اتفاقية باريس للمناخ ومعضلة التزام الدول بها، اتفاقية باريس للمناخ ( Accord de Paris ) هي أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، جاءت هذه الاتفاقية عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس في 2015.
حسب لوران فابيوس الذي قدم مشروع الاتفاقية النهائي في الجلسة العامة للأمم المتحدة، فإن هذه الاتفاقية مناسبة ودائمة ومتوازنة وملزمة قانونياً.
وقد تم التصديق على الاتفاق من قبل كل الوفود 195 الحاضرة في12 ديسمبر من عام 2015 .
وتهدف الاتفاقية إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من 2 درجات وسيسعى لحده في 1.5 درجة، وسيتم إعادة النظر في الأهداف المعلنة بعد خمس سنوات.
وبمناسبة يوم الأرض الذي تم الاحتفال به في22 أبريل في عام 2016 ، وقع 175 من رؤساء دول العالم في مقر الامم المتحدة في نيويورك تحت مسمى اتفاقية باريس للتغير المناخي.
وكان ذلك الحدث الأكبر على الإطلاق لاتفاق عدد كبير من البلدان في يوم واحد أكثر من أي وقت مضى.
أهداف اتفاقية باريس للمناخ
إن تقييم مدى التزام الدول بأهداف اتفاقية باريس للمناخ معضلة تواجه العالم، إذ ليس هناك أي هيئة مكلفة بتقييم المسار الذي تقرره سلطات كل بلد على حدة لخفض حرارة الكوكب.
ويتحتم على كل الحكومات في العالم أن تقدم في غضون عام واحد، التزامات بيئية منسجمة مع أهداف اتفاقية باريس حول المناخ.
غير أن تقييم هذه الأهداف الخاصة بكل دولة يبقى عمليةً بالغة الحساسية ومثيرة للجدل.
وقالت آن أولهوف، التي أسهمت في وضع التقرير السنوي المرجعي لبرنامج الأمم المتحدة من أجل البيئة، حول الفارق بين التزامات الدول والخفض الفعلي لانبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة:
( إن المسألة سياسية إلى حد لا أعتقد أنها يمكن أن تجري في إطار الأمم المتحدة الراعية لاتفاقية باريس حول المناخ).
اتفاقية باريس للمناخ وانبعاثات الغاازات
ويدعو القرار الذي تمت المصادقة عليه بالاجماع خلال مؤتمر الأطراف للمناخ الذي انعقد في نوفمبر في غلاسكو باسكتلندا، كلاً من الدول إلى تعزيز أهدافها للحد من انبعاثات الغازات ذات مفعول الدفيئة بحلول نهاية عام 2022.
لتكون منسجمة مع اتفاق باريس القاضي بحصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين مقارنةً مع عصر ما قبل الثورة الصناعية، وإذا أمكن بـ+ 1.5 درجة مئوية.
غير أن هذا الطموح يبقى على الصعيد المشترك، وليس هناك أي هيئة مكلفة بتقييم المسار الذي تقرره سلطات كل بلد على حدة.
اتفاقية باريس للمناخ وآلية الرقابة
علقت خبيرة المناخ كورين لو كيريه أنه: ليس هناك شروط أو أي آلية للرقابة لتقوم بالتثبت، وهذه ثغرة في الآلية، لكنها تسمح للدول بالسيطرة على أهدافها على صعيد البيئة والتقدم بوتيرة تناسب نظامها السياسي.
وستقوم هيئة المناخ في الأمم المتحدة في العام المقبل، بتقييم التزامات الدول الأعضاء لعام 2030، غير أن تحليلها يبقى عالمياً.
وهي تتوقع في الوقت الحاضر زيادة حرارة الأرض بمقدار +2.7 درجة مئوية.
ويمضي تقرير برنامج الأمم المتحدة من أجل البيئة أبعد من ذلك، وخصوصاً بالنسبة إلى دول مجموعة العشرين المسؤولة عن ثلثي انبعاثات غازات الدفيئة.
وقالت آن أولهوف ( نحن لا نشير بأصابع الاتهام، بل نلفت الانتباه إلى أعضاء مجموعة العشرين الذين لا يسلكون فعلياً الطريق الصحيح ) كسلوك أستراليا والمكسيك مثلاً.
ويشكك الخبراء في مطلق الأحوال في أن تستجيب الدول لأي تقييم خارجي.
وقال بيل هير من مركز كلايمت أناليتيكس للأبحاث لوكالة الصحافة الفرنسية: سمعنا بوضوح في غلاسكو دولاً مثل الولايات المتحدة تقول إنها ستحدد وحدها المسار المؤدي إلى +1.5 درجة مئوية.
إذ إن الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يتخذ مثل هذا الموقف، فقد أعلن نائب رئيسة المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس أخيراً:
لا أعتقد أن المسؤولية تعود إلى الاتحاد الأوروبي، لأننا على الطريق نحو الالتزام الواسع النطاق باتفاقية باريس، إذ يمكننا إثبات ذلك بالوقائع.
حجج تعرقل اتفاقية باريس للمناخ
في ذات السياق سيتحتم حتى على الدول الأكثر طموحاً تطوير حججها للإقناع بسلوكها، على ما أوضحت لولا فاييخو من مركز ( آي دي دي آي آي للأبحاث ).
مضيفةً ( يعود بعد ذلك إلى المجتمع المدني ووسائل الإعلام وصولاً حتى إلى الدول الأخرى أن تلعب دور التقصي ).
وأوضح دبلوماسي غربي أن ( الدول غير الملتزمة باتفاقية باريس ستشعر أنها في قفص الاتهام )، مؤكداً أن ( ضغط الأقران يأتي بنتيجة ).
ولتعزيز هذا الضغط، ثمة أدوات تقييم مثل ( متعقب العمل المناخي ) الذي يصنف البلدان بحسب توقعات مسارها ما بين نحو +1.5 درجة مئوية، ودون درجتين، ونحو ثلاث درجات، أو أسوأ من ذلك.
وبفضل مثل هذه التحليلات المستقلة، يقول بيل هير، المشارك في متعقب العمل المناخي، إن ( خطر الظهور في قفص الاتهام قد يساعد بعض الدول على تركيز جهودها على ما ينبغي القيام به ).
متوقعاً كثيراً من المناقشات والخلافات قبل حلول استحقاق نهاية 2022.
وتوضح لولا فاييخو، أن الدول قد تتقبل الانتقادات أكثر إذا كان مصدرها مختلفاً، مشيراً إلى أن الرأي يكتسب شرعية أكبر حين يأتي من الداخل.
طرق إزالة الكربون
يبتكر الباحثون في كل بلد سبلاً لإزالة الكربون، وكذلك اللجان المستقلة مثل لجنة التغير المناخي البريطانية، والمجلس الأعلى للمناخ الفرنسي المكلفين تقييم السياسات البيئية لحكومتيهما.
وفي مطلق الأحوال، لفتت آن أولهوف إلى أنه لا يمكن حتى للدول الأكثر طموحاً ( التوقف عن بذل الجهود على الرغم مما تحقق، لأن هناك مسألة أخرى هي وزن الانبعاثات التاريخية والإنصاف ).
وتنص اتفاقية باريس للمناخ على مبدأ المسؤوليات المشتركة إنما المختلفة بحسب الأوضاع الوطنية.
إذ يعتبر البعض أن الدول الغنية المسؤولة عن الاحترار تتحمل مسؤولية تجاه الدول الأكثر فقراً، ويتحتم عليها بالتالي بذل مزيد من الجهود للتوصل إلى إسهام عادل.
وتُقدر هذه الحصة العادلة بناءً على عدد من المعايير منها الانبعاثات التاريخية والانبعاثات للفرد والبصمة الكربونية بناءً على الانبعاثات الناجمة عن المنتجات المستوردة، والمساعدة للدول الفقيرة.
أما الرسالة الجوهرية، فلا تتبدل، وهي بحسب آن أولهوف أن ( على كل الدول أن تعيد النظر في التزاماتها، وترى ما إذا كان بإمكانها بذل المزيد بسرعة أكبر )، على أمل كبح الاحترار أخيراً.
تمويل اتفاقية باريس للمناخ
في مؤتمر باريس الذي أقيم في عام 2015، تم التأكيد على ضرورة التزام الدول المتقدمة برصد 100 مليار دولار سنوياً لصالح قضايا المناخ وذلك حتى عام 2025.
يشير هذا الالتزام إلى الخطط المسبقة التي وضعت لمساعدة الدول النامية لمواجهة أعمال التأقلم مع التغيرات المناخية، والتخفيف من آثارها وحدتها.
علماً بأن استراتيجيات التخفيف والتكيف تتطلب زيادة التمويلات، لأنه في حالة خفض التمويلات المالية فإن ذلك سوف يؤدي إلى تقليل الدعم الذي يقدمه القطاع الخاص.
وقد نشر تقرير في عام 2014 مضمونه أنه تم تكريس 16% من التمويل العالمي لاستراتيجيات التأقلم المناخي، مما يؤكد على ضرورة وضع كل الاعتبارات المالية تجاه هذا الامر.
اقرأ أيضاً… الاستمطار | كيف تتحول الظواهر الطبيعية إلى “سلاح بقوة القنبلة النووية”؟