الآدابالحياة والمجتمع

الماسونية والعالم



 

تحدثنا سابقاً عن نشأت الماسونية وتطورها، ثم انتقالها إلى المشرق، عن طريق مصر بعد الحملة الفرنسية، واليوم سنتحدث عن نقطتين أساسيتين وهما:

الأفكار الحاكمة في الحركة الماسونية

وهي التي قامت على أساسها وميزتها عن غيرها من الجماعات السرية، والأفكار الحاكمة الموجودة في الحركة الماسونية العالمية.

في بلدان مختلفة من دول أوروبا والعالم، نجد أننا نتحدث عن:

معادات الملكيات والرغبة في إنشاء الجمهوريات

وهي تبدأ بإنشاء الجمهوريات في دول مختلفة، لتحل محل الملكيات الموجودة، مثل الملكية في فرنسا وألمانيا وصربيا وروسيا وغيرها، فتكون الجمهوريات مستقلة.

وكان ولاة يحلمون بشيء آخر، وهو وجود الجمهوريات العالمية.

العلمانية

وهذه الفكرة من الأفكار، يستحق منا التوقف، فإن العلمانية التي تدعو إليها الماسونية، تختلف عن العلمانية التي نألفها في العالم العربي، حتى الكثير من دعاة العلمانية في الغرب.

فإن العلمانية التي نألفها في العالم العربي، تدعو فقط إلى فصل الدين عن الدولة، ولكن مع الاحترام وتقديس الدين، بل وحمايته أيضاً.

ولكن كل الذين يدعون إلى العلمانية التي نعرفها بالمعنى السياسي والاقتصادي، أن لا يحكم رجال الدين الدولة.

أما العلمانية التي تدعوا إليها الماسونية، فيه مختلفة وشديدة التطرف، وقامت على خلفية الكره الشديد لمقام الكنيسة في العصور الوسطى، وتحديداً الكنيسة الكاثوليكية.

مفهوم العلمانية عند الماسونية

العلمانية في مفهوم الماسونية، هي تقريباً لا تعترف بوجود الدين السماوي من الأساس، هم لا يقولون هذا بشكل مباشر، ولكن تدرجوا في تعريفهم لمفهوم العلمانية.

فبدأوا يقولون مثلاً، أن الماسونية كما هو ثابت لديهم، أنها لا تقبل عضواً ملحداً، كافراً، كما أنها لا ترحب بأي ماسوني منحل.

ويجب أن يكون ورعاً وتقياً ومتديناً، ولكن إن نوع التدين الذي تدعو إليه الماسونية، هو نوع من العبادة بعيداً عن الأديان السماوية.

بمعنى أن الدين في مفهوم الماسونية، هو أن شخص يؤمن بالله والخالق، ولتكن لا يعترف بوجود الدين السماوي، ولا يعترف بالوحي، ويدعو إلى الدين الذي ترضاه كل البشرية.

الدين عند الماسونية

والدين الذي ترضاه كل البشرية، هو مجموعة القيم والأخلاق التي يتفق عليها الجميع، الصدق والاحسان، وحب الخير للجميع.

فهي قيم عامة، فمن وجهة نظر الماسونية، هي قيم يستطيع أي إنسان أن يطبقها، ويجب أن يلتزم بها.

وفيما يبدو أن هذه القيم التي تدعو إليها الماسونية، هي طريقة مخففة للدعوة إلى الإلحاد، ولكن كما ذكرنا سابقاً، أنهم في بداية الماسونية.

كانوا يستقطبون أعضاء من كل الأديان، ففكرة انتقال العضو من المسيحية إلى اليهودية مثلاً، هي صعبة عليهم بشكل مباشر، فوجدوا هذه الصيغة ليستطيعوا أن يفعلوا ذلك بشكل غير مباشر.

وبعض الدول التي سارت على الماسونية مثل فرنسا، كان الإلحاد شديداً جداً، وبعضها كانت أقل ضغط في إنكار الأديان السماوية.

وفي كل الأحوال المحافل الماسونية، لم تكن تشترط أن تكون ملحداً، بل كانوا يرفضوا أن يكون كذلك، ولكن مؤمناً بالمعنى الذي تريده الماسونية كما ذكرنا.

الماسونية في العالم الاسلامي

ولذلك كانت مشكلة الماسونية حين تكشفت حقيقتها في العالم العربي والاسلامي، كانت مضاعفة فالمشكلة الأولى.

أن دعاة الماسونية يرفضون الملكيات، وفي حالة العرب والعالم الاسلامي، فهم يرفضون الخلافة الاسلامية باعتبارها شكل من أشكال الملكيات.

فهذا كان أمر صادم بالنسبة إلى المسلمين، والصدمة الأكبر على المسلمين، كانت فكرة العلمانية في مفهومها أنه لا يؤمن بأي من الأديان السماوية، ويسعى إلى تهميش الخالق.

وهذه الأفكار التي سعت الماسونية، إلى الترويج عليها في أوروبا والعالم العربية، بأشكال مختلفة من الصراحة.

كان بعضها ضمني وبعضها واضح، حين تسمح البيئة للتعبير عن أفكار الماسونية الحقيقية والترويج لها.

الأفكار الظاهرة في شعار الماسونية

وهناك أفكار ظهرت في شعار الماسونية، وهي الإخاء والحرية والمساواة، وهو نفس شعار الثورة في فرنسا.

وكان أحد المواد الأولى في الدستور في فرنسا، ولكن على واقع الأرض لم يحدث أن الماسونية، اهتمت كثيراً بتطبيق شعار الماسونية حقيقة.

فإن الماسونية مارست العنصرية منذ أيامها الأولى، ففي بعض المحافل مثل المحفل الألماني، رفضت التحاق أي عضو من اليهود بالمحافل الماسونية.

والمحافل الانكليزية والألمانية، هاجم كل منهم الآخر بسبب العداوات الشديدة خصوصاً أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية.

بل أن الحركات الماسونية الكبرى، مثل فرنسا وبريطانية والألمانية، لعبت أدواراً نشطة جداً لخدمة أغراض بلادها الاستعمارية.

الجماعات التي نشأت عنها الماسونية

فيما يتعلق بأهم الجماعات التي قيل أن الماسونية قد نشأت منها، والتي قيل أنها نشأت عن الماسونية.

فرسان المعبد

يمكن أن نشير إلى هذه الجماعات الماسونية، بجماعة فرسان المعبد، وجماعة فرسان المعبد لمن لا يعلم عنها شيء.

هي جماعة من الفرسان الأوروبيين الماسونيين، معظمهم جاء من فرنسا، أثناء الحروب الصليبية، على الدول الاسلامية.

رغبة منهم في انتزاع القدس، والأراضي الفلسطينية من العالم الاسلامي، لتحكم من قبل العالم الغربي، وتكون خالصة للمسيحيين.

وهناك جماعة من الماسونية من فرسان المعبد أثناء هذه الحروب، بدأت تتطوع لخدمة معينة بمباركة من الكنيسة، وهي حماية الحجاج المسيحيين إلى بيت المقدس.

بدأوا بالكنيسة ثم بمباركة الارستقراطية الغربية، وتبرع الأثرياء لهم، وتحولت شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه الميليشة وضمت خير فرسان المعبد.

جيش فرسان المعبد

ثم تحولت إلى جيش كبير، وهذا الجيش كان يحتاج إلى الأموال، وجاءته الأموال عن طريق الكنيسة والملوك والأثرياء، والمتدينين.

وهؤلاء تحولوا على مدار نحو قرنين، منذ بداية الماسونية بوجود فرسان المعبد منذ 1119 ميلادي، إلى نهايتهم رسمياً سنة 1312 ميلادي.

الماسونية وانتشار البنوك

وبالمناسبة فإن فرسان المعبد لعبوا أدوار مهمة جداً في التاريخ، فحتى أثناء إدارتهم لثروتهم الضخمة، كانوا هم البذرة الأولى لوجود البنوك الآن.

فكان الحاكم الأوروبي حين يأتي إلى الأراضي المقدسة، كان يضع أمواله في أحد البيوت التابعة لمجموعة الماسونية فرسان المعبد.

ويعطوه صكوك بحيث يستطيع أن ينفق منها طوال الطريق من أوروبا إلى الأراضي المقدسة، وفي كل مرحلة يصل لها، كان يحصل أثناء تنقله على جزء من الأموال، فظهرت فكرة البنوك على أساسها.

انزواء فرسان المعبد الماسونية

في كل الأحوال هذه الجماعة الماسونية التي انتشرت إلى حوالي مئتي سنة، انزوت من خلال الهزائم المتلاحقة على المسلمين.

وعلى يد قائد المسلمين صلاح الدين الأيوبي، وعندها ذهبت قوتهم العسكرية، وضعفت الأساسيات التي قامت عليه.

فلم يعد لها نفس النفوذ الذي كانت تتمتع به، وتصادف بأن الملك فيليب الرابع، كان يحتاج إلى أموال كثيرة.

ويرى أن فرسان المعبد التابعين إلى الماسونية، أنها تشكل خطراً على حكمه، وتملك الكثير من الاقطاعيات والأموال التي يديرونها بعيداً عن الدولة.

التنكيل بجماعات فرسان المعبد

فقرر التنكيل بهم، وانضم إليه بابا روما، وبارك هذا الأمر، وكانت النتيجة أنه تم التنكيل بهم بشكل عام.

وعرض فرسان المعبد الماسونيين، على محاكم في فرنسا، وبعضهم قد أعدم، وبعضهم قد أحرق، وبعضهم وضع في السجون.

وكانت محاكتهم فيها بعض النتائج المثيرة للاهتمام، لأن بعضهم من الماسونية اعترف أنه قد اعتنق الاسلام.

طبعاً كثير من هذه الاعترافات، كانت تناسب أجندة من عذبوهم، لأن العدو الاساسي لأوروبا، كان المسلمين أثناء الحروب الصليبية.

هروب فرسان المعبد

وقيل في عام 1312 أي القرن الرابع عشر، أي بداية الحركة الماسونية، أن بعض الناس الذين نجوا من هذا الاضطهاد.

وهربوا تحديداً إلى اسكتلندا، وهناك أسسوا أول محفل تابع إلى الماسونية، في الخفاء، وكانوا هم البذرة لقيام الحركات الماسونية.

ويستدل على ذلك تشابه الشعائر والطقوس، وتمويل ساعد هذه الجماعات الماسونية أن تنتشر، تحت غطاء أنها جماعات مهنية، وهذه وجهة نظر.

وعندما نتحدث عن فرسان المعبد، هناك أشياء كثيرة تستحق الدراسة والاهتمام، لأنه بعيداً عن هذه الروايات، والادعاءات الغير ثابتة.

يقولون أن فرسان المعبد التابعين إلى الماسونية، تأثروا ببعض الحركات السرية في العالم الاسلامي، مثل الحشاشين والدروز والاسماعيلية.

الجماعات التي نشأت عن الماسونية

ويقال أن هناك جماعات نشأت عن الماسونية، خصوصاً بعد أن تمت ملاحقتها، وأشهر هذه الجماعات والتي تحظى باهتمام شديد في كل دول العالم.

جماعة المستنيرين

هي جماعة الاليومناتي، أي جماعة النورانيين أو المستنيرين، وهي جماعة نشأت في ألمانيا، في مقاطعة بفاريا في ظرف غامض وبسرية.

ومؤسسها آدم وايزحوط 1776، كان أستاذاً جامعياً، قرر أن ينشئ جماعة سرية، بنفس أهداف الماسونية.

مقاومة نظام الملكيات، اقامة نظام الجمهوريات، ومعادات الدين ومحاصرة المسيحية والكنيسة الكاثوليكية.

ولم تستمر سوى ستة سنوات في العلن، حين قرر ملك بفاريا أنها أصبحت خطراً، لأنها اختلطت بجماعات مختلفة، وحاولت أن تصل إلى الحكومة.

وكان لها طموح في السيطرة على ألمانيا وكل دول العالم، بالحيلة والخداع والمكر، خلال كل هذه السنوات في بفاريا.

وبعد أن هرب مؤسسها إلى خارج بفاريا، استغرقت سبعة سنوات حتى تم القضاء على كل المنتسبين إليها علناً.

جماعة الماسونية في بفاريا والأساطير حول مؤسسها

لكن برغم القضاء عليها بقيت هناك قناعات شديدة في أوروبا وخارجها، أن هذه الجماعات بقيت حية وفاعلة.

بل أن الكثير من الأساطير ارتبطت بمؤسسها، الذي اختفى على الحدود بين بفاريا ومقاطعات أخرى، ومات بظروف غامضة.

ومن الأساطير أنه المسيح الدجال على سبيل المثال، وأنه من خلال أعوانه في كل مكان، هو من يحكم كل الدول الغربية.

وأنه سعى من خلال رجاله، إلى تغيير العالم كله، وسوف يقود الكفار إلى حرب نهاية العالم، وهناك سوف تفقأ عينه.

هناك ناس ذهبوا إلى أكثر من ذلك، وقالوا أن آدم ليس إلا جورج واشنطن، مؤسس الولايات المتحدة.

ومثل كل نظريات المؤامرة، تبدأ المسألة ببعض الحقائق، ثم تتضخم حتى تسمع أحاديث لا يصدقه العقل.

الماسونية والنظام العالمي الجديد

وأهم شيء ارتبط بجماعة المستنيرين الماسونية، الاليومناتي، هي القصة الكبيرة والأسطورة، فكرة الحكومة العالمية.

فدائماً ما ترتبط فكرة العالمية، والنظام العالمي الجديد، بفكرة النورانيين أو المستنيرين، وبالتالي الماسونية.

وهناك قناعة أن أنه يوجد في كل عصر، جماعة يسيطر عليها الماسونيون، والمستنيرين، وهذه الحكومة العالمية تطورت خلال مئتي سنة في أشكال مختلفة، فكانت وما زالت، وستبقى فاعلة، وتستحق أن نتوقف لدراسة.

فما حقيقة هذه الحكومة العالمية؟ ومن أعضاءها؟ وهل صحيح أن فيها جزء من الحقيقة؟ أم أن المسألة هي خيال فقط؟

 الصحفي سيد جبيل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى