كتاب المصارعة الرومانية القديمة يروي حكاية عنف مارستها بعض الشعوب والحضارات عبر التاريخ، لا يستبعد تكريس منطق العنف الجسدي وتسويغه، كما يرصد عدة مقاربات فكرية وفلسفية سوغت ذلك .
المؤلف فك مايير، هو أستاذ التاريخ القديم في جامعة أمستردام في هولندا، وهو متخصص في دراسة التاريخ البحري والآثار القديمة، وله العديد من المؤلفات والكتب المنشورة:
- نظرة جانبية على الآثار القديمة
- رحلة القديس بولس إلى روما
- أيها الأباطرة لا تموتوا على الفراش
- سباق المصارعين
المصارعة الرومانية كترفيه متوحش
فالمؤرخ فك مايير يعود الى الجذور التاريخية، وأعماق الحضارات القديمة، ليرصد عن كثب تاريخ المصارعة الرومانية ، بكل ما فيها من وسائل ترفيهية بربرية وطقوس دموية متوحشة.
تحلل ذبح البشر وتقديمهم قرابين في ساحات المسارح الرومانية، الممتدة عبر الأقاليم الشرقية والغربية للإمبراطورية.
حيث كانوا يروجون لهذه العروض من أجل استغلالها في الدعاية السياسية، تعبيراً عن تضامنهم مع الشعب وتقاربهم من الجماهير، إلى جانب تأكيد بسط سيطرتهم على البشر والحيوانات معاً.
كما ويصور عروض الإعدام الجماعية العلنية، وشلالات الدماء المسفوكة، التي تلطخت بها حلبات و جدران المسارح الرومانية حتى إغلاقها في أواسط القرن الخامس الميلادي.
ويرى أنها تجسد أبشع وأشنع وسائل التعبير عن الطغيان والجبروت والقوة، التي كان الأباطرة الرومان مولعين بها.
فقد انساق الأباطرة من أمثال قيصر ونيرون وتيتوس وكومودوس وكلوديوس وغيرهم، وراء غرائز العنف.
وأنفقوا الملايين على عروض المصارعة، وأفرغوا غابات إفريقيا من الحيوانات البرية، التي جيء بها لتذبح في ساحات الموت بهدف إلهاء شعوبهم والترفيه عنهم.
كما شق هؤلاء الأباطرة القنوات البحرية داخل حدود روما، لإقامة العروض القتالية التي تحاكي الغزوات الرومانية البحرية لشواطئ وبلدان الدول المجاورة.
المصارعة الرومانية تأكيد شرعية
وجاء في مقدمة الكتاب، أن بعض المؤرخين رأوا أن المعارك والمنافسات الدامية التي كانت تدور في باحة المسرح الروماني، كانت بمثابة صمام الأمان لتنفيس ما في نفوس عامة الشعب من مشاعر مكبوتة.
ولذلك فإن الإثارة التي تصاحب مشاهد الذبح، تخفف من إحساس الجماهير بالبؤس الذي يعانون منه في حياتهم اليومية.
كما تخفف من مشاعر الكبت التي تنكد عليهم حياتهم، أمّا الأباطرة والطغاة فكانوا يستغلون أي فرصة للتأكيد على شرعية سلطاتهم.
ولذلك كانوا يسارعون لتنظيم هذه العروض المكلفة باعتبارها تجسيداً رمزياً لقوتهم وطغيانهم. كما تناول المصارعة النسائية والأسباب السياسية والاجتماعية وراء بناء المدرجات والمسارح الرومانية.
بالإضافة إلى دراسة الآثار والمخطوطات والجداريات التي تخلد تاريخ المصارعة في شتى العصور، كما عرج المؤلف على اقتصاديات المصارعة.
تأثير البذخ على الاقتصاد الروماني
ومصادر الأموال الباهظة التي أنفقت طوال التاريخ الروماني، على إقامة عروض الموت إلى أن انهار الاقتصاد الروماني بسبب البذخ وسوء التخطيط.
وتفشي الأوبئة والمجاعات وتعرض البلاد لغزوات البرابرة والقبائل القوطية والوندالية المتوحشة، التي نهبت آثار روما ومسارحها بما في ذلك مبنى الكولوسيوم أشهر المدرجات الرومانية القديمة .
وعلى الرغم من الشعبية الكاسحة التي كانت تحظى بها عروض المصارعين، إلا أن الكتابات الرومانية وخاصة في أواخر عهد الأباطرة لم تذكر الأصول التي نشأت منها هذه الألعاب سوى ثلاث مرات.
ويعود سبب ذلك الامتناع عن الحديث المطول عن جذور المصارعة الرومانية، لأنها لم تكن في الأساس من أصل روماني، وهو ما لا يحب الرومان المتعصبون لثقافتهم أن يسمعوه.
ومع بدايات القرن السادس عشر، بدأت هذه المسابقات تتلاشى، ولكنها استبدلت بمسابقات مبارزة أخرى، يشترك فيها الفرسان تسمى بالمبارزة الرسمية.
حيث كان المشاركون فيها يعتبرونها شكلاً من أشكال العنف المسموح به رسمياً، والذي يعد نوعاً من الطقوس .