أخبارالآدابالحياة والمجتمعحول العالم

مفهوم النظرية الاشتراكية ونشأتها

تقييم للأفكار الاشتراكية المادية، أكثر من تقييم الأفكار النظرية

في حلقة اليوم سنتحدث عن الاشتراكية وموقع هذه الإيديولوجية من العقائد والغيبيات، ولن ندخل في الفكر الاشتراكي وتفاصيله.

إن أي حزب سياسي أو حركة تنافس على الحكم تضع عقداً اجتماعياً مع الشعب، وتأتي بوعد أساسي تعد به الناس.

وتنادي بالحرية والمساواة والرفاهية والنمو والاستقلال إلخ، وهذا ما سنقيّمه هنا، وليس أية أفكار أخرى.

كيف نشأ مصطلح الاشتراكية

كيف نشأ مصطلح الاشتراكية

إن مصطلح الاشتراكية هي الاشتراك في ملكية عوامل الإنتاج كالمصانع والمزارع والآلات وتصبح ملكاً الجميع.

أي أن الشعب من خلال الحكومة هو الذي يملك ويدير الموارد لحسابه. وهذا المبدأ مطاط ولا نقدر أن نعرف بالضبط متى بدأ التفكير فيه.

لكن نستطيع أن نقول أن مبادئ الاشتراكية كانت ظاهرة من أول كتابات أرسطو وأفلاطون ولحد اليوم. وحديثاً يوجد روبرت أوين وسان سيمون وتشارلز فوريه.

وإذا حاولنا معرفة من يلقب نفسه إشتراكياً سنجد الكثير، كالحزب الديمقراطي الاشتراكي في السويد، والحزب الديمقراطي الاشتراكي في الدانمارك.

وحزب هتلر كان يدعى حزب العمال القومي الاشتراكي، وفنزويلا يحكمها حزب الاتحاد الاشتراكي، والقوميون العرب كعبد الناصر والقذافي وصدام، كلهم زعموا أنهم اشتراكيون.

وحتى الاتحاد السوفييتي كان اسمه اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، مع أنهم كان يحكمهم الشيوعيون.

الفرق ما بين الشيوعية والاشتراكية

كلتاهما ظهرتا كرد فعل على الرأسمالية الصناعية، في القرن 19، وكلتاهما خرجتا للمطالبة بحقوق العمال، وتوفير حياة كريمة لجميع الناس، الميسور وغير الميسور.

لكن في الوقت التي طالبت به الاشتراكية بإعادة توزيع الثروة كي تقل الفروق بين الأغنياء والفقراء، كانت الماركسية تطالب بنزع الثروة وإلغاء الملكية الفردية وإلغاء الطبقات تماماً.

وفي حين كانت تطالب الاشتراكية بزيادة دور الدولة في التخطيط وإدارة الموارد، كانت الشيوعية تقول بأن الدولة فقط من يدير ويخطط.

الهدف من ذلك عند الاشتراكية هو تقليم أظافر القطاع الخاص، وليس قطع أيديهم كما تهدف الشيوعية.

وبالتالي فالدول الاشتراكية تضع تشريعات وقوانين تكتف بها السوق لتحمي حقوق العمال، وتقلل من الفجوة بين الطبقات.

تأخذ ضرائب من الميسورين لتنشئ مشاريع قومية حسب أولويات الدولة، وتنشئ شركات ومصانع ومصارف، وتنافس في السوق.

لتوفر المنتجات والخدمات للمواطنين بأسعار معقولة، وتضع تسعيرة السلع في السوق حتى لا يقوم التجار بوضع أسعار على هواهم.

الاشتراكية الثورية

إن الفكرة المسيطرة على الاشتراكيين أن السلطة دائماً متحيزة للأغنياء، والسبب أحد أمرين إما الذي في السلطة يستغل موقعه ليغتني، أو أن الأغنياء يسيطرون على الذين في السلطة كي تسير أمورهم.

فكانت فكرة الثورة على السلطة والتغيير الجذري هما دائماً حاضرين في الفكر الاشتراكي، ويدعون الاشتراكيون الثوريون.

الاشتراكية الديمقراطية

بقيت هذه الفكرة هي السائدة لدى الاشتراكيين حتى ظهور الديمقراطية، وأصبح ممكناً للشعب أن يختار من يحكمه من بين أحزاب متنافسة.

فشارك الاشتراكيون بالأخص في أوروبا الغربية في اللعبة السياسة وأسسوا أحزاباً وشاركوا في حكومات، ويدعون الاشتراكيون الديمقراطيون.

كحزب العمال في بريطانيا والحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا.

 حزب العمال البريطاني

والحقيقة أن ظهور الديمقراطية أثّر في الاشتراكيين وأثّر في بعض الشيوعيين والذين كانت مبادئهم الثورة وبعدها ديكتاتورية البروليتاريا.

وبالتالي قاموا بتأسيس أحزاب لهم وأخذوا ينافسون بشكل ديمقراطي وتخلوا عن فكرة الثورة المستمرة ودكتاتورية البروليتاريا.

وعلى عكس الشيوعية ففي الاشتراكية يتم حل كل شيء بالتحاور.

الاشتراكية وإدارة الأزمات

لكن هناك حالات استثنائية، عندما تتأزم الدولة الاشتراكية في حرب أو أزمة اقتصادية، تبدأ باللجوء إلى تأميم قطاعات معينة كي تخرج من أزمتها.

كما فعلت حكومة حزب العمال الاشتراكية في بريطانيا في 1945 و 1951، حيث أممت صناعات الفحم والصلب والكهرباء والغاز وسكك الحديد.

وفي فرنسا أممت شركات الفحم والكهرباء وبعض شركات التأمين والمصارف في نفس الفترة تقريباً بعد الحرب العالمية الثانية.

وعندما عاد الاشتراكيون للسلطة في الثمانينات قاموا بتأميم بعض الشركات والمصانع والمصارف، لكن للأسف كان التأميم عبء على الدولة وسبباً في زيادة الاستدانة وليس لحل المشاكل.

اليسار الوسط

ومع الوقت أصبح هناك أحزاباً اشتراكية مؤيدة لفكرة السوق، لكن دون تخطيط للسوق وكلٌ ينتج ما يريد.

وذلك لتشجيع بعض الصناعات ودعمها وترك المنافسة على أشدها في القطاع الخاص، ويصبح البقاء للأصلح.

ويتركون الناس يجمعون من الأموال كما يريدون ومن ثم تأتي الدولة وتقاسمهم في الأرباح، وكلما زاد الربح زادت نسبة الدولة.

فلو كسبت 10 يأخذون واحد ويتركون لك 9، لكن إن كسبت 100 يأخذون منك 30 ويتركون لك 70.

ولو 1000 يأخذون 600 ويتركون لك 400، وهذه تسمى الضريبة التصاعدية.

حيث تقوم الدولة بترك السوق ليمارس منافسته بحرية وتنافس ومن ثم تجبي الضرائب من الأغنياء لتمول دولة الرفاه welfare state.

حيث المواطن يضمن احتياجاته الأساسية من تأمين صحي وتعليم مجاني ودعم للعاطلين والفقراء إلخ. وكل ما يهمهم هو العامل.

فإن عمله في ظروف آدمية وعدد ساعات محددة ويحصل على إجازاته وحد أدنى للأجور تناسب معيشته، ويطلق عليهم يسار الوسط.

حيث السوق له حريته لكن يتم مراقبته وأخذ الضرائب منه إلى الفقراء كي يشعروا بأمان ودعم الدولة.

وهؤلاء الفقراء لا يحتاجون للمال أصلاً لأن احتياجاتهم الأساسية متوفرة، وكل ما يُطلب منهم أن يعملوا ويبدعوا.

فإن عملوا وزاد دخلهم فسيعاملون كما الذين سبقوهم بأخذ ضريبة منهم، وجميعهم يعلمون أن الأموال تدور في دائرة مقفلة.

وتعود عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر كأن تعود كقوة شرائية للفقراء ليشتروا بها منتجاتك وتعود عليك بخدمات مجانية، ومجتمع مثقف ومكتف، وتصبح مطمئناً وأسرتك في معيشتك.

وهنا نقطة التماس ما بين الرأسمالية الكينزية Keynesian – Center – Left وبين الاشتراكية.

الاشتراكية بين الشرق والغرب

هذا الحديث ينطبق على الاشتراكية في الدول الأوروبية، لكن في الدول العربية مختلفة تماماً، حيث أن الدوافع والظروف مختلفة.

حيث أننا لم يكن لدينا من قبل رأسمالية صناعية، وطبقات مجتمعاتنا مختلفة عما هي في الغرب.

حيث كان لدينا احتلال وتفرقة عرقية، فاختلط الكفاح ضد المحتل بالقومية العربية بالفكر الاشتراكي وخرج لنا كخلطة غريبة.

لم يحتاج الغرب للاشتراكية ؟

لزيادة دور الدولة وتخطيط الاقتصاد، ومراعاة حقوق العمال والحد من استغلالهم، وإعادة توزيع الثروات وتقليل أو إلغاء الفرق بين الأغنياء والفقراء، لتوفير دولة الرفاه.

دور الدولة في التخطيط وإدارة عوامل الإنتاج

نظرياً على مستوى إدارة الدولة والمصلحة العليا، فالدولة هي الجهة الوحيدة فعلياً القادرة على النظر نظرة شاملة على عملية الإنتاج.

تراقب السلع والخدمات التي يحتاجها الشعب وتحدد الأوليات، فلا تترك المجال للسوق في الاتجاه بكامله نحو سلعة رائجة لينتجها.

ويترك بقية الحاجات التي يمكن أن تكون أهم للدولة حتى تكون مستقلة ولديها اكتفاء وشعب سعيد.

والدولة هي الوحيدة القادرة أن تدمج نظرتها للواقع الاقتصادي بالواقع السياسي معاً، وتعرف من عدوها وصديقها سياسياً.

وبناء عليه تعرف على من تعتمد ومن تستطيع استغلال امكانياته للتأثير فيه سياسياً وهكذا. فتستغل القدرات الاقتصادية للتأثير السياسي والعكس.

فعلى مستوى مصالح الأفراد فالدولة ليست لديها جشع المنتجين والتجار، والموظفون سيعملون في ظروف جيدة وتباع السلع بأسعار جيدة.

وهكذا تكون الدولة قد وفّرت وظائف للشعب ومكاسب ستصرفها على رفاهية الشعب. لكن الدولة كي تقوم بذلك أمامها خيارات صعبة.

أولها أن تنشئ مصانع وشركات من الصفر، وهذا سيتم أخذه من موارد الدولة إذا كان لديها موارد، أو تتورط في ديون إن لم تملك موارد.

وهذا يأخذ وقتاً طويلاً لتعويض هذه الموارد أو يسدد الديون، وغالباً لن تقوم بالتعويض ولا سداد الديون، بسبب مشكلة هيكلية في الإدارة حتى لو كانت ديمقراطية.

فالديمقراطية يمكن أن تحسن أداء هذه الشركات ويكون هناك فصل بين السلطات وتكون لديها هيئات رقابية تراقب أداء الحكومات في إدارة الهيئات.

لكن بما أن الموظف يعرف أنه سيحصل على راتبه في نهاية الشهر سيتراخى، والشركات تتحول لحظيرة تملؤها الحكومة بالموظفين في مواسم مختلفة.

كالانتخابات وزيادة نسبة البطالة أو غضب شعبي للعاطلين عن العمل أو محسوبيات، فيتولد نوع من البطالة المقنعة ويكثر أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة.

ولكي تضمن الدولة سير الأمور كما تريد، تصبح الإدارة مركزية جداً. وتصبح حركة الهيئات بطيئة، ولا تواكب تغير السوق واحتياجاته.

وتتحول إلى عبئ على الدولة وليست مصدر دخل، وغالباً تكون النتيجة أن هذه الشركات تفشل وتفلس وتخصخص أيضاً.

التأميم

يمكن للدولة أن تنفذ فكرة أخرى لتدير عوامل الإنتاج كما تريد، وهي تأميم شركات موجودة مسبقاً.

لكن التأميم للأسف يجمع ما بين الضعف الإداري للقطاع العام، والظلم الذي سينزل بأصحاب الشركات. والرعب الذي سيصيب أي شخص يفكر في الاستثمار في تلك البلد.

فتكون النتيجة هروب المستثمرين وتقل جودة السلع والخدمات، وحينها إن كان القطاع العام يحتكر منتجاً فإن الجودة تنخفض والمستهلك يتضرر.

وإن كان هناك منافسة فإن القطاع العام لن يقدر على المواكبة، وهو الذي سيتضرر.

لهذه الأسباب فإن الدول الاسكندنافية وشمال أوروبا تخلت بشكل كبير عن فكرة الاقتصاد المخطط وآمنت بأهمية السوق الحر.

لدرجة أن مؤشر حرية الاقتصاد عندهم حسب مؤسسة هيريتاج بالترتيب: الدنمارك 12 والسويد 15. في حين أن أمريكا ترتيبها 18 من أصل 180 دولة.

الدنمارك والسويد المفترض أنهما دولتان اشتراكيتان، ترتيبهما أعلى من أمريكا الرأسمالية في مؤشر حرية السوق.

لكنهم يديرون أموال اقتصادهم بضرائب تصاعدية عالية جداً حتى يقيموا دولة الرفاه والتعليم والصحة والرواتب.

توزيع الثروات والموارد

شيء جيد أن الحكومة تقدم لك الرفاهيات وتوفر لك التعليم والعلاج والتأمينات والرواتب التقاعدية وتدعم المنتجات بأسعار مخفضة.

لكن ذلك يحتاج أموالاً كثيرة وكلما زادت الرفاهية كلما احتاجت الحكومة زيادة في الميزانية. فمن أين ستأتي بكل هذه الأموال؟

إما أن يكون عند الدولة موارد كالبترول والذهب والمعادن، أو تفرض ضرائب على الشعب، أو تستدين من الداخل والخارج.

فلو كانت تملك الموارد فستنتهي يوماً، وتبدأ حينها بفرض الضرائب. وفعلياً الدول الاسكندنافية الأكثر ترفيهاً لشعوبها هي أكثر الدول بفرض الضرائب.

وذلك بزيادة الضرائب على الأغنياء وأصحاب العمل وزيادة الرفاه لبقية الشعب العامل لديهم، ليتم إرضاءهم وضمان أصواتهم في الانتخابات.

تأثير الضرائب التصاعدية على الشركات الخاصة

المشكلة ستكون لدى أصحاب العمل، عندما تزيد الضرائب على الدخل لتصل إلى 60% على الأغنياء وتنحاز إلى العمال بشكل مبالغ.

فإن الشركات ستنفر من هذه الدول وتقوم بفتح مصانع وشركات في بلاد ليس فيها هذه الضرائب ولا انحياز لحقوق العمال.

وهذا ما حصل في فرنسا في فترة حكم الرئيس هولاند الاشتراكي، حيث تم وضع قانون يجعل فصل العامل شبه مستحيل وتعيينه مكلف جداً.

والضرائب عالية، فقام أكثر من 60 ألف مليونير بالهروب بأموالهم من فرنسا بسبب هذا القانون، وتأزم الاقتصاد الفرنسي حينها.

لأن نصف موارد الدولة تقريباً معتمدة على الضرائب التي تجمعها، ووصلت البطالة إلى 10% أي ضعف ألمانيا وبريطانيا. وانخفضت شعبية هولاند إلى 26%.

وتعاني حكومة السويد من ذات المشكلة، حيث خرجت شركة IKEA من السويد في فترة السبعينيات لنفس السبب.

لدرجة أن المقر الرئيسي للشركة السويدية موجود في هولندا. والنسبة الأكبر من ضرائب IKEA لا تستفيد منها دولة السويد.

ما أجبر الحكومة التقليل من الضرائب وخفض الإنفاق على الرفاه لتشجيع عودة الاستثمار إلى البلد. وحدث ما يشبهه في الدنمارك.

مركز IKEA في هولندا

خلق التوازن بين القوانين والتسهيلات

وهذا يحتاج توازناً بين بيئة القوانين والتسهيلات لتشجيع الناس على القيام بمشاريع تشغل فيها عاملين، ويبقى جزء محترم من الربح.

يعود هذا الربح على البلد لتقدم به خدمات للشعب وتصرف منه على العاجزين وتحمي حقوق العمال ليحصلوا على رواتب ويعيشوا بشكل كريم.

وليس لدرجة أن يتراخوا ولا يعملوا، وتبقى عين المراقبة على هذا التوازن حتى يبقى منضبطاً. فان اختل يعزلهم الشعب وينتخب غيرهم ليقوموا بالمهمة.

نماذج من الاشتراكية

في النهاية فإن الاشتراكية هي مثال حي عن أن العبرة في التنفيذ، فإن أكثر الدول في مؤشر السعادة والرفاه يزعمون أنهم اشتراكيون.

كالسويد الونرويج وفنلندا، وعلى النقيض أتعس دول كفنزويلا مثلاً يزعمون أنهم اشتراكيون أيضاً.

والسؤال هو هل النظام الاشتراكي الخاص بدول الرفاه هو الأنسب لبلادنا، ولماذا عندما حاولنا تطبيقه كان فاشلاً ومريعاً؟

المراجع:

كتاب: مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية – أندرو هيود 

المصادر:

https://www.dissentmagazine.org/article/lessons-from-the-nationalization-nation-state-owned-enterprises-in-france

https://mises-media.s3.amazonaws.com/fm485_0.pdf

https://www.heritage.org/index/ranking

https://www.forbes.com/sites/niallmccarthy/2017/11/29/the-countries-most-reliant-on-tax-revenue-infographic/،2490c45f3180

https://taxfoundation.org/how-scandinavian-countries-pay-their-government-spending/

https://time.com/4720432/french-presidential-elections/

https://www.reuters.com/article/us-sweden-ikea/ikea-founder-to-return-home-40-years-after-fleeing-swedish-taxes-idUSBRE95P1BQ20130626

https://www.huffingtonpost.ca/michel-kellygagnon/denmark-not-socialist_b_9011652.html

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى