اللغة واللهجات : من بين كل الأشياء التي تميز البشر عن باقي المخلوقات، هي اللغة، وعلى حد علمنا إلى الآن، لا يوجد أي مخلوق يتحدث مثل البشر.
الكثير من الحيوانات، تستطيع أن تتواصل مع بعضها عن طريق الإشارات أو الأصوات، ولكن لا يستطيع أي منهم أن يروي قصة، عن شيء مر في زمن ماض.
بعض البشر حاولوا أن يعلموا القردة والطيور، بعض الكلمات والإشارات، ولكن مستواهم في التواصل، كان أقل من الطفل الصغير.
تكوين الجمل ونقل الأخبار، واختيار الكلمات، كلها صفات خاصة بالإنسان، وتختلف اللهجات من إنسان إلى آخر.
مع أننا من نفس الفصيلة من البشر، وأدمغتنا تعمل بنفس الطريقة، وأعضاء أجسادنا تشبه بعضها البعض، ولكن لم ألسنتنا قررت أن تنطق حروف مختلفة، في كل جزء من العالم؟
ما هي اللغة؟
حتى نستطيع أن نتحدث عن اللغات، يجب أن نعرف معنى اللغة في البداية، وتعريفها سهل، اللغة هي الطريقة التي يتحدث بها الناس.
أسماء وأفعال وحروف والجمل، وهي أشياء تدخل ضمن اللغة، وليس كل اللغات لديها نظام للكتابة، مثل العربية والانجليزية.
عندما نفكر في كلمة اللغة، نعتقد أنها صفحة من كتابة لغوية لا نعرفها، ولكن الكتابة فعلياً تأتي في مرحلة متأخرة، من حياة اللغة.
حالياً في العالم يوجد حوالي خمسة آلاف لغة، واثنين منها فقط، يوجد لديهم الكتابة والقراءة، فالكتابة والحروف أشياء تمثل اللغة، ولكنها ليست اللغة نفسها.
ولا تستطيع أن تقول أن اللغة هي مجرد كلمات، فمثلاً تستطيع أن تقرأ كل الكلمات الموجودة في قاموس اللغة الإنجليزية، ولكن لا تستطيع أن تركب جملة صحيحة.
اللغة كلمات وقواعد
هذا أبسط تعريف ممكن تراه للغة، فمثلاً جملة (ذهب أحمد إلى المدرسة) الكلمات منفصلة، ولكن لديها قواعد محددة، فإن ذهب هي فعل ماضي وأحمد فاعل، وإلى حرف جر والمدرسة مفعول به.
وبما أن مدرسة أحمد لا نعرفها، وهي نكرة، فنضيف حرفي ال أمامها، فتصبح المدرسة، هذه هي اللغة.
الكلمات تعطينا المعاني، والقواعد تعدل وترتب الكلمات، لتعيطنا الجمل، كل اللغات حول العالم، لديها كلماتها وقواعدها الخاصة بها، وأي شخص درس لغة ثانية، يعرف كيف يتعلم القواعد.
اللهجات باختلافها، لديها قواعد خاصة بها، مثل لهجتك أنت، التي تتحدث بها في المنزل، فيها قواعد خاصة، تكون مختلفة قليلاً، عن قواعد اللغة الفصحى.
حتى أن طريقة ترتيب الجمل أثناء الحديث، تختلف في اللهجة العامية، وهي تختلف أيضاً من دولة عربية إلى أخرى، مع أنها تكون نفس الكلمات، ولكن بحروف مختلفة.
البشر مصممين بهذه الطريقة، فإن اللسان يلزم بنظام وقواعد معينة، حتى وإن كنت لا تعرف قواعد اللغة، فالدماغ هو الذي يتحكم في أي خلل في الحديث.
الدماغ يعرف أن الصفة، يجب أن تتبع الموصوف مثلاً، والجملة يجب أن تكون مرتبطة ببعضها، ويمكن أن لا تعرف الصفة والموصوف، فاللغة كلمات وقواعد.
الأسر اللغوية
الكثير من اللغات حول العالم، تتشابه في كلماتها وقواعدها، فلدينا في العربية والعبرية مثلاً، كلمة ذكر في العربية، يقابلها في العبرية زخار، واللغتين بينهما الكثير من الكلمات المتشابهة.
لا يتوقف التشابه هنا، بل حتى في طريقة تكوين الكلمات في اللغتين، هي نفسها الكلمات في اللغة العربية، ومعظم اللغات الموجودة في الجزيرة العربية والعراق والشام.
تتبع نظام الجذور في اشتقاق الكلمات، وكل لغة لديها مجموعة كلمات أساسية، اسمها الجذور، تستطيع أن تشتق منهم باقي كلمات اللغة.
مثل أن يكون الجذر فعل كتب، فتستطيع أن تشتق منها كلمات، كتاب وكاتب ومكتوب، وهذا النظام موجود في كل اللغات في المنطقة.
ومن المستحيل أن يكون هذا التشابه صدفة، أساس هذه الأمور موجودة، في واحدة من هذه اللغات على مر الأزمان.
ولا نظن أنهم يسرقون هذه الأشياء من بعضهم، وهذا النوع من التشابه، ليس موجوداً فقط في الشرق الأوسط.
الكثير من لغات العالم متقاربين في الكلمات والقواعد، الإسبانية والبرتغالية، الهندية والبنغالية، التركية والأذربيجانية، الانجليزية والألمانية.
اللغة الأم
علماء اللغة، لاحظوا هذا الشيء، وبدأوا يدرسون ويقارنون بين اللغات المختلفة، وصلوا إلى نتيجة.
اللغات بينها علاقة نسبية، فاللغات في تغير وحركة مستمرة، وهذا شيء طبيعي، أن يكون لديك لغة مع الزمن تتغير وتتفرع إلى عدة لهجات.
وكل لهجة تواصل التغير، إلى أن تصبح لغة مستقلة، وتكون هي اللغة الأم، وباقي اللغات تابعة لها.
هذه الفكرة تشرح التشابه العجيب، بين العديد من اللغات، وسبب التشابه بين اللغة العربية والعبرية، وباقي أبناء عمهم.
من الضروري أن ننبه، أن اللغة السامية الأم، هي لغة افتراضية، استدل عليها باستنتاج منطقي صحيح، أنه لا يوجد لها نص كتابي، ولا يمكن إثباتها 100%.
ولكن هي الفرضية الأقوى حتى الآن، في تفسير اللغات في المنطقة، الفكرة أن كل لغة كانت لها تشابه باللغة المنقرضة، وكانوا متحدثيها يفهمون بعض في وقت من الأوقات.
ولكن اللهجات استمرت في التغير، إلى أن وصلت إلى أن لا أحد يفهم الآخر، وكل لهجة صارت لغة مستقلة، وهذه هي دورة حياة اللغة الطبيعية، من لغة إلى لهجات، إلى لغة جديدة، وهكذا.
فاللغة تتغير مع الزمن، والتغيرات تنتج منها لهجات ولغات جديدة، واللغة تحتفظ ببعض الصفات، التي ورثتها عن أسلافها، وهذا سبب تشابه الكثير من اللغات.
كيف تتغير اللغات؟
هناك عدة أسباب وعمليات، أدت إلى تغير اللغات وظهور اللهجات، معظمها يندرج تحت مبدأ تقليل الجهد.
الإنسان مخلوق كسول، وبذكاء وتفوق، فأي فعل يتطلب مجهود ذهني، يحاول أن يبتكر أدوات وحلول للتخلص منه، وهنا يكمن السبب الرئيسي في تغير اللغات.
اللسان والحنجرة، هي عضلات في النهاية، وتحريكها يحتاج إلى طاقة وجهد، والبشر لا شعورياً، يحاولون أن يقللوا من الجهد والضغط طوال الوقت.
جميع العمليات التي سنذكرها، لم تتكون في يوم وليلة، بل هي عملية بطيئة، وأخذت أجيالاً حتى ظهرت بشكل واضح على ألسنتنا.
ارتخاء الأصوات
في كل لغة هناك حروف أصعب من غيرها، ففي اللغة العربية، لدينا حروف مثل القاف والكاف والثاء، وبدرجة أقل حرف الذال، وهذه الحروف صعبة على اللسان والحنجرة.
حرف القاف مثلاً، يخرج من أقصى نقطة في اللسان، وحرف الكاف يشبهه أيضاً، ومخارج هذه الحروف متعبة، فيحاول الفم أن يتخلص منها.
مثل دول الخليج والعراق وبعض مناطق مصر والسودان، يرتخي صوت القاف، إلى صوت g، في كثير من الكلمات، مثل كلمة قم، يقولون بدلاً منها gم، وأقعد، يقولون بدلاً منها أgعد.
ومناطق أخرى مثل مصر ودول الشام، يرتخي صوت القاف، ويتحول إلى همزة، فيقولون ألبي، بدل كلمة قلبي، وأل بدل قال.
ومناطق كثيرة تستبدل حرف الثاء بحرف التاء، مثل الثوم يصبح توم، وكثير تصبح كتير، وثلاثة تصبح تلاتة.
والبعض يستبدل حرف الذال، بحرف الزي، مثل كلمة أستاذ تصبح أستاز، وكلمة لذيذ تصبح لزيز.
وفي حرف الكاف، تحول الصوت أيضاً، فإذا كان حرف الكاف مكسوراً، يتحول إلى ch أو تس، وتسمع هذا الشيء في العراق ودول الخليج، ونجد بشكل واضح.
مثل كلمة لكِ تصبح لتش أو لتس، وكلمة ثوبكِ تتحول إلى ثوبتج أو ثوتبس، وهذا التحول قديم جداً، لدرجة أن هناك أشعار قديمة، وجدت في بداية الإسلام فيها هذا التحول.
الحروف المتحولة، يكون نطقها دائماً مشابه للحروف الأصلية، فهذا واحد من التغيرات التي تكون في اللغة، الأصوات ترتخي وتتغير، ومنها ينتج حروف جديدة.
الإدغام
أحياناً الحروف تأكل بعضها، أو تدغم في بعضها، وإذا ركزت في كلام الناس من حولك، تلاحظ أن لهجات كثيرة تسقط منها الحروف.
وأوضح مثال على الإدغام، هو كلمة إلي، الموجودة في الكثير من اللهجات العربية، وهي آتية من اسمي الوصل، الذي والتي.
ولكن حرف اللام، أكل الأحرف التي حوله. وأصبحت الكلمة الي، ومثل جملة: قرأت الكتاب الذي استعرته من المكتبة، تصبح غريت الكتاب إلي استعرته من المكتبة.
وأمثلة ثانية على الإدغام، هو كيف تختفي الحروف المتكررة في الكلمات، مثل كلمة رصصت، تصبح رصيت، وكلمة رددت تصبح رديت، الإدغام عادة يظهر في الكلمات، التي يتكرر استخدامها كثيراً في الحديث اليومي.
دمج الكلمات
اللغة تميل إلى البساطة مع الوقت، ومن الممكن أن تتبسط لدرجة، أن كل صفاتها تتلاشى، ولكن الكسل البشري، هو الذي يخترع كلمات جديدة من دون أن نشعر.
مثل كلمة عقبال، وهي موجودة عند أغلب اللهجات العربية، ففي الأصل كانت مكونة من كلمتين منفصلتين، العقبى لك، ولكن معظمنا لا يدرك أنها كلمتين، ونستخدمها اليوم ككلمة واحدة.
الذي حصل، أن الكلمة كانت تكررت كثيراً في أفواه الناس، إلى أن جاء يوم، واندمجوا مع بعضهم البعض.
وفي مثال آخر، كلمة إيش، وهي تستخدم في مناطق كثيرة في العالم العربي، وأحياناً تنطق إيه، وهي تستخدم اليوم كبديل، عن كلمة ماذا.
وكلمة إيش هي دمج لكلمتين، اي وشيء، جملة إيش تاكل، المفروض أن تكون أي شيء تأكل،
ايش في الصندوق، هي أي شيء في الصندوق.
هناك نظرية تقول، أن كلمات شنو أو شو، يعودون إلى نفس المصدر، فسؤال شنو هذا، في الأصل هو سؤال أي شيء هو.
هذا جمال دراسة اللغويات، فإن الكسل البشري لا يعرف الحدود، ودائماً تظهر كلمات جديدة، ولهذا فإن اللغة لا تتلاشى، بل اللغة دائماً تتجدد.
قلب المعاني
واحدة من عادات البشر اللطيفة، هي أنهم يعشقون تغيير معاني كلمات لغتهم، بعض الكلمات يعكس معناها، مثل وصف الشيء الجيد، أنه رهيب أو فظيع.
ومثل جملة: كنت قاعد أتمشى في السوق، الجملة ليس لها معنى صحيح، فلا يمكن أن تكون قاعداً، وتتمشى في نفس الوقت.
ولكن قاعد وجالس، من الكلمات التي تغير معناهم واستخدامهم مع الزمن، وأصبح معناهما أقرب إلى كلمة، أفعل أو أعمل.
وكلمة لغة نفسها، تغير معناها مع الزمن، فلو عدنا إلى ألف وأربعمائة سنة، وقلت لأحدهم: أنا أتحدث اللغة العربية بطلاقة، فلن يفهم عليك.
قديماً كلمة لغة، كانت تعني لهجة، فإذا قالوا لغة تميم، فهم يقصدون لهجة تميم، وإذا تحدثوا عن اللغة التي نعرفها اليوم، كانوا يستخدمون كلمة لسان.
التقعيد
أحياناً نضيف قواعد جديدة للغة، دون أن ننتبه، وكمثال على ذلك سؤال: اشنطبخ اليوم؟ وسؤال آخر: ما أعرف شذاكر الحين؟ وسؤال: شقاعد تسوي؟
طريقة السؤال هذه غريبة، فلا يوجد شيء اسمه شين في السؤال، ولكن حرف الشين، لم يأت من العدم.
حرف الشين هنا في سؤال ايش، هو نفسه في سؤال اشنطبخ، اللهجات تستخدم الشين، كأدت للسؤال غالباً، والسؤال هكذا ايش ناكل؟ أو شو ناكل؟
ومع الوقت سقطت الحروف الزائدة، وبقيت الشين، وأصبحت تلتصق بالفعل، وظهرت قاعدة جديدة، إذا أردت تحويل سؤال، أضف حرف الشين أمامه، وهذا يسموه بالتقعيد، عندما تتحول الكلمة إلى قاعدة.
استعارة الكلمات
كل اللغات حول العالم، تستعير كلمات من بعضها البعض، فالبشر مكونين من شعوب وقبائل، وحين يتعارفون أو يحتلون الدول، يتبادلون كل شيء، من خبرات وأفكار وكلمات.
وكلنا نسمع عن الكلمات العربية، في اللغات الأخرى ونتفاخر بها، ونقول أنها أفضل لغة، ولكن ننسى أن اللغة العربية، لغة هي مثل باقي اللغات.
فهي تأثرت بلغات أخرى، واستعارت مجموعة كلمات، وسنذكر كلمات كنا نعتقد أنها عربية، ولكنها في الواقع مستعارة من لغات أخرى:
قلم، وهي مشتقة من الكلمة اليونانية كلموس، ومعناها قصب.
فرن، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية فونس furnus، ومعناها مخبز.
صراط، مأخوذة من الكلمة اللاتينية ستراتا strata، ومعناها الطريق المرصوف، وحتى كلمة street الإنجليزية، وstrada الإيطالية، وestrada البرتغالية كلها من نفس المصدر.
تلميذ، وهي مشتقة من الكلمة العبرية لمد ،ومعناها متعلم.
أستاذ، كلمة مشتقة من الكلمة الفارسية أستاد، ومعناها معلم.
العزلة
العزلة بحد ذاتها لا تغير من اللغة، ولكنها تسرع من عملية التغيير بشكل كبير، ففي العادة عندما ينعزل الناس عن بعضهم البعض، كل العمليات التي تحدثنا عنها سابقاً.
يتضاعف مفعولها بتغيير اللغة، وتلاحظ بالتأكيد، أن كل مدينة في بلدك، تختلف لهجتها عن باقي المدن، وهذا يحصل لأن أهل المدينة الواحدة في العادة، لا يتحدثون إلا مع بعضهم.
خصوصاً في الأزمنة القديمة، التي لم يكن فيها تلفون أو إنترنت أو حتى تلفاز، والمدينة كان نادراً ما يزورها أحد من الخارج.
وعندما ينعزلون، تطرأ التغيرات بشكل متدرج على ألسنتهم، والتغير في اللغة فوضوي وعشوائي، وكل مدينة تتغير لغتهم بشكل مختلف عن الأخرى.
العزلة ليست بالضرورة جغرافية، بل قد تكون العزلة اجتماعية، وليس غريباً أن الفئات المختلفة في مجتمع المدينة الواحدة، تتطور لديهم لهجة أو لغة خاصة بهم.
فهناك في المدينة مجتمعات مهنية مختلفة، فتجد المزارعين لديهم لهجتهم الخاصة، ومجتمع الصيادين أيضاً، لديهم لهجة خاصة بهم.
أو من الممكن أن يكون هناك طوائف دينية، أو عرقية أو سياسية متعددة، وقد لا يتفقون مع بعضهم البعض، فلا يختلطون مع بعضهم البعض.
وباختصار، كلما انعزلت مجموعة عن المجتمع أكثر، كلما تغيرت لهجتهم بشكل أكبر.
تعقيدات اللغات في العالم
أحياناً تسمع بعضهم يقول، أن اللغة العربية أصعب لغة في العالم، ولكن إن أصعب لغة في العالم، هي لغات الشعوب شديدة العزلة.
عندما تتعرف على أشخاص يعيشون وسط الجبال، ولهم مئات السنين لم يحتكون مع أحد، فتستطيع أن تعرف أن لغتهم معقدة جداً.
ولغتهم في العادة، تكون مختلفة جداً عن أي لغة ثانية، إلى درجة أن تعلمها يكون كابوساً، لأي شخص من الخارج.
واللغات الشائعة مثل العربية والإنجليزية، يقل مستوى تعقيدها، مع إزدياد عدد متحدثيها، لأن عدد كبير من الناس يتعلمونها، وليس الجميع يعرفون القواعد.
وهؤلاء الأشخاص يخالطون المتحدثين الأصليين، فيتأثرون ببعضهم البعض، فينزل مستوى صعوبة اللغة بشكل عام.
كل هذه العمليات والعوامل، تنحت اللغة وتغير فيها مع الزمن، وإذا كان التغير بسيط، يصبح لدينا لهجة، ولكن إذا اللهجة استمرت في التغير، لدرجة أن متحدثي اللغة الأصلية، لم يستطيعوا أن يفهموها، ينتج لنا لغة جديدة.
كيف نحمي اللغة من التغيير؟
هذه العوامل والعمليات التي صنعت اللغة، لا يمكن إيقافها، فكل لغة في العالم مصيرها التغيير، والإنسان يستمر بمحاولة التقليل من الجهد الذي يبذله، ويختصر في الكلام.
وينتقل في جميع أنحاء العالم، يلتقي مع شعوب أخرى، ويتعلم ويستعير منها، أو قد ينعزل وتبدأ تتكون لغته الخاصة.
اللهجات التي تسمعها من حولك، هي في الواقع في طريقها للتحول، إلى لغات جديدة، ولكن هل يكتمل هذا التحول أم لا، لا نعرف.
هناك شيئين يساعدان في حفظ اللغة، القراءة والكتابة، فعبر التاريخ اللغات التي وضع لها نظام كتابي، دونت قواعدها، وعلموها للناس، وخصوصاً الأطفال، كيف تقرأ وتكتب، هي اللغات التي صمدت.
مع القراءة والكتابة، يصبح لدى الناس تصور عن الشكل الصحيح في اللغة، وهذا يحد من تغييرها، ولكن انتبه، القراءة والكتابة تبطئ التغيير، ولكنها لا توقفه.
اللغة الحقيقية هي الموجودة في الأفواه، وليست الموجودة على الورق، والأفواه تتغير دائماً وتتغير معها اللغة.
لو حصلت معجزة، وعاد كل البشر إلى لغتهم بحلتها الأصلية، فبعد أجيال، ستظهر لنا كلمات جديدة، وهذا شيء لا يمكن مقاومته.
اللغات الوحيدة التي لا تتغير، هي اللغات المنقرضة، واللغات التي هجرها أصحابها، أو توفي كل من يتحدث بها.
هي موجودة ومحفوظة في الكتب، فلا تتغير ولا يضاف عليها شيء، ولكن لا أحد يتحدث بها في زمننا هذا.
التغيير والزيادة، دليل على أن اللغة مازالت حية، ومازالت مستخدمة، وتتناقل من جيل إلى جيل، ومازالت مرغوبة، التغيير ليس بالضرورة تشويهاً للغة، بل قد يكون سبب في استمرارها.