شركة كوكاكولا من بداياتها
السلام عليكم أهلاً بكم في حلقة جديدة من اقتصاد الكوكب معكم مصطفى الصعيدي واليوم إن شاء الله سنتكلم عن شركة كوكاكولا منذ بدايتها.
وكيف أن هذا المشروب الذي حصل بالخطأ أصبح من أشهر المشروبات في الوقت الحالي.
قصة صعود شركة كوكاكولا
سنة 1861 بدأت الحرب الأهلية في أمريكا وهي باختصار كانت عبارة عن صراعات داخلية ما بين ولايات الشمال وولايات الجنوب الذين كانوا يريدون الانفصال عن أمريكا.
الحرب هذه سقط فيها ضحايا كثر ومصابين أكثر، أحد هؤلاء المصابين كان عقيداً في قوات الجنوب وهو محور كلامنا اليوم.
انتهت الحرب وبقي صاحبنا يعاني من آلام الإصابة فكان يسكن ألمه بالمورفين، وبدأ يدمن على المورفين.
ولأن هذا الرجل أساساً قبل دخوله الحرب كان صيدلياً بدأ يبحث عن علاج آخر غير المورفين الذي يزيد إدمانه عليه يوماً بعد يوم.
ظل يبحث لمدة عشرين عاماً حتى في أحد الأيام سقطت بعض المركبات على بعضهم فنتج معه مشروب طعمه جميل.
وكان هذا المشروب يساعد على علاجات أخرى مثل علاجات بعض مشاكل الجهاز الهضمي.
وبدأ يعرض هذا المشروب على من حوله من الناس، ويجرب فيهم وكانت النتائج جيدة جداً فقرر بيعه في الصيدليات والكسب منه.
موظف من الصيدلية يخطئ أيضاً ويضع على التركيبة مياه غازية فيظهر طعمه أفضل بكثير، وكان هذا عام 1886 والطبيب جون بامبرتون والمشروب هو كوكاكولا .
شعار شركة كوكاكولا
بعدما اخترع جون بمبرتون مشروب الكوكاكولا كان لديه عامل محاسب اسمه فرانك روبرتسون اقترح على جون بمبرتون إسم كوكاكولا كإسم للمشروب ورسم له الشعار الذي نعرفه في الوقت الحالي.
وبدأ المشروب يباع في الصيدليات والأماكن التي فيها نوافير الصودا.
لكن لم يكن هناك إقبال كبير على المشروب بالإضافة إلى أن الإيرادات لم تكن تغطي تكلفة المشروب نفسه، وهذا حدث في عام 1886.
وبعد ذلك بسنة واحدة ظهر شخص آخر طبيب اسمه أسا كاندلر وهذا الرجل اشترى من جون بمبرتون التركيبة أو اشترى جزءً كبيراً من الشركة بمبلغ 2300 دولار.
ما تبقى من الشركة كان باسم تشارلي ابن جون بمبرتون. وفي سنة 1888 مات جون بمبرتون بسبب آلامه وإدمانه على المورفين.
وبذلك أصبحت التركيبة والشركة في يد أسا كاندلر وجزءاً صغيراً باسم تشارلي بمبرتون. في نفس السنة يقال أن هذا الولد احتاج للمال فباع نصيبه أيضاً إلى أسا كاندلر.
وبعد خمس أو ست سنوات مات الولد في ظروف غامضة، وبهذا الشكل أصبحت الشركة بأكملها أصبحت ملكاً لأسا كاندلر.
إعلانات كوكاكولا الفريدة
من عام 1890 إلى عام 1900 تحولت كوكاكولا إلى شركة وتم تصنيع كميات كبيرة من المشروب، وأصبح للمشروب هوية كالعلامة.
حيث قام بدهن البراميل بالأحمر ووضع عليهم إشعاراً وطبع كوبونات مشروب مجانية ليقوم الناس بتجربة المشروب وقدم هدايا مطبوع عليها اللوغو ليعطيها للناس.
وكانت أساليب للدعاية التي خرجت في ذاك الوقت مختلفة جداً عن المألوف، نحن حالياً ما زلنا نطبق نفس أساليب التسويق [1]، وهذه الأساليب ساعدت في انتشار مشروب كوكاكولا بشكل كبير جداً.
منذ عام 1890 كان يبيع في السنة الواحدة 9000 جالون من مشروب كوكاكولا وبعدها بعشر سنوات عام 1900 أصبح يبيع 370 ألف جالون سنوياً.
وبدل المصنع الواحد أصبح اثنين وثلاثة وموزعين كثر في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى أن شركات مستقلة بدأت تعمل شراكة مع شركة كوكاكولا لتوزيع المشروب.
زجاجات كوكاكولا
في ذات وقت توسع شركة كوكاكولا كان هناك مستثمرين اثنين يريان هذا النجاح، أحدهما بنيامين توماس والأخر اسمه جوزيف وايتهيد.
وكلاهما بعد أن رأيا هذا النجاح وتساءلا لم لا يتم تعبئة كوكاكولا في زجاجات، وتظل مع الناس في أي مكان؟ فذهبا إلى أسا كاندلر وقالا له أنهما مستعدان لإنشاء مصانع لزجاجات كوكاكولا .
أسا كاندلر لم يكن مقتنعاً بالفكرة لأنه يرى أن الناس يحبون شرب كوكاكولا في أكواب في الأماكن العامة أو الصيدليات فلا داعي لزجاجات، لكن ليس ذلك مشكلة طالما المبيعات يمكن أن تزيد فلم لا؟
فوضع عقداً حصرياً لهما ببيع مشروب كوكاكولا في زجاجات في أمريكا كلها، وهذا الامتياز في العقد أعطاهم إياه بقيمة دولار واحد فقط.
لأنه لم يكن يتوقع أنه سيأتي من الأمر فائدة، لكنه مجال يمكن أن يفتح له مبيعات أكثر للمشروب.
وعلى عكس ما توقع أسا كاندلر أصبح المشروب منتشراً بشكل كبير جداً، وبسبب هذا الانتشار نتج عنه محاولات شركات كثيرة جداً لتقليد الكوكاكولا أو تصنع مشروبها الخاص.
منافسة شركة بيبسي
وأول شركة قامت بتقليد كوكاكولا كانت شركة بيبسي ومنتجهم أيضاً أخذ شعبية فيما بعد لكن بقية الشركات لم يكن لديها حظ ليصنعوا مشروباً مميزاً مثل كوكاكولا أو بيبسي.
لذلك بدأوا ببيع مشروباتهم على أنها كوكاكولا مقلدة، مما نحا بالشركة أنه تسعى لتمييز منتجها عن باقي المنتجات المقلدة.
فقامت في عام 1916 بإخراج الشكل المعروف لزجاجات كوكاكولا ليستطيع الناس تمييز الكوكاكولا عن بقية المنتجات الأخرى.
أثر الحرب على الشركات
وتبدأ الحرب العالمية الأولى ولم ير العالم حروباً مثل هذه الحرب قبل ذلك، فلم تعرف الشركات ماذا عليها أن تتصرف وتأخذ احتياطاتها.
وكان الوضع صعباً على جميع الشركات وبالأخص كوكاكولا وبيبسي، وبما أن كوكاكولا كانت أكبر بكثير من بيبسي في تلك الفترة وكانت تعتبر أكبر مستهلك للسكر.
في وقت الحرب كان هناك تقنين للسكر بالتالي أسعار السكر ارتفعت بشكل مبالغ به جعل شركة كوكاكولا تجد صعوبة في تجاوز الحرب، لكنها استطاعت أن تكمل وسارت الأمور حتى عام 1919.
أسا كاندلر في تلك الفترة لم يستطع أن يستمر في الشركة، فبعد الحرب قرر بيع الشركة بمبلغ 25 مليون دولار لمجموعة من المستثمرين وعلى رأسهم إرنست وودروف.
روبرت وودروف ابن إرنست هو الذي أدار شركة كوكاكولا لمدة 60 سنة فيما بعد لتبدأ عصراً جديداً من التوسع على يد هذا الرجل من العشرينات إلى الثمانينات من القرن الماضي.
وما ساعد روبرت وودروف هو أنتشار الثلاجات في البيوت والمحلات وأي مكان تجد فيه اختراع الثلاجة وبأسعار جيدة.
وهذا الاختراع ساعد شركة كوكاكولا أن تقدم المشروب لأي شخص في أي وقت في أي مكان في العالم كما كان يحلم.
المنافسة في الدعاية والإعلانات
بداية من الثلاثينات وتبدأ المنافسة ما بين كوكاكولا وبيبسي وخصوصاً من طرف بيبسي لأن كوكاكولا كانت مسيطرة في ذلك الوقت وبيبسي كانت تحاول أن تأخذ منها حصة في السوق.
لكن كوكاكولا كانت متقدمة كثيراً وخاصة من ناحية الدعاية والإعلان، فمثلاً أحد الأمور المشهورة عنها أن شكل سانتا كلوز الحالي الذي نعرفه هم الذين اخترعوه في إحدى الإعلانات.
وإلى يومنا هذا الناس لا يعرفون أي شكل آخر عن سانتا كلوز سوى الشكل المشهور، وكذلك أمور أخرى في الإعلانات.
أيضاً كوكاكولا كانت تصرف على الدعاية والإعلانات أكثر من أي شركة أخرى في ذلك الوقت، وحتى وقتنا الحاضر.
ففي عام 2018 كوكاكولا صرفت ما يقرب من 4 مليار دولار إعلانات، وذات الرقم لدى شركة بيبسي.
لكن عندما ترى هذا الرقم كم يعادل، ستجد أن هذا الرقم يعادل ما تصرفه شركة Apple وشركة Microsoft معاً.
إيرادات شركة كوكاكولا
لكن على الرغم من هذا الصرف على الإعلانات بهذا الشكل الكبير والانتشار الكبير المتفوق على بيبسي على مستوى العالم، وبيعها أيضاً أكثر منها.
إلا أن الإيرادات السنوية لشركة بيبسي ضعف إيرادات شركة كوكاكولا، يعني كماركة مشهورة عالمياً ستجد أن كوكاكولا أشهر من بيبسي.
فكوكاكولا في المرتبة رقم ستة وبيبسي في المرتبة 29 من حيث القيمة السوقية، وستجد أن كوكاكولا تتجاوز قيمتها 234 مليار دولار بينما بيبسي 190 مليار دولار.
ومع ذلك تجد أن إيرادات شركة كوكاكولا تقرب من 31 مليار دولار سنوياً في 2018، أما بيبسي إيراداتها 64 مليار دولار.
وحسب هذه الإحصائيات كوكاكولا أكبر من بيبسي ومع ذلك بيبسي إيراداتها أعلى منها، والسبب في ذلك هو الشركات التي تمتلكها بيبسي والشركات التي تمتلكها كوكاكولا.
يعني كوكاكولا تمتلك بعض العلامات مثل Mcdonalds و Subway وبعض الماركات الأخرى والشركات التي تمتلكها كوكاكولا تعمل إيرادات أقل من التي تعملها الشركات التي تملكها شركة بيبسي
بالتالي بيبسي تمتلك علامات مثل Pizza hut و KFC و شركات أخرى لكن أرباح هذه الشركات أكبر من أرباح شركات تحت كوكاكولا
بالتالي نجد أن شركة بيبسي أعلى من شركة كوكاكولا في الإيرادات.
حرب الكولا بين كوكاكولا وبيبسي
في فترة السبعينات أو ما يسمى حرب الكولا التي بدأت مع حملة إعلانية قدمتها شركة كوكاكولا وهو الإختبار الأعمى لطعم الكولا.
فيحضرون أناساً من الشارع ويضعون كرتونة فيها زجاجة بيبسي وزجاجة كوكاكولا ويشرب الشخص في كوبين دون أن يعرف ماذا شرب.
والناس يحكمون أي مشروب فيهما طعمه أطيب والنتيجة معظمها كانت تذهب إلى شركة بيبسي، بالتالي هذا الإعلان سبب ضجة كبيرة جداً لشركة بيبسي وبدأت تأخذ حصة أكبر من كوكاكولا .
أزمة شركة كوكاكولا
ما زاد نسبة استحواذ بيبسي على السوق أن شركة كوكاكولا في الثمانينات قررت تغيير الوصفة السرية أو التركيبة السرية خاصتها وتصنع مشروباً جديداً اسمه New Coke.
الناس لم يحبون هذا التغيير ولم ويتقبلوه، وقامت مظاهرات في الشوارع ليعيدوا التركيبة الأصلية لأنهم لم يحبوا التركيبة الجديدة.
واضطرت شركة كوكاكولا في النهاية أن تعيد الوصفة القديمة وبدأت تعمل من هذه الفترة لتعيد الحصة السوقية إلى النسبة الأكبر.
وحالياً وصلت إلى استحواذ بنسبة 49% من السوق وبيبسي تستحوذ على 39% من السوق.
الوصفة السرية
فكرة الوصفة السرية لكوكاكولا وكم هذه الوصفة محمية ولا أحد في العالم يستطيع الوصول إليها، وأن فقط اثنان مسموح لهما أن يكون معهما التركيبة.
ويمنعان من أن يسافر الإثنان معاً على نفس الطيارة، وأمور كثيرة صدرت عنها شائعات للإعلانات عن الوصفة السرية للكوكاكولا.
وفي الحقيقة أن موضوع الوصفة السرية ما هو إلا وهم، قامت به شركة كوكاكولا لتعزيز فكرة عند الناس أنهم يشربون شيئاً ليس طبيعياً ولها وصفة ومحمية ومثل هذا الكلام.
هذه الفكرة ساعدتهم على التسويق للمنتج بشكل أفضل، لأن أي كيميائي شاطر أو أي شركة يمكنهم أن يحللوا المركبات ويعرفون التركيبة والمكونات التي ليس معلن عنها.
وببساطة يقولون أن اثنان فقط في الشركة يعرفان الوصفة مع أن أي محاسب لديه صلاحيات كبيرة في الشركة يمكنه أن يحضر المكونات والفواتير التي تم دفعها على المكونات.
وحتى أن شخصاً كان يعمل في شركة كوكاكولا واستطاع الحصول على الوصفة السرية وذهب إلى شركة بيبسي وعرض عليهم التركيبة مقابل 1.5 مليون دولار.
لكن بيبسي لم تهتم بالتركيبة أساساً، وبلّغت عن هذا الشخص وتم القبض عليه.
لماذا لم تنجح سرقة الوصفة السرية
طالما أن أي شخص يمكنه الحصول على التركيبة السرية لماذا لا أحد يستطيع أخذ هذه التركيبة وينشئ شركة مثل كوكاكولا، لسبب وحيد أن الموضوع لا يستحق.
فالكوكاكولا متوفرة للكل وبأسعار رخيصة فالمستهلك ما الذي يجعله يترك المنتج الأصلي ويشتري منتجاً شبيه بالكوكاكولا وبنفس السعر تقريباً؟
وهذا هو السبب الذي جعل شركة مثل بيبسي لا تحاول أساساً أن تعرف التركيبة لكوكاكولا ويمكن هو السبب الذي يجعل شركات كثيرة لا تقدر على منافسة شركة بحجم كوكاكولا وبيبسي.
الوصفة السرية ما هي إلا مفهوم استخدم لصناعة الوهم حول المنتج عند الناس.
والدليل على ذلك أن كوكاكولا في الثمانينات عندما غيرت التركيبة وصنعت تركيبة جديدة مختلفة قليلاً عن القديمة.
الناس لم يحبونها وتظاهروا في الشوارع لأنهم يريدون التركيبة الأصلية. على الرغم من أن التركيبة الجديدة كان طعمها أفضل من القديمة بالإحصائيات.
هذه كانت النقاط المهمة من وجهة نظري التي أحببت أن أتحدث إليكم فيها عن شركة كوكاكولا وعن الصراع وحرب الكولا ما بين البيبسي و الكوكاكولا.
شكراً.
المصادر
Our story 1919-1940: Coke’s first Olympics
The Tragic History Of John Pemberton
Asa Candler: The Man Behind Coca-Cola’s Pop
Coca-Cola Tycoon Robert Woodruff Dies at Age 95