من يملك السلطة على البنك الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا

تأسيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا

بعد إغلاق البنك المركزي وعدم التجديد له مرة أخرى، بدأت أمريكا تدخل في وضع اقتصادي صعب ومتدهور وأزمات مستمرة.

لكن هل معنى هذا أن لم يكن في أمريكا بنوك تعمل؟ لا طبعاً.

بل كان هناك بنوك خاصة كثيرة، وفي جميع الولايات. لدرجة أن معظمها لم تكن تملك قواعد وقوانين يتبعها الأفراد كي يؤسسوا بنوكاً خاصة.

أي شخص يمكنه أن يؤسس بنكاً بمتطلبات صغيرة جداً بحسب كل ولاية وبكل بساطة.

وكل بنك كان يملك شكلاً خاصاً بعملته، لدرجة أنه كان يوجد أكثر من 15 ألف شكل للعملات في أمريكا. والناس لم يكونوا قادرين على حفظ أشكال كل تلك العملات.

لأنك ببساطة يمكنك أن تملك منتجاً، ويأتيك من يشتري منك هذا المنتج، فيخرج لك عملة لأحد البنوك، وأنت لا تعرف ذلك البنك ولا شكل عملته، بالتالي أنت لاتملك أي جهة رقابية تسيطر على هذه العملات. ففتح هذا باب التزوير.

نشوب الحرب الأهلية في أمريكا

استمر الوضع في أمريكا بعد ذلك بعدة أزمات مفتعلة كثيرة، بمعدل أزمة كل سنتين أو ثلاثة. حتى أتت الحرب الأهلية الأمريكية التي كانت بوادرها ظهرت في 1861.

الحرب الأهلية الأمريكية مات فيها أكثر من 700 ألف إنسان، واستمرت أربعة سنوات. وهنا كان لا بد من عملة وطنية موحدة للسيطرة على هذا الحال.

وأثناء الحرب الأهلية الأمريكية في عهد أبراهام لينكولن، تم إصدار الأوراق النقدية التي نعرفها اليوم بالدولار الأخضر. وتم تعميمها على كل الولايات. وهذه كانت البداية الحقيقية للدولار الأمريكي.

في بداية استخدام هذه النقود، كان المفترض أنها تكون مدعومة بالذهب، ولها قيمة محددة تقدر على أساسها استرداد نقودك.

لكن بسبب الحرب، أوقفت الحكومة الأمريكية فكرة استرداد قيمة العملة بالذهب حتى عام 1875. وبعد انتهاء الحرب الأهلية وعودة الاقتصاد مرة ثانية إلى الاستقرار، قام الكونغرس بإرجاع معيار الذهب للعمل مرة أخرى.

معيار الذهب يعني أن هذه النقود لها قيمة محددة وثابتة من الذهب، تقدر على استردادها في أي وقت.

استمر الوضع على هذا الشكل رغم وجود بعض الأزمات الصغيرة، حتى بداية عام 1900 وهنا بدأت الأمور تتغير في أمريكا.

حالة من انعدام الثقة

في فترة من 1900 وحتى 1907 كان هناك حالة من انعدام الثقة في الاقتصاد الأمريكي والمصارف الأمريكية الخاصة.

لأنه لم يكن هناك بنك مركزي في أمريكا يضمن أموال الناس، ويسيطر على الأسواق. وزادت حالة انعدام الثقة حتى زلزال سان فرانسيسكوعام 1906 الذي دمّر 80% من المدينة.

حينها بدأت رؤوس الأموال تخرج من نيويورك، لتقوم بإعادة إحياء تلك المدينة. وفي ذات الفترة قامت بريطانيا برفع الفائدة عندها، وسببت خروج رؤوس أموال من نيويورك إلى بريطانيا، لتستفيد من ارتفاع الفوائد.

هذا سبب ضعفاً في الاقتصاد الأمريكي وانهيارات في البورصة. إضافة إلى بعض التلاعبات وإفلاس بعض الشركات. كل ذلك بسبب عدم وجود بنك مركزي في أمريكا.

وخرجت شائعات عن إفلاس بعض البنوك، وبدأ الناس ينتبهون لذلك، فذهبوا ليطمئنوا على أموالهم، وأخذ الجميع يطالب بسحب أمواله في الحال.

لم تكن البنوك قادرة على توفير كل تلك السيولة، ولا يوجد بنك مركزي يقدر على أن يسحب من احتياطاته أو يسيطر على الوضع.

حينها ظهر جي بي مورغان بأمواله وعلاقاته، واستطاع أن يتخذ دور البنك المركزي بمؤسسته وأمواله. استطاع اقناع المؤسسات المالية الكبيرة بأن يبدأوا بمساعدة بعضهم والخروج من الأزمة.

وعندما نجحوا في ذلك، شكل الكونغرس لجنة كي تبحث في أسباب هذه الأزمة، وأسباب إيصالها بالسوق الأمريكية لتلك الحالة. في النهاية وصلوا إلى ضرورة إنشاء بنك مركزي أو بما يعرف بالبنك الاحتياطي الفيدرالي.

كيف أقر الكونغرس إنشاء البنك الاحتياطي الأمريكي

هناك بعض الأقاويل تقول أن من سبب تلك الأزمة ونشر الشائعات كان جي بي مورغان ذاته. كي يضغط على الحكومة الأمريكية بضرورة إنشاء بنك مركزي، والبنك المركزي يستدين من جي بي مورغان ليكسب منه فوائد.

المفروض أن الحكومة هي من يخطط للبنك المركزي، لكن على العكس .من خطط لتأسيس هذا البنك كان ستة من أكبر المصرفيين وأكبر العائلات منهم مورغان و روتشيلد وروكفلر.

وحتى جعلوا الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون يمضي على قرار تأسيس البنك الاحتياطي الفيدرالي؛ قبل أن يصبح رئيساً مقابل أن يدعموه في حملة دعايته الانتخابية.

تم تقديم الفكرة للكونغرس للمراجعة. وكانوا حريصين ألا يعرف الكونغرس بمشاركة المصرفين الكبار في هذا المشروع، لأنه حينها لن يتم الموافقة أبداً على تلك الفكرة.

وقاموا بحيلة بأن قاموا بحملة كبيرة في الجرائد، عن أن مشروع البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يقوم الكونغرس بمراجعته حالياً، سيضر بمصالحهم كبنوك خاصة وعائلات ومصرفيين كبار وهذا اجحاف وظلم.

والمواطن حين يقرأ شيئاً كهذا في الجرائد، سيظن أن ذلك جيد طالما سيضر بأصحاب المصارف الكبيرة. فلا بد أنه مشروع ينفع البلد.

في نفس السنة عام 1913 أقر الكونغرس بإنشاء البنك الإحتياطي الفيدرالي، وأصبح ذلك رسمياً. وأصبح تحت إدارة العائلات المصرفية الكبيرة، ليطبعوا من الدولارات كما يشاؤون دون رقيب عليهم. ورغم أن الأمر كان في بدايته، لكن فكرة أن يطبعوا ما يشاؤون لم يكن الكثير يهتم لها.

بنك مختلف عن بقية البنوك

البنك الاحتياطي الفيدرالي يتكون من 12 فرعاً في أمريكا، وكل فرع له رئيس، والاثنا عشر رئيساً يتم تعيين رئيس عليهم من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لكن لا يقدر الرئيس على إقالته أو التعديل على أي قرار يتخذه البنك.

دائماً تجد البنك الاحتياطي الفيدرالي يتباهى بأنه كيان مستقل، لا يوجد عليه أي سلطة ولا أحد يستطيع أن يؤثر في قراراته.

وبعد 150 سنة من نشأة أمريكا، ومحاربة أغلب الرؤساء للعائلات المصرفية، استطاعت العائلات أن تنجح في النهاية وتؤسس البنك الاحتياطي الفيدرالي.

بعض الأقاويل تقول أن أبراهام لينكولن قتل بسبب عدائه للعائلات المصرفية، وأنهم حاولوا أكثر من مرة أن يغتالوا الرئيس أندرو جاكسون، لكن تلك المحاولات فشلت.

هل الحال تحسن، ولم نعد نرى أزمات أو حروب أو حالات ذعر وهلع في أمريكا كما كانت تحدث قبل تأسيس البنك؟

في الحقيقة لا، استمرت الأزمات تباعاً وسنعرف عن ذلك في الحلقة التالية.

مصطفى الصعيدي

المصادر:

https://www.factmonster.com/math/money/facts-about-us-money

https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_economic_crises

https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_the_United_States_dollar

https://nccs.net/blogs/articles/the-founders-monetary-system

https://www.factmonster.com/math/money/brief-history-us-banking

https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_banking_in_the_United_States

https://www.minneapolisfed.org/about/more-about-the-fed/history-of-the-fed/history-of-central-banking

https://nccs.net/blogs/articles/the-founders-monetary-system