النظرية النسبية : وما هي النظرية النسبية ؟ وكيف نشأت
في الصورة أمامك الرجل على اليمين يرى الرقم المكتوب أمامه ستة، والرجل على الشمال يراه تسعة. هناك أناس تعتقد أن هذا غريب وأن هذه هي النظرية النسبية، أن كل واحد يملك منظوره الخاص.
طالما أن الحاصل طبيعي جداً وهو المفروض أن يحصل. وغير الطبيعي أن هما الاثنان وكل واحد في مكانه يتفقان إن الرقم هو ستة أو يتفقان أن الرقم تسعة.
فهذا شيء غريب وهذه هي النظرية النسبية.
النظرية النسبية قبل ظهورها
قبل أينشتاين، جاليليو Galileo ومن بعده نيوتن Newton، تكلموا عن النظرية النسبية للحركة بمعنى أنها يجب أن تنتسب لمكان معين كون المكان يراها ويقيسها بشكل مختلف عن الآخر.
فمثلاً لو أني أقف على الأرض ومر أمامي قطار، فسأرى أني ثابت وأن القطار هو الذي يتحرك، بمعنى أن القطار يتحرك بالنسبة لي.
لو أنك كنت راكباً في القطار وافترضنا أنه يتحرك بسرعة ثابتة، ولا يوجد أية اهتزازات وأنك ليس لديك معرفة مسبقة أن القطار شيء يتحرك، ونظرت من النافذة ونظرت إلي، ستعتقد أنك ثابت وأني أتحرك.
وعموماً، القاعدة تقول أن أي كائن يتحرك بسرعة ثابتة سيشعر أنه ثابت والأشياء حوله هي التي تتحرك. هذا بالنسبة لوصف الحركة، وحتى بالنسبة لقيمة سرعة الحركة، ستجد أنها تختلف من مكان لآخر.
فمثلاً القطار الذي تركبه يتحرك بسرعة متر في الثانية، ورميت منه حجرة بسرعة متر في الثانية ستجد الحجرة تتحرك بالنسبة لك وحسب سرعتها فإنها تبعد عنك كل ثانية متراً.
لكن بالنسبة لي أنا وأنا أراقبك من الخارج سأرى الحجرة تتحرك بسرعة 2 متر في الثانية. سرعتها وهي تتحرك فيها وهي على متن القطار بالإضافة إلى سرعة قذفها، سأراها أنها تتحرك بعيدة عني 2 متر.
فأنت لم تدرك سرعة الحجرة الحقيقية لأنك لست تعلم أنك والحجرة تتحركان من البداية، وبالتالي حتى تعرف السرعة الحقيقية لأي شيء يتحرك، عليك رصده من مكان ثابت لا يتحرك مطلقاً.
وهذا سبب مشكلة، لأني كيف سأعرف السرعة الحقيقية التي تتحرك بها الأرض، والأرض تدور حول محورها وحول الشمس.
والمجموعة الشمسية كلها تدور حول مركز المجرة، والمجرة بذاتها تتحرك وتتباعد عن باقي المجرات. فما الذي سأقيسه ومن أين؟
كيف يتم قياس سرعة الأرض
كل مكان سأقيس منه السرعة سأجدها تختلف قيمتها وتتغير عن المكان الذي قبله. فلو اعتبرنا أنك لست كائناً فضائياً تراقبني من بعيد، وأنك مثلي تعيش على الأرض وتعتقد أنك ثابت لا تتحرك.
أو أن سرعة الأرض بالنسبة لك صفر، وأن الشمس والقمر والنجوم هم الذين يتحركون. ثم خرجت من الأرض وجلست تشاهد من على الشمس.
ستشعر حينها أن الشمس هي الثابتة وأن الأرض التي اعتقدت أنها ثابتة، تتحرك وتدور حول محورها بسرعة 1670 كيلومتراً في الساعة، وتدور حول الشمس بسرعة 107000 كيلومتراً في الساعة.
وإن ذهبت إلى مركز المجرة لتقيس سرعة الأرض ستجد الشمس والأرض والمجموعة الشمسية كلها تدور حول مركز المجرة بسرعة 820000 كيلومتراً في الساعة.
وبالتالي سرعة الأرض الآن ما مجموعه سرعتها حول محورها وسرعتها حول الشمس ودوران المجموعة كلها حول مركز المجرة.
وهذا دون أن أخبرك أنك لو تركت المجرة وذهبت إلى مجرة أخرى ستجد المجرة تتحرك في الكون وتبتعد عن باقي المجرات.
فكلما تركت مكاناً وذهبت إلى المكان التالي ستجد أن المكان السابق يتحرك وليس ثابتاً، وبالتالي ستضيف سرعته لسرعة الأرض وتجد أن سرعة الأرض تزيد.
النظرية النسبية والقياس من مكان ثابت
والحل الوحيد أن تجد في الكون مكاناً ثابتاً بشكل مطلق وتقف فيه لتشاهد الأرض وتقيس سرعتها تحديداً. لكن لا يوجد في الكون مكان ثابت ثبوتاً مطلقاً، كل شيء يتحرك فيه.
حسناً، كل شيء يتحرك، لكن أين يتحرك؟ في الفضاء. إذن الفضاء مكان ثابت ثبوت مطلق. فلتخرج إلى الفضاء وقس سرعة الأرض بالنسبة للفضاء.
لا تقسها بالنسبة للشمس أو للمجرة، أو أي شيء آخر. بالطبع ليس المقصود أن تخرج خارج غلاف الأرض وتقيس سرعة الأرض، لأنك ما زلت متأثراً بجاذبيتها وستتحرك معها.
بل المقصود أن تصبح جزءاً من نسيج الفضاء حتى تقدر على قياس سرعة الأرض. لكن هل الفضاء هو شيء لتكون جزءاً منه؟
ذلك صعب التصديق، لكننا سنقيس سرعة الأرض ونحن على الأرض.
نعم إن الأرض تتحرك في الفضاء، لكن وأنا على الأرض وأشعر أنها ثابتة، فمن المفترض سيظهر أن الفضاء الثابت هو الذي يتحرك بالنسبة لها.
فإن قست سرعة تحرك الفضاء بالنسبة للأرض سيمثل ذلك سرعة الأرض. لكن هناك مشكلة صغيرة وهي أن الفضاء غير مرئي حتى يتم قياسه.
وكان حل هذه المشكلة يكمن في أن نجد شيئاً كما يتحرك على الأرض، يتحرك في الفضاء ويكون جزءاً منه. وهذا الشيء هو الضوء.
نظرية Michelson و Morley
اللذان قاما بالعمل على هذه النظرية كانا عالمين هما Albert A.Michelson و Edward W.Morley .
يقولان لو أننا اعتبرنا الفضاء عبارة عن بحر والأرض تتحرك فيه مثلاً بسرعة 3 متر في الثانية، فإننا سنشعر أننا ثابتون ونرى أن البحر هو الذي يتحرك بسرعة 3 متر في الثانية.
لنتخيل أنني موجود على الأرض ولدي جسم رميته بسرعة 5 متر في الثانية، فالجسم سرعته ستختلف حسب الإتجاه الي رميته به.
و أني رميته في نفس اتجاه حركة البحر ستكون سرعته النهائية تساوي سرعته الأساسية 5 متر زائد سرعة البحر 3 متر وبالتالي سرعته النهائية تكون 8 متر في الثانية.
فإن رميته بعكس حركة البحر، سأطرح منه سرعة البحر فتكون النتيجة 2 متر في الثانية.
أما إذا رميته في اتجاه مائل بسرعة 5 متر في الثانية، فحسب نظرية فيثاغورس مربع الوتر يساوي مجموع مربعي الضلعين القائمين فستكون سرعته النهائية 4 متر في الثانية.
وكلما رميت الجسم في اتجاه مختلف ستتغير قيمة سرعته.
وبالتالي فإن قدرت معرفة قيمة السرعة في الاتجاهات المختلفة سأصبح قادراً على تحديد سرعة البحر والذي هو يمثل الفضاء، وسرعته في الأصل تمثل سرعة الأرض.
فقرر العالمان Michelson و Morley رمي الضوء في اتجاهات مختلفة ومن قيم السُرع المختلفة يقدّرا على حساب سرعة الفضاء والتي هي سرعة الأرض.
واختارا الضوء ليس لأنه قادر فقط على المرور في الفضاء، بل لأنه موجة وهي تتكون من قمم وقيعان، وإذا موجتان تداخلتا ببعضهما، فنحصل على أشكال معينة نقدر نحدد من هذه الأشكال فرق السرعات.
لو صادف عند التداخل أن قمم الموجات قابلت القمم والقيعان قابلت القيعان، فتكبر الموجة وتعلو وتعطيك نقطاً مضيئة. أما إذا كان التداخل بين الققم والقيعان، فيمحيا بعضهما ويظهر لك نقاط مظلمة.
ومن الأشكال الناتجة عن عملية التداخل هذه يقدران على معرفة ما يحصل للموجة وهي في طريقها ومنها يقدران أن يحسبا الفرق في السرعات.
النظرية النسبية وتجربة المرآة
أحضر العالمان Michelson و Morley مرآة نصف شفافة تسمح لنصف شعاع الضوء بالمرور وتعكس نصفه الآخر، وسلطا شعاع ضوء مائل بدرجة 45 درجة.
فنصف الشعاع مر خلال المرآة والنصف الآخر انعكس عنها. ثم وضعا مرآتين على نفس المسافة للشعاعين المنفصلين لينعكسا على ذات المرآة الشفافة.
فنتج شعاعين متوازيين ومن اتجاهين مختلفين، سيعطياننا نمط تداخل معين ونرى نحن النتيجة.
سرعة الضوء الثابتة
كان المفروض أنه حيثما أدرنا الجهاز في اتجاه مختلف سرعة وصول الضوء إلى المرايا ستختلف وتبدأ أشعة الضوء تصل وتنعكس بأوقات متباينة.
وبالتالي ستتداخل بين بعضها وتعطينا أنماطاً مختلفة عن النمط الأول، ونقدر أن نعرف منه سرعة تحرك الأرض في الفضاء كما ذكرنا سابقاً.
لكن ذلك لم يحصل، فكلما أداروا الجهاز في اتجاه وجدوا أن النمط ثابت لا يتغير. معناه أن سرعة الضوء في الاتجاهات المختلفة ثابتة لا تتغير.
ومعنى ذلك إما أن الأرض ثابتة لا تتحرك وهو احتمال غير وارد، وأما الضوء سرعته ثابتة ثباتاً مطلقاً. فسمع بذلك Albert Einstein ولم يعجبه ذلك.
لكن قبل ذلك سأخبرك أن تجربة Michelson و Morley تجربة دقيقة جداً معدل الخطأ فيها يكاد يكون منعدماً.
فإذا قامت نقطة ضوء وتباينت عن مثيلتها وأعطت نمط تباين مختلف فإن قيمة الفرق تكون بنسبة أقل من واحد إلى مليار جزء من المتر.
وهي دقة تستطيع أن تلاحظ بها واحد على ألف من عرض خلية بكتيريا في مسافة ما بين قطبي الأرض.
بداية فكرة النظرية النسبية عند أينشتاين
أينشتاين يقول لنعتبر الضوء هو الحجرة التي قذفناها من القطار، وبالتالي فإن سبب سرعة الضوء هو أني بينما أقف خارج القطار أرى سرعة الحجرة هذه 2 متر في الثانية.
وأنت داخل القطار سترى سرعتها أيضاً 2 متر في الثانية. بمعنى بعد ثانية واحدة من قذف الحجرة سأرى الحجرة بعيدة عني مسافة 2 متر والذي في القطار سيراها بعيدة عنه 2 متر.
أي المسافة بيني وبين الحجرة المقذوفة تعادل المسافة بين القطار والحجرة، فالأطوال تشوهت تماماً.
فطول المتر لدي ليس نفسه لديك، فإن تم قطع المسافتين في ثانية فأكيد هذه الثانية ليس نفسها بين الراكب والواقف.
هذا يعني أن الزمن تشوه أيضاً، وبالتالي توقع أينشتاين أنه مع ثبات سرعة معينة ثبوت مطلق سيجعل أي جسم يتحرك يصاحبه تشوه في زمانه ومكانه.
وهذا كان بداية النظرية النسبية التي وجدنا فيها أن سرعة الضوء قيمة واحدة ثابتة مهما تغير المكان الذي ننظر منه.
مفتاح الأحجية هو الضوء
لندع الحجرة ونركز على الضوء. مبدئياً نحن نرى الأشياء لأن الضوء يسقط عليها ومن ثم يرتد إلى عينيك فتراها.
أو تكون هي مصدر الضوء كالشمس مثلاً أو شاشة الهاتف المحمول الذي تستعمله. فلو الجسم الذي تشاهده بينكما مسافة كبيرة فمعناه أن الضوء سيأخذ وقتاً ليصل لعينيك.
وبالتالي الحدث الذي تراه الآن لم يحصل في نفس الوقت الذي تراه فيه، بل من زمن.
على سبيل المثال، لو هاتفك الذي تشاهده بينك وبينه ربع ساعة ضوئية، أو المسافة التي قطعها الضوء في ربع ساعة.
هذا يعني أن الضوء يحتاج ربع ساعة منذ خروجه من شاشة الهاتف حتى يصل لعينيك، ولحظة وصول الضوء لعينيك وتراني في الفيديو أقول السلام عليكم، سأكون فعلياً قد أنهيت الفيديو.
لأن الصورة التي وصلتك صورة منذ ربع ساعة، فالنجوم التي تراها في السماء ليلاً، بينك وبينها ملايين السنين الضوئية.
يعني أن الضوء خرج منها منذ ملايين السنين ففي اللحظة التي تشاهدها فيها يمكن أن تكون لم تعد موجودة أساساً.
تشوه الزمان والمكان
هناك مثل مشهور عن هذا الكلام، فإن تخيلت أن هناك كائن فضائي يعيش في كوكب يبعد عن الأرض 65 مليون سنة ونظر إلى الأرض بالتليسكوب، سيرى الديناصورات مازالت تعيش على الأرض.
لأن الضوء الذي وصل إليه في الوقت الحالي قد خرج من الأرض منذ 65 مليون سنة.، حين كانت الديناصورات تعيش.
لكن برغم الإثارة في الموضوع أن ذلك طبيعي وعادي، إن جوهر النظرية النسبية في تشوه الزمان والمكان.
فإن الكائن الفضائي الذي نظر إلى الأرض ورأى الديناصورات لن يشعر بالغرابة، فالوقت الذي عند الديناصورات هو نفسه عند الكائن الفضائي.
لو مر على الديناصور 50 سنة سيمر على الكائن الفضائي ذات الوقت. لكن الغريب في النظرية النسبية أنها تقول أن الوقت لا يمر عليهما بنفس المعدل.
يعني يمكن أن يكبر الديناصور سنة واحدة بينما الكائن الفضائي يمر عليه 50 سنة. فإن الوقت في النظرية النسبية يمكن ألا يمر بنفس التواتر.
تباطؤ الزمن وتوقفه والسفر إلى الماضي
تخيل أنني أعيش على كوكب الأرض وأنت تعيش على كوكب المرح والمسافة بين كوكب الأرض وكوكب المرح متر واحد.
افترض أن الضوء يتحرك بسرعة 1 متر في الثانية، وأنت لديك صاروخاً يتحرك بسرعة بنصف سرعة الضوء يعني بسرعة نصف متر في الثانية.
فما الذي سيحصل إن أنت قررت أن تسافر وتأتي إليّ؟ إن سرعة الضوء بالنسبة لك متر في الثانية، يعني مهما كانت سرعتك فالضوء سيسبقك في كل ثانية بمتر.
وبما أن المسافة بيننا متر، فأنت سترى أن الضوء وصلني ثم تحتاج أنت إلى ثانيتين حتى تصلني. فهل تتوقع بأنني بعد أن رأيتك بدأت تتحرك من كوكبك سأنتظر ثانيتين حتى تصل إليّ.
المشكلة أنني أيضاً سأرى سرعة الضوء متر في الثانية، يعني كل ثانية يقترب مني الضوء متراً، لا يهمني كم يبعد عنك، فالضوء يقترب مني متراً بغض النظر عن حركتك.
لكن يصادف أنك تتحرك، وبالتالي ففي الثانية التي قطع فيها الضوء متراً تكون قد قطعت نصف المسافة.
بمعنى أن في اللحظة التي سأراك فيها تتحرك من على كوكبك ستكون قد قطعت نصف المسافة، أي أنني أملك ثانية واحدة فقط من بعد رؤيتي لك تتحرك حتى تصلني، وليس ثانيتين كما حسبت أنت.
أي أن رحلتك تمت في ثانية واحدة وأنت رأيتها في ثانيتين. أي الثانية التي عندي امتطت وكبرت لديك لدرجة أنها تعادل ثانيتين. والزمن لم يمر عليك بسرعة كما مر علي.
صاروخ بسرعة الضوء
حسناً، تخيل أنك رقيت الصاروخ وأحضرت صاروخاً جديداً يتحرك بنفس سرعة الضوء، أي بسرعة متر في الثانية.
بالنسبة لك لا يشكل فرقاً، فالضوء يسبقك متر في كل ثانية مهما كانت سرعتك. وبالتالي سترى أن الضوء وصلني ثم سيبقى أن تقطع رحلتك في ثانيتين.
لكن بالنسبة لي الوضع مختلف تماماً، فأنا سأراك تتحرك بنفس سرعة الضوء. أنت والضوء ستصلان في نفس الوقت وهذا معناه أني لن أراك تتحرك أصلاً، لأن الضوء لم يصلني قبلك.
ففي اللحظة التي سيصلني الضوء فيها وأراك ستكون قد وصلت أنت. فمهما طالت المسافة والمدة فسأرى فقط آخر صورة لك قبلما أنت تتحرك وكأن الزمن توقف في تلك اللحظة.
فإن أنت مشيت بسرعة الضوء فأرى أنا الزمن وقف عندك.
فتخيل أنك رقيت صاروخك وأحضرت صاروخاً يتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء. حينها أيضاً لن يشكل فرقاً بالنسبة لك.
فأنت مهما كانت سرعتك سيبقى الضوء يسبقك بمتر لكن المفاجأة تكون عندي فقبل أن أراك تتحرك أصلاً سأجدك وصلت عندي وتتابع معي رحلتك.
ببساطة، أنك تكون سافرت للماضي خاصتك ويمكنك وأنت جالس معي تحضر صاروخاً وتضرب صاروخك وتمنع نفسك من الوصول إليّ. وكل ذلك حصل بسبب ثبات سرعة الضوء عندي وعندك.
أدرك أينشتاين أنك لو تحركت بسرعة أقل من سرعة الضوء فإن الزمن سيتباطأ عندك، ولو تحركت بنفس سرعة الضوء الزمن سيتوقف تماماً.
وإن تحركت بسرعة أكبر من سرعة الضوء ستقدر أن تسافر إلى الماضي وتغير في الأحداث. لكن أينشتاين لم يفهم لم الزمن يتباطأ، وما مقدار التباطؤ في السرعات المختلفة.
ولم لا نشعر بهذا التباطؤ في حياتنا العادية، وهل فعلاً يمكننا أن نسافر في الزمن؟
نسيج الزمان والمكان وتخطي الزمن
البطيخة والمسمار هما شيئان منفصلان عن بعضهما ولا علاقة بينهما. الكرسي والعجلة أيضاً شيئان منفصلان عن بعضهما ولا علاقة بينهما.
لكن المتر والثانية ليسا شيئان منفصلان بل شيء واحد. نسيج مصنوع من المطاط يسهل شده وثنيه وتفرده وتغير فيه كما تريد. قال ذلك ألبرت أينشتاين والنظرية النسبية تقول ذلك.
علمنا أن ألبرت أينشتاين وجد أن ثبات سرعة الضوء في كل الأماكن يغير من قيم الزمان والمكان. بمعنى لو أنك تتحرك بسرعة كبيرة لكنها أقل من سرعة الضوء، فإن الزمان سيمر عليك ببطء شديد.
لو تحركت بنفس قيمة سرعة الضوء، الزمان سيتوقف عندك بالكامل. ولو تحركت بسرعة أكبر من سرعة الضوء ستعود للماضي.
أينشتاين لم يكن يعرف لم يحصل ذلك، ولا كم مقدار التباطؤ، ولا يعرف هل فعلاً نقدر أن نعود في الماضي أم لا.
لذلك قرر أن يستعين بصديق له، وهو مدرسه في الفيزياء العالم Hermann Minkowski .
وافق العالم على مساعدته، وليساعده قررا في البداية أن يحضرا مثال القطار ويقارنا عليه بين النظرية النسبية للحركة من منظور نيوتن وبين الاستنتاجات التي خرجوا بها.
تطبيق النظرية النسبية للحركة من منظور نيوتن
تخيل أني أقف على الأرض وأنت تركب قطاراً يتحرك بنصف سرعة الضوء وقمت بإضاءة كشافات القطار.
ولو افترضنا أني واقف على الأرض وثابت قمت بقياس سرعة الضوء الخارج من كشافات القطار فوجدتها 1 متر في الثانية، بمعنى أنه بعد ثانية واحدة كان الضوء ابتعد عني بمسافة متر.
المفروض أنك عندما تقيس سرعة الضوء تجده نصف متر في الثانية. أو الضوء نفسه يبعد عنك في خلال ثانية بمقدار نصف متر.
لأنك أنت أيضاً تتحرك بسرعة نصف متر في الثانية. وبالتالي في الوقت الذي قطعه الضوء متر في الثانية، تكون قد قطعت نصف متر في الثانية.
بمعنى آخر أن الضوء ابتعد عنك نصف متر فقط، وليس متراً كما ابتعد عني. وهذه هي نسبية نيوتن المعتادة.
تفسير Minkowski لتغير الزمان والمكان
لكن التجارب أثبتت أن ذلك غير صحيح، وأن سرعة الضوء ثابتة في جميع المنصات. بمعنى أني لو رأيت أنا سرعة الضوء متر في الثانية أنت أيضاً يجب أن ترى أن سرعة الضوء متر في الثانية.
أي بعد ثانية واحدة الضوء سيبعد عني بمتر ويبعد عنك أيضاً بمتر. وحتى نفهم هذا الكلام لنرسم ما قلناه رسماً بيانياً، وأكيد سنصل لحل.
شرح المستوى البياني
لنرسم إحداثيات السرعة بحيث الزمن خط شاقولي، والمسافة خط أفقي. ويقاس الزمن بالثانية، بينما المسافة تقاس بالمتر.
فعندما أراقبك وأنت راكب القطار، صحيح أني ثابت في مكاني، لكني كنت أتحرك في الزمن أو الزمن الذي يمر عليّ.
وبالتالي في الثانية الأولى المسافة التي قطعتها تساوي صفر، وعند ثانيتين تساوي صفر، وعند ثلاثة تساوي صفر.
وأنت كنت تتحرك بنصف سرعة الضوء، أي عند الثانية الأولى قطعتَ مسافة نصف متر، وعند ثانيتين قطعت متراً، وعند ثلاثة قطعت متراً ونصف. وبالتالي هذا سيكون شكل محور سرعتك.
أنا رأيت الضوء الخارج من كشافات القطار يتحرك بسرعة متر في الثانية، أي عند الثانية الأولى قطع متراً، عند ثانيتين قطع مترين، وعند ثلاثة قطع ثلاثة. وبالتالي هكذا سيكون شكل محور سرعة الضوء.
ما قيمة سرعة الضوء بالنسبة لي، وقيمتها بالنسبة لك؟
ما علي فعله هو أن آخذ أية نقطة من على محور سرعة الضوء، وأحسب كيف أراها وأنت كيف تراها. فلو أخذنا النقطة الأولى والتي هي الثانية الأولى التي قطعها الضوء.
فحتى أعرف المسافة أرسم خطاً موازياً لمحور الزمن، وحتى أعرف الزمن أرسم خطاً موازياً لمحور المسافة.
وبالتالي بالنسبة لي الموضوع سهل سأجد أني حتى أعرف ما الزمن عند هذه النقطة سأرسم خطاً موازياً لمحور المسافة وأجد النتيجة أن الزمن قيمته 1 ثانية.
وحتى أعرف المسافة أرسم خطاً لمحو الزمن وسأجد المسافة عند النقطة التالية عند 1 متر. أي أن سرعة الضوء بالنسبة لي متر في الثانية.
أما أنت رغم أنك تتحرك لكنك لا تدرك أنك تتحرك، وبالتالي تعتقد أنك ثابت لكنك تتحرك في الزمن أو الزمن هو الذي يمر عليك بدون أن تقطع أية مسافة.
وبالتالي المحور خاصتك بالنسبة لي هو محور سرعة ، لكن بالنسبة لك هو محور زمن طبيعي، وحتى تعرف المسافة التي يقطعها أي جسم يتحرك ستكون موازيةً لمحور الزمن خاصتك.
وليس محور الزمن خاصتي. أي أنك ترى أن المسافة التي قطعتها أنت عند ثانية كانت تساوي صفراً، وعند ثانيتين كانت تساوي صفراً، وعند ثلاثة تساوي صفراً.
ولو أردت أن ترى سرعة الضوء بالنسبة لك ستسير في هذه الحالة موازياً لمحاورك أنت وبالتالي ستجد أن عند النقطة الأولى كان الزمن ما زال ثانية واحدة كما عندي بالضبط.
لكن المسافة تختلف لأنك ستسير بشكل موازي لمحور الزمن خاصتك. وستجد أن المسافة في هذه الحالة نصف متر فقط.
أي سرعة الضوء ستكون بالنسبة لك نصف متر في الثانية. لحد الآن كلام منطقي. وهذه هي النظرية النسبية [1] لنيوتن.
الزمن يختلف من شخص لآخر
لكن للأسف هذا لا يحدث في الواقع، بل يحصل أنني وأنت نرى أن سرعة الضوء متر في الثانية، وأنت يجب أن ترى أن نصف المتر تم قطعه في زمن مقداره نصف ثانية وليس ثانية.
وحتى يحصل هذا الكلام على الورق، يجب أن نرسم خطاً من النقطة يقطع محوري في زمن قدره نصف ثانية وليس ثانية.
حتى تصبح سرعة الضوء في النهاية نصف متر في نصف ثانية أي سرعة الضوء بالنسبة لك متر في الثانية كما أراه أنا تماماً.
وحتى أطبق هذه المسألة أصبحت لدي مشكلة جديدة، لكي أحسب المسافة يجب أن أسير بشكل موازٍ لمحور الزمن.
لكن الآن أصبح لدي زمن جديد ليس له محور مسافة موازٍ له، ويصبح الحل أن أصنع له محور مسافة جديد موازٍ له.
هذا معناه أنك وأنت تتحرك لك إحداثيات مختلفة عن إحداثياتي، ولك زمن ومسافة مختلفين عن زمني ومسافتي.
ولو أردت أن تقيس زمنك أو مسافتك، ستضطر أن تقيسهم على محاورك أنت وليس على محاوري.
مقارنة فرق الزمن والمسافة
لنقارن فرق الزمن والمسافة بين محاورك ومحاوري. لو نظرنا إلى نصف الثانية لدي سأجد طولها يساوي مقداراً لديك.
لكن عندك سأجد أن طولها يساوي مقداراً مختلفاً، ونصف الثانية خاصتك ستظهر أنها أطول من نصف الثانية خاصتي. تقريباً تعادل ثانية إلا ربع من عندي.
سنكرر المحاولة في التجربة، ولنضاعف أرقامنا لنسهلها.
أنا لدي ثانية وحتى أعرف الثانية لديك كم تبلغ، سأسير بشكل موازٍ لمحور المسافة خاصتك. وسأجد نقطة تقاطع جديدة تمثل الثانية خاصتك.
فلو أردت معرفة حساب طول الثانية لديك عندي، سأعود لأسير بشكل مواز لمحور المسافة خاصتي. وفي هذه الحالة سأجدها تساوي تقريباً ثانية وربع. أي الثانية لديك تساوي ثانية وربع لدي.
حسناً والمسافة سنجدها بنفس المنطق فلو أردت أن أحسب مسافتك سأرسم خطاً يوازي محور الزمن خاصتك وسأجد أن المتر خاصتك أصبح طوله كل القطعة الجديدة.
ولو أردت أن أعرف طوله كم يساوي بالنسبة لي، سأرسم خطاً موازياً لمحور الزمن خاصتي، وسأجد المتر لديك يساوي متر وربع من لدي.
نسيج الزمكان
أخبر Minkowski أينشتاين أن نيوتن أخطأ عندما اعتقد أن الزمن ثابت ولا يتغير، وأنه شيء منفصل عن المكان.
لكن الضوء أثبت أن الزمان والمكان يتغيران. بمجرد أن تتحرك يصبح لديك زمان ومكان خاصين بك، أبطأ وأقصر من زمان ومكان السكون، وأن التغيير في الزمن يغير معه المسافة والعكس.
والحقيقة أن الزمان والمكان ليسا شيئين مختلفين، بل شيئاً واحداً، نسيجاً واحداً سنسميه اصطلاحاً الزمكان.
وحركتنا داخل هذا النسيج تشوه النسيج وتغير من شكله، وكلما كانت الحركة أسرع كلما كان التشوه أكبر. وهذا هو السبب فيما يحصل.
إن الثواني والأمتار في الجدول البياني يتشابكون ويكونون نسيجاً يشبه شبكة الصيد، فمن وجهة نظر شخص ثابت المربع الواحد طوله ثانية وعرضه متر.
إنما عندما تتحرك بنصف سرعة الضوء [2] مثلاً فستصبح الثانية في هذا المربع أطول والمتر سيصبح أطول وشكله في النهاية ينحرف لشكل المعين.
كأنك أحضرت المربع ومطيته من جهة وضغطته من الجهة المعاكسة. وهذه العملية غيرت في شكل الزمن والمسافة مع بعض.
هذا التغير في مربع واحد، فما الذي سيصبح شكل التغير الكامل في نسيج الزمكان كله.
لو الشخص ثابت سيكون شكل النسيج في مستوى من بعدين ثم يبدأ بالتحرك ويبدأ النسيج يمتط وكلما زادت السرعة كلما زاد الامتطاط وزاد طول الثانية وطول المتر.
وبالتالي الفرق بين الزمن بالنسبة للشخص الثابت والشخص المتحرك هو أيضاً يكبر. كأنك تتحرك على نسج مرن حقيقي مغزول من الزمان والمكان وحركتك عليه تمط به وتغير في قيمتهما كلاهما.
فعندما تصل بسرعتك إلى سرعة الضوء، فالنسيج حينها ينضغط والمحاور تصبح محور واحد منطبق على محور سرعة الضوء. والزمن يقف في هذه الحالة.
لماذا يقف الزمن؟
لنطبق على الزمن القواعد التي وضعناها سابقاً، فلو أردتَ أن تقيس الثانية عندي كم تماثل عندك، ستسير بشكل مواز لمحور المسافة، فتجد محور المسافة هو نفسه محور الزمن.
وبالتالي ستجد أنك تسير موازياً له إلى ما لا نهاية. وهكذا ينعدم الزمن. وهذا الذي حدث، نتج عنه أمور غريبة وغير منطقية لا تحصل في الحياة العادية.
مثلما قلنا أن الشخص الذي يتحرك بسرعة كبيرة فزمنه يمتط، أي فرضاً عاش سنة واحدة، فيمكن أن تكون أنت تكون قد عشت خمسين سنة على سبيل المثال.
فلو أن هناك أخان توأمان أحدهما قرر السفر في رحلة لمدة سنة بصاروخ سرعته تقترب من سرعة الضوء، وبعد سنة يعود ليجد أخاه غير موجود أساساً وأحفاد أحفاده هم الموجودون.
نفس الكلام ينطبق على المسافة، فلو أنت تتحرك فالمتر خاصتك يمتط ويكبر وبالتالي سترى المتر خاصتي صغيراً، فصاحبك الذي وزنه زائد لو تحركت أمامه ستراه نحيفاً وليس سميناً.
لأن أبعاده انكمشت أمامك. والأرض الكروية لو أنك تتحرك نحوها بسرعة كبيرة ستجدها مسطحة لأن أبعادها أيضاً انكمشت.
وحتى الضوء نفسه الذي ستراه وأنت تتحرك سترى لونه يتغير، لأن طول موجاته يقصر في ظاهرة تدعى تأثير دوبلر Doppler effect.
تأثير دوبلر
ويحصل تأثير دوبلر عندما تتحرك بسرعة كبيرة، وعندما تتحرك بسرعة كبيرة الأطوال تقصر بالنسبة لك، والضوء الذي ستراه ستجده موجته أقصر وطول موجته يمثل لون الضوء نفسه.
أي أن لون الضوء ستراه مختلفاً، فالأحمر ذو الموجة الطويلة وأنت تتجه نحوه بسرعة كبيرة ستراه أصفر، لأن الأصفر طول موجته أقصر.
والأصفر سيصبح أخضر، والأخضر سيصبح أزرق. وفي النهاية ستجد أن كل الألوان تميل إلى الإزرقاق لأن الأزرق أقصرها طول موجة.
وفي لعبة صنعتها جامعة MIT كلما تحركت بسرعة أكبر ترى كيف يختلف العالم من حولك.
من الأمور الغريبة التي تحصل أيضاً، اختلاف ترتيب الأحداث، فإن كنت ثابتاً فالخط الشاقولي يرمز للثواني خاصتك، أما لو أنك تتحرك فستنحرف الثواني خاصتك.
ولو افترضنا أنه عند الثانية رقم 1 واثنان من أصدقائي أحدهما على بعد 1 متر والآخر على بعد 2 متر، وصفقا في نفس اللحظة، وأنت تتحرك لن ترى أنهما صفقا في نفس اللحظة,
لأن الذي يحصل عندي في نفس الزمن، يحصل عندك في زمنين مختلفين. وبالتالي سترى أن أحدهما صفق والثاني صفق بعده وستسمع صفقتين متتاليتين.
لأن ترتيب الأحداث نفسه اختلف بالنسبة لك. لأنك تتحرك ولك زمن مختلف عن الزمن خاصتي، والأغرب مما سبق، هو نسيج الزمكان ذاته، الذي يحذف الحواجز ما بين الزمان والمكان.
والذي سيصبح مثل صفحة يُكتب عليها كل الأحداث، الماضي والحاضر والمستقبل، والجميل أن الثلاثة موجودون في نفس الوقت.
تخطي الأحداث
كل ما عليك عمله هو أن تغير من سرعتك وتقدر أن تسافر من زمان إلى زمان آخر مختلف. فأنت تعيش في الحاضر وتسافر بشكل مستمر إلى المستقبل.
وتقدر أن تسارع ذلك بأن تتحرك بسرعات عالية، حينها سيمر عليك الزمن ببطء ويمر على الآخرين بسرعة. والشهر الذي سيمر عليك، سيمر عليهم في سنين، وبالتالي تقدر أن تسافر إلى مستقبلهم.
تخيل المقدرة التي ستملكها بتطبيق النظرية النسبية، أي شيء لا يعجبك، تستطيع تخطيه كإعلانات الانترنت.
وما عليك فعله هو أن تركب صاروخك وتخرج إلى الخارج وتعود لتجد كل شيء قد انتهى. لحظات الضعف، الانكسار، الامتحانات، العمل الطويل الممل. كل ذلك ستقدر أن تتخطاه.
لكن هل ستقدر أن تتخطى لفترات طويلة؟ خمسون أم مائة أو خمسمائة سنة؟ بحيث تعود من نزهتك البسيطة وتجد أن الزمان لم يعد زمنك والناس الموجودون لا تعرفهم.
والأدوات الموجودة لا تقدر على إستخدامها؟ هل حينها ستكون لديك الشجاعة أن تصنع شيئاً من هذا القبيل؟
السلام عليكم كان معكم محمد شرف وشرح النظرية النسبية لأينشتاين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس