الحياة والمجتمعالعناية بالذات

حل مشكلة تعدد الاهتمامات

بداية لنوضح المقصود بمعنى تعدد الاهتمامات حتى لا يختلط على الناس بين تعدد الاهتمامات وبين تعدد الأهداف

سنلقي نظرة على أحد أسوأ الكتب التي يمكن قراءتها في هذا الأمر بل في موضوع تطوير الذات بشكل عام.

ومن ثم سنقدم حلاً بخطة بسيطة تساعدنا في تخطي هذه المشكلة.

الفرق بين تعدد الاهتمامات وتعدد المواهب

تعدد الاهتمامات

يمكن أن يكون لديك عدة أهداف لكنها كلها تصب في مسار واحد واضح هذا لا يعتبر تعدد اهتمامات.

تعدد الاهتمامات هو الاهتمام بالكثير من الأمور التي كل واحد منها يشكل مساراً منفصلاً، أو إنها لا تخدم المسار الأساسي الحالي الذي تسير فيه.

فمثلاً يمكن أن تكون قد اخترت مسار دراسة وامتهان البرمجة لكن اكتشفت أنك تحتاج أن تقوي نفسك في اللغة الإنجليزية.

لتتمكن من الاطلاع على المصادر الأجنبية لتعلم البرمجة، حينها فإن سعيك لتعلم اللغة الانجليزية لا يعتبر تعدد اهتمامات.

بل هو مجرد هدف إضافي ينفعك بنفس مسارك الأساسي الذي اخترته.

بينما لو كنت في مسار البرمجة لكنك تتعلم الانجليزية بهدف أن تعمل كمترجم أو لدراسة الأدب الإنجليزي مثلاً.

فحينها هذا يعتبر تعدد اهتمامات لأنه أصبح لديك أكثر من مسار.

نقد كتاب إدارة الأولويات

كتاب إدارة الأولويات

هو كتاب مترجم عن إدارة الأولويات لمتعددي المواهب والقدرات وهي ترجمة مضللة جداً للعنوان الأصلي للكتاب وهو ماذا أفعل عندما أريد فعل كل شيء.

لأن كلمة إدارة الأولويات توحي بأن هناك تفضيل لأشياء على أشياء وعدم الاهتمام بكل شيء وهو عكس محتوى الكتاب تماماً.

الذي أصلاً لا يرى أن تعدد الاهتمامات يعتبر مشكلة بل بالعكس يعتبره ميزة ويشجع عليها.

في هذا الكتاب كم كبير من المغالطات بداية من الافتراضات التي بدأ بها مروراً بالوسيلة والحلول التي يقترحها.

ونهاية بالهدف الذي يحاول الوصول إليه، فهو كتاب سيء فعلاً للأسباب التالية:

الخلط بين الاهتمامات والمواهب

الكتاب فيه خلط شديد بين تعدد الاهتمامات وتعدد المواهب والقدرات، حيث يتعامل مع الأمرين وكأنهما واحد.

وكأن الشخص متعدد الاهتمامات هو شخص متعدد المواهب والقدرات وهذا ببساطة غير صحيح.

فمعظم متعددي الاهتمامات باعتراف الكتاب نفسه لا يستمرون لفترة طويلة بأي اهتمام بالقدر الذي يسمح لهم باكتساب المهارة أو التميز بها بما يكفي لوصفهم بالموهوبين.

افتراض تعدد الاهتمامات ميزة نادرة

النقطة الثانية هي أن الكتاب يعتبر تعدد الاهتمامات ميزة يتميز بها القليل من البشر، وهذا أبعد ما يكون عن الصحة.

الأمر ببساطة كالآتي: الإنسان بطبعه ملول، عجول، فضولي.

فلو وضعت أمام الإنسان قدر كبير من الخيارات والاحتمالات كما هو الحال في هذا العصر خصوصاً مع وجود الإنترنت.

فالنتيجة الطبيعية لذلك هو شخص متعدد الاهتمامات.

فلو قرأت الكتاب وصدقت أنك فعلاً من قلة مميزة، فسأقول لك أنك لست مميزاً بأي شكل بل من عامة الشعب.

هذه النقطة من أهم أسباب حب البعض للكتاب وهي أن الكتاب مليء بالتعاطف الشديد والمدح غير المبرر لمتعددي الاهتمامات.

والناس يحبون من يتعاطف معهم ويمدحهم ويقول لهم أنهم مميزون ويبيع لهم الوهم بدلاً من مصارحتهم بالحقيقة الصعبة على النفس.

حقيقة الأمر هو أن تعدد الاهتمامات مشكلة، والخطوة الأولى في حل أي مشكلة هو الاعتراف بوجودها.

أما إنكارها وتجميلها وعرضها على أنها ميزة وتشجيع صاحبها على الاحتفاظ بها، فهي رؤية تفتقد للحكمة وعواقبها خطيرة.

التركيز على ممارسة الاهتمامات دون تحقيق نتائج

تركيز الكتاب والهدف الذي يحاول مساعدتك على تحقيقه هو فقط ممارسة اهتماماتك المتعددة وليس تحقيق نتائج معتبرة من هذه الاهتمامات.

الكتاب يتجاهل حقيقة أن الإنسان يحب رؤية ثمار جهده وعمله وأنك بطبيعة الحال لن تحصل على ثمار أو نتائج معتبرة.

إن كنت تضع القليل من الوقت والجهد في كل مسار واهتمام دون الاستمرار فيه لفترة طويلة.

كتاب الشيء الوحيد The One Thing

واحد من أفضل الكتب هو كتاب الشيء الوحيد The One Thing وهو يقدم رؤية معاكسة تماماً للكتاب الذي نتحدث عنه.

الهدف الرئيسي لكتاب الشيء الوحيد هو تحقيق نتائج كبيرة، ويشرح تأثير الدومينو ولماذا التركيز على أقل عدد من الأشياء سينتج عنه أكبر قدر من النتائج.

ويتحدث عن الأكاذيب الستة التي تمنع التركيز على شيء واحد. فأنصح بشدة بقراءة الكتاب إن لم تكن قرأته بعد.

فكرة الاستغناء عن تحقيق نتائج معتبرة غير مناسبة للغالبية العظمى، وهي سبب تشتيت الشخص لنفسه بين عدة الاهتمامات غير راض عنها أساساً.

معظمنا يحتاج للتركيز والاستمرار في مسار معين سواء الاعتماد في هذا المسار في تحقيق دخل مادي.

أو غير محتاج للمال بل للشعور بقيمة في الحياة من خلال الإنجاز والأثر الذي يمكن أن يحققه خلال سنوات عمره.

ويصعب تحقيق شيء يذكر إن كان كل همه هو فقط الاستمتاع بممارسة اهتماماته المتنوعة والمتجددة بغض النظر عن النتائج.

بالمناسبة النسخة الانجليزية من الكتاب لم تحقق أي نجاح يذكر، حتى أنك لن تجد الكتاب في صفحة مؤلفته على أمازون.

ولا على موقعها الشخصي لكنها قامت بإعادة تدوير محتواه بشكل برنامج إرشادي يساعد متعددي الاهتمامات على ممارسة كل اهتماماتهم وعدم التفريط بأي منها.

الجمع بين تحقيق النتائج وممارسة الاهتمامات

لدينا سؤال وإجابة مختصرة: هل يمكن الجمع بين تحقيق نتائج كبيرة في الحياة وبين ممارسة وتجربة كل ما يثير اهتمامنا؟

الإجابة هي لا. لكن هذا لا يعني أنه من غير الممكن أن تكون شخصاً متعدد المهارات.

فهناك الكثير من الأشخاص متعددي المهارات بالفعل، لكنهم اكتسبوا هذه المهارات بالتوالي وحسب الحاجة.

وليس عن طريق تشتيت أنفسهم بين أمور كثيرة أو بمجرد أنها أثارت اهتمامهم بشكل مؤقت.

خطة التعامل مع الاهتمامات المتعددة وتحقيق النتائج

وهنا يأتي السؤال: ما هي أفضل طريقة للتعامل مع تعدد الاهتمامات إذا كنا نرغب في تحقيق نتائج معتبرة في الحياة؟

سأعرض خطة بسيطة للتعامل مبنية على قراءتي وفهمي للموضوع، وهناك الكثير من الكتب تؤدي نصائح منطقية نستطيع الاستفادة منها.

تقسيم الوقت

لو نظرت للوقت المتاح لك في اليوم والأسبوع والشهر جزء كبير من هذا الوقت طبعاً يذهب في النوم والعبادة والأكل.

وكل الأمور التي نحتاجها لنعيش حياة سوية كبشر، وهذا الجزء لن نقترب منه بل نحن يهمنا باقي الوقت.

هذا الوقت المتبقي سنقسمه إلى جزئين، جزء كبير ستركز فيه على اهتمامك الرئيسي أو الأساسي باختيارك أو كنت مجبراً عليه.

وجزء صغير ستجرب فيه كل فترة اهتماماً إضافياً أو مختلفاً، وهنا يوجد ثلاث حالات أعتقد أنهم يغطوا حال معظمنا:

الحالة الأولى العمل في مجال تحبه وتنوي الاستمرار فيه

في هذه الحالة الجزء الأكبر من وقتك سيكون للتركيز على المجال الذي تحبه لتحقق فيه قدر من النتائج والنجاح المرغوب.

وجزء صغير تركز فيه كل فترة على أحد اهتماماتك الأخرى سواء كان هواية أو مهارة معينة تريد اكتسابها.

ولا مشكلة هنا في تنويع وتجريب شيء جديد كل فترة لأنك بالفعل لديك مسار أساسي تضع فيه معظم وقتك وتركيزك.

ويفضل إعطاء الأولوية للشيء الذي يفيدك بشكل مباشر أو غير مباشر في مسارك الرئيسي أو في حياتك بشكل عام.

بالمناسبة الأمهات وربات البيوت غير العاملات تشملهم هذه الحالة، فإدارة المنزل عمل مهم وجليل ويحتاج الكثير من الوقت والجهد.

وإن كنت أنصح كل أم وأب في الواقع إن كان أطفالهم في سن صغير أن يستثمروا وقتهم وجهدهم في أولادهم.

ويؤجلوا أي اهتمامات أخرى يمكن تأجيلها للمستقبل بعد أن يصل أولادهم لمستوى معقول من الاعتماد على النفس.

الحالة الثانية أن تعمل في مجال لا تحبه وترغب في تركه

وهنا لدينا احتمالين:

إما أن تكون لا تحب مجالك لكن تعرف وتحدد المجال الذي ترغب بالانتقال إليه.

أو أن لا تحب مجالك لكن لا تعرف ما المجال الذي يمكن أن تنتقل إليه.

في حالة كونك عارف ومحدد فما ستفعله هو أن تستغل جزء صغير من وقتك في بناء رأس مال مهني في المجال الذي ترغب الانتقال إليه.

من الحكمة أن تطبق نصائح زيادة الإنتاجية لإنجاز التزاماتك في وقت أقل بحيث تزيد الوقت المتاح لبناء رأس مال مهني.

وبالتالي تسرع من عملية الانتقال إليه، وبعد الانتقال تصبح في الحالة الأولى التي تحدثنا عنها.

أما في حالة أنك لم تحدد المجال الذي يمكن أن تنتقل إليه فأنت ستستغل الجزء الأقصر من وقتك في تجربة مجالات يمكن أن تنتقل إليها.

من المهم أن تعطي كل تجربة الفرصة الكافية قبل أن تقرر أنها غير مناسبة.

من حسن الحظ يوجد كتاب يمكن أن يساعدك في هذه الحالة وهو كتاب أول 20 ساعة The First 20 Hours.

الذي يساعدك على تجربة اكتساب المهارات بسرعة مع إلزام نفسك بوقت محدد للتجربة قبل الانسحاب.

عندما تعرف المجال وتحدده سينطبق عليك الاحتمال الأول والمفروض أن تسعى لبناء رأس مال مهني في المجال الذي حددته.

الحالة الثالثة غير مرتبط بعمل أو مجال معين

هذه الحالة تنطبق على شخص انتهى من الدراسة مثلاً لكنه لم يدخل سوق العمل بعد، وليس لديه الكثير من الالتزامات.

في هذه الحالة لا داع لتقسيم الوقت، ولو كنت تحت ضغط مادي وبحاجة للعمل والبدء بمسيرتك المهنية وتكوين نفسك فالنصيحة:

أن تختار من اهتماماتك الاهتمام الذي فرصته أكبر في توفير وضع مستقر لك لفترة معقولة من الزمن كسنة مثلاً.

وبعدها إما ستحب المجال الذي اخترته وتنطبق عليك الحالة الأولى أو تقرر تركه بعد فترة وحينها تنطبق عليك الحالة الثانية.

أما إن لم تكن تحت ضغط مادي كفتاة لا تحتاج إلى تحقيق دخل بنفسها فالنصيحة هنا:

اختيار الاهتمام الذي يحقق أكثر قدر من النفع والذي يضيف قيمة حقيقية في حياة الناس.

هذا الاختيار لن تندم عليه مستقبلاً حتى لو غيرته فلا أحد يندم على بذل وقت وجهد بشيء نافع ذو قيمة.

هذه هي كانت الحالات الثلاثة وكيفية التعامل مع كل حالة.

ملاحظة

عاجلاً أو آجلاً ستضطر لاختيار عدد محدود من الاهتمامات، ولاحظ أن مشكلة تعدد الاهتمامات أقل بشكل ملحوظ عند كبار السن.

فالحكمة هنا أن تتعلم من تجارب الآخرين وتوفر على نفسك إضاعة الكثير من الوقت والجهد.

المصادر

قناة مكسرات


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى