سألت عن فوائد البنوك كثيراً، لذا سأقوم بتوضيحها لحضراتكم، في ثلاث عناصر رئيسية، وسأحاول أن أتحدث في الأمر على عجالة، في عدة دقائق حتى لا أطيل عليكم، وحتى يكون لديكم دراية في الأمر.
ما هي فوائد البنوك
هي أن تذهب إلى البنك، وتودع مبلغاً مالياً معيناً، إما أن تربطه، ويسمى ذلك وديعة، تأخذ عليها مقابل مالي، لفترة معينة.
أو أن تضع أمولاً سائلة في حسابك، وتأخذ مقابل عليها، إما حساب استثماري، أو وديعة، هذه هي فوائد البنوك.
المعاملات هذه، لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن البنوك، ظهرت منذ وقت قريب، ولم تكن من قبل.
العلماء اختلفوا في هذه المعاملة، هل يا ترى فوائد البنوك من الربا المحرم، أم ليست من الربا المحرم.
واختلافهم في حكمها من الربا المحرم أم لا، يتبع اختلافهم في رؤيتهم للمعاملة، ما هي المعاملة كيف سنصورها ونكيفها.
مراحل التكييف في الفتوى
التكييف يعني أننا نرى القضية، تندرج تحت أي باب، أو تخضع لأي شروط وأحكام، من المعاملات والعقود، حتى يتم إبداء الحكم فيها بعد ذلك.
التصور الأول، أن أتصور القضية، وأحاول فهم هذه القضية، وبعد أن أتصور المسألة المعروضة علي جيداً، أبدأ بالتفكير، أين أضع هذا التصور.
فمثلاً أمامي جسم معين، أبدأ بتصوره، هل هو خاتم أو ساعة أو قميص، وبعد أن أنتهي من تصوير، أبدأ بالتفكير، أين أضعه وأين يتخزن.
وبعد وضعه في مكانه، أبدأ بمعرفة حكمه في مكانه، وبعد معرفة الحكم، أبدأ بالتفكير بالحالة التفصيلية، التي أمامي، ما حكمها بناءً على الحكم العام.
اختلاف علماء المسلمين حول فوائد البنوك
فوائد البنوك أو المعاملة، بهذا الشكل، لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي أمر مستحدث، وهنا بدأ الفقهاء ينظرون.
هل يا ترى فوائد البنوك هذه هي قرض؟ هل العلاقة بين المودع وبين البنك هي علاقة قرض؟ فلو هي علاقة قرض.
كل قرض يجر نفعاً فهو ربا، وهكذا ستكون الأموال هذه مباشرة ربا وحرام، أم هي عقد من العقود المستحدثة؟
سابقاً كان لدينا ما يقرب من 25 عقد فقهي، موجودين ومعروفين، والعقود اليوم، لها صور كثيرة، فهل المعاملة البنكية تعتبر عقد مستحدث، لا تندرج ولا تخضع لشيء من العقود القديمة.
بالتالي من حقنا أن ننظر فيها، وفق القواعد العامة للشريعة الإسلامية، ونرى هل هي تحقق خير ومصلحة ونفع عام، أم لا، بالتالي هذا كان الاتجاه الذي سلكه من يبيحون هذه الفوائد.
العقود المستحدثة
قال العلماء، أن هذه عقود مستحدثة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يوجد فيها حرمانية، فهي تحقق الرضا للجميع، وتحقق الخير للجميع، فلا مانع أن نأخذ بها.
وقبل أن ندخل في التفصيل، ممن قالوا بذلك، ومن قال غير ذلك، سأعود قليلاً للخلف، لأوضح أمراً مهماً.
قلنا أن لدينا عقود قديمة، وعقود مستحدثة، قضية استحداث العقود أصلاً، بأن استحدث عقداً في الفقه الإسلامي، واستحدث معاملة جيدة في الفقه الإسلامي، هي أصلاً محل خلاف.
هنا لدينا مدرستين فقهيتين، ودون أن نتعرض لهاتين المدرستين، لنعرف معلومات رئيسية، دون أن نذكر من قالها من المدرستين.
يجب أن تعرف أن قضية إنشاء واستحداث عقود جديدة، اختلف فيها مدرستين في الفقه الإسلامي، كل مدرسة لها أدلتها.
الفرق بين الإيداع والاستثمار
الذي يقول هذا حرام، لم قال أنه حرام؟ يقول حرام من الحيثيات الآتية ، عندما تودع أموالك في البنك، فأنت تدخل البنك.
تقول أنا أريد أن أضع عندكم هذه الأموال، البنك يجيبك، وأنا سأعطيك عليها فائدة، بالنسبة الفلانية، وتسمى في البنك إيداع أو استثمار، فما الفرق بينهما؟
الإيداع أو الوديعة في الفقه الإسلامي، وحتى في القانون المدني يقول، أن الودعية، أن أضع مالاً عند أحدهم، وعندما أضع أموالاً أو عينية، هذه تسمى وديعة.
والرجل الذي وضعتها عنده، غير مأذون بالتصرف فيها، هل البنك يكون غير مأذون بالتصرف فيها؟ طبعاً لا.
البنك لديه إذن أن يتصرف، ويصرفها، ويعمل بها كل ما يريد، وأنت عندما تأتي تريد أموالك من عنده، يعطيك مثلها، ولا يعطيك نفس الأموال، ولا نفس الأوراق المالية بأرقامها التسلسلية.
إذن هذه ليست وديعة بالنسبة للتعامل مع البنك، الوديعة هي عندما أضع وديعة عند أحد، وأدفع له أجر، حتى يحفظ ويصون لي الوديعة.
وما يحدث مع البنك هو العكس، أن البنك يعطيني ربحاً، عندما أضع الوديعة لديه، إذن هذه ليست وديعة.
ما تكييفها في القانون؟
في المادة 726 على ما أذكر من القانون المدني، أن الوديعة إسمها وديعة ناقصة، وهي مثل المال الذي تضعه في البنك، ومن حق البنك أن يتصرف فيها كيفما يشاء.
فهذه ليست الوديعة الفقهية، ولا تعتبر وديعة لا في القانون المدني المصري، ولا حتى في القانون الفرنسي، الذي أخذ منه القانون المصري، وإنما هذه تعتبر قرضاً.
وهنا الفقهاء الذين حرموها، قالوا، بما أنها قرض، فأي قرض يجر نفع فهو ربا، لأن في القرض الإسلامي هو أن تعطي أحدهم مالاً، فلا ينفع أن آخذ عليه فائدة ،بأي شكل من الأشكال.
هل هي شراكة؟
شراكة؟ مضاربة؟ قراض؟ هذه الألفاظ الثلاثة، تدل على شيء واحد، وهو أنه لدي بعض المال، وأذهب إلى شخص ما، أو إلى البنك.
وأقول له، خذ هذه الأموال وحركها في السوق، ولك نسبة من الربح 20% أو 30%، ونسبة الربح نسبة معلومة، لكن الربح غير محدد.
إن كان 100 جنيه أو مليون جنيه، الله أعلم، ما سيأتي له منه 30%، هذا ما يسمى مضاربة أو قراض أو شراكة، لكن هل هي كذلك؟
بل ليست كذلك، لأن البنك في الحقيقة، كأن تذهب إلى البنك، ولا تحدد له نسبة الربح، بل اإن لبنك هو الذي يحدد لك، ما يعطيك وقد يكون جزءاً صغيراً، ويأخذ بقية الأرباح.
إذاً هذه ليست عقد مضاربة ولا شراكة ولا قراض، عدا عن ذلك، أنه في عقد المضاربة والشراكة والقراض، عندما تتفق مع من يشغل لك أموالك، أنت الذي تحدد له النسبة، وليس هو.
والذي يوجد في البنك هو العكس، البنك هو الذي يحدد لك النسبة المعلومة وليس نسبة على الشيوع، كأن يحدد أن لك نسبة 30% من الربح.
لكن لا أعرف كم سيكون الربح، فالبنك يحدد لك على كل 1000 جنيه لك مثلاً 10 جنيه، أي هو حدد لك ما ستأخذه.
عند العلماء وفي الفقه الإسلامي، كما حكى ابن المنذر رحمه الله، اتفاق الفقهاء، على أن تحديد الربح وجعله معلوماً في القراضي يفسده، أي يجعل العقد فاسداً.
إذن المعاملة هذه ليست شرعية، والمبلغ المستحق فيها للبنك غير شرعي.
هل هي وكالة؟
الوكالة تعني، أني أعطيك المال لتشغله لي، في المضاربة، ولك جزء من الربح.، وكأنك مدير أعمالي، ولك راتب شهري 150 أو 200 جنيه أو أياً كان.
هل هذا يحدث مع البنك، أنك تعطيه المال، وتقول له شغل لي المال، والبنك سيشغلها لك، وسيأخذ نظير تشغيله مبلغاً ثابتاً؟ هذا لا يحصل إذا هي ليست وكالة.
وفي كل الصور الموجودة، في عقد الفقه الإسلامي القديم، المعاملة هذه لا تجوز، وانتبهوا أننا نتحدث عن تصور المحرمين، وقالوا هي معاملة باطلة محرمة.
العلماء المحرمين للفوائد
كان يقول هذا الكلام، الكثير من العلماء، مثل الشيخ الشعراوي والشيخ جاد الحق، ومحمد رأفت عثمان والشيخ عطية نصر، والشيخ عبد اللطيف حمزة، مفتي الديار سابقاً.
ويقول به أيضاً مجمع البحوث الإسلامية، الصادرة عنه، في عام 1965 في الإجماع، يرى تحريم الفوائد البنكية.
وظل هذا الرأي حتى أتى الشيخ محمد طنطاوي، وأفتى بفتوى أن فوائد البنوك هي حرام، وكانت الفتوى في عام 1989.
وحتى عام 1998 غير الشيخ طنطاوي اجتهاده، ورأى حل هذه المعاملات، وبعدها في عام 2002 اجتمع مجلس المجمع الفقهي للبحوث الإسلامية، في الأزهر، ورأوا حل هذه المعاملة.
لماذا تم تحليل المعاملة مع البنوك؟
إن الذي يقول أنه حلال، كان الشيخ الطنطاوي، وبعده جاء علي جمعة والشيخ نصر فريد واصل، والشيخ شوقي علام، مفتي الديار المصرية.
وكل هؤلاء يقولون، بتحليل الفوائد البنكية، لأنها لا تخضع للعقود القديمة، التي تحدثنا عنها سابقاً، وإنما هي معاملة مستحدثة.
وهي لا ينطبق عليه أحكام القرض، لأن القرض معناه، أن يذهب شخص محتاج، إلى شخص ثري، ويطلب أن يستدين منه.
والبنك ليس فقيراً ولا محتاجاً، وأنت تطلب الدين لا العكس، فهي ليست من باب القرض، وبالتالي لا ينطبق عليها، أن كل قرض يجر نفعاً فهو ربى، وهذه أكبر حجة عند الفريق الآخر.
والدليل الثاني، يقولون أن تحديد الربح مسبقاً، لا يفسد العملية، وهي معاملة مستحدثة، ليس لها علاقة بعقد الشراكة أو المضاربة أو القراض.
لأن الذي يحصل اليوم، البنك يأخذ المال، ولديه حسابات دقيقة بالأرباح، فهو يعرف ما الذي سيربحه، وما الذي سيخسره.
لهذا فإن البنك، لديه نظام منضبط، يسير عليه، وهم كانوا في ذلك الزمن، عندما حرموا تحديد جزء من الربح المعلوم، في القراض أو المشاركة.
هذا كان لأن هناك ضرر، واليوم لا يوجد ضرر، وكل شيء محسوب، وامكانية الخسارة، تكاد تكون صفراً، والبنك غالباً لا يسخر.
وحتى لو خسر أو أفلس، فلديه أصول في البنك المركزي، يستطيع أن يسحب منها، ويعوض الخسارات كلها.
ففي كل الأحوال لا ينطبق عليها الشروط، أو التكليفات الفقهية، للعقود القديمة، وبالتالي هي معاملة جديدة، وتترتب عليها المصلحة العامة، وهذا كان رأي أيضاً الأستاذ عبد الرحمن العدوي.
الاقتراض من البنك
عندما تذهب إلى البنك، وتريد أن تأخذ مالاً، فإن هذا المال هو قرض جر نفعاً، فهو رباً، وهو محرم، ولكن العلماء كانوا ذو الرأي الآخر، والذي تأخذ به دار الافتاء المصرية.
وهو يستثني تلك المعاملة من الربا، إذا كنت تذهب إلى البنك، وتريد أن تسحب القرض، لكي تقوم بمشروع معين، أي قرض انتاجي، فيقولون أن هذا ليس ربا.
لماذا لا يعد القرض ربا؟
لأنه في الحقيقة، أنت لست ذاهباً حتى تقترض من البنك، قرض شخصي، مثل القروض التي كان يأخذها كفار قريش.
وإنما أنت تريد أن تقيم مشروعاً، فغاية ما هنالك، كأن البنك قد فوضك، أو وكلك، لأن تقوم بهذا المشروع، نيابة عنه ،وأنت ترسل له جزء من الأرباح.
ماذا تفعل كمسلم؟
أمام هذين الرأيين نقول لك، أن الذي آخذ به في نفسي، والرأي الذي أتبعه، أن تخرج من الخلاف والعمل، بما اتفق عليه، خير وأولى، من العمل المختلف فيه.
فأنت تخرج من الصور المختلف فيها، وتخرج مما تدع ما به بأس، إلى ما لا بأس به، وضع مالك في أي بنك للمعاملات الإسلامية.
أو في حساب جاري، أو قم تبشغيلها في أي مشروع، يفيد البلد، واخرج من هذه القضية الخلافية الشائكة تماماً.
والمسلم الذي ينشد السلامة، يفعل هذا، وهناك فتاوى في دار الإفتاء المصرية تقول لك، أن هذه المعاملة، من المعاملات المختلف فيها، ولم يتم الاتفاق عليها حتى اليوم.
وهناك بيان للدكتور أحمد الطيب، يقول فيه، أن هذه المعاملة، هي مختلف فيها، وفيها قولان، والمسلم يتبع الذي يميل إليه قلبه، والذي يستريح إليه أنه الحق من عند الله.
فلك أن تأخذ بالأحوط، وتخرج من القضية، التي فيها خلاف، وتأخذ جانب السلامة، والقضية ليس مجمع عليها لغاية الآن.