شخصيات

طريق مصطفى كمال أتاتورك نحو الرئاسة


في 30 أكتوبر 1918 وقع وزير شؤون البحرية العثماني رؤوف أورباي بيك والأدميرال البريطاني سومرست أرثر غوف على هدنة أنهت القتال في الجبهات الشرقية.

وذلك على متن إحدى السفن البحرية الإنجليزية الراسية في ميناء مودروس اليوناني.

هدنة مودروس

كانت هدنة مودروس بمثابة استسلام العثمانيين بعد أن قاتلوا لأربع سنوات مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى.

سلّم العثمانيون وفق بنود الهدنة، مواقعهم خارج الأناضول للحلفاء، وسمحوا بمرور السفن الحربية من مضيقي البوسفور والدردنيل دون قيود.

كما أعطوا الحلفاء الحق في احتلال أي جزء من الأناضول، حال اقتضت الظروف العسكرية ذلك.

وفي الأشهر التي تلت الهدنة، أخلّ الحلفاء بالاتفاق وتقدمت القوات البريطانية وأخذت ولاية الموصل، وأخذت القوات الفرنسية لواء اسكندرون.

بعد ذلك احتل الأسطول البريطاني مدينة اسطنبول، وقام الإيطاليون بإنزال جوي في المنطقة المعروفة اليوم بأنطاليا.

قيدت الهدنة الجيش العثماني، حيث نزعت أسلحته ووضعت خطوط البرق ومحطات الإذاعة والسكة الحديدية تحت رقابة الحلفاء، كما أعطتهم الحق في استعمالهم حال الحاجة.

تسلم مصطفى كمال باشا التكليف

استسلم الجيش العثماني، ولم يستسلم العثمانيون، فقد هبّ أهالي الأناضول للمقاومة، وتأسست جمعيات شعبية تهدف إلى رد قوات الإحتلال.

وتحت دعوى إعادة فرض الأمن في الأناضول، طلب الإنجليز من الحكومة العثمانية ضبط الأمن وإيقاف نشاط المتمردين.

واتفق الجميع على أن مصطفى كمال باشا وحده من سيتمكن من تنفيذ هذه المطالب في الأناضول، وأخذ محمد علي باشا هذا الاسم وأبلغه إلى الصدر الأعظم فريد باشا.

ليبلغه بدوره إلى السلطان وحيد الدين، ولكن هذا التكليف أعطي شرفاً لأن السلطان وافق على هذا التكليف واستقبل مصطفى كمال باشا في مدينة سامسون.

وذلك ليستلم قيادة القوات ويعيد النظام والأمن، وهذا كان هو السبب الرئيسي لإرساله.

ولكن التكليف كان في ظاهره إعادة الأمن، ولكن باطنه حمل توجيهاً بترتيب المقاومة الشعبية ضد المحتلين.

فإن كان الجيش غير قادر على القتال رسمياً، فإن أهالي الأناضول سيقومون بذلك بالفعل، ولكنهم بلا خبرة عسكرية.

وذيّل رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع شاكر باشا القرار بشرح مفاده أن مصطفى كمال باشا من مناصري النظام الجمهوري ولهذا السبب فهو غير مناسب.

وهناك أدلة كثيرة أن السلطان وحيد الدين أرسل إلى أتاتورك بصلاحية خاصة مباشرة من السلطان الخليفة لتحرير البلد، بأن يبدأ بالبادية ومن ثم يحرر العاصمة ومقر الخلافة،.

أفاد السلطان وحيد الدين بأن هذا الموضوع ليس موضوع نظام السلطنة، وأنها مسألة تتعلق بمستقبل الدولة، ولهذا يجب أن يكون إنقاذ البلاد هو الأولوية الكبرى.

الاحتلال الإنجليزي

وكانت المساحات العثمانية المتبقية في الأناضول تتآكل بسرعة أمام قوات الحلفاء، ففي 15 مايو  1919 احتل اليونانيون مدينة إزمير ليصبح تأجيل سفر وفد السلطان ملحاً.

وليقطع الطريق أمام محاولات الصدر الأعظم ورئيس هيئة الأركان حينها عن اختيار مصطفى كمال لهذه المهمة.

أبحر الفريق على متن إحدى سفن الركاب المملوكة لهيئة النقل العثماني في رحلة اعتيادية من ميناء غالاتا شمالاً إلى البحر الأسود.

في 19 مايو وصلت السفينة باندرنا إلى شواطئ سامسون، كانت المدينة حين وصلها مصطفى كمال ورفاقه تحت الاحتلال الإنجليزي.

لذا أمضى أيامه الأولى حذراً ومقيداً، قبل أن ينقل مصطفى مقر قيادته إلى منطقة أماسيا التي لم تكن قد احتلت بعد.

تعميم أماسيا

وانتقل مصطفى كمال باشا إلى منطقة حوزة القريبة من أماسيا مستاءً من متابعات قيادات الجيش الإنجليزي له في سامسون.وهناك نشر تعميم أماسيا في 22 يونيو بعد لقائه بالسكان والقادة العسكريين.

وانتهى الاجتماع بمقترح لعقد مؤتمر وطني عام يهدف إلى تنظيم الوضع في الأناضول لدحر القوات الأجنبية المتنشرة في ربوع البلاد وإنقاذ ما تبقى من الدولة.

فحين أتى مصطفى كمال باشا إلى الأناضول ولكونه مسؤولاً عن الجيش العثماني بصفته مفتش جيش وكونه قائداً.

أمر وحدات الجيش العثماني هناك بوجوب دعم قوى المقاومة الشعبية بكل الوسائل على ألا يشتبك الجيش على جبهات القتال بشكل مباشر

لم يطمئن الإنجليز لتحرك وفد السلطان في الأناضول، فأبلغوا الصدر الأعظم فريد باشا أن وجود مصطفى كمال هناك غير مرحب به.

وعلى القصر أن يصدر أمراً بإعادته فوراً إلى اسطنبول، وكان جواب مصطفى الذي أبرق به إلى الصدر الأعظم موجزاً: الثورة في الأناضول وعليكم أن تأتوا أنتم لقيادتها.

ثم أبرق إلى قادة الجيوش العثمانية في الأناضول يعلمهم بما انتهى إليه في أماسيا، وتحدد أن يعقد المؤتمر الوطني الأول في سيواس.

الغزو اليوناني لإزمير

إن وصول مصطفى كمال باشا إلى الأناضول واكبه الغزو اليوناني لإزمير.

وهذه كانت الشرارة التي أطلقت عملية التفاهم بين الأهالي والعلماء وما تبقى من رجال السياسة وقوات الجيش المتواجدة في الأناضول في سبيل الحصول على الاستقلال والحرية.

بدأت الوفود تصل من عموم الأناضول إلى أماسيا حيث يقيم مصطفى كمال باشا مرحبة بعقد المؤتمر الوطني في سيواس.

ولكن برقية أخرى وصلت من الصدر الأعظم فريد باشا يعلمه فيها أن الحكومة قد أعفته من منصبه، وأن عليه إيقاف ما بدأه والعودة فوراً إلى اسطنبول.

كان الصدر الأعظم والياً، وخاضعاً للسيطرة البريطانية، ولم يكن سعيداً بتحركات مصطفى كمال باشا في الأناضول.

فأصبح من الواضح أن مصطفى كمال مخيراً بين أن يبقى في موقعه العسكري الرسمي ويلتزم بأوامر الصدر الأعظم فريد باشا، أو أن يستقيل ويقود حركة المقاومة الشعبية في الأناضول.

إعفاء مصطفى كمال من منصبه

اختار مصطفى كمال باشا أن يستقيل وخلع رداءه العسكري، ولكنه لم يخلع مهمته التي أرسل من أجلها وهو الثأر لكرامة الدولة واستعادة ما فقدته من أراضٍ إثر هزائمها المتتالية.

وطرد القوات الأجنبية من الأناضول هو الحلم الذي يعيش عليه العثمانيون الأتراك.

وحتى ذلك الوقت وبعد أن انطلقت حرب الاستقلال لم يكن هناك مؤشر على الإطلاق على أنه كان لديه أي نوايا ضد السلطنة كمؤسسة أو ضد الخلافة وما تعنيه الخلافة في ذلك الوقت.

لا يستقيم التاريخ دون أن نتصور أن مصطفى كمال باشا كان يتحرك بتفويض من الخليفة، لأنه ليس قائداً ذائع الصيت في ذلك الوقت ولا من أسرة عريقة ولا هو صاحب عشيرة قوية.

فلا يمكن أن نفهم إنسجام وتجمع الناس وقدرة مصطفى كمال باشا على إنشاء هذا النظام في أنقرة دون أن نتصور شرعية أو تفويضاً من الخليفة.

غدت هذه الطاعة مهددة بعد قرار إعفاءه من منصبه، فبأي صفة سيحضر مؤتمر سيواس الذي دعا إليه؟

وجد مصطفى كمال حلاً؟ فسارع في تنفيذه وأرسل إلى كاظم قره بكر قائد الجيش السابع في الجبهة الشرقية يطلب منه عقد مؤتمر تمهيدي في أرضروم.

ويدعو إليه القادة العسكريين الذين يتبعون إدارته العسكرية، وفور وصوله إلى أرضروم عقد مصطفى كمال باشا اجتماعاً مع كاظم قره بكر حيث أنه كان زميلاً له في الكلية الحربية.

أطلعه على خطته لمقاومة الاحتلال وكان كاظم قره بكر أحد العسكريين المشهورين بانضباطهم العسكري، وكانت فرقته هي الوحيدة التي أبقي على تسليحها عقب هدنة مودروس.

برقية الصدر الأعظم

أثناء التحضير للمؤتمر وصلت برقية من الصدر الأعظم فريد باشا تأمر كاظم قره بكر باعتقال مصطفى كمال باشا، فأصبح مستقبل مصطفى كمال معلقاً بما سيقدم عليه رفيقه كاظم قره بكر.

فكان الرد من كاظم قره بكر بأن الخليفة أسير والباديشاه أسير ومن يقف في صف الإنجليز الأعداء فإنه خائن للوطن وحكم خائني الوطن هو الإعدام.

وعاد كاظم قره بكر إلى مصطفى كمال لا لينفذ الأمر باعتقاله، بل ليؤدي التحية العسكرية معلناً انضمامه للحركة الوطنية ما منحه دعماً قوياً قبل مؤتمر سيواس.

مؤتمر سيواس

في أرضروم تم اتخاذ قرار مع القوات الموجودة هناك بأن الحل للوضع الراهن لن يكون إلا عبر القوى الوطنية، أي ينقل الحكم إلى الإدارة الشعبية والقوى الوطنية.

منح مؤتمر أرضروم مصطفى كمال شرعيته الشعبية، وانتخبه ممثلاً عنه في المؤتمر الوطني الأول المزمع انعقاده في سيواس في الأول من شهر سبتمبر من نفس العام.

وبالطبع حضر المؤتمر الكثير من ممثلي الشعب، وقدموا وجهات نظرهم حيال الأوضاع مما أنتج حساً قومياً في الأناضول.

أقر مؤتمر سيواس بوحدة الأراضي التركية، وأنه في حال تفككت الدولة العثمانية فعلى الأمة أن تقف صفاً واحداً ضد أي احتلال.

ونظراً لسجل مصطفى كمال العسكري الحافل بالانتصارات آنذاك، فقد تم انتخابه رئيساً للمؤتمر الوطني.

كانت أنقرة حيث اختارها مصطفى كمال مقراً له، حيث تكمن أهميتها في توسطها الأناضول وبعدها النسبي عن مناطق النفوذ الأجنبية ما منحها أماناً.

لم تنقطع المناوشات بين قوات الاحتلال وبين القوى الوطنية وجمعيات الدفاع عن أهالي الأناضول وروملي مشعلة ما عرف بعد ذلك بحرب الاستقلال.

حل البريطانيون البرلمان، واعتقلوا ونفوا عدداً من رجال دولة البارزين، ومن تبقى من هؤلاء غادر اسطنبول إلى أنقرة.

إنشاء مجلس الشعب

وعليه قرر مصطفى كمال إنشاء مجلس الشعب الأكبر في أنقرة كامتداد لمجلس المبعوثان أي البرلمان العثماني في اسطنبول.

ضم المجلس الجديد نواباً من كل القوميات المكونة للدولة العثمانية من العرب والكرد والأتراك وسمي نتيجة لذلك بالمجلس الوطني الكبير.

أدار مجلس الشعب الوطني التركي الكبير حرب الاستقلال، وكان أتاتورك أحد أعضاء ذلك المجلس وكان عضواً رمزياً ولكن صلاحيات المجلس كلها موكلة إليه.

عقب تشكيل المجلس الوطني الكبير في 23 أبريل 1920 انتقلت الوحدات العسكرية مباشرة إلى قيادة مصطفى كمال باشا بدلاً من الحكومة المدعومة من قبل البريطانيين في اسطنبول.

معاهدة سيفر

في 10 أغسطس 1920 أي بعد أربعة أشهر من تأسيس المجلس الوطني في أنقرة، أرغم الحلفاء الدولة العثمانية على توقيع معاهدة سيفر.

والتي تنازلت فيها عما كان قد تبقى لها من أراض عقب هدنة مودروس فأعطيت اليونان مدينة تراقيا وصولاً إلى حدود تشاطلجا.

كما تخلت الدولة العثمانية عن جميع حقوقها في جزيرتي امبروس واينيدوس مبقية على مساحة صغير من اسطنبول وجزر بحر مرمرة فقط.

كما وضع مضيق البوسفور تحت إشراف دولي واعتبر مفتوحاً للجميع، وخرجت إزمير عملياً من السيادة العثمانية إلى اليونانية.

وإن بقي العلم العثماني مرفرفاً على حصونها ما فجر الغضب الشعبي ضد الحكومة في الأستانة.

كانت تريد المجموعات العسكرية داخل الأناضول بكل تأكيد بدء حركة الاستقلال وإنقاذ البلاد، وهنا أصبح موقعو اتفاقية سيفر هدفاً معادياً للقوى الوطنية بشكل مباشر.

معركة إينونو

زادت أهمية أنقرة مع تركز السلطات فيها وحيازتها شرعية شعبية بانضمام نواب البرلمان العثماني المنحل إليها، وتعلق آمال الرافضين لاتفاقية سيفر بها.

ما دفع الحلفاء إلى الإيعاز لليونانيين المعسكرين في إزمير بالتقدم شرقاً في الأناضول نحو أنقرة، وبالفعل بدأ التقدم اليوناني وحصلت المواجهة الرئيسية الأولى في معركة إينونو.

فازت قوات الاستقلال في معركة إينونو الأولى، ولكنها لم توقف تقدم القوات اليونانية.

وفي المجلس الوطني طلبت جبهة المعارضة من مصطفى كمال أتاتورك أن يتولى القيادة لتعديل الأمور في الحرب لأن بولاطي التي تقام عليه المعركة قريبة من أنقرة.

لم يكن هناك صراع على القيادة فقد اتفق الجميع على مقارعة العدو، والحرب ضد اليونان بقيادة أتاتورك بشكل طبيعي.

وألقى مصطفى كمال أتاتورك خطابه الشهير الذي يحتل موقعاً أسطورياً في تاريخ حرب الاستقلال أمام الحضور الكبير.

وطلب أن يعطي المجلس السلطات المطلقة لقيادة الحرب، وطبعاً قام التصويت وأعطي السلطات التي أرادها وأصدر قرار التكاليف الشعبية.

أصدرها مصطفى كمال باشا أتاتورك عبر صلاحية القائد الأعلى التي جددت بدورها على مراحل مدة كل مرحلة ثلاثة أشهر، فكان كل ما يخرج من فمه يعد أمراً وبحكم القانون.

معركة سقاريا

نقل مصطفى كمال مقر إدارة المعركة إلى بولاطي وخاض الأتراك قرب نهر سقاريا حرب استمرت لمدة اثنان وعشرون يوماً.

سقط فيها ما يقارب 22 ألفاً من الجيش التركي العثماني بين شهيد وجريح وكانت خسائر اليونانيين تزيد عن 42 ألف عنصر.

لم يكون الحلفاء بعيدون عن هذا النصر، فإن تخلي الحلفاء عن اليونان هو اللقطة المؤثرة واللغز الذي يثير اهتمامات مصطفى كمال أتاتورك.

تجنب الإنجليز هذا الصدام حيث كانت بريطانيا في حالة صعبة اقتصادياً ومالياً وعسكرياً، ولم يكن لهم أي استعداد بأن يخوضوا حرباً مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى.

وعندما هزمت القوات الوطنية المد الفرنسي في الجنوب فإن أول اتفاق قام مع فرنسا بأن قبلت أن يبقى مصطفى كمال أتاتورك في سوريا ولبنان ولا يتقدم إلى الأناضول.

منحت المعاهدة التي وقعتها فرنسا مع أنقرة شرعية جديدة للمجلس الوطني وبدا أن الحلفاء سيتراجعون عن دعم اليونانيين في معاركهم ضد الأتراك في الأناضول.

أما في الشرق فقد حمل أصدقاءاً جدداً للقائد الجديد، فقد وجد الشيوعيون في مصطفى كمال وحركة حرب الاستقلال في الأناضول حليفاً طبيعياً.

والمعروف أن أول مساعدات مالية ومعدات عسكرية جاءت لقوات حرب الاستقلال كانت من روسيا.

استغل مصطفى كمال أتاتورك خذلان الحلفاء لليونانيين ليطارد فلولهم المنسحبة إلى إزمير.

ومع الخوف من اندلاع حرب جديدة، وقع الحلفاء هدنة في 13 أكتوبر 1922 تقضي بانسحاب اليونانيين من إزمير وتراقيا واسطنبول بشكل كامل.

وحين وصل إلى مسامع السكان اليونانيين الموجودين في إزمير تراجع الجيش اليوناني، قامت السفن الإنجليزية والفرنسية بنقل عدد كبير من هؤلاء إلى أقرب جزيرة آمنة بانتظار نقلهم إلى اليونان.

بيت لطيفة هانم

وصل مصطفى كمال إلى إزمير فاستقبلته المدينة استقبال الفاتحين، واختار الجنود بيتاً مشرفاً على المدينة ليكون مقراً للقيادة خلال عملية انسحاب اليونانيين من المدينة.

وكان البيت لتاجر عثماني ثري ورحبت ابنته السيدة لطيفة بأبطال التحرير الذين ذاع صيتهم في عموم البلاد.

حرب الاستقلال في التاريخ الحديث للعالم هي أول حركة تحرر وطنية عرفها العالم وهي أول حركة استطاع فيها الشعب أن يحقق حريته واستقلاله في مواجهة الاحتلال الأجنبي.

ومن شرفة البيت راقب مصطفى كمال الحرائق التي اشتعلت في المدينة أثناء انسحاب اليونانيين ورغم الحرائق على مد النظر، كانت الراية العثمانية ترفرف فوق الحصون البعيدة في الأفق.

قضى مصطفى كمال أياماً في إزمير يعقد اجتماعاته في بيت لطيفة هانم وكانت تشهد بعضها معهم.

وكانت لطيفة فتاة عصرية، تلقت تعليمها في جامعات أوروبا وتتحدث عدة لغات، وتعيش حياتها بنمط أوروبي كمثيلاتها من بنات الطبقة الثرية في الدولة العثمانية.

توطدت العلاقة بينهما سريعاً حتى كانت تكتب له رسائله إلى قناصل الدول الأجنبية، وتشير عليه برؤيتها لما ينبغي أن تكون عليه الدولة.

وهناك العديد من الرسائل التي خاطب بها لطيفة هانم بالإضافة إلى الصور التي وقعها وفيه الكثير من الأسرار التي تتعلق بحياته الشخصية والتي لم تخرج من الأرشيف إلى الآن.

حرب الاستقلال

فرض الانتصار العثماني في حرب الاستقلال واقعاً جديداً في الأناضول كما فتح الباب لأفكار التحرر أمام الشعوب العربية.

مما دفع الحلفاء لمحاولة تأطيره في معاهدة جديدة تعيد ضبط العلاقات والقوى في المنطقة.

وبعد عودة مصطفى كمال أتاتورك إلى أنقرة خارجاً من ميدان إحدى أطول الحروب منتصراً، انتظر الجميع ما سيقوله بكل فضول.

لكن كان لسان حاله يقول ليس المهم ما سأقوله، ولكن المهم أن أكون قائداً يليق بهذا الشعب العظيم.

تهيأت أسباب القيادة أكثر وأكثر لمصطفى كمال أتاتورك ومنحه المجلس الوطني الكبير عقب انتصاره في معركة سقاريا لقب الغازي، والذي كان منحه فيما سبق قاصراً على السلطان.

معاهدة لوزان

وعندما انتهت الحرب كان هناك حكومتين حكومة تحت الاحتلال وحكومة تحرير البلاد.

وفي أكتوبر 1922 أرسل الحلفاء دعوة لكلا الحكومتين لحضور مؤتمر الصلح الذي سيعقد في لوزان في سويسرا.

وبهذا نقلوا الصراع من صراع بين الأمة التركية مع المحتلين إلى صراع رأيين وفريقين داخل الأمة التركية يتنازعان على الشرعية في البلاد.

فنشأت مرة أخرى مشكلة في الشرعية وأصبح كل منهما مهتماً بالحفاظ عليها، وتعثرت المفاوضات في الجولة الأولى. ولم يتم الوصول إلى أي اتفاق وعاد كلا الوفدين إلى تركيا.

استقبل مصطفى كمال أتاتورك عصمت إنونو في إزمير، وأطلع عصمت على ما حدث فقال عصمت باشا إنهم لا يريدون الاعتراف باستقلالنا بسبب ديانتنا الإسلام.

فلقد قرروا الأمر فيما يتعلق ببلغاريا مباشرة بالرغم من ظروفها المطابقة لظروفنا، ولكن لم يقبلوا بأي شكل الاعتراف باستقلالنا وبهويتنا الإسلامية.

بعد ذلك أخذت علاقة تركيا بالدين وبالإسلام تشكل المعضلة الهامة في الساحة التركية، واجتمعت الجمعية الوطنية في 29 أكتوبر لمناقشة الوضع وفق ما قدمه عصمت إنونو باشا.

وتعددت الآراء داخل المجلس الوطني الكبير مطالبة بأن تنفرد حكومة أنقرة بالمفاوضات لأنها من تحملت أعباء الحرب وحققت الانتصار وأن حكومة اسطنبول تعطل الوصول إلى اتفاق في لوزان.

حل حكومة اسطنبول

قامت حكومة اسطنبول بالمؤتمر التخريبي سواء بإظهار فتاوى تخوين، أو بتشكيل بعض الميليشيات التي طعنت قوات الاستقلال في ظهرها.

وحاولت أن تقوم بحرب الفوضى في الأناضول بينما قوات حرب الاستقلال تقاتل ضد اليونانيين والفرنسيين فهذا هو السبب الرئيسي حول قرار إلغاء السلطنة.

وبالتالي برزت أنقرة باعتبارها في مركز السلطة والحكم في الدولة.

وأمام دعوات انفراد حكومة أنقرة بالمفاوضات وجد مصطفى كمال أتاتورك أن ذلك لن يتحقق إلا بحل الحكومة في اسطنبول أو بإلغاء السلطنة.

كانت الفكرة صادمة حتى لرفاق مصطفى كمال الذين عرض عليهم الأمر واستشارهم فيه وقوبلت الفكرة بالرفض والاكتفاء بإعلان المجلس حل الحكومة.

لأن السلطان لا يمثل السلطة وحدها بل هو خليفة للمسلمين، والمساس به سيثير العالم الإسلامي بلا شك، أما مصطفى كمال فقد رأى أن حل الحكومة مع الإبقاء على السلطان ولن يحل القضية.

فسرعان ما يعين السلطان حكومة جديدة وكونه خليفة المسلمين فلن يمس هذا المنصب وسيبقى خليفة ولكنه لن يعود سلطاناً.

وينسب إلى مصطفى كمال أتاتورك أنه أنقذ تركيا من الخراب الذي قام به الاتحاديون لا الخلافة العثمانية، ومحاولة إنهاء هذه العشر سنوات المريرة فإن إلغاء السلطنة كان قراراً خارج السياق.

إلغاء السلطنة وإعلان الجمهورية

اجتمع المجلس الوطني في الأول من نوفمبر ليناقش الأمر وصادف اليوم ذكرى المولد النبوي الشريف ودار جدل فكري وقانوني حسمه مصطفى كمال أتاتورك حين قال:

إن السلطة لا تعطى لمن لا يستحقها وإن الرسول الكريم رحل في مثل هذا اليوم وترك المسلمون ليدبروا أمرهم بأنفسهم وإنا لن نعود لجدليات علي ومعاوية.

وإن الأمر سينفذ على الوجه الذي نراه مناسباً لنا دون المساس بالخلافة التي هي الرابطة الهامة للمسلمين وإلا فإن رؤوساً قد تقطع.

وفي اليوم التالي تم إعداد كافة التحضيرات لإعلان الجمهورية، بينما كان عدد أعضاء المجلس يناهز الثلاثمائة فإن عدد الحاضرين في ذلك اليوم كان حوالي 150 شخصاَ.

وقرار إعلان الجمهورية قام به مصطفى كمال باشا أتاتورك وتم وضعه قيد التنفيذ من قبل الأعضاء والممثلين المقربين منه في المجلس.

أغليت السلطنة وأبعد السلطان وحيد الدين إلى إيطاليا على متن باخرة إنجليزية وانعقد المجلس الوطني الكبير لاختيار خليفة جديد.

وكان الخليفة الجديد عبد المجيد بن عبد العزيز خليفة بلا منصب سياسي، واشترط عليه أن تحتوي رسالته إلى العالم الإسلامي تأييداً مطلقاً للجمعية الوطنية.

وحلت أزمة ازدواج التمثيل واستؤنفت المفاوضات في لوزان وفي الجولة الأولى لم يدعوا الحكومة الاسطنبولية لأنهم لاحظوا أن الحكومة في أنقرة يمكن التفاهم معهم أكثر.

وفي هذه الأثناء أعلن عن زواج مصطفى كمال بالسيدة لطيفة زواجاً احتفت به الصحافة الأجنبية واعتبرت ظهور مصطفى كمال إلى جوار زوجته حاسرة الوجه رسالة إلى توجه تركيا الجديد.

غير أن الزواج لم يدم أكثر من عامين ونصف العام قبل الإنفصال ولم يتزوج مصطفى كمال باشا أتاتورك بعد ذلك.

رأى مصطفى كمال باشا أنه لن يتمكن من إتمام اي اتفاقية مع الإنجليز بوجود مثل المجلس الوطني الكبير

فتم حل المجلس الوطني في شهر أبريل حيث عقدت آخر جلسة له في شهر مايو وبدأت بعد ذلك المباحثات الثانية في لوزان.

تشكيل الجمعية الوطنية

في منتصف عام 1923 أجريت الإنتخابات وتشكلت الجمعية الوطنية الجديدة بأغلبية من أنصار مصطفى كمال.

وكان الهدف من تشكيل مجلس جديد هو قطع الطريق أمام أي معارضة محتملة لما ستسفر عنه مفاوضات لوزان والتأكيد عملياً على ما ستكون عليه تركيا الجديدة.

وبعض الوفود العربية ومنها وفد فلسطين ذهب إلى لوزان في محاولة لدفع الوفد إلى الدفاع عن حقوق المناطق الأخرى، ولكن لم يكن هناك استجابة لأن الأمر قد حسم لصالح هدنة مودروس.

أخيراً نقلت وكالات الأنباء في تموز أن الأتراك والحلفاء قد وصلوا إلى اتفاق نهائي في لوزان يقضي بالاعتراف بالجمهورية التركية.

وهذه المعاهدة وما تحقق فيها كانت من دلائل تفوق مصطفى كمال، فأنشد محمد شوقي قصيدة يقول فيها:

الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب

صلح عزيز على حرب مظفرة فالسيف في غمده والحق في النصب

ومدح حتى عصمت إنونو موفده في مفاوضات لوزان:

أتاهم منك في لوزان داهية جاءت به الحرب من حياتها الرقب

أنقرة عاصمة الجمهورية التركية

وفي هذه الأثناء كانت اسطنبول لا تزال تحت الاحتلال، حيث كانت وحدات الجيش الإنجليزي والفرنسي والإيطالي تتمركز في اسطنبول.

لذا فقد تم التمهيد فيما يتعلق بجعل أنقرة عاصمة الدولة ورغم انسحاب تلك القوات فيما بعد فقد تقرر أن تكون أنقرة هي العاصمة الجديدة لتكون علامة على تأسيس دولة جديدة ونظام جديد.

منحت اتفاقية لوزان شرعية دولية للجمهورية الجديدة وعرّفت حدودها وطبيعة سكانها، حيث رسمت حدود تركيا غرباً مع بلغاريا واليونان.

وجنوباً فقد ترك ملف الموصل معلقاً مع ملف إقليم هاتاي الذي حسم فيما بعد، أما الحدود الشرقية فقد رسمتها معاهدة موسكو وكارس عام 1921.

السلطنة العثمانية كانت تحكم هذه البلاد بغير المعنى القومي المشهور في الوقت المعاصر أو حتى الذي أريد تطبيقه في معاهدة لوزان وما بعدها.

فكان تعريف كل هذه المناطق في معاهدة لوزان هو تعريف قائم على الأقوام بالمعنى الديني فهو يتكلم عن الموسويين وعن اليهود وعن الأرمن كمسيحيين ولا يذكر الأكراد باعتبارهم أمة.

وفي الخلفية الذهنية في عقل الجمهورية أن المواطن المثالي هو المواطن الذي يتحدث التركية بغض النظر عن انتمائه سواء كان عربياً أو كردياً أو شركسياً ويجب أن يكون سني وحنفي المذهب.

الجمهورية والإرادة الشعبية

وبعد أن أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية بدأت النقاشات حول كيفية وصف الدولة هل سيكون دولة غربية أم دولة شرقية أم دولة وفق الأسس الإسلامية.

والرأي العام لم يكن مستعداً لهذا التغيير ولا أحد ينكر ولا أحد ينفي أن الجمهورية هي في الواقع نظام حكم وكان هذا المصطلح لا يقل عن إعلان أحدهم تنصره.

أي أنه كان مصلطحاً أجنبياً تماماً وأنه نظام حكم أوجده الغربيون وكانت أرضية الفكرة التي انطلق منها النضال الشعبي تعتمد على الدين.

وقد انتهت الحرب التي اعتمدت على هذا المحتوى بنجاح ولو استمر دفق الأحداث التالية وفقاً لأرضية الفكر تلك لما كان هناك فرق بين الشعب والإدارة الحاكمة.

وقد قال مصطفى كمال أتاتورك حينها أن حربنا العسكرية انتهت وسوف تكون حربنا كلها بعد ذلك من أجل النهضة والرقي وإلى مستوى المدينة المعاصرة.

الأسس الكمالية والمبادئ الستة

تأسست الجمهورية الجديدة على ستة مبادئ رمز لها بالأسهم الستة التي اختارها مصطفى كمال أتاتورك شعاراً لحزب الشعب فيما بعد، وهي الأسس التي شكلت ما عرف بعد ذلك بالكمالية.

الأسس الأربعة هي الوطن والشعب وقيادة الدولة ورايتها أما المبادئ الستة فهي الجمهورية والقومية والشعب والدولة والعلمانية والثورة.

وكان يقول مصطفى كمال أتاتورك لا تخلطوها مع العقائد التي قبلت على أنها منزلة من السماء.

الحكومة الثنائية

بعد أن تم إعلان الجمهورية طفت الكثير من المواضيع على ساحة الأحداث الساخنة في البلاد ولكن كانت الخلافة لا تزال مستمرة.

لقد تم تقييم وجود كل من الخلافة والجمهورية في آن واحد على أنه إدارة ثنائية، وكان الإنجليز حينها يعتقدون أن اجتماع أي قوتين إسلاميتين هو ضد الإمبريالية الإنجليزية.

وظهر الخلاف الذي كان له أسباب عديدة أنه كان هناك مركزين للقوة في أنقرة وأن الوفود الإسلامية كانت تأتي من كافة أنحاء العالم لزيارة الخليفة.

والسبب الآخر هي خلافات داخل قادة حزب الاستقلال نفسه، حيث كان هناك شعور لدى مصطفى كمال أتاتورك وعصمت إنونو.

بأن كاظم قره بكر وهو أحد أبطال حرب الاستقلال في الشرق، كان يحاول مع رفاقه استغلال موقع الخليفة في الصراع الداخلي.

إلغاء الخلافة نهائياً

لم يكن المشروع التغريبي لأتاتورك أن يستمر أو ينسجم في ظل وجود الخلافة.

لأن الخلافة في أكثر لحظات ضعفها وانهزامها كانت لا تزال رمزاً يعبر عن هوية الأمة وهي رمز اجتماعها تحت خليفة واحد.

ومصطفى كمال باشا أتاتورك تعلل بذلك ووضع موضوع الخلافة على مائدة الحديث والمناقشة وكانت هناك مناورة عسكرية نظمت في مدينة إزمير.

وعند العودة منها تم إزالة نظام الخلافة وصادق الإنجليز على معاهدة لوزان فقط بعد إزالة نظام الخلافة.

سواء قلنا ان أتاتورك هو من أراد هذا بنفسه أو قلنا أنه كان تحت ضغط القوات الأجنبية ففي كل الأحوال إلغاء الخلافة هو انتصار للاحتلال على المجتمع الإسلامي.

ويمكن أن يقال هنا أن الدول الغربية تركت الخلافة لتكون الحجر الأخير الذي إذا سقط لا يستطيع أحد أن يقيمه مرة أخرى.

وبإعلان المجلس الوطني الكبير إنهاء الخلافة انقطع آخر حبل كان يربط تركيا بالعالم الإسلامي.

حتى التبرعات التي كانت تصل من الهند لدعم حرب الاستقلال، والتي تأسس بها بنك العمل توقفت احتجاجاً على ذلك.

أما بيت مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة فكان يشهد مجالس ترسم وجه الجمهورية الجديدة.

الجمهورية التركية الحديثة

لقد كان مصطفى كمال أتاتورك في موائده الخاصة والتي كان يطلق عليها المجالس كان يختار المتواجدين على موائده من المثقفين.

فلو كان الموجودون 20 فرداً كان المثقفون والأدباء يشكلون 10 منهم وتتم في المجالس الاستشارة في كافة القرارات والنقاط الحرجة للجمهورية التركية.

وكان هناك نزعة لفصل الدين عن الدولة وأيضاً كان هناك نزعة أقرب للنموذج الفرنسي بأن تنشط الدولة في محاولة تقليص لوجود الدين في الحياة العامة.

وتحولت المسألة من مجرد موقف حيادي للدولة بإبعاد الدين عن الدولة والعلماء إلى أن تصبح الدولة طرفاً في المواجهة مع الدين لاسيما في الحياة العامة.

العلمانية والقوانين المدنية

لم تكن العلمانية في تركيا محاولة لفصل الدين عن الدولة، وإنما هي محاولة لانتاج دين يخدم  الدولة واستبدلت المجلة العثمانية القديمة بالقانون المدني.

وأحضرت القوانين المدنية من سويسرا، وكمثال أحضر قانون للعقوبات الإيطالي بدلاً من قانون العقوبات العثماني وبهذه التغيرات العديدة بدأت القوانين الأولى لتركيا بالعمل.

كان لا بد لهذه التحيدثات أن تقابل بمقاومة شعبية كونها تغاير كل القيم الموروثة في المجتمع العثماني.

وكانت مهمة صعبة فتحويل مجتمع كامل من كل قيمه التي عاش عليها إلى قيم جديدة غريبة عنه.

ثورة الشيخ سعيد الكردي

بدأت تظهر حركات عصيان في الأناضول وكان عصيان الشيخ سعيد هو العصيان الجدي الأبرز ضد مصطفى كمال باشا أتاتورك.

وثورة الشيخ سعيد الكردي هي ثورة إسلامية بالمقاوم الأول ونسبتها إلى الأكراد هو تعبير عن الأزمة بين النظرة القومية والنظرة الإسلامية.

وكان هدف الشيخ سعيد الكردي هو المشي سيراً على الأقدام من الشرق إلى أنقرة وتغيير الحكم فيها بدلاً من إنشاء دولة في المنطقة، وأن يأتي بالخلافة والشريعة الإسلامية من جديد.

وفشلت ثورة الشيخ سعيد الكردي وقدمت باعتبارها ثورة كردية لاستثارة الحس القومي لدى الأتراك ولقطع الطريق أمام العالم الإسلامي.

وقدم الشيخ سعيد الكردي لمحاكمة انتهت بإعدامه، وصدر قرار تقرير السكون الذي أعقبه اعتقال العديد من الشباب والثوار.

الرئيس أتاتورك

كان مصطفى كمال بعد الاستقلال هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس حزب الشعب الجمهوري والقائد العام للجيش وحاز من السلطات ما لم يكن للخليفة العثماني نفسه.

وبسبب ذلك بدأت تظهر لدى مصطفى كمال أتاتورك نزعات تسلطية واستبدادية.

طالت التغيرات التي شهدتها تركيا الأزياء فألغي الطربوش وأغطية الرأس الشعبية في عام 1926 وفرضت القبعة الغربية.

حتى على القرويين الذين كانوا يتشاركون في قبعة واحدة يستعيرها من ينزل منهم إلى المدينة خوفاً من الشرطة.

حتى أن هناك امرأة عوقبت بالإعدام شنقاً لأنها اعترضت على ارتداء القبعة وأعدم ما يقارب على خمسة أشخاص لهذا السبب.

التتريك

في الأول من نوفمبر عام 1928 صدر قانون استعمال الحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية في تدوين اللغة التركية.

وتغيير الأبجدية كان جزءاً من المشروع العام في محاولة خلق أمة تركية، لأن أتاتورك كان قد غير التاريخ التركي.

وتمت بعض الخطوات في اتجاه تتريك لغة الدين بعد عام 1930 حتى أنه تم تتريك الأذان، ولم يتم التمكن من فرض قراءة القرآن الكريم في الصلاة باللغة التركية.

أصدر مصطفى كمال باشا أتاتورك قانون اسم العائلة وأتخذ لقب أتاتورك حينها كاسم العائلة الخاص به.

في عيد الجمهورية العاشر وقف الغازي أتاتورك يحيي الجيل الجديد الذي صنع على يديه، وتغيرت الهيئة والزي واللغة والتاريخ، وتطلعت تركيا أكثر وأكثر نحو العالم الأوروبي الحديث.

سياسة السلام مع العالم

كانت سياسة مصطفى كمال أتاتورك هي سلام في البلاد وسلام في العالم، وكان هناك تقارب بينه وبين الدول العربية التي حصلت على استقلالها أثناء سياسته الخارجية.

حيث أجروا عدة زيارات إلى تركيا في الثلاثينات وتم استقبالهم بشكل رسمي وهي أمور جميلة جداً حينها.

وقد زاره أيضاً ملك العراق فيصل الثاني في عام 1931 وكما نعلم أن الملك فيصل أصبح رئيساً على العراق فيما بعد.

وقد تأثروا بمصطفى كمال حتى أنه أرسل كلمة لملك العراق فيصل الثاني، أشار فيها إلى أن هذا الطريق الذي كان رائده أتاتورك هو الطريق الذي يجب أن يسلكه أي شعب يريد علو الشأن والرفعة.

نهاية مصطفى كمال أتاتورك

بدأ الوضع الصحي لمصطفى كمال أتاتورك بالتدهور ابتداءً من عام 1935 ولم يكن في الواقع صاحب بنية جسدية قوية. والحياة مليئة بالضغط النفسي من حوله.

فكان لها تأثيرها عليه بالطبع، وكذلك المواضيع الأخرى مثل عدم معرفته الحد عند تناول المشروبات الكحولية، التي كان لها دور كبير في مرضه.

لم يكن حال الجمهورية بأحسن من حال مؤسسيها، وكانت الدولة رغم تحديثها الطاهر تعاني ثقل الحياة التي خلفتها سنوات الحرب وتبعات المعاهدات.

وخلال رحلته التي لم تنقطع طوال سنوات حكمه، كان الرسائل التي تصله تخبره أن شيئاً ما ليس على ما يرام.

وأن المعاناة التي عاناها الإنسان التركي في زمن السلطنة هي نفسها التي يعانيها اليوم.

وتوصلت قيادة الحزب الشعبي إلى قناعة بأن أحد أسباب عجز البلاد عن النهوض الاقتصادي والاجتماعي هو قبضة الدولة.

فقبضت الدولة الثقيلة كسرت روح الشعب وجعلته غير قادر على المبادرة.

نقاش أتاتورك مع المجلس سبل علاج الأزمات التي ظهرت غير أن الرسالة كانت قد وصلت متأخرة.

وفي الساعة التاسعة وخمس دقائق من صباح اليوم العاشر من نوفمبر لعام 1938 يعلن الطبيب المعالج لأتاتورك وفاته في قصر دولما باشا آخر قصور العثمانيين.

يقول محمد ضياء أتاتورك الضابط المتقاعد وهو أحد أقرباءه لقد هانت علينا أنفسنا وأجهشنا بالبكاء حباً واحتراماً له.

ولا أنسى ذلك اليوم فقد حزنا كثيراً على فقده حتى لم نعد قادرين على الرؤية من شدة بكائنا وحزننا على مصطفى كمال باشا أتاتورك.

جنازة وضريح مصطفى كمال أتاتورك

ينقل جسده في جنازة مهيبة بحراً وفي الطريق الذي ساره من قبل بعد لقائه بالسلطان وحيد الدين ويخلفه من بعده رفيقه الذي فاوض الحلفاء في لوزان عصمت إنونو

ويقال أن عصمت إنونو ولعدم حبه لمصطفى كمال في آخر عهده، لم يقم ببناء ضريح له ولا يزال هذا الموضوع محل نقاش وجدل.

وفي النهاية تم بناء ضريح لمصطفى كمال أتاتورك في عهد الحزب الديمقراطي، ونقل الجثمان مصحوباً بمراسم عظيمة إلى أناط قبر في عام 1952 الذي نراه اليوم.

وودع الوطن مصطفى كمال باشا أتاتورك قائده بدموعه وانحنا الجميع به قاطعين على أنفسهم عهداً بأن لا ينسوه أبداً.

خاتمة

لم يولد مصطفى كمال أتاتورك حين ولد كما أنه لم يمت حين مات.

قرن من الزمان ينقضي وصورة المؤسس حية تملأ كل زاوية في الجمهورية التي أسسها ترمق من يحيد عن مبادئها ويحميها الجيش ديمقراطية وجلة في رحلة طويلة لم تستقر بعد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى