الحياة والمجتمعحول العالمشخصياتعلوم الفلك والأرضقصص وحكايات

قصة ألفريد نوبل إغراء القوة


الدكتور طارق سويدان قصة وفكرة – نوبل –إغراء القوة

 قصة حياة ألفريد نوبل : حسب إحصائيات معهد بحوث السلام الدولي في ستوكهولم في السويد، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري العالمي ألف وسبعمئة وخمسين مليون دولار، تقريباً اثنين تريليون دولار في عام 2013.

العالم اليوم ينفقون على السلاح ما يزيد عن مئة وثلاثين ضعف مجموع ما يصرف على كل المساعدات الإنسانية.

 السلاح مربح، إغراء القوة هذا موضوع حلقة برنامج قصة وفكرة، وخير من يعبر عن هذه الفكرة اختراع نوبل للديناميت وندمه على ذلك.

نشأة ألفريد نوبل

نوبل شخصية غربية جمعت متناقضات، الناس يعرفون عنه فقط جائزة نوبل.

ولد في ستوكهولم في 21/أكتوبر/1833، وانتقل مع أسرته عام 1842 إلى سانت بيترسبيرغ في روسيا.

وعمل والده في المتفرجات وعلى اختراع ألغام بحرية، استخدمتها روسيا عندما كانت تحت حكم القيصر، واستخدمتها في حرب القرم عام 1853 إلى 1856.

بسبب هذه الاختراعات التي اخترعها، أرسل ولده ألفريد نوبل للدراسة في أرقى الجامعات.

فبرع نوبل في دراسته لا سيما في الكيمياء، كمان برع في اللغات، كانت يتحدث الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية بكل طلاقة.

ثم انتقل إلى باريس عام 1850 بعمر 18 سنة، بعد ذلك انتقل إلى أمريكا، هذه التنقلات الكثيرة فتحت أفاقه.

تعلم من عدة جهات، تعلم من والده وتعلم من الجامعة وتعلم في العديد من الدول، فلما سافر إلى أمريكا سافر لدراسة الكيمياء، وحصل على أول براءة اختراع عام 1857م.

دراسة نوبل للكيمياء، وعمل والده في المتفجرات، والعديد من العلوم، يسرت له أن يتقن علم المتفجرات.

اختراع ألفريد نوبل للديناميت

 كرس نوبل نفسه لدراسة المتفجرات، وخاصة صناعة الاستخدام الآمن للنيتروجليسرين.

النيتروغليسيرين مادة متفجرة رئيسية تستعمل في المتفجرات، ولكنها كانت متفجرة بطريقة غير منضبطة، فأحياناً تقتل من حولها.

 فكيف تحولها لمادة متفجرة آمنة؟

هذه كانت القضية الرئيسية عند ألفريد نوبل، عام 1863 اخترع نوبل جهاز تفجير، وفي عام 1865 قام بتصميم كبسولة تفجير، وطور الجهاز الذي يفجر النيتروغليسرين.

لكن مازال النيتروغليسرين فيه مشاكل وغير مستقر وغير آمن، فاكتشف نوبل اختراع من خليط النيتروجليسرين مع مادة خاملة، فقام بخلطهم وأصبحت مادة آمنة.

مع الاختراعات التي اختراعها ألفريد نوبل من أدوات التفجير صنع مادة متفجرة أمنة يستطيع أن يتحكم فيها، سمى هذا الاختراع ديناميت.

وحصل على براءة اختراع له في عام 1867، وقد سجل براءة الاختراع في أمريكا وفي بريطانيا.

فاشتهر الخبر وانتشر، فتهافتت على شراء الديناميت شركات البناء، ليستخدموها في هدم العمارات التي يريدون أن يتخلصوا منها، وشركات المناجم ليحفروا فيه المناجم، والقوات المسلحة.

 وانتشر الديناميت في جميع أنحاء العالم، قام ألفريد نوبل بإنشاء عشرات المعامل والمصانع في عشرين دولة، لأنه هو من يملك براءة الاختراع وصنع الديناميت في عشرين دولة، وجنى من وراء ذلك ثروة كبيرة حتى أصبح ألفريد نوبل من أغنى أغنياء العالم.

لكنه كان يعيش وحيداً ليس له أسرة ولا أولاد بعيداً عن أهلة، فعاش في مأساة اجتماعية، وصل للغنى والغنى وحده لا يصنع السعادة.

 جائزة نوبل:

حصل حادث صغير غير حياة ألفريد نوبل عام 1888، توفي شقيق ألفريد نوبل، وقامت صحيفة فرنسية بنعي ألفريد نوبل على أنه هو الذي مات عن طريق الخطأ.

فبدأت المقالات تكتب في التنديد بسبب اختراع الديناميت، وتمت كتابة هذا النعي بجملة رئيسية (تاجر الموت ميت).

شعر نوبل بخيبة أمل مما قرآه والذي مات هو أخوه، وانتابه قلق شديد كيف سيذكره الناس بعد موته؟ كيف سيخلده التاريخ؟ هل سيخلده كتاجر موت؟

بسبب هذه الحادثة الصغيرة، قرر نوبل أن يكفر عن نتائج هذا الاختراع المدمر الذي صنعه، فأخذ يكتب وصيته خاصة في الجزء الأخير من حياته، كتب وصية تنص على:

تخصيص الغالبية العظمى من ثروته في ذلك الوقت 30 مليون كرونة سويدية، وهو مبلغ ضخم جداً في القرن التاسع عشر.

تؤخذ هذه الثروة وتستثمر كوقف من أجل مشاريع ربحية، هذه الأرباح تمنح كجوائز سنوية تعرف باسم جائزة نوبل.

شرط أن تعطى لأكثر الناس الذين أفادوا البشرية في المجالات المختلفة، وهو من حددها.

تمنح الجوائز الثلاثة الأولى إلى أبرز الناس في العلوم الطبيعية والكيمياء والعلوم الطبية، وتمنح الجائزة الرابعة للأعمال الأدبية، والجائزة الخامسة تمنح للشخص أو المجتمع الذي يقوم بأكبر خدمة للسلام الدولي.

 وبقيت جائزة نوبل إلى يومنا هذا

أقام نوبل وقف وهو مورد مالي للجائزة، فالجائزة الواحدة أكثر من مليون دولار، بالإضافة للعملة الذهبية وأيضاً السمعة العالمية.

أضيف لجائزة نوبل لاحقاً جائزة نوبل في الاقتصاد، ولم تكن هذه الجائزة ضمن القائمة الأصلية للجوائز التي كتبها نوبل نفسه، لكن البنك المركزي السويدي قام بإضافتها.

وفعلا تم منحها أول مرة في عام 1969، و فاز الكثير من الناس بالجائزة، وأكثر الناس للأسف فازوا بهذه الجائزة هم يهود، وقليل جداً من فاز من العرب.

من العرب الفائزين بجائزة نوبل

ومن العرب الفائزين بجائزة نوبل، نجيب محفوظ وأنور السادات وياسر عرفات أعطوهم جائزة السلام، بسبب تخاذلهم تجاه إسرائيل، وأعطيت كجوائز علمية لأحمد زويل، والبرادعي عندما كان يدير منظمة الطاقة والقنابل النووية.

هدف نوبل من اختراعه الديناميت

خلال حياته نوبل أصدر 350 براءة اختراع، وهو من أعظم المخترعين وقليل من يتفوق عليه كأديسون مثلا.

قبل وفاته قام بإنشاء عدة مصانع مرة أخرى للأسلحة، رغم اعتقاده أنه يجب أن يتحول للسلمية، لكن إغراء المال إغراء القوة والثروة هو الذي وجهه لذلك الاتجاه.

لنتحدث قليلاً عن النوايا الطيبة، لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي، كثير من الأفعال كانت جرائم في تاريخ البشرية وكان ورائها نية طيبة.

أراد نوبل أن يقدم منجزاً جديداً اختراعاً يفيد البشرية ويترك بصمة نافعة للناس، فتولدت لديه فكرة التوفير.

تولدت لدى ألفريد نوبل فكرة توفير الطاقات الإنسانية الهائلة، التي تبذل في المناجم وهدم الأبنية وفي سبيل إسقاط الحجارة ومواد البناء من الجبال وفتح السدود والطرق.

كان هدف وتركيز نوبل أن يقدم بديلاً يقوم بهذه المهام بدل الحفر الإنساني.

كانت هذه الشرارة العبقرية سبباُ لولادة الديناميت، ويمكن اعتبار الديناميت من أهم الإنجازات الصناعية، في المناجم ومقالع الحجارة وشق القنوات ووضع أساسات المباني الضخمة بهدم   سابقها.

ولكن نوبل لم ينتبه لنوازع الشر الفطرية الموجودة في البشرية، كانت النتيجة كارثية ولم تنفع نوايا نوبل الطيبة في حفر السدود والقنوات والجبال.

كانت فكرة نوبل أن يتحول الديناميت إلى سلاح ردع، حتى قال (إن الديناميت الذي اكتشفته سيقود قريبا إلى السلام، أسرع من عقد ألف اجتماع دولي نحو السلام، عندما يدرك الناس أنه من الممكن نسف جيوش بأكملها فإنهم سيجنحون للسلم).

لكن تقدير نوبل للأمور كان خاطئ تماماً، لذلك لم يتمكن نوبل من منع القوات العسكرية من استخدام هذا السلاح الذي من المفروض أن يكون سلاح ردع.

استعمل الديناميت في تفجير أشياء أخرى، وفي مقدمتها الإنسان نفسه، فجروا البشر في الديناميت، ثم تطورت صناعة المتفجرة، إن كل هذه التفجيرات التي في العالم ورائها هذا الاختراع.

في 1891 انتقل نوبل من باريس إلى سان ريمو في إيطاليا، وهناك أصيب بذبحة صدرية سنة 1896 ومات.

أندرو كارنيجي

لم يكن نوبل هو العالم الوحيد الذي استجاب لإغراء القوة وتحولت نواياه الطيبة إلى شرّ.

علّم أخر استجاب للقوة هو أندرو كارنيجي، هو الجد الأكبر للعالم الشهير ديل كارنيجي صاحب كتاب تكسب الأصدقاء وتؤثر بالناس.

أندرو كارنيجي هاجر في سن 12 سنة من عمره إلى أمريكا، وعمل تلغراف، ثم عمل حارس لقضبان السكك الحديد، ثم بعد ذلك تحول إلى مورد لهذه القضبان.

ثم تحول إلى صناعة هذه القضبان في زمن الحاجة لنقل الجنود في الحرب الأهلية الأمريكية.

رغم أن كارنيجي كان يكره الحروب لدرجة أنه كان يرد تدريع السفن الأمريكية العسكرية بالحديد الصلب الذي كان يصنعه، لكنه أغراه المال وتراجع عن قراره.

 وكان يعتذر ويقول (إن لم أورد لهم سيأخذونه من غيري، ويأخذونه من خلف البحار، وأولى به الأمريكان).

واستهوته الأرباح، وتحول إلى إنتاج الدروع المثقوبة التي إنتاجها أسرع وتكلفتها أقل.

رغم إعلانه لأكثر من مرة أنه ضد الحروب وضد القتل، لكن إغراء المال جعله أكبر منتج للمدافع في أمريكا.

ولم تكون المدافع هي سبب تضخم ثروته، بل تضخمت ثروته من القنابل التي احتكر صناعتها للمدافع، فالمدفع الواحد ليس له قيمة بلا ذخيرة تدمر وتقتل.

وبسبب الحروب استخدم كميات ضخمة من الذخيرة لكل مدفع، فهنا اكتشف أن هذه مصدر مال رئيسي، فسال المال إلى خزائنه.

محكمة لاهاي

مع الأيام لمّا تقدم كارنيجي في السن، اكتشف أنه أسهم بقتل ملايين البشر بقنابل مدافعه، وتاب وندم.

اشترى كارنيجي قصراً فخماً في لاهاي، وأهداه لمحكمة العدل الدولية، هذا مقر محكمة العدل الدولية التي تنظر في منازعات الدول في العالم.

وعرض راتب إضافي لأي قاضي يتفرغ لهذه المحكمة، إلى اليوم تدفع من أوقافه، فأي قاضي يتفرغ لحسم النزاعات الدولية، له راتب إضافي من كارنيجي.

وأنشأ المؤسسة الشهيرة، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وكان يقول (أحلى اللحظات هي اللحظة التي تشعر فيها أنك كونت ثروة، وبعدها تهب معظم ثروتك إلى الفقراء والمحتاجين وأنت حي قبل أن تموت، لتشعر بسعادتهم وأنت مازالت على قيد الحياة).

بعد كل هذه السنين وهذه التجربة قال كارنيجي (أشنع ما في هذه الدنيا هو عبادة المال).

ولم يكتفي فقط بمحكمة لاهاي، بل أسس 2811 مكتبة عامة، وأسهم في شؤون الطب والتعليم.

وهّب كارنيجي أكثر من 350مليون دولار في زمانه، التي تعد الأن بالمليارات للمحتاجين والمنظمات الدولية، ولكن بعد قتل الماليين بإنتاجه.

ميخائيل كلاشنكوف:

عالماً ثالثاً أيضاً استجاب لإغراء المال والقوة، وهو العريف بالجيش الروسي ميخائيل كلاشنكوف.

ميخائيل كلاشنكوف هو الذي اخترع البندقية الألية المعروفة باسمه، فاقت شهرته شهرة الديناميت التي صنعها نوبل، والمدافع والقنابل التي صنعها كارنيجي.

وأصبحت الكلاشنكوف قاسماً مشتركاً في كل الحروب والنزاعات، وكل العالم يستعمل الكلاشنكوف.

لكنّ ميخائيل كلاشنكوف على عكس سابقيه.

لم يحصل من اختراعه في الاتحاد السوفيتي السابق إلا على جائزة ستالين وهي 150ألف روبل روسي، وعضوية مجلس السوفييت الأعلى لأنها شيوعية، وكل الأموال التي تجنى من الاختراع للدولة، فلم يعطوه شيئاً.

كانت السوفييت تتكتم على شخصية صانع الكلاشينكوف، يعتبرونه سرّاً عسكرياً، حتى كان عند زيارته لمصنع البندقية الكلاشنكوف الذي هو اخترعها والمصنع في بلغاريا، كان عمال المصنع لا يدرون أن الذي يزورهم هو الذي اخترع هذا السلاح الذي يصنعونه.

وكان اسمه يتردد كل ثانية في كل أنحاء العالم.

معنى كلمة السلام

إغراء القوة ليس فقط يشمل الأفراد، كثير من الدول تتبنى الحل العسكري مع الدول الأخرى، وكثير من الطغاة يتبنون الحل الأمني مع شعوبهم.

يقول المثل الغربي اللطيف (إذا كنت مطرقة فسترى كل مشكلة أمامك مسمار).

اسم الإسلام جاء من كلمة السلام، ومن أسماء الله عز وجل السلام، وتحية الإسلام السلام عليكم، ومن أسماء الجنة دار السلام.

في الإسلام الذي يبعثنا على الحرب والقتال ليس الهجوم والاعتداء، وإنما دفع الاعتداء.

يقول الله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، القرآن يأمر بوقف الحرب بمجرد طلب العدو للصلح (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)

الإسلام أكد على حرمة الدم البشري بدون تفريق بين إنسان وإنسان ودين ودين، يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).

يمكن للدولة الإسلامية أن تنتج الأسلحة بكل أنواعها، لكن بهدف الردع والمنع والتوازن العسكري، حتى لا يعتدى علينا انطلاقاً من قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).

وفي النهاية كلمة جون كندي (يجب على البشرية أن تضع حداً للحروب قبل أن تضع الحروب حداً للبشرية).

 طارق سويدان

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى