الحياة والمجتمعتعليممال وأعمال

لعبة المال التي عليك إتقانها


الحصول على المال ، هي لعبة تتكون من ثلاثة مستويات:

المستوى الأول الأمان المالي

وهذا أسهل مستوى، وأغلب الناس تشارك به، هنا أعمل ليكون لي مصدر دخل، مصدر الدخل أستخدمه لتغطية مصاريفي، فواتير، بيت، أكل، مواصلات ، ونحوه.

ومن يصل لنهاية هذا المستوى نستطيع أن نقول عنيه أنه آمن مادياً، يستطيع تحقيق متطلباته من عمله دون دين أو عجز.

المستوى الثاني الاستقلال المالي

وهو أصعب من المستوى السابق قليلاً، وعدد الناس الذين فيه أقل، هنا أغطي مصاريفي من خلال مصدر دخل لا يتطلب وجودي، أصبحت مستقلاً مادياً عن العمل، ولست أحتاج أن أعمل، أو يمكن أن أعمل عندما أريد، وليس لأني أحتاج للعمل.

المستوى الثالث الحرية المالية

وهو أصعب مستوى وعدد قليل من الناس الذين يعرفون كيف يصلون لهنا.

مثل المستوى السابق يعلم اللاعب كيف يصمم مصدر دخل دون الحاجة للعمل، لكن هذا المصدر يوفر له نمط حياة أعلى وليس فقط تغطية المتطلبات بل يغطي الكماليات والرفاهيات.

التحرك

إن اتجاهات الناس داخل اللعبة هكذا، يفترض أنهم يبدأون من الصفر، ويدخلون في أول مستوى ويحاولون الوصول لنهايته ليدخلوا في المستوى التالي وهكذا.

لكن ليس الجميع يتحركون بنفس السرعة، هناك من يمشي ببطء السلحفاة، وهناك من يمشي على قدميه، وهناك من يسير على حصان، أي هناك من يصل للاستقرار المالي في العشرينات وهناك من يصلها في الخمسينيات وهناك من لا يصلها أبداً.

التفاوت في اللعبة

ما الذي يفرق هؤلاء عن بعضهم؟

قبل أن أجيب عن هذا السؤال،  سأحكي لك قصة تعبر عن سوء فهم منشر.

سوء الفهم

الآن أنا عامل أعمل في مصنع، وراتبي ألف جنيه، والمصنع  خاص وليس ملكاً للحكومة، يأتي مدير جديد للمصنع، وأنا بالصدفة عرفت أن راتب المدير مليون جنيه، فشعرت بالضيق من ذلك.

ما هذا الظلم، لماذا آخذ أنا ألف جنيه وهو يأخذ مليوناً؟

أنا وهو نعمل ثمانية ساعات في اليوم، وحتى أعمل من التاسعة للخامسة وإن أضفت ساعة آخذ وقتاً إضافياً، ولو غبت ساعة يخصم مني، فأظن أني أعمل مقابل الوقت، وأقبض مقابل الساعة، لكن هذا ليس هو الصحيح.

القيمة

أنا أقبض راتبي مقابل القيمة التي أوفرها خلال الساعة، ليس مقابل الساعة نفسها، هذا هو سر التفاوت بيني وبين المدير.

مهارتي تجعلني أشغل الآلة، لكن مهارته تجعله يعرف كيف يضع خطة كاملة للمصنع، مهارتي أنا بقليل من التدريب يقدر شخص آخر أن يقوم بها.

بينما هو لا، صاحب المصنع ليس غبياً ليحضر شخصاً يعطيه كل هذ ا الراتب لمجرد أن يشعرني بالظلم فقط.

أكيد هناك سبب، فالمدير الجديد يوفر للمصنع قيمة أكبر بالتالي يأخذ راتباً أكبر، هذا هو السر، القيمة.

وهذا هو سبب تفاوت الناس في السرعة داخل اللعبة، أنت تزيد من قيمتك لنفسك ولعملك بأن تتعلم وتضيف مهارات، فتزيد سرعتك في الحركة وتنهي المرحلة أسرع مني وتنتقل إلى المرحلة التالية. لكني أؤمن بالمظلومية والمساواة الوهمية ولست أحاول أن أجد أي طرق لأضيف فيها أي قيمة لعملي، فبالتالي أقف مكاني ولا أتحرك.

وحيث اتفقنا في حوار القيمة، كيف أزيد قيمة العمل الذي أقوم به؟

الدراسة

أنت مثلاً تعمل في وظيفة أجرها ضئيل، كمدرس لغة عربية، فأنت تذهب صباحاً إلى المدرسة وفي الليل تشارك صوراً  لمراتب لاعبي الكرة.

كيف يأخذ لاعب الكرة هذا أموالاَ دون هكذا مجهود منه، أنت درست أكثر منه وكنت مجتهداً أكثر منه ودرجاتك أعلى منه، فمن حقك أن تحصل على مال أكثر منه.

ذات الكلام الذي كنت أنا مقتنعاً به قبل قليل، وأيضاً ذات الرد، لا أحد يعطي مالاً لشخص آخر بلا سبب، فلاعب الكرة المشهور لديه عائد كبير لأنه يقدم قيمة كبيرة، والقيمة هذه تقوم على أمرين:

مهارته العالية وتأثيره الكبير

هناك الكثير من الناس يحبون أن يشاهدوه ويتابعوه وهذا الأمر يمكن تحويله لمكاسب مالية، الإعلانات مثلاً،

فإن نزعت عنه هذين الأمرين، ستجده لاعب كرة عادي المستوى ولا يملك مهارات عالية، ولا أحد يشاهده، ستجده يعاني أكثر منك، ويعيش بشق النفس.

كيف أرفع قيمة الشيء الذي أقوم به؟

ما رأيك أن تطبق مبدأين لاعبي الكرة، المهارة والتاثير، وبما أنك مدرس لغة عربية، فعلى الأغلب هذين الأمرين لديك فيهما مشاكل.

مهارتك عادية، ولم تتعلم شيئاً أكثر من المنهاج الذي أخذته في الكلية، والذي يتخرج منها عشرة آلاف خريج في السنة، متعلمين ذات تعليمك ومعهم نفس مهاراتك،، فلو استبدلوك بواحد منهم لن نشعر بأي فرق.

وأيضاً تأثيرك محدود، فأنت تعمل ثمانية ساعات في اليوم ومن ثم تتعب، وهذه الثمانية ساعات في التعليم التقليدي يمكن أن يعلم بهم كم طالب، على الأكثر مائة طالب مثلاً.

هكذا نكون قد حددنا المشكلتين، فلنعمل عليهما.

ما الذي يمكن أن نقوم به لزيادة المهارة؟

يمكنك أن تتعلم اللغة الإنجليزية، بهذا تكون أضفت قيمة الشيء الذي من الممكن أن تفعله، وتميزت عن زملائك، وهذا سيفتح لك باب آخر مثل تدريس اللغة العربية للأجانب الذين يحبون أن يتعلموا اللغة.

صحيح أن هذا العمل أصعب لكنه مجزي أكثر، وعدد أقل من ممارسيها.

كيف أزيد تأثيري؟

حاول تعليم الأجانب بطريقة التعليم الالكتروني بطريقة ما، وسجل الدروس وبدل أن تعتمد على نظام الفصول الدراسية وأن تظل جالساً أمام الناس وتشرح لهم، حول عملك إلى مقاطع فيديو، أو أي عرض الكتروني بطريقة تفاعلية.

بهذه الطريقة تحل مشكلة التأثير، حيث تستطيع أن تعلم مليون شخص في ذات الوقت وأنت قمت بتسجيل المقاطع من السنة الماضية مثلاً.

رفع القيمة الاقتصادية

هذه هي الطريقة باختصار طريقة رفع القيمة الاقتصادية لأي عمل، ليس لزاماً أن تكون بنفس الصورة التي حصلت في المثال، لكن الفكرة ذاتها.

لو أن وظيفتك عادية ستجدها بسبب أمرين، المهارة العادية والتأثير المحدود، إن عرفت كيف تزيد هذين الأمرين، ستكون عرفت كيف تحولها إلى مهنة مربحة.

الاستقلال النفسي

وهي نقطة لا أقدر أن أتخطى الكلام عنها، لكي يتم الاستقلال المالي يجب أن يكون هناك استقلال نفسي.

أن تحمي نفسك من أكاذيبك الشخصية، والتي نقنع أنفسنا بها والتي تشبه الحكاية التي نقولها لأنفسنا كي نشعر بالراحة.

مثلاً أنا وزني زائد ولا أعلم كيف ألتزم بنظام غذائي لمدة طويلة، وبعد فترة استسلمت وأخذت أقول لنفسي وللناس حكاية أنا وزني زائد لأن عظمي ثخين.

بهذا تكون حللت مشكلتك، راقب الحكايات التي ترويها لنفسك، إن كان في الجانب المالي مثلاً أنت كبرت والوقت قد فاتك، وأن كل شيء في البلد تعمل ضدك، أو من يكسب المال هم الوحيدون الذين كانوا أغنياء من قبل، وليس الحكايات المتعلقة بالجانب المالي الحكايات العامة أيضاً.

عدم رؤية الفرص

شيء مؤسف ما يحاول الناس على الانترنت أن يبحثوا بكل الطرق عن كل الحكايات الممكنة حتى يشعروا أنفسهم بالدراما.

حتى لو من الواضح أنها حكايات ملفقة، لا فرق، الحكايات كلها يأس وإحباط وسلبية ويشعرون أنفسهم بالغضب بكل الطرق الممكنة.

الغضب

والإنسان الغاضب لن يرى أي فرصة في الحياة، مهما كانت جميلة ومناسبة، أكيد كنت غاضباً من شخص سابقاً، وتعرف كيف يكون الأمر أن كل تصرف منه يكون كريهاً وخطأ ومزعج حتى لو لم يكن التصرف كذلك فعلاً.

الحب

وعلى العكس إن وقعت في الحب سترى العالم كله بعيون وردية وكل شيء أصبح جميلاً، الأطفال المزعجون الذين يصرخون في الباص أصبحوا لطيفين وليسوا مزعجين، والموظفين الأغبياء أصبحوا عاديين، ولم يعد وجودهم يضايقك، بل تشعر أنهم أناس مغلوب على أمرهم

العالم أصبح مكاناً رائعاً وجميلاً.

حالتك الداخلية هي التي شكلت لك الطريقة التي ترى بها العالم، بذلك لا تتركها للظروف.

لا تترك القطيع يتحكم بك ويجرك معه، أخرج خارج القطيع ودعهم يسيرون بطريقتهم وحكاياتهم التي يشاركونها، اتركهم ليحزنوا ويغضبوا ويتشاجروا ويعيشون الدراما بمزاجهم ولا تشاركهم.

الألعاب المشبوهة

بقي أن نشرح الألعاب المشبوهة، بينما أنت تلعب لعبة المال، ستجد أناساً يحاولون أن يقنوع ليأخذوا مالك، كأن يقولوا لك: استثمر معنا، دعني أشغل أموالك، ونحوها.

ومنهم من يريد فعل ذلك لأغراض جدية ومنهم ليس لذلك.

وهذه اللعبة مثل صور التعارف على مواقع التواصل الإجتماعي، منهم من يضع صورة شخص آخر وليس صورته، ومنهم من يضع صورته بعد تعديلها بالفوتوشوب، ومنهم من يصور نفسه مئات الصور بزوايا وإضاءات مختلفة حتى يجد واحدة جميلة ويضعها ومنهم من يضع صورته الحقيقية.

فلأول كاذب والثاني بقي يعدل على الحقيقة حتى يصبح شكلها جميلاً، والثالث تعمد أن يظهر الجانب الجيد الذي اختاره بعناية وتحكم بما ستشاهده أنت، والرابع لم يكذب وقال الواقع.

وأنت في حياتك ستقابل هذه الأنواع الأربعة من الناس.

المخاطر ضد المكافأة

فمثلاً أعرض عليك العمل معي في موقع ما، أو تشاركني لأفتح مشروعاً لشراء الموز وبيعه، وأملأ رأسك بأن هذا المشروع مخاطره قليلة وربحه كبير، والجملة الأخيرة كافية لوحدها أن تجعلك تشكك بي، فالوضع الطبيعي أن يكون هناك تكافؤ بن المخاطر والمكافآت، وإن كان غير ذلك فيمكن أني أكذب عليك كذباً صريحاً لأسرقك وآخذ أموالك منك، أو أحتفظ بالمخاطر لنفسي كي أشجعك على الدخول بالمشروع، أو يمكن أن أكون لست ملماً بالموضوع ونغرق كلانا، ويمكن أن أكون صادقاً فعلاً.

وأنت عليك أن تأخذ كلامي وعرضي، وتقيمه على الإحتمال الأول فقط، فإن كنت لست كاذباً كذباً صريحاً فلا بد أني أمين،  وتنسى نهائياً الاحتمالين الأخرين.

في المواقف المشابهة، تذكر أن هناك أربعة احتمالات مثل احتمالات مواقع التواصل الإجتماعي، وليس احتمالين اثنين.

محمد أسامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى