الآدابالحياة والمجتمعحول العالم

ما هي حقوق الملكية الفكرية والنشر


كيف نشأت حقوق الملكية الفكرية والنشر 

أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج الدحيح عن حقوق الملكية الفكرية والنشر .

حقوق الملكية لصورة قرد  

في سنة 2008 كان مصور اسمه David Slater في أحد جزر أندونيسيا، يصور نوعاً من قرود المكاك المهددة بالإنقراض.

ترك كاميرته قليلاً فقام قرد من القرود باللعب بها حتى كبس زر التصوير وأخذ صوراً شخصية لنفسه selfie، واشتهرت صورته.

مرت الأيام وفي سنة 2011 تم الترخيص لوكالة أنباء أن تنشر الصور. فانتشرت الصور في مواقع الأخبار مثل Daily Mail و The Guardian، وانتشرت الصورة انتشاراً كبيراً على الانترنت.

استنكر الرجل انتشار صورة يملكها، واعتبر أنه يستحق التعويض مادياً. لكن الذين نشروا الصور ومنهم المؤسسة التي يعمل بها Wikimedia، قالوا أن الصور ليس لها حقوق نشر.

فالذي التقط الصورة هو قرد، فكيف يكون له حقوق الملكية، فهو حيوان والحيوانات ليس لها حقوق ملكية. فإن أراد القرد حقه ليرفع قضية.

لكن المصور يقول أنه يملك الكاميرا وهو الذي سافر وثبت الكاميرا وجهزها، والقرد لم يفعل شيئاً سوى أنه ضغط الزر، فالصور ملكه وليس للقرد.

فذهب للمحكمة ورفع قضية، فقررت المحكمة أن الصور Public Domain متاحة للجميع مجاناً، وليس هناك حقوق الملكية لحيوانات.

لكن منظمة Peta قالت أن القرد مثل البشر وله كل الحقوق. وبصفتهم أحرص الناس على حقوق القرود next friend في لغة القانون طالبوا للقرود بحقوق الصور، والمال من حقهم ليصرفوا عليهم.

كانت قضية رهيبة، والمحكمة طردتهم في النهاية حسب فهمي. لكن عزيزي المشاهد هذه القصة تجعلنا نتساءل، أليس لهؤلاء شيئاً آخر يفعلوه؟ لنرجع بالزمن قليلاً .

اختراع آلة الطباعة

في سنة 1439 اخترع جواهري ألماني يدعى Johannes Gutenberg آلة لنسخ الكتب. طبعاً هذا الاختراع لم يلغ وظيفة النساخين في حينها.

مع أنك لم تعد بحاجة لعبد متعلم ينسخ لك كتبك وتصرف عليه طعاماً وشراباً كما الرومان، أو أنك تحضر كاتباً متخصصاً وتدفع له أجرته لأنه أصبح لدينا آلة للنسخ والطباعة.

ومع الوقت أصبح سهلاً نسبياً نسخ ونشر الكتب، وهذا الأمر جعل السلطات الموجودة في الكنيسة الكاثوليكية والحكومات الأوروبية تضع قوانين تنظم عملية النشر، وتراقب وتمنع نشر الكتب المحظورة.

ورغم أن الكنيسة كانت تحظر بعض الكتب، لكن في ذات الوقت كانت تدعمه بناحية أخرى لنشر وتوزيع الإنجيل.

وكذلك الحكومات، تمنع نشر الكتب الهدامة بنظرها، وتوافق على أخرى وتعطيها ترخيصاً حصرياً لمدة محددة. وهذا الترخيص لا يذهب للكاتب بل للناشر صاحب المطبعة.

أول قانون لحماية حقوق الملكية الفكرية

جاء قانون الملكة آن في انكلترا سنة 1710 وكان هذا أول قانون رسمي تصدره دولة لتنظيم الطباعة والنشر. وأول قانون يعطي للكاتب حق الملكية الفكرية، وليس فقط الناشر.

وكانت مدته 14 سنة، حيث يحق للكاتب التجديد لمرة واحدة وبعدها يتحول الكتاب إلى Public Domain ملكية عامة، وأي شخص في الدنيا يستطيع أن يطبعه.

كان هدف القانون نشر العلم والمعرفة عن طريق الاتفاق مع الكاتب أو الناشر ليتربح من كتبه التي ألفها ويبيعها.

وبدأت قوانين مشابهة تنتشر في أوروبا وأمريكا، حتى أن القانون الأمريكي تبنى ذات الأسباب لنشر العلوم والفنون كمبرر لحفظ حق النشر والكتاب.

وفي 1790 أصدر الكونغرس الأميركي القانون بنفس مدة قانون الملكة آن، لكن الكتاب والناشرين طمعوا فضغطوا على الكونغرس حتى زادوا المدة ل 56 سنة ثم 70 سنة، وفي مصر 50 سنة بعد وفاة المؤلف.

فلو لم تعجبك أوراق الرواية التي تحبها وتريد أن تطبعها طباعة نظيفة، ابحث عن المؤلف كم لديه من العمر وأضف إليه بضع سنوات ومن ثم أضف 50 سنة أخرى ونتقابل في 2119 بإذن الله.

من المستفيد من قوانين النشر؟

ولكن المشكلة ليست في المدة فقط، فأحد المستفيدين الرئيسيين أو المستفيد الرئيسي من قوانين النشر هي الشركات.

ولذلك تجدها تضغط بكل قوتها لتحافظ على مدة وتطبيق هذه القوانين. وكل ذلك في النهاية لأجل المؤلف المسكين، وأولاده وأولاد أولاده. فهي لمدة 70 سنة بعد وفاته.

وموضوع ضغط الشركات تلاحظه في قصة شهيرة كقصة ديزني عندما بعثت إنذاراً رسمياً لروضة أطفال، تطالبها بوقف عملها الشنيع وانتهاكها حق الشركة لصالح مكاسبها الشخصية وأطماعها الحقيرة.

التي وضعت صورة لميكي ماوس وبعض الشخصيات الأخرى على الجدار ليفرح الأطفال بها. والروضة ليس لها قبل بمواجهة جيش من محاميي شركة ديزني فاضطرت لإزالة الصور.

الأغنية الأشهر عالمياُ

لكن هناك أناس آخرون رفضوا الاستسلام للأمر الواقع من أمثال Jennifer Nelson وهي مخرجة أفلام وثائقية كانت تصنع فيلماً عن أغنية عيد الميلاد المشهورة  Happy Birthday To You.

اكتشفت المخرجة أن شركة Warner Chappell Music التابعة لشركة Warner السينمائية، تطلب منها أن تدفع 1500 دولاراً لكي تستخدم الأغنية.

الأغنية التي يستخدمها جميع مطاعم مصر والعالم المفروض أن يدفعوا 1500 دولار لاستخدامها؟

المخرجة دفعت لكنها لم تستطع أن تدع الأمر، خصوصاً أنه لم يخطر ببالها أن تكون كلمات الأغنية ملكاً لأحد، لأنها دارجة وموجودة في الثقافة الشعبية بكثرة.

فقامت الشركة التي تمول الفيلم الوثائقي للمخرجة برفع قضية ضد شركة Warner Chappell Music بدعوى أن كلمات الأغنية قديمة وخرجت من حقوق الملكية Copyrights منذ زمن، وكسبت القضية.

وهكذا بعد أن كانت شركة Warner تكسب كل سنة 2 مليون دولار من هذه الأغنية، اضطرت لإرجاع أموالٍ كثيرة للناس الذين حصلوا على رخصة للأغنية.

لأن الأغنية قديمة ودخلت مسبقاً في الملكية العام Public Domain.

صراع حقوق الملكية بين الشركات العالمية

المشاكل القضائية بالنسبة لأمر حقوق الملكية الفكرية لم تكن بين الشركات والأشخاص فقط، لكن بالأساس بين الشركات فيما بينها.

وصراع جبابرة مثل Apple ضد Microsoft و Xerox و Samsung. والأرقام التي تطلب وتمنح في هذه القضايا تكون خرافية.

فمثلاً سنة 2010 حكمت محكمة لصالح شركة Oracle بمبلغ 1.3 مليار دولار تعويضات.

وإحدى الشركات في سنة 2018 رفعت قضية على Spotify بتهمة أنها نشرت الآلاف من أغانيها بدون ترخيص وبدون أن تدفع لها، فطلبت 2 مليار دولار كتعويضات.

وكذلك شركة VIACOM شركة الميديا العملاقة مالكة Paramount و COMEDY CENTRAL و Nickelodeon ورفعت قضية على YouTube في سنة 2010.

بتهمة انتهاك فج وصارخ لحقوقها، بنشرهم فيديوهات بدون موافقتها وطلبت تعويضاً.

ولكن Google مالكة YouTube دافعت عن نفسها بأن القانون يحميها بحسب مبدأ الملاذ الآمن Safe Harbor.

ومبدأ الملاذ الآمن Safe Harbor هو قانون Digital Millennium Copyright Act الذي يقول أن صاحب موقع أو منتدى غير مسؤول عن أعمال المستخدمين.

الذين ينتهكون حقوق الملكية الفكرية، إلا إذا قام أحدهم بإنذاره عن المحتوى المخالف وتجاهله.

نظام Content ID 

بقيت القضية في المحاكم لمدة سنين، ومن ثم تصالحت الشركتان خارج المحكمة ومن ثم لتمنع Google حصول ذلك ثانية قامت بإنشاء نظام Content ID.

وهو نظام إلكتروني يحلل مقاطع الفيديو المرفوعة ويقارنها بقاعدة بيانات لدى Google. كأن يظهر مشهد موجود في فيلم في قاعدة بيانات الشركة فتأخذه وتعمل عليه strike.

لأن قاعدة البيانات تحوي الأفلام الأصلية المملوكة للشركات المشتركة في هذا النظام. وعند أي تطابق يترك الأمر للشركة صاحبة الحق فإما تتركه أو تكسب منه أو تقفله في بعض أو كل الدول.

لكن هذا النظام تسبب بمشاكل كثيرة للقنوات على YouTube وتسبب بخسارات لها و youtubers كثر، لأن شركات كثيرة تسيء استعمال هذا النظام، وتقدم دعاية لمقاطع فيديو ليست من حقها.

والتظلم لدى Google عادة لا يأتي بنتيجة. وفي حالة حذف الفيديو فإن القناة التي رفعت الفيديو المحذوف ترتكب جنحة في سجلها الإجرامي لدى YouTube، وبعد ثلاث جنح تحذف القناة.

قضية The Verge

مثلما حصل مع موقع The Verge وهو موقع تكنولوجيا شهير، نشر فيديو منذ بضعة أشهر يشرح فيه كيف تركب حاسوبك بنفسك.

فعلق الكثيرون عليه باستهزاء من كثرة الأخطاء التي به، وبعض ال YouTubers دققوا كثيراً فيه وأخرجوا كماً من الأخطاء، فمسح الموقع الفيديو من القناة فهدأت القصة قليلاً.

ومن ثم في شباط 2019 رأى محامو The Verge مقطعان منتشران كثيراً من المستهزئين على مقاطعهم فأخبروا YouTube أنهم ينتهكون حقوق الملكية خاصتهم.

وجعلوا YouTube يحذف المقطعين. وحسبت عليهما تهمة و copyright strike في سجلهما لدى YouTube.

عندما علم المتابعون عن ذلك لم يدعوهم وشأنهم فقاموا بحملة تشهير في الشركة مما جعلها تعتذر ويقوم YouTube بإرجاع المقطعين.

وهذا ينقلنا إلى نقطة مهمة في قانون حقوق الملكية والنشر في أمريكا، وهي فكرة الاستخدام العادل Fair Use Policy لعمل محمي بحقوق النشر.

وهي أنك تقدر أن تأخذ جزءً من مقال وتعلق عليه إن كان يحوي أخطاءً وتضيف عليه Input وهو حقك، فإن لم يكن هناك Fair Use Policy فإن صاحب المقال يستطيع أن يرفع عليك قضية.

لذلك هذا القانون يحميك إذا أردت أن تنتقد مقطعاً محمياً أو تعلق عليه أو تسخر منه بشروط معينة، منها أنك لا تعطل على الكاتب أو تأخذ كامل المقال وتكتب سطرين  تعليقاً بأسفله.

معارضو حقوق الملكية الفكرية

كل هذه الشراسة القانونية أدت لظهور موجة مضادة تنادي بتخفيف أو إزالة حقوق الملكية الفكرية، باعتبار ذلك يعيق انتشار المعرفة والتي هي حق أصيل للإنسان، فيجب أن يتاح كل شيء للجميع.

فمثلاً موقع The Pirate Bay المشهور وهو موقع مشاركة ملفات تورنت، وهو بالمناسبة ليس أول موقع ينشر الملفات المحمية بحقوق الملكية الفكرية، كان أشهر من نار على علم.

فبعد محاولات لإغلاق هذا الموقع والتشاحن مع أصحاب الشركات الكبيرة، تم القبض على مؤسسي الموقع الثلاثة، وحكم عليهم بالسجن.

لكن بما أن الطلب موجود فالعرض موجود ومواقع download و torrent كثيرة، فكلما أقفلوا موقعاً ظهر بدلاً منه خمسة.

ليس كل هذه المواقع تعمل هكذا بهدف ثوري ليثوروا على النظام الرأسمالي، بل بعضها يتربح من الإعلانات، فليس الجميع له أهداف وشعارات.

أخذ الموضوع أبعاداً كبيراً حتى وصل للسياسة والأحزاب، مثل حزب القراصنة في السويد أو حزب القراصنة في أيسلندا.

وهو حزب حقق مكاسب سياسية في الانتخابات، وله تأثير سياسي وينادي بنفس الأفكار وبمواجهة طمع الشركات ورفض حقوق الملكية الفكرية.

وهناك من طرح حلولاً وسطية لتخفيف قيود قوانين الملكية مثل Creative Commons التي طرحها Lawrence Lessig  وآخرون معه.

حيث يقدمون بديلاً يسمح للمستخدم بحريات أكثر دون هدر حق المبدع ، كنشر المحتوى بحرية لكن مع ذكر المؤلف الأصلي.

أو ينشر المحتوى دون أن يتكسب منه، أو أي طريقة يوافق عليها صاحب العمل الأصلي. وبالمناسبة  إن موقعاً مثل Wikipedia محتواه منشور تحت نسخة من نسخ Creative Commons.

حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي

حسناً إن كل ما ذكرناه أمثلة غربية وخارج مجتمعاتنا، لكن إن جئنا إلى الدول العربية ومنها مصر، فإن هناك مشكلة مزمنة بين دور النشر والكتب غير المرخصة.

وتجد على الأرصفة طبعات شعبية غير مرخصة لكتب أصلية غالية الثمن وليست في متناول الجميع، وهم يساعدون على نشر القراءة.

لكن دور النشر تقول أنها لا تستطيع أن تمنع ذلك بسبب تكاليف الطباعة والورق، وأن عليهم أن يعوضوا مجهود المؤلفين، وأن الطبعات المزيفة تقتل عملية النشر.

وحينها يبقى السؤال الأهم: هل حقوق الملكية والفكرية والنشر وما شابهها حق مشروط، الهدف منه التشجيع المناسب للمؤلف كي ينشر علمه ومعرفته فيتطور المجتمع؟

أم هو حق إنساني أصيل ينتفع صاحبه بعمله بحرية بغض النظر عن أي شيء؟ هل هذا العمل ملكية للمؤلف نفسه أم ملك المجتمع؟

حقوق الملكية والنشر في عصر الديجيتال

ونعود لمعضلة جديدة هل النسخ في عصر الديجيتال يعتبر سرقة؟ إنه فقط نسخ /لصق، copy/paste؟ السرقة سابقاً كانت أن تأخذ شيئاً يملكه الشخص الآخر، تستمتع به أو تبيعه وهو يحرم منه، لكن الآن عندما تحمل كتاباً أنت لا تحرمه من النسخة الأصلية.

لكن في نفس الوقت مجهود المؤلف لم يتم تعويضه ويعود عليه بالخسران ويمكن ألا يتابع عمله ولا يفيدنا بعلمه.

وسأسالك عزيزي المشاهد: لو أنك ألفت عملاً أدبياً وسهرت عليه وأنت فخور به، هل ترضى أن ينشره أحد بدون موافقتك؟ ويقول لك توقف عن الجشع؟

إن الموضوع ليس موضوع شركات جشعة بل إنه يمكن أن يمسك أنت ويضعك أمام فكرة رد حقوق الملكية الفكرية لأصحابها.

المصادر:

Out of the Hands of Slaves: A Comparative History of the Roman book production Economy – Dartmouth Ancient Books Lab

Monkey Can’t Own Copyright To His Selfie, Federal Judge Says

Monkey loses selfie copyright case. Maybe monkey should sue PETA, appeals court suggests.

Ape-rture priority photographer plays down monkey reports

History of Copyright

History of copyright

Intellectual Property Clause | Wex | US Law | LII / Legal

https://ar.wikisource.org/wiki/قانون_82_لسنة_2002_-_مصر#مادة_160

Disney In Copyright Spats With Day Care Center, Restaurant

Apple Inc. litigation

Spotify sued for $2b in copyright infringement lawsuit

Vox lawyers briefly censored YouTubers who mocked The Verge’s bad PC build advice

We Have Destroyed Copyright Law

Measuring Fair Use: The Four Factors – Copyright Overview by Rich Stim

How YouTube Fights Copyright Infringement

The Pirate Bay

Pirate Party Is Now Iceland’s Biggest Political Party

What We Do

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى