الآداب

هنري كيسنجر وكتاب الدبلوماسية


التناقض المنسجم فلسفة في السياسة حقيقة أم تأويل؟

 

اختار هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، عنواناً من كلمة واحدة اسم الكتاب الأخير الضخم.

وهي الدبلوماسية وبين دفتي الكتاب، الذي صدر في عام 1994، وتبلغ صفحاته أكثر من تسعمائة صفحة.

وضع كيسنجر مختصر التاريخ العالمي من منظور أمريكي، لكي يصل إلى مجموعة محسوبة من النتائج.

وهناك قول مأثور مفاده: تفيدك دراسة التاريخ بأن تبدأ مناقشة مقنعة، أي إلمامك بحوادث التاريخ، تستطيع أن تناقش الآخرين بإقناع.

العلاقات الدبلوماسية في كتابه

وذلك ينطبع على كتاب كيسنجر، فهو اختيار أو انتقاء لحوادث التاريخ، وقد سمى الكتاب الدبلوماسية.

لأنه يتحدث عن تاريخ العلاقات الدولية الدبلوماسية، ولها تعريفات يدرسها طلاب السياسة، ومن طرائف تعريفات الدبلوماسية.

ما نقله صديق دبلوماسي عربي حيث قال: في شبابنا ونحن نبدأ الخطوات من أسفل السلم، جيء لنا بمحاضر كي يدرس لنا الدبلوماسية.

وقال المحاضر منذ اليوم الأول الذي التقينا فيه: اسمعوا، الدبلوماسية هي أن يكون في جيبك دائماً مشعل سجائر أي قداحة.

وعندما تجد أحداً يهم بالتدخين سيجارته، قم بإشعالها له، فرد عليه شخص ما، وإذا لم تكن من مدخني السجائر؟ فملخص الرد على هذا الجواب، هو أنه إذا لم يكن لديك مشعل السجائر، فابتعد عن الدبلوماسية.

واقع الدبلوماسية

إن نظرتنا إلى الدبلوماسية قد تكون متخلفة وسطحية بل وساذجة، فإن واقع الدبلوماسية عميق ومعقد.

وعندما تقرأ كتاب هنري كيسنجر، ستجد أن الدبلوماسية لها قاعدة في أية دولة، وعلى مسار التاريخ.

فهي باختصار القوة، بمعنى ليس القوة العسكرية فقط، وإنما الاقتصادية والقيمة، وهي التي تنتهي بمحصلة اسمها القوة السياسية.

القانون الطبيعي

يعتقد هنري كيسنجر مؤلف كتاب الدبلوماسية، أن هناك قانوناً سياسياً يكاد يشبه القانون الطبيعي في تكراره.

في كل  مائة عام، تظهر دولة هي بالقوة والعزيمة والثقافة والقيم، تستطيع تحديد النظام العالمي أو العلاقات الدبلوماسية الدولية.

مفهوم الدبلوماسية خلال العقود الماضية

ففي القرن السابع عشر، كانت الدولة هي فرنسا، تحت قيادة الكاردينال ريتسلخيو، وهي التي حدد أن المفهوم الحديث للعلاقات الدولية الدبلوماسية، مبني على قاعدة الدولة القومية ومدفوع بالمصلحة القومية، كهدف نهائي يراد تحقيقه.

وفي القرن الثامن عشر، أخذت الدور بريطانيا التي طورت مفهوم توازن القوى في الدبلوماسية الدولية، وهو مفهوم بسط سيطرته على الدبلوماسية الأوروبية لمئتي عام.

وفي القرن التاسع عشر، كانت النمسا هي التي أعادت تشكيل أوروبا، من خلال منظور الامبراطورية النمساوية.

وفي القرن العشرين لا توجد دولة لها تأثير عميق وواسع، على العلاقات الدولية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استخدمت القوة الدبلوماسية.

وهنري كيسنجر في كتاب الدبلوماسية، يكتشف قانون سياسي للولايات المتحدة الحديثة، وهو باختصار التناقض المنسجم.

العقيدة أم التجربة

وحقيقة الأمر أن توازن القوى وجد بشكل نادر في التاريخ الإنساني، النصف الغربي من الكرة الأرضية، لم يعش في ظل توازن القوى في أي فترة تاريخية.

ولا حتى الصين منذ نهاية فترة الدول المتحاربة قبل ألفي عام، فعمظم التاريخ البشري كان يعرف حكم الإمبراطوريات.

لفترة تاريخية طويلة كانت الإمبراطورية هي نظام الحكم السائد، والامبراطورية غير مهتمة باقامة نظام دولي مبني على الدبلوماسية.

وطموع الامبراطورية أن تكون هي النظام الدولي، فهي لا تحتاج إلى توازن قوى، وجزئياً طبقت الولايات المتحدة مثل هذه السياسة الدبلوماسية.

في أمريكا اللاتينية، وكانت الصين بالنسبة لآسيا، خلال معظم تاريخها هي المثال الأوضح.

خلفية كتاب هنري كيسنجر 

ونرى أن هنري في كتابه الدبلوماسية، كان انتقائياً، فقد سلخ من تاريخ العالم فترة زمنية معينة، تتسق مع تحليله.

ورآها صالحة للتعميم على تاريخ البشرية، على الرغم من أنه تغافل عن فترات تاريخية مهمة، حتى في قلب التاريخ الأوروبي.

وتعمد أن يضفي على كتابه، الحكمة والدراية، ويوحي برسم الأدوار للاعبين المحتملين، ولم يستطع هنري على الرغم من براعته.

أن يخفي هواه ونبرة صوته الخاصة، التي حاول اخفاءها، فهو لم يزل أسير الفترة التي رافق فيها ريتشارد نيكسون.

وهذا ملخص عام لأطروحة هنري كيسنجر في كتابه الضخم، وهي تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم من الإجابات.

إلا أن العقل التحليلي للكاتب هنري كسنجر، قاده إلى معرفة أن المرحلة التي نعيشها نهاية القرن العشرين.

هي مرحلة تحول عالمي، وهو تحول غير مسبوق، له مؤشرات واضحة ومن تفوته من الدول أو الأقاليم رؤية هذه المؤشرات.

فهو بالتأكيد مصاب بالعمى السياسي، وعلى دبلوماسييه أن يحملوا في جيوبهم قادحة سجائر لا غير.

 

المصدر مواقع الانترنت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى