الرأسمالية هي نظام اقتصادي قائم على فكرة أن القطاع الخاص يملك ويتحكم في عوامل الإنتاج.
ويستخدمها في انتاج وتسويق منتجاته، أو يبيع خدماته في سوق حر بهدف الربح.
في نظام الرأسمالية، أياً كان يمكن أن يؤسس شركته الخاصة بأمواله الخاصة ويمتلكها والتي يشتري بها ما يحتاجه لينتج.
كالأراضي والمصانع والمخازن والآلات والتكنولوجيا، ويوظف عاملين أصحاب خبرة أو مهارات معينة حتى ينتجوا منتجاً أو يقدموا خدمة معينة.
وهو حر في إنتاج ما يريد طالما هي منتجات قانونية، وبالكميات التي يرغب بها، وبالسعر الذي يريده.
وأنت كمستهلك حر في شراء منه أو من منافسه، وتختار المنتج الذي يعجبك أكثر وتشتريه. وهذه هي السوق الحرة.
والدولة لا تتدخل في السوق وتخطط ما تنتج أو لا تنتج، أو الكمية أو السعر، وهذه نقطة مهمة في الرأسمالية.
وهي أن رجل الأعمال صاحب هذه الشركة هدفه الربح فقط، وكل ما يهمه في أمواله التي استثمرها أن تتضاعف.
نشأة الرأسمالية
بدأت فكرة الرأسمالية من القرون الوسطى، حين كان يوجد اقطاعيون استقطعهم الحاكم أرضاً ويشغلون فلاحين لديهم بقوتهم ومسكنهم لدى الاقطاعي.
الرأسمالية التجارية
تغير هذا النظام وأصبح الفلاحون يملكون أراضيهم ويزرعون ويبيعون منتجاتهم في السوق، وهكذا أصبح لدينا منافسة في السوق.
وأصبح للمستهلك عدة خيارات للشراء منها ليختار المنتج الأحسن والأرخص، وبدأت المنافسة فكل منتج يريد أن ينتج أكثر وبجودة أحسن.
كي يكسب أكثر، وكان هذا أول نموذج للرأسمالية. والتي تدعى الرأسمالية التجارية.
ثم تطور هذا النموذج مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر، ونشأت الرأسمالية الصناعية.
الرأسمالية الصناعية
وهي رأسمالية المصانع التي يملكها رجال أعمال يتنافسون لزيادة مكاسبهم. وحتى يحققوا زيادة مكاسبهم عليهم أن يزيدوا في الإنتاج.
فبدأوا يستعينون بآلات ويطوروا التكنولوجيا ليقدروا على الإنتاج أكثر وأكفأ، ويخفضون أسعارهم ويجعلوا منتجاتهم أكثر جاذبية للزبائن كي يبيعوا أكثر.
وهذا هو الوجه الحسن من الرأسمالية، فالرأسمالية هي التي خلقت حافزاً للمنافسة وزيادة الإنتاج والتطور.
رأسمالية الترست
ومن ثم تطورت الرأسمالية الصناعية إلى رأسمالية الترست.
وهي بأن تتحد الشركات المتنافسة في نفس المجال ويؤسسون مجلس أمناء ومن خلاله يؤسسوا شركة كبيرة تجمعهم كلهم.
والهدف من هذه الشراكة، أنهم بدل أن ينافسوا بعضهم ويتطاحنوا ويخرجوا جميعهم خاسرين، يتحدون معاً ليتحكموا في السوق.
وهكذا فإنهم يطرحون منتجاتهم بأسعار عالية وبحسب أهوائهم، ويخرج الشركاء جميعاً رابحين، وبهذا الشكل لم يعد هناك منافسة.
ويصبح لدينا المنتج هو الذي يفرض سعره والكمية على المستهلك، وفي نفس الوقت إذا ظهر أي منافس صغير لهذه الشركة الضخمة يدوسوه.
ففي بداية القرن التاسع عشر كان يوجد شركة كبيرة جداً تدعى STANDARD متحكمة في 90% من إنتاج المحروقات في أمريكا.
وبقيت هكذا حتى صدور قانون منع الاحتكار، فانقسمت الشركة إلى 34 شركة أصغر.
نظام التجارة الحرة
ومن ثم تطور النظام الرأسمالي إلى النظام الحالي القائم على التجارة الحرة ما بين الدول.
فمثلاً شركة ملابس انكليزية، لديها مصانع في الصين لتستفيد من الأيدي العاملة الرخيصة. وتزرع القطن الرخيص خاصتها في الهند.
ومقر الشركة في جزر كايمان كي لا تدفع ضرائب، وتبيع منتجاتها في السوق الأمريكية لأنه سوق كبير وتستطيع البيع فيه بسعر عالٍ.
وهكذا، الشركة تستفيد من الميزة التنافسية في كل بلد، وزادت مكاسبها وخفّضت مصاريفها.
نظريات الرأسمالية
الرأسمالية لها أشكال كثيرة ونظريات مختلفة، وأول النظريات هي:
نظرية الرأسمالية الكلاسيكية
أسسها أدم سميث في القرن الثامن عشر، وكان من منظري فكر السوق الحر و التجارة الحرة ما بين الدول.
بمعنى أن الدولة لا تتدخل في السوق الداخلية والخارجية بتاتاً. أهم مكونات نظرية آدم سميث هي
السعي وراء المنفعة الخاصة
إن سعي الشخص بمفرده وراء منفعته الخاصة يكون أكبر دافع للتقدم والازدهار الاقتصادي، فلو أن كل شخص اهتم بالسعي لمصلحته الشخصية فقط، هذا سيعود بالمنفعة العامة على المجتمع.
فمثلاً الجزار والخباز، لا يقفان طوال اليوم في دكانهما ليصنعوا منتجاتهم لأنهم لطيفان ويحبان أن يطعما الفقراء، بل يفعلان ذلك لمصالحهما الشخصية، وهي الربح منك ومن الآخرين.
اليد الخفية
ويقصد أن السوق الحر يصحح نفسه بنفسه، ويخضع لقانون العرض والطلب.
فمثلاً لو أن أحدهم طرح منتجاً بسعر عالٍ، أو منتجاً رديء، فالمستهلك ببساطة لن يشتريه وسيكون الإقبال عليه ضعيفاً.
وبالتالي البائع المهتم بمصلحته الشخصية ويريد أن يكسب من البيع، سيضطر لخفض السعر أو تغيير جودة المنتج، ليزيد الإقبال عليه.
النظرية الكينزية
وأسسها جون كينز وقد سادت هذه النظرية بعد الكساد العظيم الذي ضرب أمريكا ودول العالم من 1929 وحتى 1941.
حيث كان اقتصاد أوروبا وأمريكا مشلول تماماً، بسبب دوامة ارتفاع الأسعار، مع البطالة، وكانت الشركات تنتج منتجات.
لكن الناس لا يملكون نقوداً لشرائها فتضطر الشركة لتقليل مصاريفها وتطرد العمال. والعمال لا يبقى بيدهم نقود لشراء البضاعة.
فالبضاعة تكسد وتبقى في المصانع، فتضطر المصانع لتقليل العمالة. والعمال لا يبقى بيدهم مال ليشتروا به، وهكذا.
ودخلوا في دوامة الكساد الاقتصادي التي بقيت أكثر من 10 سنين، وحينها اتضح أن نظرية اليد الخفية وأن السوق يصحح نفسه بنفسه فاشلة.
وقدّم جون كينز نظريته وهي أن الحكومة يجب أن تتدخل لضبط الاقتصاد، ففي هذه الظروف الصعبة يجب على الحكومة أن تستثمر في مشاريع كبرى.
كالبنية التحتية والخدمات لتشغيل العاطلين عن العمل، ولتشغيل الشركات والمصانع المتوقفة وتبدأ تعمل في مشاريع الحكومة. وهكذا تدور عجلة الاقتصاد.
ونجد أن الحكومة في هكذا وقت توفر القروض لإنقاذ الشركات من الإفلاس وتشتري منتجاتها حتى تستعيد الشركات عافيتها.
وهذا حدث في معظم الدول الأوروبية وأمريكا، واستطاعوا أن يتجاوزوا الأزمة.
نظرية النيوليبرالية
وبدأت في سبعينيات القرن الماضي، وسأفرد لها حلقة لأن موضوعها دسم جداً.
الرأسمالية في الميزان
إن العالم اليوم أغلبه رأسمالي، ويتجه نحو العولمة. وفي الثلاثين سنة الماضية كانت الرأسمالية والعولمة كانت فعلاً سبباً في النمو الاقتصادي لدول نامية كثيرة. وأدت إلى انتشال الملايين من الفقر.
الإحصائيات تقول أنه منذ 1990 إلى 2010 نسبة الفقر المدقع في العالم، قلت من 43% إلى 21%، والتي تمثل تقريباً مليار إنسان.
ففي الصين وحدها، التي انتقلت من النظام الشيوعي إلى نظام استغلال السوق الحر والرأسمالية بغطاء شيوعي في أوائل الثمانينيات.
انتزعت 680 مليون إنسان من الفقر المدقع، وقلت نسبة الفقر من 84% في عام 1980 إلى 10% في عام 2010.
ويقال أن الرأسمالية شجعت الإبداع والابتكار. الحافز المادي لشركة أن تنمو وتبيع أكثر جعلت الشركات تضع ميزانية للبحث العلمي والتطوير.
فتضمن أنها تبيع أفضل وأحدث منتج في السوق وتظل تكسب أو يتفوق عليها منافسها.
وهناك وجهة نظر أخرى، تقول أن الرأسمالية كانت السبب في زيادة عدم المساواة في الثروة والدخل.
حيث تحدث اقتصاديون كثيرون عن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وانحسار الطبقة الوسطى التي كانت تعتبر حجر التوازن.
عام 2016 أغنى 1% من العالم ملكوا 45% من ثروات العالم بأجمعه، بينما في عام 2021 سيصبح نصيب هؤلاء 51%.
ومع ازدياد عدم المساواة بين طبقات المجتمع تزيد نسبة الجرائم ويزيد عدم الاستقرار.
وهناك بحث أثبت أن هناك علاقة كبيرة بين العدالة في توزيع الثروات وصحة المجتمعات نفسياً واجتماعياً. وبين ظهور أمراض كغياب الثقة والتخوين والنصب والسرقة.
وأثبت البحث أنه على عكس ما يظن الناس، أن أي مجتمع غني ولديه أموال كثيرة هو مجتمع أكثر صحة وسعادة.
بغض النظر عن وجود المساواة أم لا، لكن المجتمعات الأكثر مساواة هي المجتمعات الأكثر صحة بغض النظر عن كونها غنية أم لا.
عيوب النظم الرأسمالية
لخص الاقتصادي في جامعة هارفارد ريتشارد فريمان المعادلة وقال: سياسات الرأسمالية حسّنت دخل المليارات من الناس، لكنها ركزت المليارات في جيوب القلة.
أي أن الفقراء كثيراً تحسن وضعهم قليلاً، لكن القلة الأغنياء أصابوا ثراءً فاحشاً. والطبقة الوسطى القليلة صعد بعضهم لطبقة الأغنياء، لكن الأغلبية انسحقوا إلى أسفل.
وجهة نظر أخرى تقول أن النظام الرأسمالي يقتل الإبداع، لأنه يضعه تحت رحمة اختيار المستهلك، والذي ليس دائماً الاختيار الأمثل.
فمثلاً أعلنت شركة دواء أنا ستسحب استثمارها في البحث العلمي لعلاج بعض الأمراض لأنها أصبحت نادرة في الدول المتقدمة.
وهي تخص الدول الفقيرة، وحتى لو اكتشفوا أدوية جديدة لن يستطيعوا بيعها لتلك الدول الفقيرة، فالهدف في النهاية ما الذي يجذب المال.
النظام الرأسمالي والأخلاق
أيضاً في نقد للنظام الرأسمالي، هو بعده عن الأخلاق والقيم. وهدفه الربح والإثراء فقط.
فأي طريقة ستأتي بالأموال لتوسيع الشركة، والتي هي هدف الشركة، ستتبعها دون مخالفة القانون، ودون مراعاة الجانب الأخلاقي أو الإنساني.
صاحب العمل هدفه زيادة ربحه، فيجبر العمال على العمل لساعات أطول لتزيد إنتاجيته ويكسب أكثر وفي المقابل يريد تقليل المصاريف.
وبذلك سيدفع رواتب أقل للعمال، غير أنه لا مانع لديه أن تكون ظروف تشغيلهم غير آمنة و غير آدمية إن كان في دولة لا تحمي عمالها، وليس لديها قوانين تمنع استغلال العمال.
وبهذا الشكل أصبح رجال الأعمال يزدادون غنىً وترفاً، والعمال يزدادون فقراً وبؤساً. وهذا هو الوجه القذر للنظم الرأسمالية.