في العادة مثل هذا الحديث عن السكر سيكون مرعباً، لأننا سنخبرك بأننا سنتحدث عن مسحوق أبيض مسمم، يسبب الإدمان، يدمرك.
ستفكر تلقائياً بالهيروين والكوكايين، أو المخدرات، ثم سنخبرك أننا نتحدث عن السكر.
ستظن أنك اكتشفت اللعبة، سننجح في جذب انتباهك، ولكننا لن نفعل ذلك، لن نحاول اخبارك بأن مقارنة السكر بالهيروين صحيحة.
لكننا سنخبرك أنه عدوك الغذائي الأول، وأنك لا تعرف ماذا يفعل بك المسحوق الحلو الذي تحبه.
أبيض وحلو وقاتل
بدأت القصة البيضاء من مكان غريب، حملة صليبية جديدة على بلاد الشام، لكن هذه المرة كانت مختلفة.
واكتشف الصليبيون نبتة لم تكن موجودة في المرة السابقة، مذاق جديد و رائع، لم يألفوه من قبل، ولكنه تملكهم.
السكر يدخل في المشروبات
تتبعوا وعرفوا أن عبيد غرب أفريقيا يزرعون السكر، وبلاد العرب تنتج أيضاً، ويشربه العرب في مشروبهم الأول، القهوة.
لذا أرادوا السكر لأنفسهم، وسرعان ما وجد نفسه محتلاً قارة أخرى، لثلاثة قرون، دخل في كل شيء في أوروبا.
حتى وصل السكر لمشروب الملكة إليزابيث الأولى، الشاي الانجليزي، لينتهي الأمر بادمانها لمادة السكر، وتفقد أسنانها بالكامل، نتيجة لذلك.
زراعته
أتى كولومبوس بعد ذلك وأخذ معه نبتة السكر، من ماديرا البرتغالية، خلال العالم الجديد الذي اكتشفه.
ولأن السكان الأصليين ليسوا مزارعين، ولأن الأوروبيين رأوا في النبتة كنزاً عظيماً، كان عليهم أن يجدوا حلاً لنشر هذا البلاء.
فشحنوا أحد عشر ملون عبد أفريقي، للعالم الجديد، أنشأوا مزارع قصب السكر في كل مكان، واكتسبوا ثراءً فاحشاً.
فيروس السكر
ظل فيروس السكر يتوسع بلا حدود وبنفوذ كبير، حتى وصلنا إلى سبعينات القرن الماضي، عندما بدأت أمراض القلب تنتشر في الغرب كالنار في الهشيم.
ولتصبح أمريكا بالأخص أمة القلوب المنهارة، فتش عن السبب.
ماذا يفعل في الجسم؟
كان مسرح الجريمة هو الطعام، ثم قلصت قائمة الاتهام لمتهمين، إما الدهون التي ترسب الكوليسترول في الشرايين، وإما بطل القصة السكر.
يعطل عمل هرمون الليبتين، هرمون الشبع، تندلع الحرب سريعاً، جدل محتدم بين اثنين.
أنسل كيز عالم الأحياء الأمريكي الشهير، وجون يتكين خبير التغذية البريطاني، وبدعم شركات السكر والمشروبات الغازية، ينتصر أنس.
وألصقت تهم مرض القلب بالدهون، وبرئ السكر من الساحة، خرج الأبيض الحلو من صندوق بندورة، وتوالى انهيار البشر.
البدانة والسكر
خلال ثلاثة عقود فقط، تضاعفت مستويات البدانة 400% لكل عقد في الولايات المتحدة، في استراليا يعاني أكثر من 67% من البدانة.
وإن كان 30% من سكان كوكب الأرض يعانون البدانة اليوم، فمن المتوقع أن تصعد النسبة حتى 67% بحلول عقدين فقط.
يتسبب بداء السكري، ولأنه يتسبب في ارتفاع منسوب الأنسولين، الهرمون المتسبب في إفراز إنزيمات تفتت الإيلاستين والكولاجين.
أهم عنصرين لنضارة البشرة، فإن السكر يقتل نضارة بشرتك، وهو أحد الأسباب الرئيسية لظهور البثور.
هل تريد إثباتاً؟
أجرى المعهد الطبي لجامعة لايدن الهولندية دراسة على 600 شخص، من كلا الجنسين، أعمارهم بين 50 و70 عاماً.
ليجد أن الذين لديهم مستويات السكر أعلى في دمائهم، بدوا كأنهم أكبر بكثير من أعمارهم الحقيقة.
تتسبب الكميات الهائلة من الانسولين في الدم أيضاً، بما يعرف بنقص السكر الدم التفاعلي، يعمل إفراز الأنسولين المفرط، على تفتيت الجلوكوز في الدم.
ومع اعتماد 30 إلى 40% من وظائف المخ على الجلوكوز، يشعر الناس بانحدار الطاقة ونقص التركيز دوماً.
الإدمان عليه
كلما توقفت عن تناوله، طلب جسمك أكثر فأكثر، لا يكتفي السكر بجسدك، وإنما يمتد إلى شعورك أيضاً، ويصيبك بالاكتئاب.
في يوليو تموز الماضي، نشرت كلية لندن دراسة تتبعت فيها أكثر من 8 آلاف شخص بالغ، أعمارهم فوق 22 عاماً.
ليجدوا أن من يستهلكون أكثر من 60غراماً منه يومياً، معرضون إلى الإصابة بالاكتئاب أكثر من 30% من الذين يستهلكوه بنسبة أقل.
لأن ارتفاع السكر في الدم، يعيق عمل النواقل في المخ بشكل سليم، ويعبث بكيميائياته، لكن هناك من لا يريدك أن تعرف ذلك.
أسرار الانتشار
لعقود طويلة دعمت شركات المشروبات الغازية والسكر الدراسات التي تؤيد أهميته، أهمية الكثير منه.
عام 2015 فقط كشف تحقيق أن الشركات دعمت 168 دراسة، تدافع عنه، وحين حاولت منظمة الصحة العالمية تعميم ارشادات استهلاكه علينا.
هددها وفد من الحكومة الأمريكية، بقطع التمويل تماماً، لكن الانترنت غير كل ذلك.
فضح مخاطره
واليوم تملأ دعوات الامتناع عن تناوله الفضاء الالكتروني، مخاطره بدأت تنتشر في كل مكان، وتخلو منه أي أنظمة غذاء صحية.
لأن 75% من الأطعمة السريعة، تحتوي على نسب عالية منه، ولأنه يوجد في كل شيء تقريباً، دون أن تلحظ ذلك.
الخبز وعصائر الفاكهة، وغيرها من الأغذية، ويحذر منه الأطباء، ويشجع على تركه الرياضيون.
وأولئك الذين توقفوا عن تناوله، لاحظوا ارتفاعاً تدريجياً في مستويات الطاقة والتركيز، وفي أحاسيسهم أيضاً، بجانب ما يعرفه الجميع من خسارة وزن حتمية.
أنت الآن تعرف ما الذي يفعله بك المسحوق الحلو الذي تحبه، فهل ستستمر بتناوله؟