حرائق أستراليا دمرت منذ أكتوبر الماضي أكثر من 12 مليون هكتار من الأراضي والغابات، أي ما يعادل ضعف مساحة النمسا تقريباً.
ولقي مليار من الثديات والزواحف والطيور حتفها بسبب النيران، واستنفذت وحدات إطفاء حرائق أستراليا طاقتها رغم أن الأمطار الغزيرة في الأيام القليلة الماضية ساعدت على إغاثة بعض المناطق.
لكنها تسببت في فيضانات في أماكن أخرى، فأستراليا بكاملها لم تكن مستعدة لكارثة بهذا الحجم، فكيف حدث ذلك؟
خطر حرائق أستراليا في بروكين هيل
تبدأ رحلتنا جنوبي شرق أستراليا تحديداً في بروكين هيل في ولاية نيوساوث ويلز، في هذه المناطق الريفية النائية، هو اسم يطلقه الأستراليون على المناطق البعيدة عن السواحل.
تعيش عائلة كالين ويتحدث لنا أحد أشخاص من هذه العائلة قائلاً: اسمي بريندان كالين، أعيش في كاستيشن على بعد ستين كيلو متر من جنوبي بروكين هيل، وقد عشت فيها طوال حياتي.
أقضي الكثير من الوقت داخل السيارة من أجل الذهاب لشراء الماء، والناس هنا متضررون فيما بينهم، حتى أننا جربنا رقصات المطر حتى يهطل المطر، وقد توقفنا عن مشاهدة حالة الطقس تماماً.
في فصل الربيع من المفروض أن تزهر الطبيعة في بروكين هيل، ولكن المنطقة تعاني من الجفاف، وكانت آخر قطرات مطر سقطت في أكتوبر عام 2017 لمرتين في الأسبوع.
الطقس الجاف في بروكن هيل أستراليا
عام 2019 هو من أكثر الأعوام حرارة في أستراليا منذ بدء قياس الطقس عام 1910، وحالياً تشهد أستراليا أسوأ موجة جفاف، والمياه الجوفية مهددة بالجفاف في عدة مناطق، وهذا لم يحدث من قبل.
السكان يعيشون على رعاية الأغنام والأبقار، على الرغم من أن العشب جاف جداً، ونادراً ما تمطر السماء، وفي السنة الماضية سجل تراجع 40% من هطول الأمطار عن المتوسط السنوي.
وهي نسبة أقل منذ بدء القياسات قبل 120 عاماً، لهذا يعتقد السكان أن الجفاف مثل الوحش الذي يواجههم ويقضي على الحيوانات.
وقد أجبروا على خفض عدد قطيعهم لأنه لا يوجد لهم ما يكفي من الماء والغذاء، ويعيش السكان هناك على صور من هطول الأمطار في سنوات سابقة، للحصول على بعض الأمل في الحياة.
يختبر السكان وأطفالهم الحياة في هذه المنطقة النائية في أستراليا، فهم يتعلمون على الهدوء لأن الحياة صعبة، ويعيشون الكثير من التجارب، وهذا يساعدهم على التعامل مع المشاكل اليومية جيداً.
والأولاد يساعدون أهلهم ولكن لا أحد يريد أن يبقى في أستراليا، لأن المنطقة أصبحت أكثر جفافاً.
جفاف الماء من تغير المناخ
سبب الجفاف في جنوب شرق أستراليا، والتقلبات في ضغط الهواء بسبب ارتفاع الحرارة حول القطب الجنوبي، هو ما يجعل الرياح ساحبة معها المطر تتجه نحو الجنوب.
اضطر بعض السكان لأخذ ديون لتوفير الغذاء للحيوانات، فإن ملئ خزانات المياه والعلف يكلف آلاف الدولارات أسبوعياً.
وعاش السكان هناك جميع التغيرات، حيث أن المناخ يزداد أكثر فأكثر، وأصبح من الصعب تحمل ذلك الجفاف المستمر في أستراليا، وهذا يدفع الكثيرين للاستسلام.
الجفاف المتواصل هو أحد الأسباب الرئيسية لمغادرة الناس للمنطقة في أستراليا، فمنذ أشهر اتخذت تدابير صارمة وتم ترشيد مياه الاستحمام وغسل الملابس على نحو صارم.
وتستخدم المياه المستعملة لتنظيف أوساخ النباتات والأشجار، ورغم ذلك يحرصون على الإعتناء بحدائقهم، حيث أن المساحات الخضراء القليلة الموجودة تذكرهم بالسنوات السابقة الجميلة.
وقد استسلم العديد من المزارعين في جنوب شرق استراليا، حيث أن الزراعة في تلك المنطقة من غير المستحيل أن تكون ممكنة على المدى الطويل.
يقول بريندان كالين أصبت بمرض الإكتئاب وذهبت إلى المستشفى في بروكين هيل، وتم تشخيص إصابتي بمرض الإكتئاب وقد تناولت الحبوب لمدة ستة أشهر، وكل ذلك بسبب الجفاف في أستراليا.
المزارعون في أستراليا يعتمدون على أنفسهم، ولكنهم يعيشون في بيئة يعولون فيها دائماً على الطقس للعيش فيها بشكل جيد.
الجفاف والحرائق في بروكن هيل
في ظل الجفاف يزداد خطر لإندلاع حرائق أستراليا أيضاً، فالحرائق غيرت شكل الأرض هناك، ولمنع نشوب حرائق واسعة النطاق، يتم حرق الشجيرات بشكل متحكم فيه في غرب أستراليا.
السكان الأصليون في أستراليا كانوا يقومون بهذا سابقاً، وتم إنهاء تلك العملية لاحقاً لعدة عقود، وبدلاً من حرق الأشجار كان هناك محاولات لمنع إندلاع حرائق جديدة، والنتيجة هو ظهور مواد جديدة قابلة للإحتراق.
فالعواقب الكارثية لا تنحصر على أستراليا فقط، حرائق أستراليا في الغابات الحالية بالبلاد أفرزت أكثر من 250 ألف مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بحسب دراسة بوكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
قبل إندلاع حرائق أستراليا يكون لون السماء أسود، ومن ثم يصبح أحمر اللون، وبعدها تأتي الحرائق ويواجه المتطعون خطر النيران.
يتكون رجال الإطفاء في أستراليا من القضاة والطلاب والمحامين، الذين يتركون منذ أسابيع وأشهر وظائفهم لإنقاذ بلدهم أستراليا، ويخاطرون بحياتهم حتى لا تمتد حرائق أستراليا بشكل كبير.
يتواصلون أثناء تحركهم بقوائم تحدد الأولويات بالترتيب، بحيث تأتي المباني السكنية الجماعية على رأس الأولويات، وفي النهاية المنازل الخاصة.
عادة ما تنشب الحرائق في المناطق ذات الكثافة السكانية البعيدة نسبياً عن الساحل، ويقترب الحريق من المناطق التي يعيش فيها جزء كبير من الأستراليين، وقد تصل درجات الحرارة في وقت الحرائق إلى مئات الدرجات المئوية.
خطر حرائق أستراليا في كوبارغو
في كوبارغو تضرر ما يقرب من ثلثي المساحة من حرائق أستراليا، وتبعد هذه المنطقة عشرة كيلو مترات فقط عن الساحل.
في بداية يناير اضطر بعض السكان إلى ترك مزارعهم وترك مواشيهم هناك، بسبب كثافة الحرائق في كوبارغو مثل الخيول وغيرهم.
غالبية سكان البلدة البالغ عددهم 747 شخصاً، تم إجلائهم في الوقت المناسب، غير أن بعضهم بقي هناك، ولم يبق شيء من المزارع والمواشي التي هربت.
يومياً يستنشق عدد لا يحصى من الناس مثل كبار السن والمرضى والأطفال الهواء الملوث، ودرجة التلوث تجاوزت مستوى الضباب الدخاني في نيودلهي.
جل القرويين هم من المزارعين، وبعض الحيوانات تم انقاذها أو هربت، بينما ماتت أخرى بشكل مأساوي، مثل الخيول والماعز والكلاب.
حرائق أستراليا كانت سريعة في منطقة كوبارغو، والسكان يواجهون أوقات صعبة، ولكنهم مصممون على العودة إلى منازلهم.
عندما تخمد حرائق أستراليا يكون هناك رماد في الشوارع والحقول والمنازل المدمرة، وقد نجا نحو 100 ألف من حيوانات المزارع من الحرائق، وبعد الجفاف والنار حدث نقص في العلف طبعاً.
تضرر المحميات في كرباغو أستراليا
الوضع أكثر سوءً بالنسبة للحيوانات البرية الفريدة في أستراليا، فإلى وقت قريب كان هناك مأوى في محمية طبيعية في أستراليا.
وقد اختفت الحيوانات في المحمية الطبيعية وأحترقت وماتت بسبب حرائق أستراليا، وتتم العناية بالحيوانات الصغيرة التي فقدت أمهاتها في الحرائق، وعندما تشفى الحيوانات يتم إطلاق سراحها بأسرع وقت.
ويهم المتطوعين بالبحث عن الطعام لحيوانات الكوالا، لأنها تقتات على أوراق أشجار النيوكولابتس وأنواع أخرى، وإذا احترقت الغابة لا يمكن نقل الكوالا إلى غابة أخرى.
تراجعت أعداد الكوالا الأن من مئات الآلاف، إلى ثمانين ألف فقط، وحوالي النصف لم يتمكن من النجاة من الحريق في كرباغو.
فحتى الدببة الأسترالية فقدت الكثير من الفضاءات الطبيعية على مر السنين، وقد تطوع الكثير من الأستراليين لحماية الحيوانات وإطعامها.
تأثير حرائق أستراليا على الحيد المرجاني العظيم
تبعد جوهرة أستراليا الطبيعية بألفين كيلو متر شمالاً، وهي الحيد المرجاني العظيم، التي قال عنها أحد أشهر علماء الأحياء البحيرة في الوقت الراهن:
عندما جئت إلى الحيد المرجاني العظيم لم تكن لدي أي فكرة عنه، والأمر هناك خارق للغاية، فهناك شيء مميز في الحيد المرجاني العظيم.
وقد اكتشف جون فيرون أكثر من خمسة أنواع من الشعب المرجانية المعروفة، حتى الآن وأجرى أبحاثاً حولها وقضى أكثر من سبعة آلاف ساعة تحت الماء.
ولكنه على الرغم من سنة البالغ 75 لازال يريد المزيد، فهو يشعر أنه في منزله تحت الماء، ويقول أن الأمر المميز في الشعب المرجانية هي أنها تشيد فضائها الخاص.
لون الشعب المرجانية الشاحب
منذ سنوات بدأ يبهت لون الشعب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم، لأن حرارة مياه البحر تتزايد بسبب تغير المناخ والحرارة المرتفعة، وبسبب ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون.
أكبر موقع للشعب المرجانية المصنف كتراث عالمي لليونسكو، مهدد بالموت، فأصبح الشكل مثل المقبرة بلونها الشاحب.
ليس ارتفاع درجات حرارة الماء وحده ما يسبب المشاكل للشعب المرجانية، فحتى الزراعة تساهم بموتها، حيث أن غالبية المزارعين لا يلتزمون بالحظر المفروض على المبيدات، لحماية عالم البحار الفريد من نوعه.
منذ مائة وخمسين عاماً بدأ المهاجرين الأوروبيين في أستراليا لأول مرة في الزراعة وتربية الماشية، على طول المناطق الساحلية.
ومنذ ذلك الوقت تجرف الأنهار والجداول الكثير من الترسبات الصخرية على حيد المرجان العظيم، وهناك أيضاً كميات كبيرة من الأسمدة ومبيدات الحشرات.
أستراليا بلد غني بالموارد الطبيعية ويجذب المزيد من السياح سنوياً، ولكن مؤخراً وصل عددهم إلى 8 ملايين ونصف.
أستراليا هي أكبر مصدر للفحم عالمياً، وربع الأستراليين يشكون بتغير المناخ مثل عمال المناجم، فقد كانوا يعملون حتى التقاعد ولكن اليوم أصبح الأمر يتعلق بالعقود المؤقتة.
سيدني أستراليا
سيدني هي أكبر وأشهر مدينة في أستراليا، ويقطنها خمسة ملايين نسمة، يوجد في ضواحيها العديد من مناجم الفحم الصلب.
جين هينشليف البالغة من العمر 15 عاماً، أصبحت رمزاً للحركة المدافعة عن البيئة وحرائق أستراليا، لأنها تكافح منذ أشهر ضد تشييد منجم للفحم من طرف شركة آدان الهندية.
حيث ستقوم الشركة بتوسيع أحد الموانئ وسط منطقة محمية في الحيد المرجاني العظيم، وتقول جين لا أحد يهتم بالكوارث والحرائق، ولكنه أمر مخيف ومتعلق بالمستقبل.
بعد الولايات المتحدة الأمريكية تملك أستراليا أعلى انبعاثات للفرد الواحد من ثاني أكسيد الكربون، بين الدول الصناعية المتقدمة.
وتشرف جين على تنظيم مسيرات ومظاهرات، تساعدها في ذلك صديقاتها وأمها، ففي الخريف الماضي تظاهرت خلال قمة المناخ للأمم المتحدة في نيويورك.
ولكنها لم تخطط يوماً لتصبح قائدة الحركة الأسترالية المدافعة عن المناخ، تقول جين: أرسلت إيميلات إلى نشطاء البيئة في الجامعة، وسألتهم كيف أساعدهم، وتلقيت الرد، وأصبحت في قلب الحركة مباشرة.
تظاهرات في سيدني للحفاظ على البيئة
طيلة أشهر خرج عشرات الآلاف من الأستراليين إلى الشوارع للتظاهر ضد سياسات المناخ في بلادهم، ففي أستراليا يحكم ائتلاف محافظ بين الحزب الليبرالي، والحزب الوطني، وكلاهما مدافعان تقليديان عن استغلال الفحم.
في نوفمبر الماضي صرح رئيس الوزراء سكوت موريزن، بأن حرائق أستراليا لا علاقة لها بتغير المناخ، وينبغي أن يعرف الجميع الحقائق، ويجب أن لا نخيف الأطفال عندما نتحدث عن الحقائق.
ولكن يبدو أن حرائق الغابات المدمرة التي شهدتها في الأشهر القليلة الماضية، أدت إلى إعادة التفكير في الأمر، فوفقاً لاستطلاع رأي، يريد 78% من الأستراليين الحد من استخدام الوقود الأحفوري.
المتظاهرون اعتبروا أن حرائق الغابات في أستراليا هي نتيجة مباشرة لتغير المناخ، وأن هذه المشكلة هي مشكلة الجميع، وعليهم أن يطالبوا بالتغيير.