إسلامالحياة والمجتمعحول العالم

المسيحية والدولة الرومانية


الدولة الرومانية والمسيحية : حتى تكتمل رؤيتنا الاستراتيجية لأوضاع العالم في القرن السابع الميلادي، نحتاج أن نلقي الضوء على مجموعة من العناصر الأساسية.

أولاً القوى العسكرية للدول العظمى والإقليمية، وعلى التجارة والاقتصاد، وطرق التجارة وعلاقاتها الممتدة والمتشابكة في تلك المرحلة.

ثم على الأجواء الثقافية والاجتماعية والأهم من ذلك الأجواء الدينية، لأن الدين بالنسبة لجميع الإمبراطوريات والدول عموماً.

هو أداة مهمة في النفوذ والتأثير، فإن الدين في الغالب له تأثير واسع على النفوس، وعلى الشعوب والأمم.

والدول تحتكر السلطة، ولا تود أن يكون لأحد تأثير أو نفوذ على الشعوب، إذا طبقنا هذه النظرية على الواقع الذي نحاول أن نحلله بالطريقة الاستراتيجية في القرن السابع الميلادي.

سنجد أنه لدينا إمبراطورية عظيمة في ذلك الوقت، وهي الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية التي تفرعت منها.

والإمبراطورية الفارسية، كل منهما لها الدين خاص بها، فسنلقي الضوء على علاقة هذه الإمبراطوريات بالدين.

 لكي نستطيع أن نفهم الديناميكيات السياسية والاستراتيجية والاجتماعية، التي حاولت الإمبراطوريات أن توظفها باستخدام الدين.

وكيف ساعد ذلك فيما بعد على انتشار الإسلام، بعد البعثة النبوية في عام 610 ميلادي.

الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الرومانية

البيزنطية هم الروم، والحضارة الرومانية هي قديمة، لكن التحول إلى الإمبراطورية بدأ 27 قبل الميلاد.

عندما سيطر قسطنطين المسمى القيصر، على مقاليد الأمور في الدولة  الرومانية، وهو ابن يوليوس سيزر، وهو القيصر الذي سمي على اسمه شهر جولاي، الشهر السابع في السنة.

وسمي شهر أغسطس الشهر الثامن في السنة على اسم أغسطس، فكلاهما خلدا في الرزنامة المسيحية.

الدين عند الدولة الرومانية

والدولة الرومانية ورثة الديانات الوثنية، التي تتعامل مع النجوم والكواكب، فكانوا اثنا عشر إلاها، ستة من الذكور وستة من الإناث.

وهذه الألهة كل منها تسمى باسم أحد الكواكب في السماء، وأهمها كان جوبيتر المشتري، فكان هو ملك الآلهة، وهو المسؤول عن القوانين والتشريعات والنظم وإدارة العالم.

والآلهة الأخرى فلكل وظيفته، هناك آلهة للحرب والسلم والجمال، وآلهة المطر والرعد وغيرها، نحن لسنا في صدد الحديث عن الآلهة.

احتكار السلطة عن طريق الدين

الدولة البيزنطية التي ورثة روما، تعاملت مع الدين كما تعاملت روما، فكان الدين أداة بيدها، لأن الدولة الرومانية، كانت تحاول أن تستخدم هذه المعابد والآلهة المتعددة.

من أجل احتكار السلطة في يد فئة قليلة من النبلاء، مجلس الشيوخ بالإضافة إلى الإمبراطور والحاشية التي حوله.

وهي عادة رومانية قديمة، الآلهة في روما كانت تمثل في الحقيقة أدوات بيد المتنفذين من النبلاء، حيث أقر مجلس الشيوخ الروماني القديم.

كيف يتم انتخاب الكهنة في مجلس الشيوخ

أن الكهنة ينتخبون انتخاباً من أبناء الشعب، وبالطبع من بين أبناء النبلاء، وبالطبع النبلاء هم أنفسهم الذين كانوا يتنافسون على مقعد مجلس الشيوخ.

وكانوا يتنافسون على المناصب الرسمية المختلفة، بما فيها حكام المقاطعات، فتجد مثلاً يوليوس سيزر، كان منتخباً بصفة زعيم الكهنة في روما.

فهو زعيم الكهنة والقنصل وبعد ذلك قائد للقوات الرومانية التي حاربت في منطقة الغال، وكان اسمه امبراطور.

الإمبراطور والديكتاتور يوليوس سيزر

الامبراطور في اللغة الرومانية القديمة، كانت تعني القائد، ولكن عندما عاد من فتوحاته، رأى أن يعطي نفسه بقوة السلاح.

مكانة أعلى من المكانة التي كان يأخذها رؤساء مجلس الشيوخ السابقين، الديكتاتور، والديكتاتور معناه الشخص الذي أمر بأن تنفذ الأمور، دون العودة إلى الإجماع.

قتل يوليوس سيزر في عام 44 قبل الميلاد، بسبب ذلك، وخلفه ابنه قسطنطين في عام 27، بعد حرب أهلية طويلة.

قسطنطين ابن الإله في الدولة الرومانية

وقسطنطين سار على نهج والده، مع ابتكار بدعة جديدة، ففي يوم من الأيام، رأى الناس في الدولة الرومانية، مذنب هالي .

فضج السكان في الدولة الرومانية، وعلى عادة أهل روما، كانت الظواهر الطبيعية تعني رسائل من الآلهة، كأن تكون غاضبة أو راضية.

فسارع قسطنطين إلى القول أن هذا المذنب في السماء، هو روح أبيه سيزر، تصعد إلى السماء لتلتحق بالآلهة.

وبناءً على ذلك جمع مجلس الشيوخ، وأعلن والده سيزر إلاهاً، وأقام له معبد كبير في روما، فأصبح قسطنطين ابن الإله.

فتسمى من ضمن أسماءه بابن الله، وبالمناسبة قد ولد عيسى عليه السلام في عهد قسطنطين، وقد حكم قسطنطين من عام 27 قبل الميلاد إلى 14 بعد الميلاد.

على نهج قسطنطين سار أباطرة روما، فكلهم كانوا يدعون قدسية متعالية على الناس، وكلهم كانوا بطريقة أو بأخرى، أبناء للآلهة.

فإذا كان الناس لا يؤمنون بالأوامر والتعليمات التي تأتي من الإمبراطور، كان يستخدم الكهنة والمعابد والرؤية القادمة من الآلهة، ليقول لهم هذا قرار الآلهة.

أصبح الدين متجذراً في السياسة الرومانية وجزءً منها، حتى وصل قسطنطين إلى حكم الدولة الرومانية.

الإمبراطور قسطنطين في الدولة الرومانية

كان كبقية أسلافه فهو من خلفية عسكرية، وأصبح الإمبراطور، وقد رأى أن الدولة الرومانية فاسدة، مليئة بالإشاعات والتحزبات.

ورأى أن الدين في الدولة الرومانية، أصبحت ضيقة على مساحة الدولة الرومانية التي يمتد نفوذها، ليصل البحر المتوسط جميعه.

شمال أفريقيا ومنطقة الشام، وتركية، فكل أوروبا الغربية وأواسط أوروبا الشرقية، فكلها كانت تتبع إلى الدولة الرومانية.

وكان الدين الروماني الذي يؤمن بوجود الآلهة القديمة، لم يعد ممكناً أن يوحد الإمبراطورية، أو أن يجدد روحها، أو أن يصف شيئاً يلتقي الناس عليه.

انتقال قسطنطين من الدولة الرومانية إلى البيزنطية واعتنق المسيحية

أدرك قسطنطين ذلك، فغير عاصمته من روما إلى بيزنطة، وكانت المسافة هائلة بينهما، وغير الدين الذي كان عليه، واعتنق المسيحية.

وبرأي لقد اعتنق قسطنطين المسيحية ليس بسبب بعض الإشاعات التي ظهرت عنه وأن والدته كانت منتسبة إلى المسيحية وغير ذلك.

ولكن عندما تدرس شخصية قسطنطين تعرف أنه كان يريد أن يعيد تجديد وتأهيل الإمبراطورية الرومانية من جذورها.

الدولة البيزنطية الرومانية المسيحية

في عام 314 اعترف قسطنطين بوجود الديانة المسيحية، في الامبراطورية الرومانية، وفي نهاية 374 أصبحت الديانة المسيحية، هي الديانة الرسمية للدولة البيزنطية والرومانية عموماً.

وهنا لم تكن المسيحية التي أرادها قسطنطين، تلك الديانة المسيحية الأصلية التي كانت موجودة في كنائس المشرق، التي كانت أقرب إلى المسيح عليه السلام.

أراد أن يعيد صياغة المسيحية، فعندما تدرس المسيحية قبل قسطنطين وبعده، تجد أن المسيحية في القسطنطينية أصبح فيها تغير جزري ومهم.

أول مجمع مسكوني في تاريخ المسيحية

وعقد قسطنطين أول مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة، عام 325 للميلاد في مدينة نيقيا، وهي القريبة من منطقة بورصا في تركيا.

وكان فيه 314 شخصاً من أساقفة الديانة المسيحية في كل أنحاء الإمبراطورية، كان المطلوب منهم أن يبتوا في أمر مهم وهو:

هل عيسى هو بشر؟ أم أنه إله؟ ماهي الطبيعة التي يتمتع بها عيسى؟

وكان هناك اسقف مشهور جداً من أصول ليبية، اسمه أريوس فكان يقول أن عيسى عبد لله ومخلوق من الله، نزلت عليه كلمة من الله، فأصبح رسولاً، ولكنه في طبيعته انسان.

ولكن الكسندروز وهو من المشهورين في الديانة المسيحية، رفض ذلك وقال، عيسى منذ ولادته كان ذو طبيعة إلهية.

المجمع المسكوني يعلن أن عيسى إله في الدولة الرومانية

فجمع قسطنطين هذا الجمع، وافتتح المجمع بذاته، وانطلق المجمع في حوارات كثيفة لمدة سنة، إلى أن تم بالتصويت، اعتماد أن الطبيعة التي كان عليها عيسى هي إلهية.

والذي نريد أن نقوله هو ما يلي، أن قسطنطين كان يريد أن يؤسس في تدخل مباشر في طريقة صياغة المسيحية.

لأنه يرى أنه في إعادة تأهيل دور المسيحية وتوظيفها، في الدولة الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية، كان ضرورياً جداً، بالنسبة له.

ومن بعد قسطنطين، كل أباطرة القسطنطينية، كانوا يعقدون المجامع المسكونية، والدينية المختلفة.

فكان المجمع الثاني أفسوس 431، وفي هذا المجمع كان هناك خلاف كبير بين أساقفة المسيحية، فقد أعلن نسطور فيه أن عيسى ذو طبيعتين، بشرية وحتى تنزلت عليه الرسالة.

وخلفه في ذلك أساقفة الاسكندرية، وتم حرمان مسطور وغيره مثل آريوس ممن قالوا نفس الحديث، وطردوا أتباعه من مختلف أراضي الدولة البيزنطية.

وجماعة آريوس هاجروا إلى جزيرة العرب، وكثير من جماعة نسطور هاجروا إلى الدولة الفارسية التي رحبت بهم، لأنها تريد أن تستخدمهم أداة ضد الدولة البيزنطية.

تعدد الاختلافات حول طبيعة عيسى البشرية

كنائس المشرق عموماً السريانية والأرمنية والقبطية، أخذت موقفاً حاداً من النسخة الرسمية للمسيحية، للأرثوذوكسية الرومانية.

في 441 في مجمع خلق  دونية، وكان مهماً جداً وتم الاختلاف مرة ثانية على طبيعة المسيح عيسى.

وهذا أدى إلى الانشقاق الكبير، بين كنائس المشرق وبين الكنيسة الملكانية نسبة إلى الملك، فأصبحت المسيحية أداة بيد الإمبراطورية.

الديانة المسيحية هي الرسمية في الدولة البيزنطية والرومانية

وعارضتها كنائس المشرق، وشخصيات مهمة ممن  كانوا يرون أن توظيف الكنيسة لصالح الإمبراطورية هو خطأ، وأنه لا ينبغي أن يتم تدخل الدولة في العقيدة والدين، لأجل أن تصبح أكثر طواعية بين يديهم.

وهذه مسألة مهمة في تاريخ الديانة المسيحية، نقلناها لكي نقول أن المسيحية في نهاية القرن السادس الميلادي.

قد أصبحت عملياً هي الديانة الرسمية للإمبراطورية والدولة البيزنطية، والممثلة في شخص الإمبراطور، وتتدخل في صياغة مقالاتها الكبرى.

وتستخدم سلطان الدولة في تأييد الكنيسة أو إغلاقها، أو حرمان أسقف ما، أو في الانتقام من عقائد تختلف مع التصور الرسمي للدولة.

الترحيب بالدين الاسلامي هربا من تسلط الدكتاتور في بيزنطة

وكثر المشاكل على هذا الأمر، مما أدى بعد ذلك إلى حالة من الغضب في كنائس المشرق، وكانت حال الاحتقان في كنائس المشرق.

أدت إلى الترحيب بالفتح الإسلامي، للتخلص من الدكتاتور في الدولة البيزنطية، التي كانت تصادر حرية الناس في الدين، وتجعلهم يؤمنون بنسخة واحدة تتبناها الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى