ديون لبنان : في نظرية اللعبة، نجد معضلة السجين الشهيرة، والتي من ضمن احتمالاتها اعتراف كل طرف على الآخر، من أجل حماية نفسه.
ولكن الذي يحدث أنهم يجدون أنفسهم في الوضع الأسوأ، وهذا ما تطبقه البنوك المحلية في مشكلة ديون لبنان حالياً.
من خلال التخلص من الديون الحكومية، بمعنى بيع ديون لبنان للأجانب بخسارة كبيرة، وهذا ما يجعل لبنان تتخلف عن سداد الديون.
ديون لبنان المستحقة
في أكتوبر تشرين الأول الفائت عام 2019 خرج الشعب اللبناني في احتياجات في الشوارع، بسبب سوء الإدارة ومستويات البطالة المرتفعة وضعف الخدمات.
وفي عام 2020 وافق البرلمان على حكومة رئيس الوزراء الجديد، وبدأت الحكومة تتعامل مع المشكلة الأولى وهي مشكلة ديون لبنان.
لبنان تعتبر أحد أكثر البلدان مديونية في العالم، بمبلغ 88 مليار دولار، أو 160% من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك ديون مستحقة خلال العام الحالي 2020، ولن يستطيع لبنان رد تلك الديون.
ديون لبنان هي سندات على الحكومة، والسند هو قرض تقترضه الحكومة من المستثمرين، بعملة الدولار، سواء كانوا أجانب أو محليين.
وقد يكون المستثمرين بنوك أو صناديق استثمار، أو حكومات، وهؤلاء المستثمرين قد يبيعون السندات أو ينقلون ملكيتها.
وقيمة السندات وصلت إلى 75 سنت لكل واحد دولار، لأنهم شعروا بالخوف من أن تتخلف الدولة عن السداد، وبالتالي يخسرون أكثر من ذلك.
ماذا لو تخلفت الدولة عن السداد
هناك أزمة سيولة مالية لهذا فرضوا المزيد من القيود على السحب بعملة الدولار في العام الفائت ولكن ماذا لو قررت لبنان التخلف عن السداد؟
وإذا تم التخلف عن سداد الديون سيتم طلب من الدائنين هيكلة الدين، أي تأجيل الإستحقاق مع تأجيل القيمة الرسمية للديون مثل الأرجنتين.
عندما تكون النسبة الأكبر من الديون لدائنين محلين يستطيع البنك اللبناني التفاوض معهم في إطار هيكلة الديون لأنهم في نفس المركب وقد يحدث انهيار في النظام المالي كله.
ولكن الذي يحدث الآن أن البنوك المحلية تبيع السندات تلك إلى الأجانب أو تنقل ملكيتها لكيان أجنبي بشكل صوري للضغط على الحكومة.
وباعتقادهم إذا باعوا السندات بخسارة هذا أفضل من إنتظار تخلف الدولة عن السداد والدخول في قصة إعادة هيكلة الديون وهذا هو الشيء الخطير.
حيث أن الأجانب يكون لهم نسبة كبيرة في الديون لأنهم لن يوافقوا على إعادة الهيكلة بسهولة فهم يريدون مالهم فقط وبالتالي سيفرضون شروطاً صارمة على الدولة اللبنانية.
وقد لا يوفق أي دائن على إعادة الهيكلة ويلجأ للقضاء أمام المحاكم الأجنبية لإجبار الدولة اللبنانية على الدفع وبالتالي سيتم الحجز على الأصول المملوكة بإسم البنك المركزي اللبناني في الخارج.
لهذا فإن البنك المركزي يحاول منع البنوك المحلية من نقل السندات أو نقل ملكيتها إلى الأجانب.
ماذا لو دفعت الحكومة الدين
ولو قررت الحكومة دفع الدين الذي يبلغ 1.2 مليار دولار المستحق في 9 آذار، هذا سيؤثر على قدرة الحكومة في شراء السلع الأساسية.
والتي تشتريها بالدولار من الخارج مثل الأدوية والأغذية والمحروقات والمعدات الطبية وغيرها.
الدولة اللبنانية كان لديها أساساً عجز في الميزان التجاري، حيث أنه في عام 2018 تم الإستيراد بمبلغ 15 مليار دولار وتم التصدير بمبلغ 2 مليار دولار.
ولكن هناك ميزة فلو تم دفع الدين في موعده أنها ستبقي على ثقة الأسواق العالمية فيها مع أنها كانت دولة تسدد الديون في مواعيدها ولم تتخلف عن السداد سابقاً.
وبالتالي تستطيع إصدار سندات أخرى وستجد من يشتريها ولن تكون مضطرة إلى رفع قيمة الفائدة لتلك السندات حيث أن قيمة الفائدة اليوم هو الأكبر في التاريخ وفقاً لبلومبرغ.
فقدان الثقة في دولة لبنان
من الناحية الأخرى لو لم تدفع الديون وقررت التخلف عن السداد وتبدأ المفاوضات مع الدائنين فوفقاً لجريدة الأخبار اللبنانية تم تعيين مستشارين ماليين وقانونيين لتقديم المشورة في مسألة التوقف عن سداد الديون.
وبدأ التفاوض مع أكبر دائن أجنبي وهو صندوق أشمور والذي لديه تقريباً ربع الديون المستحقة في 9 آذار من هذا العالم 2020.
ولو تخلفت عن السداد ستحدث مشاكل كبيرة أولها فقدان ثقة المستثمرين في دولة لبنان ولن تجد بعد ذلك مستثمرون يشترون السندات بسهولة لأنهم سيكونون خائفين.
والشيء الآخر أن البنوك المحلية ستفقد جزءً من أموالها لأننا قلنا أن لها حصة كبيرة في الديون وهي في النهاية أموال المودعين.
والأمر الثالث أن الحكومة لو لم تستطع إقناع الدائنين الأجانب بإعادة هيكلة الدين ستجد نفسها أمام المحاكم الأجنبية التي ستلزمها بالدفع أو الحجز على ممتلكات الدولة اللبنانية في الخارج.
والأمر الرابع أن الإقتصاد نفسه سيتراجع بسبب تراجع الإستثمارات الأجنبية في الدولة اللبنانية التي تتخلف عن سداد ديونها.
وتحويلات اللبنانيين التي في الخارج ستقل وذلك بسبب ضعف الثقة في النظام المصرفي.
عدم استقرار العملة
والحقيقة أن الديون ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه الدولة اللبنانية اليوم ولكن هناك مشكلة عدم استقرار الصرف بسبب عدم وجود سيولة لعملة الدولار.
وثمن الليرة اللبنانية تم ربطه بالدولار منذ التسعينيات حيث أن 1 دولار يساوي 1500 ليرة لبنانية وبالتالي من الطبيعي أن تظهر السوق السوداء التي وصل صرف الدولار بها إلى 2500 ليرة لبنانية.
ومن المشاكل الأخرى هو الفساد المنتشر في لبنان حيث أن منظمة الشفافية الدولية صنفت لبنان في المركز 137 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2019.
هل تنفع الإجراءات التقشفية
والأخبار السيئة للمحتجين أن الطريق الوحيد أمام الحكومة اللبنانية الجديد للخروج من هذا المأزق هو إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد.
وبالتالي فرض إجراءات تقشفية ستقلق شرائح كثيرة في المجتمع مثل الضرائب والرسوم وخفض إنفاق الحكومة على بعض البرامج لتقليل عجز الموازنة.
والأهم من هذا كله أن الإحتجاجات الحالية في الدولة اللبنانية تتسبب في تراجع الإقتصاد حيث أنها تؤدي إلى هروب السائحين. وتراجع الاستثمارات وهما من المصادر الرئيسية لقوة الإقتصاد في لبنان.
ويمكن أن تضطر الحكومة للسير في إجراءات التقشف تلك للحصول على 11 مليار دولار التي وعدت فرنسا منحهم إلى الدولة اللبنانية في مؤتمر باريس 4 المنعقد في عام 2018.
ولكن تلك الدول حينها اشترطت على لبنان القيام بإصلاحات اقتصادية.
دور صندوق النقد الدولي
وأخيراً الذي يدعم توجه الحكومة في هذا الطريق أنها قد طلبت المشورة الفنية من صندوق النقد الدولي بشكل رسمي في شباط الحالي 2020 لدعم الإقتصاد ووضع خطة تمنع الإنهيار المالي.
ولكن هناك من يرفض اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لأنه بدوره سيطالب الدولة اللبنانية بإجراءات تقشفية وهذا ما سيسبب المشكلة من جديد.
ولكن وبما أن صندوق النقد الدولي قد تدخل فعلاً فمن المتوقع أن نشهد قوة الليرة اللبنانية أمام الدولار وبالتالي سيحدث انخفاض في قيمة الليرة.
وفي النهاية نحن نتمنى أن تمر أزمة ديون لبنان على خير ويعود مرة أخرى إلى لقب سويسرا الشرق كما كان يطلق عليه بسبب المميزات المالية الكثيرة التي كان يتمتع بها
المصدر يوتيوب قناة المخبر الاقتصادي
Lebanon’s New Government Steels Itself for Painful Reforms
Foreign investors in row over Lebanese debt
IMF says Lebanon requests technical help on economy, debt
Lebanon: Parliament Meets to Vote on New Government as Protests Continue
Distressed-Debt Funds Team Up as Lebanon Bonds Plunge to Records
Lebanon’s Prime Minister-designate Faces Long Odds
Lebanese banks shed eurobonds in ‘prisoner’s dilemma’
Lebanon’s Problems Will Exceed Its New Cabinet’s Grasp 23 January 2020 Jan 23, 2020
UPDATE 1-Lebanon may need 70% debt write off, 50% currency drop, say economists
Lebanon Stands on the Edge of Spiraling Violence
As Lebanon’s economy drowns in debt, Syria’s begins to sink as well
تعيين مستشارَين مالي وقانوني ومفـاوضات مع «أشمور»
A long-feared currency crisis has begun to bite in Lebanon
14.3% عوائد سندات اليوروبوند اللبنانية قد تصل إلى مستوى تاريخي
غياب شرط قانوني ينطوي على مخاطرة للسندات اللبنانية
Corruption Perceptions Index 2019
Lebanon’s complex web of corruption and its legality – Christina Farhat