مال وأعمال

كيف أصبح الدولار الأمريكي عملة العالم بأجمعه؟


الدولار الأمريكي الوهم الذي باعته أمريكا إلى العالم

مرحباً معكم حيدر جبار، وحديث اليوم مميز، وسيزيد من وعيك بشكل كبير، فهل تساءلت يوماً لماذا الدولار الأمريكي هو العملة الرئيسية اليوم.

وكيف بدأت هيمنة الدولار الأمريكي، على اقتصاد العالم، وكيف حافظت أمريكا على هذه الهيمنة الاقتصادية؟ هذا ما ستتعرفون عليه الآن.

ما هي قصة الدولار الأمريكي؟

تم إنشاء الدولار الأمريكي في عام 1792، واعتماده كعملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان حينها عبارة عن ثلاث فئات.

منها فئة ذهبية وفئة فضية وفئة نحاسية، وهي التي كانت أكثر رواجاً، وقد استمر التعامل بهذا النظام المالي إلى عام 1862.

وبسبب اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، بين الشمال والجنوب، وحاجة الحكومة المركزية للذهب والفضة، تم تغيير الدولار الأمريكي إلى عملة ورقية، بشكله الأخضر الحالي.

كان الدولار الأمريكي حينها مجرد ورقة نقدية، كثقة بينك وبين الحكومة، ولم يكن يساوي شيئاً في الواقع، حيث أنه لم يكن مغطاً بالذهب.

فالعملة المغطاة بالذهب، تعني أنه يكون بمقدورك استبدال العملة الورقية بقيمتها ذهباً، حيث أن العملة الورقية تكون قيمتها ذهباً.

وبالرغم من أن الدولار لم تكن له أي قيمة حقيقة حينها، إلا أن الكونغرس الأمريكي فرض التعامل بالدولار الأمريكي آنذاك، وجرم كل من يرفض التعامل بتلك العملة داخل أمريكا.

ربط الدولار بالذهب

في عام 1879 وبعد حصول تضخم هائل في الولايات المتحدة الأمريكية، وخسارة الدولار الأمريكي لجزء كبير من قيمته.

تم حينها تخطيط الدولار الأمريكي بالذهب، حيث صار بمقدور الناس استبدال الدولارات الأمريكية الخضراء، التي لديهم بقيمتها ذهباً، مما خفض التضخم وأنعش الاقتصاد.

وفي عام 1929 حصل الكساد العظيم، وهو أزمة اقتصادية عالمية، استمرت لسنوات، الشيء الذي دفع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في عام 1933.

إلى إلغاء تخطيط الدولار بالذهب، ولكن عاد تخطيط الدولار بالذهب بعد عام واحد، وقد استمر الأمر على ما هو عليه، حتى حصول اتفاقية Bretton woods.

ربط العملات بالدولار

قبل الحرب العالمية الثانية، كانت هناك حرب عملات ناشبة بين دول أوروبا، لكن مع نهاية الحرب، فقدت كل تلك العملات قيمتها تماماً، في حين بقي الدولار الأمريكي قوياً، لابتعاده عن بؤرة الأزمة.

قبل أن تخرج الولايات المتحدة الأمريكية، منتصرة من الحرب العالمية الثانية بعام واحد، بدأت تعمل على إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد.

لتكون الولايات المتحدة والدولار الأمريكي، متربعون على عرش الهرم، وقد نجحت في خطتها تلك عن طريق اتفاقية Bretton woods في عام 1944.

حضر هذه الاتفاقية أربع وأربعون دولة من حول العالم، وفي تلك الفترة، كانت هذه الدول تعاني من جراء الحرب العالمية الثانية، والأضرار البشرية والاقتصادية الجسيمة التي لحقت بها.

استغلت الولايات المتحدة هذا الظرف، لتقنع تلك الدول خلال هذا المؤتمر أنها هي الأقوى، اقتصادياً وعسكرياً ولوجستياً.

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، هي البلد الأكثر أماناً بين باقي الدول، بسبب بعدها الجغرافي وعدم أطماع أية دول باحتلالها.

كما اقترحت الولايات المتحدة على باقي الدول، أن يتم ربط عملاتها بالدولار الأمريكي، بسبب استقراره، ليصبح الدولار هو المرجع الرئيس في تحديد سعر صرف باقي العملات.

تخيل معي كانت أمريكا لوحدها، تملك حوالي ثلث الأرباح في العالم، وفي المقابل وعدت أمريكا تلك الدول، التي سوف تتعامل بالدولار.

بأن تضمن لهم تحويل كل دولار إلى ذهب، بسعر صرف ثابت وهو 35 دولار، لكل أونصة من الذهب، أي ما يعادل 28 من الذهب.

بمعنى أن أي شخص يملك 35 دولار، فإن بإمكانه تبديلها في البنك الأمريكي، بأونصة من الذهب، وهكذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بدعم كل دولار في الخارج مع الذهب.

مما جعل سعر صرف العملات الاجنبية ثابتاً، مقارنة بالدولار، كما  أن الولايات المتحدة الأمريكية، وعدت الدول الأعضاء، بأنها لن تقوم بطباعة أي دولار، إلا إذا كانت تملك في مقابله ما يساوي قيمته ذهباً.

الشيء الذي جعل الدولار الأمريكي يصبح العملة الوحيد على مستوى العالم، المغطى بالذهب، حيث أن بقية الدول تخلت عن تغطية عملاتها بالذهب، بعد تضخم اقتصادها.

دعم الاتحاد السوفيتي بالدولار

أول عقبة واجهتها الولايات المتحدة في تطبيق خطتها هذه، هي عدم موافقة أوروبا، حينها وعد الأمريكيون ستالين، بتقديم 15 مليار دولار، كمساعدة مادية لإعادة بناء الاقتصاد السوفيتي.

إذا اعتمد الدولار كعملة عالمية، فوافق ستالين على المقترح، الشيء الذي أحرج الأوروبيين، الذين لم يجدوا مناصاً من الإذعان.

ومع أن ستالين لم يقبض من الولايات المتحدة شيئاً، إلا أن الخطة نجحت، وأصبح الدولار عملة على كل العالم.

وبما أن الأمر أصبح كذلك، فقد دفع ذلك كثير من دول العالم، إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية في خزينتها.

لأن لديها ضمانات بأنه متى ما أرادت استبدال الدولار الذي لديها بالذهب، فسيكون بامكانها فعل ذلك، وصار عدد كبير من الدول يستخدم عملة الدولار، احتياطي النقد الأجنبي.

وهكذا تحقق حلم العم سام، في السيطرة على الاقتصاد العالمي، واستمر العمل بهذا النظام لمدة احدى عشر عاماً.

حرب فيتنام وأثرها على الدولار الأمريكي

في الأول من شهر نوفمبر لعام 1955، بدأت الولايات المتحدة حربها ضد فيتنام، وكانت تتوقع أنها ستنتصر وتنهي الحرب، خلال مدة قصيرة.

ولكن الولايات المتحدة الامريكية، تكبدت خسائر جسيمة، في المعدات والأرواح، وبما أن الحرب طالت مدتها لمدة عشرون عاماً.

فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في ورطة كبيرة، وبحاجة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف حرب فيتنام.

ولكن الدولارات التي بقيت في حوزتها لا تكفي، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة، وفي العالم بأسره، لم يعد كافياً ليغطي الدولار الأمريكي، ولم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولار.

طباعة دولار غير مغطى بالذهب

قامت الولايات المتحدة الأمريكية، بتجاوز الحد الأعلى المسموح بطباعته من الدولارات، وطبعت دولار غير مغطى بالذهب، دون إعلام أحد بذلك.

ما يعني أن دول العالم، كانت تعطي احتياطي الذهب الخاص بها لأمريكا، وكانت أمريكا في المقابل، تعطيهم حفنات من أوراق خضراء لا قيمة لها.

أول دولة شعرت بذلك كانت فرنسا، ومن هنا بدأت الأزمة، فقد طالب الرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول في عام 1970.

بتحويل الدولارات الأمريكية، الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي، والتي كانت تبلغ 191 مليون دولار أمريكي إلى ذهب.

وذلك عملاً باتفاقيات Bretton woods التي تسمح بذلك، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت، لأنها لم تكن تملك ذلك القدر من الذهب.

وفقد العالم ثقته بالدولار، وبدأت دول أخرى تلح على أمريكا بالوفاء بالتزاماتها، واستبدال الدولار في الدول بالذهب، كما وعدتهم أمريكا من قبل.

وبذلك أصبح الدولار الأمريكي في ورطة لمن اشتراه، وبدأ بالهبوط وبدأت أزمة اقتصادية في أمريكا، ولأن الكثير من الأمريكيين فقدوا ثقتهم في عملتهم .

طالبوا البنوك الأمريكية بمبادلة دولاراتهم بالذهب، مما أنشأ أزمة كبيرة، وفي عام 1971 أصدر نيكسون قرار بتجريم كل أمريكي، يملك سبائك الذهب، وعقوبته السجن لمدة عشر سنوات.

صدمة نيكسون

ازداد عجز الولايات المتحدة الأمريكية، عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى ذهب، جراء حربها على فيتنام، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، إلى إصدار بيان في عام 1973 وقد كان ذلك البيان صادماً وقال فيه:

لقد وجهت الوزير كونولي، كي يوقف مؤقتاً تحويل الدولار إلى ذهب، أو إلى أصول أخرى في الخزينة، وسيكون تأثير هذا استقرار الدولار، وهذا العمل لن يكسبنا أصدقاء بين تجار المال.

ألغت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها، بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، بقرار فردي منها، وهذا أدى إلى صدمة سميت حينها، نيكسون شوك أو صدمة نيكسون.

وقد كانت خدعة للعالم، فبعد أن كانت الدول على مر السنين تكدس الدولار الأمريكي، كاحتياط للنقد الأجنبي، لاستبداله بالذهب عندما تريد.

أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، وكانت ما تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنه لا يمكنها التخلي عنه، بعد أن قامت بتكديس مبالغ كبيرة لديها.

بعد ذلك أصبح الذهب حراً، ولم يعد أحد يتحكم فيه سوى العرض والطلب، وأصبحت جميع العملات بما فيها الدولار الأمريكي، تقف على أرض واحدة.

وصارت كلها عملات الزامية ورقية، لا قيمة لها في الواقع، سوى التزام الحكومات بها، وانخفضت قيمة الدولار أربعون ضعفاً منذ عام 1973.

في حين ارتفع سعر الذهب بشكل جنوني، وأمام هذا الوضع الحالي المتأزم، وموقف أمريكا المخزي، تفتق الذهن الاقتصادي الأمريكي على خطة أخرى وهي دعم الدولار بالذهب الأسود.

نشأة البترودولار

قام وزير الخارجية الشهير هنري كسنجر، بزيارة الملك فيصل ملك السعودية في عام 1974، باعتبارها أكبر دولة مصدرة للبترول، وخرج كسنجر باتفاق تاريخي، يحتوي بشكل رئيسي على النقطتين التاليتين.

أن تقوم المملكة بربط البترول بالدولار الأمريكي، أي اجبار كل من يشتري البترول من السعودية، دفع القيمة بالدولار.

وكذلك أن تقنع المملكة العربية السعودية دول الأوبك، باستخدام الدولار كعملة موحدة، لبيع وشراء البترول، ومنها جاء مصطلح البترودولار.

والأمر الآخر أن تقوم المملكة العربية السعودية، باستثمار عائداتها من البترول في سندات الخزانة الأمريكية.

تنص اتفاقية البترودولار مع السعودية على استخراج البترول من أراضيها، وتبيعه للعالم بالدولار، وعندما تأخذ تلك الدولارات، تقوم بتسليمها لخزينة الولايات المتحدة الأمريكية لإنعاش الاقتصاد الأمريكي.

وتحصل السعودية في المقابل، على حماية أمريكية ودعم نظام آل السعود الحاكم، وبخلاف نظام الذهب مقابل الدولار، الذي كان يلزم الولايات المتحدة بدفع 35 دولاراً مقابل كل أونصة ذهب.

فإن نظام البترودولار، يعطي غطاء لكل دولار يتم طبعه، بدون وضع أي التزام على عاتق الحكومة الفدرالية، بمعنى أنه أصبح بإمكان الولايات المتحدة، أن تطبع ما تشاء من دولارات.

لماذا لا تقوم بعض الدول المصدرة للنفط بإلغاء التعامل بالدولار؟

جواب هذا السؤال هو الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم، خاصة في منقطة الشرق الأوسط فهو ليس هنا للنزهة، فإن القوة العسكرية هي من يحمي القوى الاقتصادية.

فعلى سبيل المثال عندما قرر الملك فيصل تقليل تصدير البترول إلى أمريكا، في حرب أكتوبر عام 1973، تم اغتياله عن طريق ابن أخيه.

وهو الدرس الذي وعاه الجميع، فبعد هذه الحادثة مباشرة، اعتمدت كل دول أوبك الدولار عملة وحيدة لبيع النفط، ولم يعد هناك حاجة لربطه بالذهب.

وبدأت من جديد رحلة صعود الدولار وهبوط الذهب، وعندما قرر صدام حسين بيع النفط باليورو في عام 2000، والامتناع من قبول الدولار لقاء النفط العراقي.

قامت أمريكا بغزو العراق واسقاط نظامه، معلنة أنها لن تسمح لأي كان بفعل ذلك، ونفس الشيء حدث للقذافي حينما قرر إنشاء عملة أفريقية موحدة، وكانت ستعتمد لبيع البترول الليبي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى