الثورة الصناعية
كانت بداية الثورة الصناعية الحديثة في إنجلترا، وما إن بدأت الآلات تحل محل الأيدي العاملة حتى بزغ نوع جديد من الحضارة
كان العلماء الإغريق في الإسكندرية قد توصلوا قبل ذلك بعدة قرون إلى اكتشافات هامة ، ولكنهم لم يستخدموها في تنمية الثروة أو في تخفيف العبء على البشر ، ربما لوفرة الرقيق في ذلك الوقت .
حقاً لم تكن الفكرة العلمية والتجربة حتى القرن الثامن عشر اللازمتين للوفاء بحاجات الحياة اليومية والتجارة والصناعة .
وكانت بريطانيا أول دولة بدأت فيها الثورة الصناعية .
بداية الثورة الصناعية البخارية
لقد كانت الثورة الصناعية في انجلترا في بادئ الأمر سبباً في جلب كثير من الشقاء والبؤس للبريطانيين ، فلقد كانت ظروف العمل في المناجم والمصانع المبكرة بالغة السوء ، ولم يتحقق الازدهار وارتفاع مستوى المعيشة إلا فيما بعد .
وما كان من الممكن أن تبدأ الثورة الصناعية في إنجلترا إطلاقاً لولا وفرة مصادر الفحم والحديد ، ولحسن الحظ فإن هذه المصادر كانت متاحة فعلاً ، فلقد استعمل الحديد في بريطانيا منذ أيام التجار الفينيقيين ، وأوقدت أفران الحديد بالخشب المجلوب من الغابات الإنجليزية وخصوصاً من ” سيسكس وايلد “.
ولكن الاعتماد على الخشب وحده كوقود أدى إلى ضآلة الإنتاج ، وإذ لم يكن من الممكن توافر الآلات على نطاق واسع .
في بداية القرن الثامن عشر ابتكرت طرق جديدة لصهر الحديد وتنقيته ، باستعمال الفحم بدلاً من الخشب ، وانتقلت صناعة الحديد تدريجاً إلى الشمال حيث توجد مناجم الفحم في ميدلاندز وشمال إنجلترا .
ومع زيادة الطلب على الفحم استعمل نوع بدائي من المحرك البخاري في ضخ المياه من المناجم اخترعه نيوكومن .
ولكن العصر الحقيقي للبخار بدأ عندما سجل جيمس وات محركه البخاري، وفيه فصلت الأسطوانات عن المكثفات مما أدى إلى الاقتصاد في الحرارة، ولأول مرة شغل الكباس بواسطة البخار بدلاً من الضغط الجوي.
ولقد تشارك وات فيما بعد مع رجل الأعمال بولتن ، وظل خلال ثلاثة عشر عاماً يجري هو ومساعده التجارب حتى لأتقنا بناء المحركات البخارية الصالحة لكافة الأغراض .
فاستعملت في مناجم الفحم والقصدير ، وفي مصانع الدرفلة لانتاج الالواح ، وفي صناعة الخزف النفيس ، قم استعملت عام 1785 في مصانع الغزل .
بعد وفاة وات بستة أعوام استعمل البخار لأغراض النقل البري، واصبح النقل المائي وسيلة رخيصة لشحن الفحم إلى مواقع الصناعات الجديدة، فأنشأت شبكة من القنوات ربطت بين مختلف أنحاء إنجلترا.
عوامل تسهيل التصنيع الحديث
- مستويات عالية من الإنتاجية الزراعية لتوفير العمالة الزائدة والغذاء
- مجموعة من المهارات الإدارية وريادة الأعمال
- الموانئ والأنهار والقنوات والطرق المتاحة لنقل المواد الخام والمخرجات بثمن بخس
- الموارد الطبيعية مثل الفحم والحديد والشلالات
- الاستقرار السياسي والنظام القانوني الذي يدعم الأعمال التجارية
- ورأس المال المالي المتاح للاستثمار
بمجرد بدء التصنيع في بريطانيا العظمى، يمكن إضافة عوامل جديدة:
حرص أصحاب الأعمال البريطانيين على تصدير الخبرة الصناعية والاستعداد لاستيراد العملية. استوفت بريطانيا المعايير وصنعت ابتداء من القرن الثامن عشر. وصدرت تلك المهارة إلى أوروبا الغربية (خاصة بلجيكا وفرنسا والولايات الألمانية) أوائل القرن التاسع عشر.
نسخت الولايات المتحدة النموذج البريطاني في أوائل القرن التاسع عشر وقامت اليابان بنسخ النماذج الأوروبية الغربية في أواخر القرن التاسع عشر.
الثورة الصناعية وتطور صناعة النسيج
الثورة الصناعية في إنجلترا بدأت ثورة صناعة النسيج ببطء ، ولكنها قويت أو دعمت بمضي الوقت ، ففي عام 1733 اخترع جون كاي ( المكوك الطيار ) الذي ضاعف من سرعة النسج .
وسجل ريتشارد أركرايت عام 1769 اختراعه ( الإطار المائي ) وهو آلة غزل تديرها عجلة مائية .
ثم اخترع جيمس هارجريفز ( الغازلة جيني ) التي أطلق عليها اسم زوجته ، والتي تغزل عدة جدائي من خيط الغزل على الفور باستعمال عدة مغازل بدلاً من مغزل واحد .
وما إن حل عام 1779 حتى كان صمويل كرومبتون قد جمع كل هذه الآراء في ( بغلته ) الغازلة التي كانت تنتج الخيوط الدقيقة قماش الموسلين .
وفي الغالب كانت هذه الاختراعات الجديدة تسبب الكثير من المصاعب للعمال ، لأن الآلات كانت تقوم بعمل عدة رجال ، وبالتالي فإنها كانت تؤدي إلى إنقاص عدد العمال المستخدمين .
وحدث تطور آخر أعقب انتشار النول الآلي الذي اخترعه إدموند كارترايت عام 1785 ، وهو أن الغزل والنسيج لم يعودا يؤديان في أكواخ العمال ، بل بدأ تركيزهم في المصانع .
وفي هذه الأثناء ازدهرت تجارة القطن حتى إنه في عام 1806 كان ثلث جميع الصادرات البريطانية يتألف من السلع القطنية .
تحول الصناعات الحديثة
وكانت الصناعة في لانكشاير حيث القنوات العديدة والفحم الرخيص يزودان الصناعة بالقدرة المائية والبخارية، وكان الطقس الرطب مناسباً لصناعة الغزل .
كان ميناء ليفربول يستقبل القطن الخام الوارد من الهند الغربية والولايات المتحدة بكميات متزايدة وكذلك يصدر منها السلع الجاهزة .
أما التحولات في الصناعة الصوفية ، والتي تمركزت في يوركشاير ، فقد حدثت ببطء أكثر ، ولكن الآلات كان لها نفس التأثير القوي الذي أحدثته بالنسبة إلى الصناعة القطنية .
وبحلول المصانع الكبيرة محل المصانع الصغيرة ، كان مئات من النساء والأطفال يشتغلون خمس عشرة ساعة في اليوم مقابل أجور أقل مما كان يحصل عليه الرجال .
وكان الأطفال يعاملون بقسوة لإبقائهم يقظين خلال ساعات العمل الطويلة .
وكان أصحاب المصانع قد نشأوا غالباً في الفاقة ثم اكتسبوا ثرواتهم بالعمل الجاد وقوة الشكيمة ، ولم يكن عمالهم يحظون منهم إلا بالقليل من العطف والمودة .
وكان النساجون من أصحاب المغازل اليدوية قد قضي عليهم لأن حكومات ذلك العهد لم تكن تحميهم بتثبيت حد أدنى للأجور .
وكان للاقتصاديين السياسيين نفوذ بالغ ، إذ كانوا يعتقدون بإخلاص أن تدخل الدولة سيكون وخيم العاقبة على الصناعة والتجارة .
ومع ذلك فلقد تحركت تدريجياً ضمائر البريطانيين إزاء الحياة التعسة التي كانت تحياها النساء والأطفال في المصانع .
وفي عام 1830 بدأ ريتشارد أوستلر حملته ضد تشغيل الأطفال في مصانع الصوف ، وفي عام 1833 نصت أول لائحة تنفيذية للمصانع على عدم تشغيل الأطفال ممن هم دون التاسعة .
ونصت لائحة المصانع التي صدرت عام 1847 ، بفضل جهود لورد شافتسبري ، على جعل الحد الأقصى لساعات العمل بالمصانع عشر ساعات يومياً .
وكانت هذه القوانين بمثابة النهاية لعهد من أسوأ عهود التعاسة البشرية ، وإن كانت هي الثمن لتحقيق الثورة الصناعية في إنجلترا .
المصادر
اقرأ أيضاً… اقتصاد اوروبا – ميركل تصف وضع ألمانيا بالمأساوي – أكبر اقتصاد في أوروبا في خطر
اقرأ أيضاً… ارتفاع الاسعار | لماذا قد تستمر الأسعار في الارتفاع خلال 2022؟ ولماذا ترتفع أصلاً؟
اقرأ أيضاً… كنوز الارض – كيف استطاعت الصين السيطرة على اخطر الكنوز من الامريكيين؟