مجاعتها قتلت مليون إنسان، قفزت من ثاني أفقر دولة في إفريقيا عام ٢٠٠٠ إلى أسرع خامس اقتصاد نمواً في العالم عام ٢٠١٧.
صين أفريقيا الصاعدة
ماذا تعرف عن النهضة الإثيوبية، تقع إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي، ويسودها تنوع عرقي وديني كبير، وفقرٌ كان يطال ٧٠٪ من سكانها، ضلت البلاد محكومة بنظام إمبراطوري لقرون طويلة، استقلت بشكل كاملٍ عن الإحتلال الإيطالي عام ١٩٤٤ وخضعت لحكم عسكري دموي قاده الجنرال منغستو هيلا مريام منذ العام ١٩٧٤لتحكم أقلية الأمهرة قبضتها على البلاد، اشتعلت حربٌ أهلية ستستمر إلى لسبعة عشر عاماً كاملة، عرفت أحداثها بالرعب الأحمر، ضربتها المجاعات ولقي فيها مليون إنسان حتفهم، عام ١٩٩١ اشتعلت الانتفاضة، وعبر تمردٍ مسلح تمت الإطاحة بحكم منغستو العسكري، في نفس العام استقلت إريتريا عن إثيوبيا وأصبحت البلاد حبيسة بلا سواحل، مصائب تلو المصائب.
ميليس زيناوي
لكن القدر سيحمل لهذا البلد رجلاً ذكياً إسمه ميليس زيناوي، أصبح زيناوي رئيساً للوزراء في إثيوبيا عام ١٩٩٥ ليطلق خطة تحديث كبيرة، شملت تطوير الزراعة التي يعمل فيها ٨٠٪ من السكان، فباع أربعة ملايين هكتار من الأراضي للشركات الأجنبية بأسعارٍ منخفضة مشجعاً الاستثمار، وذهبت أنظاره لقطاعي الصناعة والطاقة، فأنشأ شبكة خطوط سكك حديدية ضخمة تصل للموانئ المجاورة، وبدأ مشروع سد النهضة العظيم بتكلفة ستة مليارات دولار، وأسس شركات ضخمة مملوكة للدولة تعمل بحرفيةٍ تامة، شركات مثل الخطوط الجوية الإثيوبية التي أصبحت أكبر شركة طيران في إفريقيا اليوم، وشركة إثيو تيليكوم العملاقة للاتصالات، نجاحاتٌ كبيرة، لم توقفها حربٌ مع إريتريا سنة ١٩٩٨ بفضل سياسات زيناوي، حققت إثيوبيا أحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي على مدار عقد كامل بمعدل ١٠٪ سنوياً، وزاد متوسط أعمار الإثيوبيين بمعدل ١٣ سنة منذ عام ٢٠٠٠ وارتفع حجم الاستثمار الأجنبي معدل ٢٠ ضعفاً وتحولت أديس أبابا إلى مركز صناعي إقليمي.
نجاحاتٌ باهرة استمرت حتى عهد الرئيس هايلي مريام ديسالين الذي خلف زيناوي عام ٢٠١٢ لكنها ستشهد تراجعاً.
أقلية التيغري
مع سيطرة أقلية التيغري على مفاصل الدولة واستبعاد أكثر الأرومور المسلمة تماماً، انتشر الفساد والرشوة بشكل هدد التجربة التنموية، لتصنف إثيوبيا كإحدى أكثر دول العالم فساداً في العام ٢٠١٤ ازدادت البطالة وارتفع حجم الديون، وانهار الاحتياطي من النقد الأجنبي، لكن احتجاجات عارمة تقودها أغلبية الأورومو في العام ٢٠١٥ ستغير وجه البلاد مجدداً.
بعد ثلاث سنوات استقالت حكومة ديسالين وبدأت رحلة المنقذ.
صعود آبي أحمد
صعد آبي أحمد رئيساً للوزراء عام ٢٠١٨ وعلى الفور رفع حالة الطوارئ وأفرج عن السجناء السياسيين، أعاد حرية الإعلام ودعا المعارضين في الخارج للعودة، أضعف سطوة الجيش الداخلية، وخفف القبضة الأمنية بإقالة كبار القيادات، وفكك مراكز القوى الاقتصادية التابعة للجيش، وخصخص الشركات الحكومية الكبرى، وللتغلب على مشكلة غياب المنافذ البحرية، أبرم اتفاقيات لتشغيل موانئ دوراليه في جيبوتي وبربرة في أرض الصومال ولامو في كينيا، تبنى مبدأ صفر مشاكل مع جيرانه، فوقع اتفاقاً لإنهاء الحرب مع إريتريا، وتقرب من الصومال بعد صراع طويل ومد جسور الود مع مصر، بل وتوسط لإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان.
خطوات من النهوض
خطوات من النهوض قطعتها إثيوبيا على شوطين، شوطٌ في عهد ميليس زيناوي وشوطاً يبدو أكثر تفاؤلاً في عهد آبي أحمد وبفترةٍ وجيزة، تنبئ عن رغبة كبرى ليس في إصلاح بلاده وحسب، ولكن لتحويلها إلى قوةٍ قادرة على ممارسة النفوذ في المنطقة بأسرها.
يصعد مانديلا الجديد، وتتوجه أنظار العالم إلى إثيوبيا قوية وحضارية مع توقعاتٍ كبيرة بالتقدم، للتخلص من الديون وبقايا الفقر والبطالة.
أما أنظارنا فتبقى في بلادنا لقول ما يلي بغبطة: إثيوبيا دولة بعدد يوازي مصر أو يفوقها، وبتعدد طائفي وعرقي يقترب مما تراه في سوريا أو لبنان أو ليبيا، ليست مثل الجزائر فهي أرضٌ حبيسة بلا سواحل، ليست مثل السعودية فلا نفط ينبع فيها مثل الماء، ليست مثلنا مشاكلها كانت أسوأ من مشكلاتنا، لكنها تجاوزت كل ذلك، فلماذا يرمي العرب تخلفهم على شماعة المشاكل؟
دولة تحرقها الحروب
إثيوبيا من دولة تحرقها الحروب الأهلية والعرقية، وتمزقها الانفصالات، تغرق في التخلف، لتتحول إلى أسرع اقتصادات إفريقيا صعوداً، تمتلك أكبر شركة طيران بإفريقيا متفوقة على مصر وجنوب إفريقيا والمغرب والجزائر وتونس، تسعى لأن تكون أقوى قوة اقتصادية في إفريقيا.