وُلد هنري دونان في جنيف في الثامن من مايو/أيار عام 1828، من عائلة بروتستانتية، اتسمت عائلته بالتدين والنزوع إلى الإحسان.
درب هنري دونان في بداياته في أحد بنوك جنيف، دون إكمال مرحلة التعليم الثانوي، وفي عام 1853، سافر إلى الجزائر للاضطلاع على المستعمرة السويسرية هناك.
وشرع في تشييد طاحونة قمح، ولكنه لم يستطع الحصول على امتياز الأرض، ثم عاد إلى جنيف، حيث قرر التحدث إلى نابليون الثالث من أجل الحصول على الوثيقة التي كان يحتاجها لعمله.
معركة نابليون في سولفرينو
وكان الإمبراطور نابليون آنذاك، يقود قوات التحالف الفرنسي-السرديني، التي كانت تقاتل النمساويين شمالي إيطاليا.
وهي المنطقة التي قرر هنري دونان أن يبحث فيها عن نابليون، وكان هذا هو سبب حضوره نهاية معركة سولفرينو في لومبارديا.
وعندما وصل إلى موقعة الحرب، كانت جثث الضحايا تملئ المكان، والجرحى بالآلاف ملقون على الأرض، دون عناية.
ترجل هنري دونان من سفره، أمام هذا المنظر الدامي المؤثر، وهو رجل متدين ولديه حس عال من الإنسانية العميقة.
وطفق يبحث عن الجنود المصابين، من كلا الطرفين بغض النظر عن انتمائاتهم، وأصبح ينادي على الناس في القرى المجاورة لساحة الحرب.
أن يأتوا لمساعدته لنقل الجرحى والسعي للبحث عن مكان يضعون فيه الأعداد الهائلة منهم، فإذا به يلجأ إلى الكنيسة المتواجدة قرب تلك المنطقة.
سحب جميع المصابين الجرحى إلى الكنيسة، واستجلب كل من له علم بالطب والتمريض إلى الكنيسة، ليشرعوا بمعالجة كل هؤلاء المساكين.
مذكرات سولفرينو
وبعد أن عاد هنري دونان إلى جنيف، لم ينسى ما رآه وما قام بفعله، فكتب مذكراته باسم مذكرات سولفرينو.
انتشرت هذه المذكرات على نطاق واسع في العالم آنذاك، لما حملته من وصف لما جرى في ساحة المعركة، ولوضع المصابين السيء.
ولم يتوقف عند كتابة مذكرات سولفرينو، بل إنه بدأ بالتواصل مع كل القوى العظمى والكنائس، ليساعدوا في إيجاد حل لهذا الأمر.
تأسيس اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى
مما قاد في نهاية المطاف إلى تأسيس اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى، التي أصبحت فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وكان عضواً بها وعمل أميناً لها، وحينئذٍ ذاع صيته واستقبله رؤساء البلدان الأوروبية وملوكها وأمرائها.
افلاس هنري دونان
بيد أن شؤونه المالية كانت تمضي بتعثر، وأُعلن إفلاسه عام 1867، وبعد أن تحطم تماماً كان مديناً بنحو مليون فرنك سويسري، بقيمة ستينيات القرن التاسع عشر.
استقالة من اللجنة الدولية
ونتيجة للفضيحة التي تسبب فيها هذا الإفلاس في جنيف، استقال من منصبه، بوصفه أمينا للجنة الدولية.
وفي الثامن من سبتمبر/أيلول 1867 قررت اللجنة قبول استقالته ليس فقط بوصفه أميناً، بل أيضاً بوصفه عضواً، ورحل متجهاً إلى باريس، حيث آل به الحال إلى النوم على المقاعد العامة.
جمعيات الصليب الأحمر الوطنية
ولكن في الوقت ذاته استدعته الإمبراطورة أوجيني إلى قصر تويلري، من أجل استشارته في توسيع نطاق اتفاقية جنيف لتشمل الحروب البحرية.
وتم اختيار هنري دونان عضواً فخرياً، لقيام جمعيات الصليب الأحمر الوطنية النمساوية والهولندية والسويدية والروسية والإسبانية.
وإبّان الحرب الفرنسية ـ البروسية في عام 1870، قام بزيارة ومواساة الجرحى، الذين أُحضروا إلى باريس، وطرح مسألة ارتداء شارة حتى يكون في الإمكان تحديد هوية الموتى.
وعندما حل السلام من جديد، سافر إلى لندن، حيث سعى جاهداً إلى تنظيم مؤتمر دبلوماسي عن مشكلة أسرى الحرب، وشجعه القيصر، ولكن إنجلترا كانت مناوئة لهذه الخطة.
سنوات فقر هنري دونان
وبمبادرة منه افتُتح مؤتمر دولي، من أجل الإلغاء الكامل والنهائي للإتجار بالزنوج وتجارة الرقيق في لندن.
ثم عادت السنوات الصعبة التي عانا من خلالها الفقر المدقع، حيث ارتحل سيراً على الأقدام إلى الألزاس وألمانيا وإيطاليا، يعيش على الصدقات ويحل في ضيافة قليل من الأصدقاء.
وفي عام 1887، انتهى به الأمر في قرية هايدن السويسرية، التي تطل على بحيرة كونستانس، حيث سقط في براثن المرض.
ووجد ملاذاً له في نُزل للفقراء بالمنطقة، وكان هذا هو المكان الذي اكتشفه فيه عام 1895 أحد الصحفيين، ويدعى جورج بومبيرجي.
تكريم هنري دونان
الذي كتب عنه مقالاً أعادت الصحافة نشره، في غضون أيام قليلة، في جميع أرجاء أوروبا، ووصلت إلى هنري دونان رسائل تعاطف من جميع أنحاء العالم.
وبين عشية وضحاها حظي مرةً أخرى بالشهرة والتكريم، وفي عام 1901 حصل على جائزة نوبل للسلام.
تُوفي في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1910، ويُحتفل في يوم ميلاده، الموافق الثامن من مايو/أيار، من كل عام باسم اليوم العالمي لجمعيات اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.