أخبارالحياة والمجتمعحول العالم

كيف أصبحت سويسرا دولة محايدة


أهلاً بكم أنا عمر عابدين واليوم سنتحدث عن  سويسرا واحدة من البلدان الغريبة ومنتشر عنها الكثير من الاقاويل يقولون أنها بلاد هادئة وأحد أجمل بلاد العالم

وأنها الأغنى على الاطلاق وتمتلك الكثير من البنوك والمال، ونسمع أن بعض الأشخاص يضعون أموالهم في سويسرا.

والحقيقة أن الحديث عن هذا البلد أخذ حيزاً أكبر من ذلك فهي بلد حيادي لا يوجد فيها أي حروب لأنها لا تدخل في حرب مع أحد ولا يشن عليها أحد حرباً.

الشعب السويسري يعيش في سلام تام ولو كنت ضيفاً عندهم ستعيش في سلام أيضاً، وكل  الأسباب التي سبقت جعلت سويسرا في أذهان البعض أنها المدينة الأفلاطونية.

ولكن ما هي قصة سويسرا فعلياً ولم هي بلد محايد؟ وما الذي يعنيه أنها بلد محايد؟ والأهم ما هي علاقة سويسرا بالأموال الغير مشروعة والأموال المهربة؟

ماذا يعني أن سويسرا بلد محايد؟

موضوع البلدان الحيادية اليوم يأخذ أكثر من صورة، النوع الأول أنها تكون بلاداً ليس لديها جيش ومنزوعة السلاح، وهذا نراه في كوستاريكا في أمريكا الوسطى.

والنوع الثاني أن تكون دولة محايدة اتجاه السياسات والحروب، فلو كان حولها بلاد متحاربة لا تتدخل ولا تشارك في أي شيء.

ما هو الفرق بين البلد المحايد والبلد منزوع السلاح؟

من الممكن أن تكون الدولة محايدة ولا تريد الدخول في المشاكل والحروب وفي نفس الوقت يكون لديها أسلحة وجيش قوي.

وهذا النوع هو الأفضل على الاطلاق فإن امتلاكها للقوة هو أكثر شيء يضمن للدولة أن تفرض على الجميع الاحترام.

طبيعة الحياة في سويسرا

تخيل بلد مثل سويسرا فيها أعراق مختلفة، والشعب بها منقسم إلى أربع مناطق جغرافية، وكل منطقة منهم تتحدث لغة مختلفة.

الفرنسية والألمانية والإيطالية بل أن هناك فئة تتحدث اللغة اللاتينية القديمة اسمها اللغة الرومنشية.

وهي ليست مختلفة في الأعراق واللغات بل لديها اختلاف في الأديان والمعتقدات، فهل تتصور كيف يكون حالها من الفوضى والمشاكل الداخلية.

في الواقع سويسرا لا يوجد بها أي مشاكل على الإطلاق، بل إنها مصنفة كأحد أكثر البلاد هدوءاً واستقراراً.

سويسرا أكبر بلد محايد في العالم، ولم تدخل في أي حرب منذ خمسمائة عام، ولو أردنا أن نعرف كيف استطاعت سويسرا أن تفعل ذلك، سنحتاج إلى العودة للوراء قليلاً.

بلد مثل كل البلدان

فإنها في الماضي كانت مثلها مثل أي دولة عادية، تعاني من الحروب وتحاول حماية الشعب ضد الاحتلال والمستعمرين.

ولكن مع حلول عام 1515 حصلت معركة بين الاتحاد السويسري القديم وفرنسا المعروفة باسم معركة ماركنان. وهذه الحرب مصنفة كأحد أكثر الحروب بشاعة ووحشية على الإطلاق.

حيث أن السويسريون خسروا المعركة وتكبدوا خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. وكانت المعركة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير.

فقرر الشعب السويسري مباشرة تجنب الحياة السياسية تماماً والعيش في سلام. وبدأ الطلب من دول العالم الأخرى احترام قراراته.

وبعد عدة محاولات استطاعت سويسرا الحصول على مرادها، واعترفت القوى الأوروبية بسويسرا كدولة محايدة ومنطقة معزولة مستقرة لا دخل لها بالمشاكل السياسية التي تحصل في البلاد المجاورة.

الحروب في القارة الأوروبية

ثم قامت في أوروبا عشرات الحروب الدولية، فنابليون وهتلر غزو القارة وقامت الحرب العالمية الأولى والثانية التي أحرقت العالم كله.

ولكن بالرغم من كل هذا لم يعتد أحد على سويسرا، ولم يتسبب أحد بسوء لشعبها وبقيت لمدة خمسمائة عام في سلام وسط الجحيم الملتهب الذي حولها.

ورفضت الانضمام إلى أي طرف من الطرفين أو إلى أي منظمة سواء أكانت سياسية أو كانت عسكرية.

والذي جعلها تنجح بتحقيق كل هذا أنها استطاعت التفريق بين مفهوم الحياد ومفهوم نزع السلاح فسويسرا كانت حيادية لكن لديها سلاح وجيش قوي.

في الحرب العالمية الأولى عبأ السويسريون الجيش المكون من عشرات الآلاف من الجنود ولكن الهدف كان ليس الدخول في الحرب.

ولكن هذا العدد من الجنود انتشر على حدود سويسرا للحماية فقط، وبالفعل استطاع الشعب السويسري الدفاع عن نفسه، وحفظ بلده في سلام واستقرار.

الحيادية والسلام في سويسرا

لم يقتصرا على الدولة فقط ولكنه شمل كل شعوب العالم عندما تقرر اللجوء إلى سويسرا.

وبالتالي أصبحت جزيرة هادئة للاجئين والثوار والمفكرين والفنانين والعلماء الهاربين من الحروب.

ومع مرور الوقت بدأ نشاط سويسرا السلمي يزداد تدريجياً وشاركت في العديد من المساهمات والمنظمات التي تهدف إلى توفير السلام والصحة للبشر بغض النظر عن عرقهم.

مثل منظمة الثقافة والتربية والعلوم التابعة للأمم المتحدة اليونيسكو، ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة وغيرهم.

وبالرغم من كل هذا لم تكن تبدي رأيها في أي مشاكل سياسية، ولا تقف مع طرف ضد طرف آخر حتى لو عرفت أي طرف هو المحق.

علم سويسرا

وبالنظر إلى علم سويسرا نرى أنه مشابه لعلم منظمة الصليب الأحمر ولكن الالوان معكوسة ليس أكثر.

فعلم سويسرا بصليب أبيض على خلفية حمراء، أما شعار منظمة الصليب الأحمر فهو بصليب أحمر على خلفية بيضاء.

وهذا التشابه ليس مصادفة، ولكنه مقصود فإن سويسرا هي السبب الأساسي في ظهور منظمة الصليب الأحمر المنتشرة في أكثر من ثمانين دولة حول العالم.

ومنهم دول عربية مثل الهلال الأحمر الموجود في مصر وفلسطين والسعودية والامارات والهلال الأحمر السوري والجزائري واللبناني وغيرهم.

والهلال الأحمر والصليب الأحمر هما مسميين للجنة دولية واحدة، هدفها حماية البشر والضحايا الموجودين في أي دولة من دول العالم.

كيف نشأت منظمة الصليب الأحمر

قصة منظمة الصليب والهلال الأحمر ظهرت في الرابع والعشرين من يونيو من عام 1859 عندما سافر هنري دونان السويسري إلى أحد المدن في شمال إيطاليا.

وكانت هناك حرب قائمة بين الجيش النمساوي والفرنسي، وقد ذهب ضحيتها أكثر من أربعين ألف جندي بين القتلى والجرحى.

وعندها طلب هنري دونان من السكان المحليين أن يساعدوا جرحى الحرب ويقدموا المساعدات الطبية للجنود المصابة من الطرفين.

وبمجرد عودة هنري كونان إلى سويسرا وجه نداءً لتشكيل جمعيات إغاثية تضم أطباء وممرضين لرعاية جرحى الحروب.

ودعا إلى أن هؤلاء الأطباء والممرضين الذين يساهمون بهذه الجمعية أن تتم حمايتهم بموجب اتفاق دولي من قبل كل الأطراف المتنازعة.

وهنري دونان هو أول شخص حصل على جائزة نوبل للسلام في العالم كله وبالفعل وافق المجتمع الدولي على هذه المبادرة.

وتأسست منظمة الصليب الأحمر في عام 1863 وبدأت تسعى في الحفاظ على قدر من إنسانية البشر أثناء الحروب.

ووضعت حجر الأساس لما يسمى بالقانون الدولي الإنساني والذي ينص على توفير الغذاء والمياه والمساعدات الطبية للمدينين المحرومين بسبب الحروب أو غيرها.

بالاضافة لزيارة أسرى الحرب والمدنيين المحتجزين والبحث عن المفقودين.

الخصوصية في البنوك السويسرية

أخيراً والذي يهم أناس كثر هو إيداع الأموال في البنوك السويسرية.

والفكرة كلها أن الدولة أصدرت قانوناً في عام 1934 يحمي خصوصية الأشخاص الذين يودعون أموالهم في البنوك السويسرية حتى لو كانوا من خارج البلاد.

وهذا القانون السويسري يمنع الاطلاع أو إفشاء أي معلومات مصرفية لأي سبب كان، والنظام البنكي الذي تتعامل معه البنوك مضى عليه مائة عام.

ولا يتيح لأي شخص ولا حتى للموظفين في البنك نفسه الاطلاع على معلومات الشخص الذي يقوم بإيداع أمواله فيه، ولا يعرفون صاحب الحساب الحقيقي.

والعميل البنكي من حقه أن يضع ثروته في البنك باستخدام اسم مستعار، ويستطيع أن لا يكتب اسمه أصلاً ويستبدل الاسم برقم.

وعلى مدار عشرات السنين بدأت الأموال تتراكم في سويسرا بشكل هائل نظراً لأنها توفر الخصوصية والكتمان لعملاء البنك.

وموضع السرية المطلقة هو سلاح ذو حدين هو جيد من ناحية الخصوصية والأمان التام وخصوصاً في بلد محايد مثل سويسرا.

ولكن في نفس الوقت بسبب السرية التامة هذه أدت إلى أن يستثمر أي شخص أمواله فيها حتى لو كانت الأموال مكتسبة بطرق غير مشروعة.

وإذا توفي العميل أو اختفى مثلاً لا أحد يعرف هويته ولا أحد يستطيع أن يصل إلى ماله سواء أكانوا من أهل أو أقربائه.

وبالتالي يحتفظ البنك بالمال وتعود لملكية الدولة السويسرية وتنعكس فيما بعد على راتب المواطن السويسري المرفه.

وفي النهاية أصبحت سويسرا دولة محايدة في كل شيء سياسياً واقتصادياً .

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى