بداية ونهاية الدولة الفاطمية :
كانت الخلافة العباسية التي امتدت رقعة دولتها من نهر السند شرقا إلى المحيط الأطلسي غرباً، كانت في عصرها الثاني تعاني من وهن واضطراب، ويتعاقب في خلافتها عدد من الخلفاء الضعاف.
حيث خرج عدد كبير من الخلفاء العباسيين من السلطة إما قتلا أو خلعاً.
في تلك الأثناء كانت دولة الخلافة الفاطمية الفتية خصمها السياسي والمذهبي تنمو وتزدهر في شمال إفريقيا.
وقد أفسح ضعف الدولة العباسية التي فقدت السيطرة الفعلية على الأطراف، أفسح المجال أمام الدعوة الفاطمية أن توسع من نشاطها في أرجاء الخلافة.
لا سيما في دياربوتايمتا في المغرب العربي، التي وصل إليها الداعية الفاطمي أبو عبد الله لنشر الدعوة الإسماعيلية.
هذه الحركة الإسماعيلية استطاعت أن تقيم دولة في الشمالي الإفريقي في البداية، هذه الدولة تأسست استناد لعوامل عديدة.
العامل الأول هو التنظيم، حيث قسموا العالم إلى جزر ولكل جزيرة داعية، وهؤلاء الدعاة يرتبطون بداعي الداعات الذي يرتبط بالإمام.
العامل الثاني هو العقيدة الدينية، الإيمان بهذه العقيدة.
العامل الثالث غالبا هو الإرادة وأم النضالية القوية مع ضعف قوة أو سيطرة الخلافة العباسية على الشمالي الإفريقي عموماً.
الدولة الفاطمية
الدولة الفاطمية كانت من ناحية النخبة السياسية نخبة مشرقية.
عبد الله المهدي قدم من المشرق من السلمية، لكن هذه الدولة اعتمدت تقريباً بصفه كلية عليه، وهي قبيلة بربرية وهي قبيلة كتامة.
تحالف مع قبيلة كتامة المغاربية وبالتالي استطاع أن ينتصر على دولة الأغالبة، وأن يقيم دولة شيعية اسماعيلية.
نجح الداعية أبو عبد الله في جمع قاعدة عريضة من الأنصار حوله، استعان بهم للسيطرة على دولة الأغالبة.
و دخول عاصمتهم القرون سنة 296هـ ، ويمكن أن نقول الدولة الفاطمية دشنت عصر الدولة القابلة في المغرب.
نجحت الدعوة الفاطمية أولاً لأن الدولة الأغلبية انتهى دورها التاريخي وترهلت ووصلت إلى فترة الشيخوخة.
عبد الله المهدي
أبو عبد الله الداعي أصلة من العراق، وذهب بتكليف من الإمامة إلى اليمن، وأعلن الإمامة أن ذاك أنها ستذهب إلى اليمن.
وتأسس خلافة فاطمية في اليمن لكن حدثت مشاكل، أبا عبد الله الداعي أرسل من اليمن إلى الحجاز ليرافق ركب الحجاج من قبائل كتامة ويذهب معهم إلى تونس أو ما بين تونس والجزائر اليوم.
ومن ثم وصلة الخبر بأن إمامه موجود بسجن ماسة، وذهب إلى سجن ماسة، وحارب اليشع بن مدرار زعيم الصّفرية الذي كان يحكم سجن ماسة.
واستخلص الإمام، وجرت احتفالات هائلة وصفت لنا من قبل القاضي النعمان وغيرة من المؤرخين بإعلان أول إمامة شيعية في التاريخ، وبايع الناس عبد الله المهدي.
مدينة المهدية
اتخذ الإمام عبد الله من مدينة رقادة عاصمة له، ولقب بالمهدي أمير المؤمنين، وشرع ببناء عاصمة جديدة لدولته في مكان حصين قرب البحر، عرفت باسم المهدية.
نظراً لاستراتيجيات الدولة وأهمية البحر المتوسط، قام بجولة على شاطئ البحر المتوسط، فوصل لمنطقة فيها بناء من العصر الروماني هائل يسمى الجم.
وإلى جانبه ذراع ممتد بالبحر، فوقع اختياره على هذا الذراع، وبنى عليه مدينة المهدية، وسكر الذراع من جهة البر وحصنة وردم قسم من البحر.
المهدي كان يملك بعض الخشية من محيطة، لأنه لديه أعداء بالمحيط الذي يخالفه مذهبياً، ويبدو أنه كان يملك بعض الهواجس الأمنية،
لم تكن القيروان ولا رقادة فيما يبدو كافية لتلبية طموحاته الأمنية، المدينة من الداخل خططت لتكون ميناء حربي مهم، على اعتبار أنه كان يملك رؤية واضحة في الدولة التي شرع بإنشائها.
فكان الميناء جزء أساسي من هذه المدينة الجديدة، نقرت الأعماق حتى تناسب إنشاء دار لبناء السفن تتسع لأكثر من 150 سفينة، وهذا مهد لدخول الفواطم إلى البحر، سيطر على الجزر الموجودة في المتوسط بقوة.
لا ننسى أن الدولة الفاطمية قامت في القرن الرابع للهجرة، أي بوقت حركة الملاحة الإسلامية.
أي الخط التجاري الكبير الذي يربط بين إشبيلية من جهة، والإسكندرية من جهة، وكان خط التجارة العالمية والمهدية تتوسط هذا الخط.
أي تتوسط طريق البحار الذي يمر بالجزر مقابل المهدي، إذا فهو سيطر على حركة تجارة كبيرة.
والفاطميين كان لديهم مشروع للاستيلاء على العالم الإسلامي، والمهدية كقاعدة تتوسط الطريق نحو الأندلس، لأن لهم مطامع بالأندلس وتتوسط الطريق نحو مصر.
لأن لهم مطامع على مصر إذاً من ناحية الاستراتيجيات الداخلية والخارجية، لا يمكن للفواطم أن يجدوا موقع أفضل وأجدى من المهدية.
الفاطميون كانت أساطيلهم تجارياً وعسكرياً كبيرة وقوية جداً، ولربما المعارك التي خاضها الأسطول الفاطمي لا سيما معركة المجاز بين صقلية وإيطاليا كليبيريا العرب، يسمونها إقليم قلورية في هذه المنطقة، حدثت معركة تعد من أعظم معارك التاريخ الإسلامي.
أي معركة الصواري ليست أهم منها، لكن لسبب ما الدعاية لذات الصواري وأحياناً الدعاية تخلق شخصية، إنما في الحقيقة هذه المعركة من أكبر المعارك البحرية التاريخية الحاسمة.
أهمية مصر عند الفاطميين
لم يطمئن الفاطميون إلى البقاء في تلك الوهاد الوعرة، ولم يعتبروا أنهم وصلوا بإقامة ملكهم في إفريقيا إلى ذروة الأمان والغايات التي كانوا يحلمون بها.
لذلك ظلت أعينهم على مصر طريقهم إلى تحقيق أحلامهم، ولهذا لم يكفوا عن مراقبة سير الأحداث في مصر، وانتظار الفرصة السانحة لغزوها مجدداً.
وقد أتيحت هذه الفرصة بعد وفاة كافور، واضطراب أحوال الدولة والتنافس على السلطة في مصر، ومطالبة كبار زعماء مصر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بفتح مصر، كما فعل يعقوب بن قلص أحد كبار رجال الدولة في عهد كافور.
كانت مصر دون غيرها بنظر الفاطميين هي المركز الأصلح لتحقيق أهدافهم، تستطيع الخلافة الفاطمية أن تقيم ملكها السياسي وإمامتها الدينية على أسس قوية باذخة.
وظل الفاطميون ودعاة الشيعة من الفاطميين ما بين عامي307 هـ وحتى عام دخولهم مصر 358هـ ينشرون المذهب الشيعي.
ويعرفون المصريين سراً بفكر المذهب الشيعي وتعاليم المذهب الشيعي حتى استغلوا ضعف الدولة الإخشيدية التي كانت تعاني في عام 357هـ سكرات الموت، من بعد وفاة قائدها كافور الإخشيد.
بدأ الفاطميون يجهزون ويعدون العدة لدخول مصر، وأعلنوا عن مصر دار هجرة، عن الرغم من إخفاق ثلاث حملات عسكرية فاطمية من دخول مصر.
فقد نجحت الحملة العسكرية الرابعة في زمن الخليفة المعز لدين الله بقيادة جوهر الصقلبي عام 358هـ في الاستيلاء على الإسكندرية ودخول مصر.
لاحق جوهر فلول الإخشيدية والكافورية وقتل منهم الكثيرين، في الوقت الذي كتب به وثيقة أمان هامة للمصريين، أشار فيها إلى ما أوعظ به الخليفة المعز من نشر العدل وبسط الحق وإغاثة المظلوم وإسقاط الرسوم الجائرة.
بناء مدينة القاهرة
عسكر جوهر الصقلبي بجيشه في شمال شرق الفسطاط، في موقع يبعد عن نهر النيل حوالي ميل واحد، وهو الموقع الذي أنشأ فيه مدينة القاهرة.
حيث بنى قصراً ضخماً ليستقبل فيه الخليفة المعز، سمى المدينة بالمنصورية، وبعد أربعة سنوات قدم المعز إليها وسماها القاهرة تفاؤلاً بها.
وبنى فيها الجامع الأزهر عام378هـ ، الذي تحول إلى جامعة علمية وألحت به مكتبة كبيرة.
لكن المشكل هنا أن القاهرة صارت عاصمة عظيمة، لكنها صارت مدينة للدعوة الإسماعيلية ولأتباع الدعوة الإسماعيلية وليست للمصريين.
وكان هذه هو المقتل بالنسبة لمستقبل الحكم الفاطمي في مصر، كانت العواصم في مصر الإسلامية تبدأ مع الفتح العربي الإسلامي لمصر.
عندما أنشأ القائد الفاتح عمرو بن العاص مدينة الفسطاط ثم جاء العباسيون بعد ذلك، أنشأوا مدينة العسكر إلى الشمال الشرقي، وعندما استقل لحكم مصر أحمد بن طرون أنشأ مدينة القطائع.
ولكن عندما وصل جوهر الصقلبي بدأ بإنشاء عاصمة حقيقية لمصر هي مدينة القاهرة، فكان مجموع هذه المدن الثلاث الفسطاط والعسكر والقطائع تمثل العاصمة (المتروبوليتيه ) أي العاصمة التجارية و الاقتصادية و العلمية.
بينما مثلت القاهرة المدينة المسورة العاصمة السياسية والإدارة التي يقطنها الخليفة وفرق الجيش.
منذ قدوم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى مصر سنه 362هـ ، تغدو القاهرة منزل الخلافة الفاطمية بدل من رقادة والمهدية.
وتبدو مصر معقل الخلافة الفاطمية، وملاذها بدل من المغرب.
قال المعز للمصريين أنه لم يسر لمصر لازدياد في الملك أو المال، وإنما سار رغبة بالجهاد ونصرة للمسلمين وإقامة الحق والسنة.
إشارة لطموحة بالخلافة وإمامة المسلمين، وحين شكك البعض بنسب الفاطميين لآل البيت، عقد مجلسه بالقصر ودعي إليه كبار القوم.
وسل سيفه من غمده وقال: (هذا نسبي). ونثر عليهم ذهباً كثيراً وقال (وهذا حسبي) فقالوا جميعاً سمعنا وأطعنا.
وفي ذلك ما يدل على اعتداد الدولة الجديدة بقوتها وجاهها قبل اعتمادها على إمامتها وهيبة انتسابها لآل البيت.
نظام الدولة الفاطمية:
اهتم الفاطميون بتنظيم الدواوين وجعلوا لكل ولاية في دولتهم ديوان خاص بها، وكذلك اهتموا بنقل البريد وتنظيم الرسائل بين الولايات بواسطة الحمام الزاجل.
كما طوروا نظام الشرطة والحسبة والقضاء، ووضعوا نظاماً إدارياً علمياً دقيقاً لتوطيد حكمهم.
ونظموا الأمور المالية تنظيماً دقيقاً، وسكوا عملتهم بالدينار الذهبي والفضي، حيث عاشت مصر في عهدهم فترة هدوء واستقرار ورخاء، امتدت قرابة قرنين من الزمن.
وكان الخليفة المعز لدين الله أول من وضع نظام دقيق للبحرية، ونسج على منواله من جاء من الخلفاء الفاطميين.
اهتم الفاطميون بالزراعة ونظم الري وشق الترع والجسور وقياس منسوب مياه النيل.
وتقدمت في عهدهم صناعة السفن والورق والزيت والحفر على الخشب.
واهتموا بحماية الطرق التجارية البرية منها والبحرية والمواصلات المائية عبر النيل.
جامعة الأزهر
بالجانب الديني والعمارة الدينية كانت القاهرة تزهو بجامع مهم أسس بداخلها، هو جامع الأزهر.
هذا الجامع الذي بدأ تخطيط الأسوار بحوالي ثلاث سنوات، وانجز ليكون الجامع الرسمي للدولة، تقام به صلاة الجمعة، وهذا الجامع لعب أيضاً دور ديني بتخريج الدعاة الذين أرسلوا لأقطار العالم.
ولكن حينما أنشأ الجامع الأزهر، كان يعرف بجامع القاهرة.
أنشأه القائد العظيم جوهر السقلي في خلافة المعز لدين الله الفاطمي، و بقي هذا الجامع يؤدي دوره بنشر المذهب الشيعي و تعاليم المذهب الشيعي وتفقيه المصريين بالمذهب الشيعي داخل مصر.
حتى أطلق عليه الجامع الأزهر في عهد الخليفة العزيز بدين الله، نظراً لأنه أصبح جامعة إسلامية مزدهراً لنشر العلوم والفنون في تلك الفترة.
الفنون في عهد الفاطميين
إلى أن جاء على عرش الخلافة الفاطمية الحاكم بأمر الله الفاطمي، وأنشأ الجامع الحاكمي، ولكن على قدر من المساحة حمل لواء الجامع الأزهر في نشر وتفقيه المصريين بالمذهب الشيعي.
باعتبار أن أحد مظاهر الفن الإسلامي مثل النقش الإسلامي الذي يعتبر من الإنتاجات الكبرى بالفن الإسلامي، نشأ في عهد المهدي.
وظهور المقرنص وهو عنصر أساسي في المهدية، وكذلك ظهور نوع جديد من الخزف الذي يعتمد على الآدمية والحيوانية ظهر في المهدية وخاصة في صبرا.
ثم من المفارقات أن الفاطمي فن صدر إلى خارج العالم الإسلامي، عندما نرى فناً صقلياً رومانياً (قصر العزيزة والقبة الصغيرة والفوارة…) كل هذه المنشآت الرومانية بها تأثير كبير للفن الفاطمي وخارج بوتقة العالم الإسلامي.
مظاهر من المجتمع الفاطمي
تألف مجتمع الدولة الفاطمية من شرائح اجتماعية متعددة، وقد تمتعت المرأة عندهم بمكانة رفيعة، وأثرت بعضهن بالحياة السياسية مثل ست الملك شقيقة الحاكم بأمر الله.
واحتفلوا بالأعياد الدينية مثل المولد النبوي ورأس السنة الهجرية، وشجعوا كذلك العلم والأدب كما ظهرت في عهد الفاطمية، شخصيات علمية وطبية من أشهرها (علي بن الرضوان، ابن الهيثم).
عمل الفاطميون على جذب المصريين، عن طريق إكثار مظاهر الأعياد والاحتفالات الدينية، والتي لم تكن معهودة من عند المصريين من قبل، لم يكن المصريين يعلمون عنها شيء.
وما كان يصاحبها من مظاهر احتفالات كثيرة الأطعمة والحلوى، ونشرها على المصريين، وكان الخليفة الفاطمي في المواكب السلطانية، يمشي في الموكب وينثر الدنانير على المصريين لتحبيبهم بالخلافة الفاطمية.
خلافة المعز لدين الله
في أيام المعز توطدت أركان الدولة، وأبنه العزيز استطاع أن يسيطر على بلاد الشام، ولكن سيطرة غير مستقرة متقلقلة.
إنما أصبحت الشام تدين بالطاعة بالنقود، والدعوة على المنابر للخلفاء الفاطميين، وفي هذا الوقت صارت الحجاز ولا سيما الحرمين مكة والمدينة تابعة للخلافة الفاطمية واليمن.
كاهن عهد المعز بمصر عهد توطيد ودفاع عن الملك الفتي، وكانت جيوش المعز قد افتتحت الشام كما افتتحت مصر.
وبسط عليها الخليفة الجديد حكمة ودعا له بنو حمدان في حلب، وامتدت مملكته الشاسعة من أواسط المغرب إلى شمالي الشام، لكن خطر القرامطة ظل حائماً في الأفق.
العلاقات القرمطية الإسماعيلية والنزاعات لم تكن نزاعات مذهبية، بقدر ما كانت زعامات وخلافات حول منافع ومصالح.
استطاع جعفر بن فلاح رد القرامطة والاستيلاء على دمشق، لكن القرامطة زحفوا بعد ذلك إليها وهزم جعفر بن فلاح وقتل.
بلاد الشام هي الدهليز، أي الممر إلى العراق فالاستيلاء على بلاد الشام يعني التوجه بعد ذلك لإسقاط الخلافة العباسية.
ولا ننسى أن الدعوة الإسماعيلية نشأة في السلمية في بلاد الشام، فالتوجه الطبيعي أن يكون لمركز الانطلاق للهيمنة عليه.
وبلاد الشام ذات أهمية في التاريخ العربي والإسلامي، وبالتالي لا تكتمل مفهوم الخلافة الإسلامية بدون أن تضم المشرق الإسلامي إلى مغربة.
ظلت الشام مسرح لعدت حوادث، ففي دمشق خرج بعض القادة الملحين على حاكمها ظالم بن موهوب العقيلي.
وانتهى الخلاف بينهم على توليت أحدهم، وهو جيش بن الصمصامة الذي حكم المدينة في الربيع الآخر سنة 364هـ ، لكن القلاقلة استمرت أضحت دمشق مسرحاً للشغب والفوضى.
إنهاء الدولة الحمدانية في حلب
يعقوب بن كلش من أكبر شخصيات الإدارة الفاطمية، كان وزير للعزيز.
مرض وهو على فراش الموت، عادة العزيز فسأله وقال له: أوصني؟ فقال يا أمير المؤمنين سالم الروم ما سالموك، وأرضي من الحمدانية بالخطبة والسكة، ولا تبقي على دغفل بن الجراح أن وافتك فيه الفرصة.
لنحلل هذه الوصية، لا تدخل في حرب مع بيزنطة، أقبل من حكام حلب بالخبطة وسك اسمك على النقود، أما دغفل بن الجراح فكان في الرملة ينبغي بعدم السماح باستقلال دولة في فلسطين.
أرسل المعز إلى قائدة كتاب يحذره فيه من عواقب الاصطدام بالحمدانيين، ويأمره باعتماد سياسة اللين معهم، لكن حلب سقطت في يد الخلافة الفاطمية في عهد الحاكم بأمر الله، وبهذا انزالت الدولة الحمدانية فيها.
الدولة الحمدانية بعد سيف الدولة صارت دولة اسمية، لذلك الفاطميون ارادوا بلاد الشام وحلب للوقوف أمام الدولة البيزنطية.
إنما فيما بعد تبنوا سياسة عملية بإبقاء الإمارة الحمدانية في حلب، لتكن دولة عاجزة بين بيزنطة والخلافة الفاطمية.
تمكن البيزنطيون بقيادة نفور فوقس ميليشيا حلب وتدمير وقتل معظم سكان حلب، وسيف الدولة أثر ذلك أصيب بالفالج ومات.
الفاطميون في بلاد الشام
في بلاد الشام لها نزعات خاصة، صحيح أن معظم سكان الشام آنذاك كانوا اثني عشرية.
إنما أهل الشام صعب عليهم القبول بالحكم الفردي المتسلط المؤله، لذلك هذه البلاد عرفت منظمات شعبية، وهذه المنظمات ثارت ضد الفاطميين بسبب العقيدة او تقديس الإمام.
والظاهرة العجيبة أن العقيدة الإسماعيلية لم تنتشر في مصر، وبقايا العقيدة الإسماعيلية بأنواعها من درزية إلى نزارية في بلاد الشام.
بينما اعتمدت الدولة الفاطمية في عهد المعز على تأييد القبائل المغربية ذات البأس والعصبية.
إلا أن الكفة مالت في عهد ولده العزيز إلى الموالي الترك، الذين اختاروا العديد من بينهم لمناصب الثقة والقيادة.
قبيلة قتامة أنهكتها الحروب والفتوحات، قبيلة قتامة قامت عليها أغلب الحروب والفتوحات الفاطمية في بلاد المغرب، ثم الفتحات الفاطمية في مصر والشام وبلاد الحجاز وجزء من العراق.
الجيوش الإسلامية التي يرد ذكرها في كل هذه المصادر والتركيبة الخاصة بهذه الجيوش تتكون كلها من عناصر دخلت إلى الإسلام في فترات لاحقه على نشأة الإسلام نفسه.
من أمثال الترك والديلم والتركمان والأكراد وغيرهم من العناصر، وهي عناصر شديدة المراس متمرسة في القتال.
كانت هي قوام الجيوش الإسلامية في الفترات اللاحقة، وبالتالي كان هذا نفس الشيء في تركيبه وتكوينه الجيش المصري في العصر الفاطمي، فلم يقم به أساساً عنصراً عربياً أو محلياً.
ولّى العزيز بنجاوتاكين التركي القيادة وولاية دمشق، وولّى برجوان الصقلبي إمارة القصر، وصار للأخير أعظم شأن فيها.
استاء الخليفة العزيز من أحداث الشام فأعد جياً قادة بنفسه لمواجهة البيزنطيين، وخرج به إلى بلبيس، لكن المرض اشتد عليه فجأة ثم أدركه الموت.
خلفة يوم وفاته ولده، وولي عهده أبو علي المنصور، ولقب بالحاكم وكان آنذاك صبياً بالحادية عشر من عمرة.
وفي اليوم التالي استدار الحاكم إلى القاهرة ومعه جثمان أبيه في موكب مهيب وحزين.
أوصى العزيز قبل موته بولده ثلاث من كبار رجال الدولة، هم برجوان الصقلبي خادمة وكبير خزائنه، والحسن بن عمار الكتامي زعيم كتامة أقوى القبائل المغربية وعماد الدولة الفاطمية منذ نشأتها، ومحمد بن النعمان قاضي القضاة.
وعهد بالوصاية الفعلية إلى الأول والثاني.
كان برجوان ويسمى أبو الفتوح خصياً صقلياً تربى بالقصر واختاره العزيز بالله، وولاه إمارة القصر وأطلق عليه لقب الأستاذ، وهو من ألقاب الوزارة في الدولة الفاطمية.
الحاكم بأمر الله
هناك شخصية من شخصيات الخلفاء الفاطميين على قدر من اللغز والغموض.
وهي شخصية الحاكم الفاطمي الحاكم بأمر الله، الإشكالية جاءت من أشخاص جاءوا من بلاد فارس إلى مصر، وغالوا في صفات الحاكم بأمر الله.
الحاكم بأمر الله نفسه لم يثبت عنه ادعاء الألوهية، أو قال أنا إلهاكم الأعظم أو أنا ربكم الأعلى.
بدأ الخفاء والغموض والريب يتبدى في هذا الصرح الساطع للخلافة الفاطمية، لا سيما في عهد الحاكم بأمر الله، الذي شاب فترة حكمه الكثير من الحوادث والظروف والأسرار الغريبة، التي أحاطت بروح السياسة الفاطمية الدينية والمدنية.
يوجد في التاريخ ألغاز، إنما بصرف النظر عن هذا اللغز الكبير، ست الملك كان لها دور في تنشئة الحاكم في الإدارة في حل كثير من القضايا.
نسجت حولها حكايات كثيرة، وقيل بأنها هي تأمرت مع بعض القادة لاغتيال الحاكم.
الحقيقة سيبقى اختفاء الحاكم لغز من ألغاز التاريخ.
ست الملك الأخت غير الشقيقة للخليفة الحاكم، كانت بمنزلة العين الساهرة تمرار توارث الخلافة الفاطمية، والحارس الأمين الخفي لبلاط الحاكم بأمر الله، ذكائها الحاد وإخلاصها وجمالها كان حصانة لتماسك العائلة الحاكمة.
سقوط الدولة الفاطمية
قد يتساءل الإنسان حول المشاكل التي أدت لانهيار الخلافة الفاطمية.
من عام 457هـ إلى عام 464 هـ هذه الفترة ضربت في مصر مجاعة ضخمة جداً، عرفت بالشدة المستنصرية قضت على عصر الخليفة المستنصر بأكمله، الذي كان هو رمز قوة الدولة الفاطمية بقولهم.
إن هذا الرجل يطلب المعونة من أحد الأشخاص من بلاد الشام وهو الوزير الأرمني بدر الدين الجمالي، الذي اشطرت على الخليفة المستنصر بالله الفاطمي أن يأتي إلى مصر بحاشيته العسكرية وبجنوده ليخرج مصر من كبوتها.
وأيضاً حدثت المغامرة، مغامرة داعي الدعاة والبساسيري بالاستيلاء على بغداد وكلفة هذه الخزانة على الأقل ثلاثة لأربعة مليون دينار ذهبي وهو مبلغ هائل.
بدر الجمالي كان قائد الجيوش، أصبح هو داعي الدعاة والوزير وقائد الجيوش، فانقلبت كل التركيبة ويعرف هذا العصر بعصر الوزراء العظام، الذي علت فيه سلطة الوزراء وقلت فيه سلطة الخلفاء.
وصل الضعف في أواخر عهد الخلافة الفاطمية إلى ذروتها، لا سيما في عهد الخليفة العاضد بسبب تحكم الوزراء والقادة العسكريين، الذي وصل بهم الأمر إلى حد التقاتل فيما بينهم على المناصب والاستعانة بالأعداء الخارجيين بالتأمور على بعضهم.
بدأ المتصارعون على السياسة والسيادة في مصر يفتشون عن متحالفين في الخارج وبعضهم نظر إلى الصليبيين، وجلبوا حاميات صليبية إلى القاهرة، بعضهم الأخر توجه إلى الشام وكان بطل الشام آنذاك نور الدين الزنكي.
استعان الوزير الفاطمي أبو شجاع شاور بنور الدين الزنكي في دمشق، لكي يعيده إلى الوزارة الذي خلعه عنها منافسه ضرغام بن سوار.
أمر نور الدين بتسهيل حملة عسكرية بقيادة أسد الدين شيركوه لمحاربة ضرغام بن سوار وإعادة أبي شجاع إلى منصبه.
شعر شاور بخطر الزنكيين فانقلب على الاتفاق الذي عقده معهم، واستعان بالفرنجة للتخلص منهم.
الدولة الفاطمية واجهة الحروب الصليبية لا ننسى ذلك، ثم المد التركي السلجوقي، وبنفس الفترة بداية حركة المغول كانت حركة تصدي في العالم الإسلامي.
نحن في فترة حركة استرداد المساحي للخارطة الإسلامية، في الحقيقة بعد الحاكم لم يلي ولا خليفة متميز لا سياسيا ولا عسكرياً.
أمر نور الدين بتسهيل حملة ثانية بقيادة أسد الدين وبمرافقة ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، لمواجهة فلول شاور والصليبيين بأن معا.
واستطاع أسد الدين الانتصار على جموع شاور والفرنجة، وبعد هزيمتهم تولى بنفسه منصب الوزارة في عهد الخليفة الفاطمي العاضد.
وبعد موت أسد الدين شيركوه، تولى المنصب ابن شقيقه صلاح الدين الأيوبي.
أخمد صلاح الدين الأيوبي الكثير من الفتن وتصدى للفرنجة، وبأمر من نور الدين الزنكي أصدر أمراً بالدعوة للخليفة العباسي.
أي حكم في مصر وفي أي بلد في الدنيا إذا لم يكن في وسط الشعب، هو حكم زائل أو عندما تأتيه قوة تزيله لا يبقى له أثر.
الحاكم الناجح هو الذي يعيش في وسط الجماهير، غابت شمس الخلافة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ.
وهو كذلك التاريخ موت وولادة نشوء وانهيار بداية ونهاية.
د. ناجي جلول أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة منوبة
د. سهيل زكار نائب رئيس اتحاد المؤرخين العرب
د. غزوان ياغي متخصص بالآثار الإسلامية
د. أيمن فؤاد سيد أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الأزهر
د. سند أحمد عبد الفتاح أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس