدث حالياً في عالمنا العربي، تزوير معلومات ونشر إشاعات، إطلاق إتهامات بالجملة وتكرارها عبر وسائل الإعلام المختلفة الموالية للسلطة.

وطبعاً في أمريكا من الصعب أن يمنعوها لكن في بلادنا يغلقون كل شيء غير موافق للسلطة.

أثر الكذب في انتشار الوباء

هذا التكرار اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، صنع عند الأمريكان ما يشبه المسلمات. وتتحول الأكاذيب والإشاعات إلى حقائق غير قابلة للنقاش.

هذا التكرار يجعل المتهم أشبه ما يكون بالمصاب بالجرب، لا يجوز الإقتراب منه ولا يجرؤ أحد أن يدافع عنه، وطبعاً تفنيد التهم الظالمة يصبح شبه مستحيل لأنه أصبحت رهاباً جماعياً يصيب المجتمع.

فبعض الناس يعرفون الحق لكنهم يخافون من أن يدافعوا عنه أو عن اصحاب هذا الحق فيكتفون بلا حول ولا قوة إلا بالله أو الصمت

من الذين نالهم الاتهام في أمريكا شخصيات رئيسية، مثل مارتن لوثر كينج الزعيم الأسود طبعاً لأنه زعيم أسود اعتبروه موالياً للشيوعية وغيره.

بدأت المكارثية تنكل بمن اعتبرتهم خونة، وأي شخص عليه شكوك يعتبر خائناً، وتطورت المسالة لم تمس  فقط سياسيين بل رموز معروفة في الفنون والآداب والعلوم من الذين طالتهم المكارثية واتهموهم:

ألبرت أينشتاين، آرثر ميلر، شارلي تشابلن، وكثير من المفكرين حتى اضطر الكثير من المفكرين والفنانين إلى الهجرة إلى أوروبا هرباً من ملاحقات اللجنة المكارثية.

هكذا تضيف هذه الفلسفة إلى ثقافة الخوف ثقافة جديدة ووسيلة جديدة تهدف إلى تقسيم المجتمع:

نحن وأنتم، نحن شعب وأنتم شعب، إما معنا أو ضدنا.

انقسام الشعب تجاه المكارثية

هذا من أهم وسائلها وهي وسيلة ينتج عنها تقسيم مجتمعي والناس تجاه المكارثية ينقسمون أقساماً:

قسم يصاب بالرعب من التهم المكارثية لكي ينجو من عقوبة العزل والطعن أو حتى السجن يبدأ يتقمص النظرية المكارثية فيصبح هو الذي يهاجم الآخرين.

وقسم آخر يجد في المكارثية فرصة يستثمرها ويستغلها، يتخلص فيها من خصومه السياسيين.

وقسم هو الذي يتعرض لهم المكارثية ويتعرض العزل والسجن والاعتقال والنفي والحرمان من حقوق المواطنة ويتعرض لتشويه السمعة.

وينقسمون لقسمين:

قسم منهم يلجأ إلى الكفر بالعمل السياسي والوطني و مفردات المجتمع المدني كله، ويلجأ إلى السلاح يدفعون الناس دفعاً إلى السلاح.

وقسم له نظرة حكيمة وعاقلة فيرى في المكارثية أنها وسلة قاصرة تدل على إفلاس هذه القيادة السياسية المستبدة.

ولذلك يصمد في وجه التيار لأنه يعلم أن المكارثية بطبيعتها فيها غلو وتطرف وهي غير مؤهلة أن تستمر كثيراً وسيكتشف يوما ما الجمهور زيفها.

مكارثي صار رمزاً لشيطنة فئة من المجتمع من أجل مصالح سياسية

وبدأ يشكل لجان تحقيق لمساءلة كبار ضباط الجيش، وتطورت المسألة حتى وصل أن مكارثي بدأ يتهم وزير الدفاع في عهد الرئيس الأمريكي ترومان اسمه جورج مارشال اتهمه بالخيانة ومساندة الشيوعية.

ومارشال معروف بأنه فاز بجائزة نوبل للسلام وهو الذي هندس مشروع مارشال الشهير لإنقاذ أوروبا وبناءها بعد الحرب العالمية الثانية، تم اتهامه بالشيوعية

وتطور أمر مكارثي وأخيراً تجرأ فاتهم الرئيس الأمريكي هاري ترومان نفسه، اتهمه بالتحالف مع الشيوعيين واتهم حزب الديمقراطي كله بالخيانة.

هكذا تتطور المكارثية

كثير من الاتهامات المكارثية تفتقر للمصداقية وليس هناك دليل عليها، من وسائلها الشهيرة في ذلك الوقت وإلى اليوم.

مصطلحات ما زالت تحكمنا إلى اليوم من وسائلها تلفيق كامل لكل الحقائق والوقائع وتحويلها إلى اتهامات للمقاومة وحتى الشرفاء يتهموا كلهم بالخيانة.

فأي شخص ضدهم فهو خائن واتهام الرموز الوطنية بالعمالة، فقط إن اعترض أحدهم على الفساد والاستبداد والانقلاب العسكري هذا يتهم فوراً بالخيانة.

وغيرها من الأكاذيب التي تتحدث عن ميليشيات عسكرية تستعد للإنقضاض على الدولة وغيرها من الأراجيف.

كلها اخترعها أصحابها وصدقها أصحابها وصدقها الناس، يقول اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، والآن صارت اكذب اكذب حتى تصدق نفسك.

العجيب أن هناك من يدعي الانتماء إلى طبقة مفكرين وأحياناً ليبراليين ويؤمنون بالحرية والتعددية واحتواء الآخر.

هؤلاء بدأوا يرددون مثل هذه الاتهامات الضحلة ويستمرون في ترديدها حتى بعد اتضاح كذبها، وتهاوي منطقها. فهذا يدل على أنهم رغم علمهم بكذبها، لكنهم يجدونها فرصة لتشويه صورة الخصم.

فاليوم وقع أعداد كبيرة من الناس بما فيهم المفكرين والليبراليين في هذه المسألة.

من وسائل المكارثية

اعتماد أسلوب التشهير، التشهير بالمعارضين وتلفيق تسجيلات ووثائق مفبركة ليس لها اساس وإلصاق التهم غير المنطقية. وأشياء لا تدخل العقل لكن الناس تصدق؟

ورغم ما تتمتع به أحياناً هذه الجهات المخالفة لهم بسمعة حسنة وسير أكاديمية محترمة ورائعة، ومؤهلات تخصص عالية كلها ليس لها قيمة عندهم.

مثال على ذلك

أهم يدعون أن هؤلاء الذين ليسوا محل ثقة وحزبهم الذي يحركم وليس الذي يحركم المصلحة الوطنية. وأخيراً يشيطنون الآخر حتى يصبح الخصم بالنسبة لهم ليس هو الحاكم الفعلي الذي يدير البلد بل من وراء.

ويسقط هذا الحاكم لأنه يدير البلد من وراء الكواليس، ويعتبرون أن الشخص الذي يحكم دمية بيد هؤلاء، هذا ليس واقعاً فقط بل أساس مصطلح المكارثية كيف نشأ وكيف تبلور.

كل الذي ذكرته استعمله مكارثي، وهذا ليس جديداً في عالمنا العربي، وإذا طولب هؤلاء بالوثائق أو بالتسجيلات التي تثبت أي شيء يفشلون في تقديم دليل واحد. لكن الهيجان الإعلامي يستغله.

شعبية المكارثية

في ذلك الوقت لما بدأ مكارثي يقوم بهذه الأساليب لم يحظ بمعارضة قوية بل كانت له شعبية.

في استطلاعات الرأي التي جرت في أمريكا كانت المكارثية تحظى بتأييد 52% من الأمريكان، وكذلك تحظى بتأييد الكثير من الكنائس الكاثوليكية.

وبدعم رموز مهمة من الذين دعموهم المكارثي جون كندي الذي أصبح فيما بعد رئيساً لأمريكا، كان مؤيداً المكارثية وذلك لمصالحه السياسية.

انقلاب على مكارثي وأفكاره

بعد ثلاث سنوات انتبه الأمريكان أنهم بهذه الأساليب يؤسسون إلى ديكتاتورية جديدة، والسبب أن هناك  جهات إعلامية راقية وقوية في نفس الوقت رفضت المكارثية.

وهناك شخصيات علمية بدأت تهاجمها بقوة وتفضح أساليبها، وبدأ الضغط المعاكس لأن هناك نخبة واعية وإعلام جزء منه على الأقل واعياً.

عندها انقلبت المسألة على المكارثية وانتفضوا ضد مكارثي ولجنته وتلقى مكارثي تأنيباً رسمياً من مجلس الشيوخ على الأساليب غير الأخلاقية والاتهامات غير الصحيحة التي اتهم بها الرئيس ووزير الدفاع.

تأنيب رسمي من الكونغرس أوضح للناس أن ما فعله ليس حقيقة، وبدأت الهجمة المضادة على المكارثية لأن هناك من يعي، ومن يصرخ يقول انتبهوا لا تقعوا في المكارثية.

وبهذا انتهت المكارثية في أمريكا بعد حملة مضادة، بدأها واحد من ألمع الإعلاميين في أمريكا في وقتها يسمى إدوارد مارو. إعلامي واحد قوي أو سياسي واحد قوي يستطيع أن ينقضها.

وانضم إلى هذا الإعلامي أديب شهير آرثر ميلر، وانضم آخرون ونجحت الحملة المضادة في إنقاذ أمريكا من بلاء ومرض المكارثية التي اعتمدت على صناعة الخوف.

بهذه الحقيقة تم تحجيم مكارثي ومات وهلك وعمره 48 سنة فقط، بعد أدمن الخمر وأن تخلى عنه حلفاؤه ومعاونوه، وبعد أن استنفذ أغراضه.

أثر المكارثية الذي لم ينتهي

لكن المكارثية لم تنته بانتهاء مكارثي في كل بقعة من بقاع الأرض، ما زال هناك نفوس تميل إلى تقمص المكارثية.

هذه الروح الشريرة وتساعد بالجهل على تمزيق دولنا، وتمكينها تمكين الفاسدين من حاضرنا ومن مستقبلنا أيضاً.

المكارثية لا تخلط  بينها وبين الطائفية أو بينها وبين العنصرية، التفرقة في الطائفية  تكون على أساس الدين أو المذهب، وفي العنصرية تكون على أساس العرق أو اللون.

أما المكارثية فالاختلاف يكون على أساس اختلاف الفكر خاصة الفكر المخالف للفكر الذي تتبناه الدولة وخاصة لما تكون الدولة استبدادية.

ليس للموضوع أي علاقة بمدى صحة الفكر أو خطئه لأن النقاش ليس نقاشاً علمياً بل له علاقة بمعارضة الفكر الحاكم. أي شخص يعارض الفكر الحاكم وجماعته يعتبر هؤلاء مجرمون.

المكارثية أنواع

هناك مكارثية  دينية تقوم على وصف المخالف بالتبديع والتكفير والضلال والردة.

هناك مكارثية  وطنية تصنف المخالف بأنه خائن وعميل لجهة ما.

إذن المكارثية انتهت نعم في أمريكا بسبب وجود نخبة واعية وإعلام واعي، لكن المكارثية لم تنتهي في العالم.

اليوم في الربيع العربي تمارس المكارثية بكل تفاصيلها. إياكم أن تقعوا في فخ المكارثية.

عواقب المكارثية

المكارثية تحرم الدولة من طاقات مجموعات فاعلة في المجتمع هذه الطاقات يمكن أن تساعد في التنمية والبناء.

المكارثية تضعف الوحدة الوطنية تشق الشعب.

المكارثية توظف استراتيجية شيطنة الخصم وتستعمل آلة إعلامية ودعائية هائلة. تشتغل وفق طاقة جبارة ليل نهار لتوجد صورة العميل والخائن لكل معارض.

المكارثية تهيئ الأرضية للمستبدين ليبرروا أي تصفيات جسدية وسجن للمعارضين بلا أحكام قضائية عقاب جماعي تعميم بلا تمييز ولا تثبت.

أحكام قضائية مسيسة ليس فيها أدلة ليس فيها محاكمات أصلاً للأسف المكارثية مع كل هذا تجد قبولاً لدى عامة الناس.

كثير منهم تتمكن منهم صناعة الخوف التي تدعى المكارثية فصدقوها.

اسقاط على العالم العربي

رأينا في عالمنا العربي كيف كشف لنا الربيع العربي حجم المكارثية لدينا.

تم إقصاء الكثير من المفكرين والمثقفين ودكاترة الجامعات، والعلماء والفنانين من مناصبهم بعد رفضهم العودة للمربع الأول وتحويل الديمقراطية إلى مجرد ديكور يمهد لعودة الاستبداد.

رأينا محاكم تفتيش حقيقية لخنق أي رأي أو أي صاحب فكر معارض مما يهون الأمر أن الممارسة المكارثية مع كل هذا قصيرة العمر سرعان ما تنكشف للجمهور وستسقط ويسقط معها كل رموزها.

وقبل أن أستودعكم الله انشروا عنا

في عالمنا العربي وحتى إشعار آخر الإختلاف في الرأي المفروض لا يفسد للود قضية لكنه ينفي ويقتل ويسجن ويعدم.

د. طارق السويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى