أخبارالحياة والمجتمعحول العالم

أنجيلا ميركل المرأة الحديدية


 

أنجيلا ميركل : يلقبونها بالمرأة الحديدة، وينادونها بالأم، نشأت وراء جدار برلين، فهدمت كل الجدران من وإلى ألمانيا.

لتجعل من بلادها، ينبوع الصادرات الصناعية، وتفتح الأبواب أمام المليون ونصف المليون لاجئ.

هي عالمة الكيمياء التي برعت في معادلات السياسة والاقتصاد، لتجعل ألمانيا، سيدة أوروبا اقتصادياً وثقافياً.

فمن هي أنجيلا ميركل؟ وكيف غيرت شكل ألمانيا وأوروبا، وربما العالم؟

حياة أنجيلا ميركل

ولدت أنجيلا كاسنر عام 1954 في ألمانيا الغربية، لكنها نشأت في ألمانيا الشرقية، الواقعة تحت حكم الدولة السوفيتية الشيوعية، بعد هجرة عائلتها.

وترعرعت أنجيلا ميركل على أرض الدولة السوفيتية الشيوعية، في حرب عالمية اقتصادها منهار، والجغرافية مقسمة.

ظروف ستمنع أنجيلا ميركل من حلمها بأن تصبح معلمة، أما السياسة فلم تكن تخطر في بالها على الاطلاق.

ففي عالم تحكمه الدولة الشيوعية، إذا كان والدك رجل دين، فستحرم الكثير من المميزات.

الدراسات التي حصلت عليها أنجيلا ميركل

درست أنجيلا ميركل الفيزياء، وتزوجت زميلها أوليرخ ميركل، وحصلت على شهادة الدكتوراه في الكيمياء الطبيعية، عام 1978

وفي عام 1982 انفصلت أنجيلا ميركل عن زوجها، وعملت خبيرة كيميائية حتى عام 1989، فكانت حياتها عادية، فدراسة وعمل وزواج وانفصال.

لكن شيئاً ما سيحدث، سيغير ألمانيا، ويمهد لجعل أنجيلا ميركل، سيدة القارة العجوز.

هدم جدار برلين

رونالد ريغان: السيد غورباتشوف، قم بهدم هذا الجدار

أنجيلا ميركل: انهيار جدار برلين قبل 30 عاماً، منحني فرصة العبور إلى العالم.

هُدم جدار برلين، وانهارت معه كل الجدران أمام أنجيلا ميركل، وجاء الوقت لتدخل عالم السياسة، في ألمانيا الموحدة.

أنجيلا ميركل: أي شيء يبدو أنه منقوش على حجر، يمكن أن يتغير بالفعل.

دخول أنجيلا ميركل إلى معترك السياسة

المرأة التي جاءت من خلفية علمية بحتة، انضمت إلى الحزب المسيحي الديمقراطي عام 1989، وفي عام 1990 عُينت أنجيلا ميركل، نائباً للسكرتير الصحفي في حكومة لوثار دي ميزيير.

ووصلت إلى البرلمان في أول انتخابات تشريعية بعد الوحدة في ألمانيا، أصبحت وزيرة المرأة والشباب، ثم وزيرة البيئة والسلامة النووية.

أنجيلا ميركل رئيسة حزب الاتحاد الديمقراطي ومستشارة ألمانيا

تزوجت من يواكيم ساور عام 1998 ولكنها احتفظت بلقب زوجها السابق، وفي عام 2000 أصبحت رئيسة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا.

وفي عام 2005 أصبحت أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وأول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة.

أعيد انتخابها عام 2009 ثم عام 2013، ثم عام 2017 وفي 4 ولايات لأول امرأة تحكم ألمانيا، والتي تمكنت من التربع ضمن قائمة فوربس لأقوى نساء العالم 8 مرات.

ماما ميركل

بالرغم من أنها لم تنجب أطفالاً، إلا أنها مثلت حالة استثنائية لجهة اهتمامها بالمرأة والطفل والأسرة.

حتى لو تطلب الأمر اجازة أمومة للرجل، نعم فكان الأمر متاح، فلكي تشجعك على الانجاب أكثر، وهو ما لا نحتاج عليه في عالمنا العربي طبعاً.

اضطرت الحكومة الألمانية اجازة الأمومة مدفوعة الأجر، لمدة أربع عشر شهراً، لأي من الوالدين.

انجازات أنجيلا ميركل الاقتصادية

لكن الأهم من كل ما سبق، هو انجازاتها الاقتصادية، فلقد هزمت أنجيلا ميركل الشيوعية التي نشأت فيها.

فقد قامت بوضع الحد الأدنى للأجور لأول مرة، بثمانية وخمس من عشرة يورو في الساعة، وهذا ما ساعد ألمانيا الشرقية، التي تعاني الفقر.

وأكملت أنجيلا نهضت ألمانيا الاقتصادية التي بدأت منذ اعادة توحيدها، عام 1990، وأصبح اقتصاد البلاد في عهد ميركل، الأول أوروبياً والرابع عالمياً.

بعد اليابان والصين والولايات المتحدة، ورفعت مستوى البطالة من 12.9% من عشرة عام 2005، إلى 4.9% من عشرة فقط عام 2018.

عجز الميزانية بلغ 3.5% من عشرة، عند وصول ميركل وتحول هذا العجز إلى فائض يقدر بنحو 3% من الناتج المحلي الاجمالي.

الفائض في الحساب الجاري، بلغ 2% فقط عام 2005 وارتفع لقرابة 8% عام 2018، كل هذه الانجازات وغيرها، دفعت الألمان لتسميتها ماما.

أنجيلا ميركل الحاسمة

لطالما تناولت الصحافة أخبارها كشخصية حنونة وعاطفية، لكن وراء هدوئها حزماً من نوع مختلف.

فقد قامت بالغاء التجنيد الاجباري عام 2011، بعد أكثر من خمسة عقود على فرضه، بالرغم من المعارضة الشديدة التي لاقتها.

وذلك ضمن خطتها لتحويل الجيش في ألمانيا، إلى جيش احترافي يتكون من 170 ألف جندي، بدلاً من 250 ألف.

وكانت جريئة بما يكفي لإغلاق عشرة من المفاعلات النووية، بشكل فوري على إثر كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني عام 2011

وأعلنت عزمها على إغلاق جميع المفاعلات النووية في ألمانيا، بحلول عام 2023، قرار جريء سيعني بحث ألمانيا عن مصادر طاقة بديلة.

تحويل الطاقة إلى الطاقة الطبيعية

وهو ما تحقق بشكل كبير عام 2017، فما معدله 85% من إجمالي الطاقة في ألمانيا، يتم توفيره عبر الرياح والطاقة الشمسية، والكتلة الحيوية والطاقة المائية.

أنجيلا ميركل: منظومات الطاقة في بلادنا، يجب أن تتغير جذرياً ونستطيع تغييرها، سأبذل كل طاقتي لتصل بلادي ألمانيا عام 2050، لنقطة الحياد المناخي.

المرأة الحديدية رائدة أوروبا

أنجيلا ميركل هزمت الشيوعية مرة، وهزمت هتلر مرات ومرات، فهي لم تلعب على أي وتر قومي أو ايديولوجي أو عرقي، على الاطلاق.

لكنها تمكنت من جعل ألمانيا، القوة العظمى في القارة العجوز لأول مرة، منذ الحربين العالميتين، وبلا رصاصة واحدة.

فقط عبر الكفاءة بالعمل، في الماضي كان هتلر يدمر أوروبا ويغزو العالم، لصالح طموحاته التوسعية.

واليوم تقف ميركل ضامناً لصنع الوحدة الأوروبية، حتى مع خروج بريطانية من الاتحاد الأوروبي، وتراجع الدور الفرنسي.

جعلت ميركل من ألمانيا عملاقاً يفرد شروطه على الجميع، بقوة السياسة والاقتصاد، وبلا شعارات فارغة.

أزمة اليورو وتأثيرها في ألمانيا

ولكي نعرف أهميتها هنا، يجب أن تتذكر أزمة اليورو التي كادت أن تودي بدول إلى هاوية الافلاس.

اليورو هو العملة التي تتعامل بها غالبية دول أوروبا منذ عام 1999، ومجموعة الدول المتعاملة به تسمى منطقة اليورو.

على إثر الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بدأت دول اليورو بالاستدانة لسد العجز في موازناتها.

ديون سيادية تفاقمت وتراكمت، ولم يعد بالإمكان سدادها، فقد تبين أن بعض الدول فاق دينها 60% من إجمالي ناتجها المحلي.

بدأ الاعصار من اليونان، وأصاب البرتغال واسبانيا وإيطاليا، ومعهم قبرص وايرلندا وغيرها.

هذه الأزمة وصفت حينها بأنها أسوأ ما مرت به أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، وكان السؤال الأهم وقتها:

من يملك المال ليساعد الأصدقاء؟

والاجابة تكمن في دولة واحدة، ألمانيا، فهي الدولة التي صمدت في أزمة 2008 وتمتلك الكثير في خزائنها.

أنجيلا ميركل: اليورو هو ضمانة الوحدة الأوربية، إذا فشل اليورو، فهذا يعني فشل أوروبا.

أنجيلا ميركل وشروط مساعدة اليورو

ميركل التي تعشق الطبخ، عرفت تماماً كيف تحضر الخلطة المناسبة لإنقاذ اليورو، فقد أعلنت استعدادها لتقديم المساعدة.

ولكن بشرط فرض خطط تقشف واسعة على الحكومات المعنية، ما عنى قلة الأجور، وارتفاع السن القانوني للتقاعد، وتخفيض النفقات العامة، وزيادة ساعات العمل.

سياسات وافقت عليها الدول المحتاجة، لكنها تغضب الشعوب، وتجعل من أثينا ولشبونة وروما وعدة عواصم أخرى، ساحات مفتوحة للغضب.

ووصفت ميركل أنها رمز للكراهية والقسوة، شبهتها الصحف بالقائد هتلر، الذي يحاول أن يحتل أوروبا اقتصادياً.

انتقادات لم تضعف ميركل، ولم تزعزع ثقتها بنفسها، وجاءت النتائج مذهلة، خرج اليورو من أزمته جزئياً.

وتعافى الاقتصاد في الدول، التي كانت على وشك الانهيار، وكان ذلك نجاحاً باهراً لميركل، مما دفع الألمان لإعطائها الثقة للاستمرار في الحكم مجدداً عام 2013

خسارة أنجيلا ميركل بسبب أزمة اللاجئين

هل يمكن أن تخسر تأييد حزبك؟ وتخالف كل حلفائك؟ وتخاطر بكرسي حكمك؟ لأجل حفنة من اللاجئين؟ هذا بالضبط ما فعلته ميركل.

ترامب: اعتدت أن أكون من محبي ميركل، كنت اعتقد أنها قائدة عظيمة، أعتقد أن ما فعلته لألمانيا هو وصمة عار، إنه بالمطلق وصمة عار.

فعلى عكس كل ما كان يدور في العالم من سياسات شعبوية معادية لوجود مهاجرين، قررت ميركل استقبال الجميع.

مليون ونصف المليون لاجئ، دخلوا ألمانيا ضمن سياسة الباب المفتوح، التي أعلنتها عام 2015 بالرغم من اعتراض جيرانها.

في البداية كان 33% من الألمان مؤيدين لسياسة أنجيلا، لكن مع وقوع أحداث اعتداءات جنسية اقترفها مهاجرين على رأسها حادثة الاعتداء الجماعي في كولونيا.

هبطت نسبة المؤيدين إلى ما دون 18% وتراجعت شعبية ميركل، وبزغ نجم حزب البديل لألمانيا اليمني المتطرف، وخسرت مليوناً ونصف المليون صوت في انتخابات عام 2017

ضُيق على اللاجئين وتم ملاحقتهم في الشوارع، لكن ميركل التي تعلم ما تفعل جيداً، فضلت مبادئها ومصلحة بلادها على كرسي الحكم.

تنحي أنجيلا ميركل عن قيادة الحزب

في عام 2018 أعلنت تنحيها عن قيادة الحزب، وأنها ستستمر في منصب المستشارة حتى عام 2021، لقد كان اعلان رحيل ميركل مبكراً بعد حكم دام 14 عاماً.

فالمرأة قادت أوروبا وحفظت وحدتها، في ظل صعود الأحزاب القومية التي لا تعبأ بالاتحاد الأوروبي، ولا تكترث باليورو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى