الحياة والمجتمعحول العالم

القائد أحمد الغازي الذي جاء من الصومال لحماية قبر الرسول (ص)


إذا كنت تعتقد أن الصومال كانت مجرد دولة فقيرة، عبر التاريخ، وأنها لم تقدم أي دور بارز في تاريخ الانسانية وفي تاريخ الاسلام

فاعلم أنك مخطئ في اعتقادك هذا، فالشيء الذي لا يعلمه الكثير منا، أن الصومال وبحكم موقعها الاستراتيجي المميز.

الصومال مركز التجارة ضمن حضارات قديمة

كانت مركزاً غنياً في التجارة منذ فجر التاريخ، وكانت الصومال تحظى بعلاقات مميزة، مع كثير من حضارات العالم القديم، منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.

فقد ارتبطت الصومال بعلاقات التجارة الكبيرة، مع حضارات العالم القديم، مثل الفرعونية والفينيقية والبابلية والفارسية والاغريقية والرومانية.

وغيرها من دول الجوار مثل مملكة سبأ ومملكة حمير في اليمن، إضافة إلى مملكة الحبشة، وعلينا أن نعلم أن الحفريات الحديثة في الصومال أثبتت.

أن الصومال كانت موطناً مهماً من حضارات الانسانية المتقدمة، ابتكر فيها الصوماليون نظاماً خاصاً باستخدام الكتابة.

ومع ظهور الاسلام انتشر بشكل سريع في الصومال، وذلك لوجود علاقات التجارة القديمة، بين التجار العرب والتجار الصوماليين.

الأبطال الذين ظهروا من الصومال

قدمت الصومال إلى الانسانية بشكل عام، وإلى المسلمين بشكل خاص، الأبطال العظام الذين غيروا من مجرى التاريخ.

ومنهم قائد صومالي كبير، قاد التحالف الاسلامي العظيم، فقد صد الغزاة الذين أرادوا سرقة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الخطة الصليبية لاحتلال الجزيرة العربية

فقد وضعت خطة صليبية، لأجل غزو قلب العالم الإسلامي، واحتلال مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بهدف سرقة قبر الرسول الكريم، مقايضته مع المسلمين مقابل مدينة القدس.

فقادت البرتغال عملياتها بواسطة أساطيل إمبراطورية البرتغال، منذ نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وحتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي.

البرتغال وتنفيذ الخطة الصليبية

وبعد أن ثبت وجود البرتغال في الهند، بعد المجازر التي قام بها فاسكو دي غاما، بدأت البرتغال بتنفيذ الخطة التالية بعد الهند.

وهي التوجه نحو الجزيرة العربية، قاد تلك التحركات أول حاكم لإمبراطورية البرتغال في الهند، فرنسيسكو دي ألميدا.

وكان يحمل في قلبه حقداً كبيراً على الاسلام، وقد شارك قبل ذلك، في قتال المسلمين في المغرب.

ومن العجيب أن ألميدا وبالرغم من العداء اسبانيا والبرتغال، فقد شارك بنفسه في الجيش الإسباني، لحصار آخر معاقل المسلمين الأوروبيين في الأندلس، مملكة غرناطة.

وبعد تعيينه كأول حاكم في الهند، من قبل الملك جواو الثاني، بدأ ألميدا بتنفيذ خطة البرتغال، فأوكل إلى أحد أشرس القادة الصليبيين، مهمة تنفيذ هذه الخطة.

بداية تنفيذ خطة احتلال الجزيرة العربية

وكان القائد ألفونسو دي أبوكريك، وفعلاً بدأ بالتوجه نحو بحر العرب، واحتل جزيرة سومطرة في اليمن، وتوجه بعدها إلى عمان.

واحتل مدن قرياط ومسقط وصحار، بعد أن ارتكب الكثير من المجازر بحق السكان المدنيين، وبعدها توجه نحو الخليج العربي.

واحتلوا بعض المراكز الساحلية، بعد شد وجذب مع ملك الصفويين، اسماعيل الصفوي، قرر الصفويين الخونة،  التحالف مع الغزاة الصليبيين، في ضرب العالم الاسلامي.

بداية خطر البرتغال على منطقة الحجاز

كانت الحجاز في ذلك الوقت، تحت حكم المماليك، وقد دخلت إلى مرحلة الضعف في أواخر عهدها، فافتقرت الموارد التي تمكنها من بناء أسطول بحري لصد الغزاة.

ومع اقتراب الخطر من البرتغال إلى مياه البحر الأحمر، أرسل سلطان المماليك، قلنصوه الغوري، برسالة استغاثة عاجلة إلى السلطان العثماني بايزيد الثاني.

القوة العسكرية المرسلة إلى المماليك لنجدتهم

وبالرغم من انشغال العثمانيين بنجدة مسلمي الأندلس، اسرع بايزيد الثاني بتلبية النجدة إلى المماليك، وأمدهم بالأموال والأخشاب اللازمة، لبناء أسطول قوي.

وأبحرت السفن العثمانية المحملة بالأموال والأخشاب إلى مصر، وتحمل العثمانيون خطر الإبحار في البحر المتوسط.

خاصة مع سيطرة سفن قراصنة القديس يوحنا الصليبية، على حركة الملاحة في البحر المتوسط، وكان من بين ضحايا الحملات العثمانية، هو قائدها شخصياً كمال ريس.

فقد غرقت سفينته أثناء ابحاره إلى مصر، لإيصال النجدة إلى الحجاز، والدفاع عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تحصينات المماليك لمدن الحجاز

وبعد وصول الإمدادات إلى المماليك، حصنوا ميناء جدة على البحر الأحمر، والذي كان يعد هدفاً لأسطول البرتغال، فمن خلاله يمكن الوصول إلى مكة والمدينة، الحجاز.

وأوكلت المهمة إلى حاكم جدة، وهو القائد الكردي حسين الكردي، فبنى بمساعدة من السكان العرب، سور جدة الشهير، وبقي السور صامداً حتى عام 1947.

ضرب المسلمين لجيش البرتغال في الهند

وبعد تحصين مدينة جدة، بدأت تحركات البرتغال، وقام المسلمين بصدهم، وكانت خطة المسلمين تقضي بضرب رأس الأفعى مباشرة في الهند، بدلاً من انتظارهم في البحر الأحمر.

بتكوين تحالف إسلامي كبير، من أسطول المماليك والعثمانيين، وانضم إليهم أسطول مملكة غوجارات من الهند، بقيادة الأمير البحري الروسي المسلم مالك عياذ.

وكان يقود جيش إمبراطورية البرتغال ابن حاكم الهند لورنزو دي ألميدا، ابن فرانسيسكو دي ألميدا.

المعارك بين المسلمين والبرتغاليين

وفي عام 1508 دارت عند سواحل الهند، أحداث المعركة البحرية، من أهم المعارك البحرية في تاريخ الإسلام.

معركة شاول البحرية، وانتصر المسلمون على أسطول الامبراطورية البرتغالية، وقتل قائد غزاة البرتغال، لورنزو دي ألميدا.

وبعد هذه المعركة، جاءت الإمدادات العسكرية من البرتغال من لشبونة، واستطاعت البرتغال الرجوع بقوة في المحيط الهندي.

ودارت عدة معارك بين المسلمين والبرتغاليين، في بحر العرب والخليج العربي، خاصة بعد انهيار دولة المماليك، وتسلم العثمانيين قيادة العالم الإسلامي.

القوة التركية في مواجهة قوة البرتغال

وفي ذلك الوقت، أرسل سليمان القانوني القائد البحري، بيري ريس، لضرب أساطيل البرتغال في بحر العرب والخليج العربي.

إلا أن البرتغال عادت من جديد، وتمكنت بعد ذلك من الوصول إلى البحر الأحمر، ورسا البرتغاليين قبالة أرض الحجاز.

وذلك بعد أن عقدوا التحالف مع امبراطور الحبشة الصليبي، واختير أحد أبناء فاسكو دي غاما، لقيادة جيش التحالف مع إمبراطورية البرتغال، مع إمبراطورية الحبشة.

بداية احتلال البرتغال لبعض مناطق البحر الأحمر

وكان القائد البرتغالي هو كريستفاو دي غاما، فاحتل ميناء مصوع على الضفة الغربية للبحر الأحمر.

فقاومه المسلمون في أرتيريا، إلا أنه سيطر عليها بعد ارتكابه للمجازر، وتدمير الكثير من المساجد.

الصومال في الحدث والدفاع عن المسلمين

وفي نفس الوقت الذي وصل إليه البرتغاليون إلى مملكة الحبشة، برزت دولة اسلامية قوية، في شمال الصومال الحالي.

ومناطق في أرتيريا وأثيوبيا، وكانت تسمى مملكة عدل، وكانت بقيادة بطل صومالي عظيم اسمه الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي.

أحمد بن إبراهيم الغازي

تقدم أحمد البطل من الصومال، للدفاع عن مقدسات هذه الأمة، واستطاع القائد أحمد الغازي، إلحاق هزائم عديدة في صفوفهم.

حتى وصل إلى جيش كريستفاو دي غاما، فبعث له الإمام أحمد برسالة يخيره بأحد ثلاث اختيارات:

الرحيل من الحبشة، أو الانضمام إلى جيشه، أو مواجهة جيش المسلمين.

ولكنه رفض هذا العرض، وأرسل برسالة يسخر بها من القائد الآت من الصومال، فتقدم القائد أحمد الغازي بجيشه.

الذي كان يضم فرسان من أفريقيا من مسلمي الصومال، وأريتريا وأثيوبيا، وبعث الخليفة السلطان سليمان القانوني، بقوة عثمانية خاصة.

مكونة من فرسان ترك وألبان، حاملين معهم سلاح المدفعية العثمانية، وانضم إلى التحالف، فرسان أشداء من اليمن.

هزيمة قوات التحالف أمام البرتغال

وبعد مناوشات بين الجيشين، كانت الغلبة في بداية الأمر للقوات الصليبية، وأصيب القائد أحمد الغازي، ولكنه أصر على مواصلة القتال.

فعسكر مع الجيش بالقرب من بحيرة شانغي، في وفلة الموجودة حالياً في أثيوبيا، وفي يوم الثامن والعشرين من أغسطس عام 1542

وقعت معركة من أهم معارك التاريخ الإسلامي، معركة وفلة، وانتصرت قوات التحالف الاسلامي بقيادة أحمد الغازي القادم من الصومال، على قوات التحالف للغزاة البرتغاليين.

الذين تم تشتيت شملهم، وأصيب القائد الصليبي البرتغالي كريستوفر دي غاما، في ذراعه، وحاول الفرار مع بعض من نجا من جنوده.

ولكن الإمام أحمد الغازي، استطاع اللحاق به، لينفذ بنفسه حكم الإعدام، في حق المجرم الذي دمر المساجد وارتكب المجازر.

مقتل القائد أحمد الغازي القادم من الصومال

وبعد هذا الانتصار الكبير، توغل أحمد الغازي في أرض الحبشة، حتى وصل إلى أعماقها، وبعد انتصارات كبيرة هناك.

سقط القائد أحمد الغازي القادم من الصومال، في احدى ميادين المعارك، التي كان يقودها بنفسه، في أرض الحبشة.

كيف يذكر المؤرخون القائد أحمد الغازي من الصومال

ويذكر المؤرخ عبد القادر العيدروس في كتابه النور السافر في أخبار القرن العاشر:

ولم يزل أمر الإمام يعظم حتى صار إلى ما صار إليه، واستفتح كثيراً من بلاد الحبشة، ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول، حتى سمعت بعضهم يقول:

ما تشبه فتوحاته إلا بمثل فتوحات الصحابة، رحم الله الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي، الذي جاء من الصومال لحماية قبر الرسول الكريم.

لحظة تاريخية عن الإسلام في الصومال وأفريقيا

ونقول من منبر العظماء المائة، هل ما زلت تعتقد أن الصومال، هي مجرد دولة تاريخية في تاريخ الأرض؟ للأسف فإن كثيراً منا ما زالت في قلبه آثار أمراض الجاهلية.

التي جاء الإسلام لمحاربتها، فاختلافك مع الآخرين، لا يعني أنك أفضل منهم، المعاملة الطيبة التي وجدها المواطنون في أفريقيا.

من الصحابة والتابعين والمسلمين الأوائل، هي من جعلتهم يقبلون على هذا الدين العظيم، دين العدل والمساواة.

لذلك تعمدت في هذه الحلقة بالذات، ذكر قوميات وجنسيات الأبطال، الذين اشتركوا في الدفاع عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء جميعاً توحدوا لمواجهة الغزاة، فنصرهم الله، ففي الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف وفشل، وهذه القاعدة الذهبية طبقها المسلمون في بلاد المغرب أيضاً.

انتصار المسلمين وحماية قبر الرسول عليه الصلاة والسلام

وبعد زوال الخطر القادم من البرتغال، وانهيار إمبراطورية البرتغال، بعد معركة وادي المخازن، ظهر بشكل واضح أن المسلمين نجحوا بحماية قبر الرسول الكريم.

واقتصر وجود البرتغال بعد ذلك في الجزيرة العربية، في بعض الجيوب العمانية، وبعض الجوانب على الخليج العربي.

إلا أن البحرية العمانية استطاعت بعد ذلك، طرد الغزاة القادمين من البرتغال، ومطاردتهم في بحار الأرض.

حماية الديار المقدسة والتجارة

ليطهر العمانيون الخليج العربي، والسواحل أفريقيا الشرقية من كل جيوب البرتغال، وتسلم أبطال اليمن مسؤولية تأمين الديار المقدسة.

وذلك من خلال تأمينهم مدخل البحر الأحمر من الجنوب، وذلك بعد أن ضربت بحرية دولة الخلافة العثمانية في اليمن.

حظر بحري على كل السفن المسيحية، خوفاً من تكرار الخطة الصليبية الشريرة بسرقة قبر رسول الله.

وصار لزاماً على كل سفينة مسيحية، تفريغ حمولة التجارة، في ميناء موخه في اليمن، وهناك بيع وشراء ما يحتاجون إليه.

لذلك على سبيل المثال، فإن القهوة أو البن، تسمى في الكثير من البلدان الأوروبية بالموكا، فهذا الاسم مستوحى من ميناء الموخه في اليمن.

وهذا يعني أنها كانت قادمة من الحبشة، واستمر هذا الحظر البحري، الذي فرضته القوات اليمنية العثمانية، لتأمين الأماكن المقدسة في الحجاز.

استمر إلا القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تحول ميناء عدن في اليمن، قاعدة لسلاح المدفعية العثمانية، المسؤولة عن الدفاع عن الأراضي المقدسة.

 

جهاد الترباني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى