ديرينكويو | مدينة غامضة تحت الأرض، لكن من بناها؟ | حسن هاشم ، تقع هذه مدينة ديرينكويو في محافظة نفشهير وتحديدا في منطقة كبادوكيا الاثرية في وسط منطقة الاناضول في تركيا
اما عن معنى اسم هذه المدينة فهو بالعربية يعني البئر العميق ولهذا الامر سبب سنتعرف عليه في سياق الحلقة
هذه المدينة الاثرية التي بحسب علماء الاثار يعود عمرها الى قرون ماقبل الميلاد صممت لتضم وتتسع لما يقارب الخمسين ألف نسمة وسكنها فعليا عشرين الف نسمة على مر العصور بحسب تقديرات العلماء
ديرينكويو تشبه اغلب المدن الاثرية المكتشفة فهي تحتوي على منازل مؤسسة تأسيس قديم ومرات تتأرجح بين ضيقة وواسعة وأبار وقنوات مائية استخدمت لخدمة سكان هذه المدن
وجود مدراس قديمة ومراكز العبادة بكل تفاصيلها وصولا الى المقابر ظاهر في هذه المدينة ولكن كل هذه التفاصيل اكتشفت في موقع اقل ما يقال عنه انه لا يخطر على بال احد فهذه المدينة بكل ما اوردناه تقع بكاملها تحت سطح الارض،
فبحسب محافظ ولاية نفشهير حسن أنور، هذه المدينة تقع على عمق اكثر من 85 مترا تحت سطح الارض ولم يتمكنوا من التوصل سوى الى 51 مترا منها وكما انها بحسب انور تغطي مساحة 400 الف متر مربع، مما يجعلها اكبر مدينة تحت الارض في العالم
اختلفت الروايات في طريقة اكتشافها فالسلطات المحلية طرحت في بيان لها انه واثناء قيام سلطة الاسكان الحكومية بعمليات هدم للبيوت وحفر للطرقات في 11 منطقة تتوزع حول قلعة قديمة تقع في وسط نفشهير بهدف بناء وحدات سكنية جديدة، عثر على موقع اثري قديم اذهل كل من رأه فقد تم العثور على مدينة كاملة تحت سطح الارض يعود عمرها الى ما يقل عن 5000 عام هذا بيان المحافظة
اما القول الاخر هو ان سائحين من تونس والمغرب يدعيان محمد شيخي وحسن اصهاض على الترتيب عثرا بالصدفة على الطبقة الاولى لهذه المدينة ليبلغا السلطات المختصة التي بدورها باشرت بعمليات البحث والتنقيب لتكتشف معالم مدينة ديرينكويو
وهناك رواية محلية يخبرها السكان لكل من يسوله فضوله فيذهب لرؤية هذه المدينة حيث تقول الرواية ان احد سكان المدينة اثناء قيامه بهدم احد جدران منزله بهدف التوسيع تفاجئ بوجود غرفة ودخل اليها ليفاجئ بتوالي الغرف وكان هذا عام 1963 وبالطبع كان هذا الاكتشاف من بعده اكتشافات عديدة نتج عنها ظهور مدينة ديرينكويو الى العلن عام 1969
والمهم في هذا الموضوع انه كائن من كان الذي اكتشف في هذه المدينة فقد ساهم في اكتشاف واحدة من اهم عجائب وغرائب عالمنا هذا
اما عن الاسباب التي تجعل هذه المدينة متفردة عن غيرها:
عدا عن انها مدينة مبنية بالكامل تحت سطح الارض هذه المدينة هندست على شكل طبقات بما يعادل مبنى من ثمان طوابق
ولكن الفرق ان هذا المبنى يغوص في عمق الارض فبحسب علماء الاثار عشرون طبقة من المدينة على عمق 51 مترا تم اكتشافها وبالطبع العمق الباقي دون اكتشاف يحتوي على طبقات أخرى
إلا ان ثمان من هذه الطبقات هي المتاحة امام السياح وهواة الاكتشاف اما الطبقات الباقية فهي مازالت قيد الدراسة والبحث
نبدأ مع الطبقة الاولى التي بحسب علماء الاثار يعود بناءها الى 1400 عام اما الطبقات الاعمق فيعود تاريخها الى اقدم من ذلك بكثير في المدينة يمكن رؤية انفاق بطول 8 كيلو مترات تقود مباشرة الى مدن أخرى موجودة تحت الارض في منطقة كبادوكيا ،
هذا الامر بحسب علماء الاثار والاثوبيولوجيا هو دلالة على وجود تعاون و تبادل بين الحضارات التي اتخذت جوف الارض مسكنا لها
وبحسب المؤرخين فقد توالى على استيطان هذه المدينة اكثر من شعب وبعض من هذه الشعوب استوطنوا هذه المدينة هربا من الحروب البيزنطية فقد توافرت جميع سبل الراحة في هذه المدينة
فنجد في الطبقات التي تلت الطبقة الاولى غرفا مخصصة للاطفال قبل الكبار وبالطبع المطابخ المجهزة والتي بامكان الزائر ان يشاهد اثار السخام على جدرانها وهذا دليل على الحياة التي كانت تضج في هذه المدينة
اما لمن يتسائل حول كيفية تأمين الهواء اللازم للتنفس في عمق الارض فالجواب انه وجد 15 الف فتحة للتهوية موزعة على كل طبقات المدينة وعلى طول ممراتها مما يسمح بدخول الهواء النقي للمدينة حتى اعمق نقطة فيها بهندسة دقيقة وفريدة من نوعها ومتطورة بشكل كبير بالنسبة لذلك العصر
اذا ماوصلنا الى طريقة التنقل بين الطوابق فبالطبع السلالم هي الحل وهو ما بينته صور المأخوذة من المدينة فالسلالم تربط بين طوابق المدينة المختلفة عدا عن الغرف المعدة للسكن
وجد العلماء غرفة كبيرة في الطابق الثالث بسقوف مدببة وخمن العلماء انها كانت تمثل المدرسة لتلك المدينة
وفي الطابق السابع فقد تم اكتشاف كنيسة عدت من اجمل كنائس العالم بأيقوناتها الانجيلية المحفورة على الجدران
بحسب خبراء الاثار فإن هذه الكنيسة تم بنائها في عهد الامبراطورية الرومانية وعلى الاغلب ان مسيحين الاوائل الذين عانوا من اضطهاد الدولة الرومانية اتخذوا من هذه المدينة ملجأ ومخبأ لهم هربا مما تعرضوا له من تعذيب وقتل وقاموا بالتالي ببناء الكنيسة لهذه المدينة، ولكن هل تعتقدون ان البشر هم فقط من سكن هذه المدينة!
كلا فالحيوانات والمواشي كان لها نصيب ايضا من العيش تحت الارض حيث تم اكتشاف اسطبلات واماكن لتربية المواشي او زرائب بشكل اصح ثبات درجات الحرارة في مدينة ديرينكويو كان السبب الابرز في تمكن السكان من حفظ الطعام بعيدا عن التعفن والرطوبة وبالاخص الحفاظ على لحوم الحيوانات بعد ذبحها
امر اساسي اخر قد يتسائل البعض منكم عنه ماذا عن الماء فهو الاساس في كل شيء، خلال عمليات التنقيب في هذه المدينة اكتشف العلماء اثنين وخمسين بئرا تتغذى جميعها من نهر كان يمر في المدينة ويصب في أبارها مما أمن للسكان المياه النقية اللازمة للحياة
توافر ككل هذه الامور مكن من استوطن هذه المدينة من العيش فترات طويلة تحت سطح الارض دون الحاجة الى الخروج الى السطح
هذه الامور اكدت ماخمنه العلماء بأن الاختباء كان ابرز هدف لمن سكن هذه المدينة
ولكن كيف استطاع السكان حماية انفسهم و ما الطريقة التي اتبعوها لسد المنافذ في هذه المدينة؟
الجواب يكمن في الصخور الكبيرة، فبحسب علماء الاثار فإن أبواب المدينة كانت عبارة عن صخور ضخمة وثقيلة،
فأبواب المدينة المطلة على سطح الارض كانت تغلق بواسطة الصخور الضخمة ولها فتحة في المنتصف وكل طابق او مستوى يغلق بشكل منفرد بصخور كبيرة ايضا والملفت في هذا الامر ان الابواب الداخلية أي الصخور الداخلية كانت تدحرج لتقفل منافذ هذه الطوابق،
هذه الصخور لم يكن بالامكان فتحها الا من الداخل اما ان اراد احد الهجوم وغزو المدينة فسيحتاج الى وقت طويل وجهد كبير لمحاولة اختراق الابواب الصخرية الخارجية مما يتيح للسكان عبر الانفاق والقنوات التي تربطهم بالمدن الاخرى وذلك بعد اغلاق الابواب الداخلية خوفا
يرى العلماء ان هذه الابواب الصخرية هي التي ساعدت على الحفاظ على هذه المدينة على مر العصور والابواب شكلت العامل الابرز في منع تحديد موقع المدينة واكتشافها طوال هذه الفترة
وكما ذكرنا سابقا فقد اكد العلماء على تواتر الشعوب والحضارات التي سكنت هذه المدينة ولعل ابرز هذه الحضارات الحضارة الاشورية التي وجد علماء الاثار بعض النقوش والكتابات على جدران المدينة التي تدل عليها
آخر السكان الذين استوطنوا هذه المدينة بحسب العلماء هجروها في بدايات القرن العشرين ويعتقد انهم كانوا من غير المسلمين الذين اختبأوا في المدينة هربا من الدولة العثمانية،
هؤلاء السكان تركوا أثاثهم وأمتعتهم في المدينة عند خروجهم منها وهو ما تم توثيقه من قبل بعثات الاكتشاف وعلماء الاثار
نصل الان الى الجزء المثير للجدل في قصتنا، من قام ببناء مدينة ديرينكويو ؟
اختلفت النظريات التي طرحها العلماء بخصوص من قام ببناء المدينة، فقد رأى بعض العلماء ان الحثيين وهم شعب اناضولي قديم قام بإنشاء امبراطورية ما بين القرنين الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد
هم من قاموا ببناء هذه المدينة في حين تبنى علماء أخرون الرأي القائل بأن الفريجيين وهم شعب استوطنوا شمال الاناضول مابين القرنين الثاني عشر والتاسع قبل الميلاد
هم أصحاب المدينة ويستدلون على ذلك من الكتابات والنقوش التي وجدت بلغة الفريجية داخل المدينة إلا أن ما يثير الدهشة هو ما أورده بعض العلماء أن هذه المدن لا يمكن ان تكون من صنع البشر في تلك الحقبة الزمنية القديمة وقد عزوا ذلك الى البناء الدقيق والمدهش للمدينة
فالصخور التي بنيت منها المدينة كان من ضمنها صخور بركانية ليينة ما يستلزم أعمدة أساس قوية ومتينة لتتحمل كل الطبقات، بالاضافة للتقسيمات الهندسية الداخلية شديدة الدقة والاتقان
فقد لفت نظر العلماء عدم وقوع انسدادات او انهيارات في الممرات والقنوات رغم عدم توافر التكنولوجيا اللازمة لمثل هذه الامور في ذلك الوقت ما عزز من شكوك العلماء حول طبيعة من استوطن هذه المدينة او ان كان لحضارات خارجية أكثر تطورا دورا في بناء المدينة
ونتكلم هنا عما يسمون بالفضائيين، المثير للاستغراب هو ما اكده المهندسون المختصون في اعادة بناء الحضارات انه من شبه المستحيل إعادة بناء مدينة بيريكويوا رغم كل الالات والمعدات الحديثة، فكيف استطاعت الشعوب القديمة بناء مثل هذه المدينة؟
السكان المحليون لهم رأي أخر فهم يعتقدون وبشدة ان المدينة هي من بناء الجن وان سكانها كانوا من الجن وقاموا بترك المدينة بعد ان بدء السكان يستوطنون سطح الارض
المحليون يتوارثون هذا الرأي من أسلافهم القدامى، بالطبع مادفعهم الى هذا الاعتقاد هو استحالة مقدرة البشر على بناء هكذا مدينة والعيش بها رغم ان كل الادلة اثبتت ان بناء المدينة كان بغرض عيش البشر فيها إن كان من خلال نظام التهوية الى الابار وسبل العيش المختلفة
هذه النظريات وبالاخص نظرية الحضارات الخارجية كانت محور حلقة إحدى البرامج الأجنبية خصصت لمدينة برينكويوا في الاناضول تركيا وقد اسندت هذه الحلقة في تناول الرأي القائل بتدخل حضارات خارجية في بناء هذه المدينة
لكن ليست مدينة بيرنكويوا هي الوحيدة في العالم التي تقبع تحت الارض فمدينة بيرنكويوا كانت تتصل بمدن اخرى عبر الانفاق في مدينة كابادوكيا، مدن اخرى تم اكتشافها تحت الارض حول انحاء العالم، سنذكر منها
مدينة ناورس في شمال فرنسا: التي يعود عمرها إلى القرن الثالث الميلادي هذه المدينة تقع على عمق واحد وثلاثين متراً تحت سطح الأرض وتتسع لثلاثة آلاف شخص موزعين على 300 غرفة،
بولندا، سنتعرف على منجم ويليكزكا هذا المنجم يقع على عمق 305 أمتار تحت الأرض وقد حفر هذا المنجم من قبل عمال المناجم في القرن الثامن عشر ميلادي خلال سعيهم للحصول على ملح الصخور مما نجم عنه تكون غرف وممرات وتماثيل
دفع السلطات البولندية تحويله إلى معلم سياحي ومنتجع صحي
القارة السوداء، قرية إليبيلا الثيوبية، في هذه القرية يستطيع السياح التنقل بين أحدى عشر كنيسة انشأت تحت سطح الأرض، هذه الكنائس حفرت في صخور االمنطقة البركانية في القرن 13 ميلادي واشهرها كنيسة القديس جورج التي حفرت على عمق 31 مترا تحت سطح الأرض
أما في عالمنا العربي فلدينا أيضاً مدن تحت الأرض أبرزها مدينتي مطماطة في تونس والبتراء في الأردن، اكتشفت مدينة مطماطة عام 1967 وهي عبارة عن قرية صغيرة بنيت من الهياكل التي بناها سكان الكهوف وذلك ليتقوا الحرارة
أما مدينة البتراء الأردنية فهي اشهر من ان تعرف، هذه المدينة التي اكتشف خلال القرن التاسع عشر ضمت قرابة 40 ألف شخص منذ 2000 عام مضو، هذه المدينة تنقسم إلى قسمين:
قسم مبني وقسم منحوت في الحجر الرملي
بالطبع يوجد مدن أخرى حول العالم تستهوي كل من يرغب بالتعرف على غرائب الأزمان الغابرة وبالأخص المدن الغامضة القابعة تحت سطح الأرض التي لا زلنا نتوقع ونضع احتمالات من دون معرفة الحقيقة الكاملة
ماذا خبأ التاريخ بها ؟!
اقرأ أيضاً… إرم ذات العماد والمدينة الضائعة! | قوم عاد | النبي هود | حسن هاشم
اقرأ أيضاً… أصحاب الرس | قتلوه لأجل شجرة، أصحاب الرس والنبي المجهول ! حسن هاشم
ديرينكويو | مدينة غامضة تحت الأرض، لكن من بناها؟ | حسن هاشم