الآداب

سيكولوجية الجماهير


كتاب غوستاف لوبون سيكولوجية الجماهير

سنتحدث اليوم عن كتاب غوستاف لوبون، ونستعرض أمثلة كثيرة توضح سيكولوجية الجماهير

تذويب العقل داخل الجماعة

خيري هو طبيب ودكتور جامعي، دراسته قائمة على المنهج العلمي، شخصيته داخل الجامعة أو في المشفى قائمة على المنطق، لكنه ينشر على الفيس بوك منشورات من نوعية الخرافات.

فما الذي يجعل خيري ينشر الخرافة ويصدقها؟ وكيف شخص أكاديمي يتعطل عقله في ظروف معينة ويعمل بظروف معينة؟

هذه صفات معينة كفرد، ولكن عندما يكون داخل مجموعة، فيذوب هو وعقله في وسط الجماعة، وعقله يتم استبداله بالعقل الجمعي للجماعة.

مثل المركب الكيميائي فله صفات كمركب، لكن عندما يدخل تفاعل كيميائي في ظروف معينة، يصبح الناتج مركب آخر له صفات مختلفة عن المركبات الأصلية.

التحكم بالعواطف

ذكاء الأفراد داخل الجماعة كون معطلاً، فالأفراد منفردين يمكن أن يروا عقلانية أمر ما، لكن كجمهور ممكن نفس هذا الأمر لا يستطيعون أن يروا به عدم العقلانية، ويتعاملون معه على أنه حقيقة وواقع.

الجمهور من الناحية الفكرية والعقلية يشبه الطفل الصغير، ساذج ويصدق بسرعة، عواطفه تتحكم به بالكامل، وتكون متطرفة سواء بالخير أو بالشر، ممكن تحريضه وتحريكه بالاعتماد عليها فقط.

روح الجمهور

الفرد في بداية دخوله وسط المجموعة، ستظهر عليه صفات من الممكن أنها غير موجودة لديه قبل ذلك، ويضطر الخضوع للجمهور حتى لو هو غير واع.

مثلاً لو كان الفرد حرامي فروح الجمهور ممكن أن تفرض عليه الأمانة، ولو كان الفرد يحب العمل، ممكن روح الجمهور تفرض عليه الكسل.

عنف الجمهور

والجمهور ممكن أن يمارس أقسى أنواع الوحشية، مثلاً ممكن مجموعة من البشر التحرش بفتاة، مع أن كل شخص لوحده مستحيل أن يقوم بهذا الفعل.

عنف الجماهير يزداد بالذات لو كانت الجماهير غير متجانسة، لأنها تشعر بانعدام المسؤولية، وأنهم غير معرضين للعقاب، الجمهور لا يوجد لديه أي شيء مدروس، فالأمور كلها لحظية، وتعتمد على العاطفة.

مثلاً جمهور مشجعي كرة القدم، لو حدثت مشاكل بعد المباراة، وأحدهم أخبر الجمهور أن شخص معين هو السبب بالمشاكل، ستجد أن الجمهور كله يعاقبه، ولن يفكر أي فرد منهم بالتأكد من صحة هذا القول، فالجماهير مجنونة، فالجماهير التي تصفق لفريقها الكروي أو مغنيها اليوم، سترميهم غداً بالبندورة.

تقلب المزاج الشعبي

ولو عدنا للوراء قليلاً بضع سنوات، سنجد أن المزاج الشعبي لا يحكمه أي منطق، ويتغير ويتقلب 180درجة، بسرعة وبصورة كبيرة، فالشعب يغير رأيه كما يغير ثيابه.

الأوهام

الناس بشكل عام لا يستطيعون العيش دون الأوهام، فالجماهير لا تريد الحقيقة، وتحب أن يتم الضحك عليها، فلو الحقيقة مزعجة سينظرون إلى الإتجاه الآخر، ويصدقون الأشياء التي تريحهم، حتى لو كانت خاطئة.

ويحاربون من يحاول أن يكشف الأوهام أمامهم، لكن الذي يستطيع أن يلعب على وتر الأوهام، سيسمحون له كل طاقاتهم، لذلك تستطيع اللعب على مخيلة الجماهير، فستعرف كيف تجذبهم وتتحكم بهم، وسيستلمون لك تماماً.

وكمثال فمنصور وفتحي مرشحين لمنصب الرئاسة في دولة ما، الأول يقول لهم سنفعل كذا وكذا، ويحدثهم بمنتهى المنطق، والآخر يقول لهم نحن نملك أكبر موارد، ونحن أعظم شعب وهكذا.

فالناس ستميل أكثر للشخص الذي يحاكي عاطفهم، فالكلمات التي لها قدرة على التأثير، هي الكلمات التي يصعب تحديد معانيها، الديمقراطية والاشتراكية والحرية والكرامة، فيجعلها تمتلك قوى سحرية، وتتحول لصور في مخيلة الجمهور، ويشعرون بأنها حل لكل المشاكل.

ولكي تقنع الجمهور بشيء لا تلجأ أبداً للعقل والمنطق، ركز على العاطفة الصور البسيطة، فيجب فهم عواطف الجمهور وتتظاهر أنك تشاركها معهم.

وبعد ذلك تستطيع أن تغير فكرهم أو تقنعهم بأي شيء، بأن تثير الخيال والعواطف وتربطهم ، حتى لو لم يكن هناك أي منطقية في الكلام، فهذا غير مهم، المهم أن يقال بصورة جيدة وتعتمد على العواطف، وابتعد تماماً عن المنطق.

نابليون عندما كان في مصر، تظاهر أنه مسلم، ومع الكاثوليك تظاهر أنه منهم، ويقول أنه لو حكم شعب يهودي، لأحيا من جديد معبد سليمان.

الفرد عندما يتعرض لمحرض يحكم عقله الواعي، ويستطيع أن يحكم بصورة عقلانية، عكس الجمهور لأن العاطفة تمتلكه بالكامل وينصاع لها.

الوقائع بحد ذاتها ليست هي المتحكمة بالكامل في المزاج الشعبي، المهم الطريقة التي تعرض بها، ممكن من خلال التدرج أن تقنع الجماهير بأي شيء، يعني بدل أن تطالبهم بضريبة كبيرة، قسمها وأطلق عليها مسميات كثيرة ومختلفة.

التغيرات الكبيرة ستقام عليها الثورة، لو طبقت بصورة وحشية، لكن التمرير التدريجي سيجعلها تسير بشكل عادي.

بالغ في كلامك وكرره كثيراً، بدون الشك فتأكيد وتكرار أي شيء سيزرعها في عقل الناس حتى لو كانت غير عقلانية، فإنها ستتحول لحقيقة لا تقبل الجدل أو الشك.

منطق الجماهير المتغير

الجمهور يفكر من خلال الصور والأمثلة، فالأشياء الواضحة جداً ليست منطقية، ممكن أن يجمع مجموعة من الصور وتكون غير عقلانية.

فمثلاً مئة جريمة ترتكب قد لا تؤثر على الجمهور، ولكن ممكن جريمة واحدة كبيرة تؤثر عليهم حتى لو الناتج للجرائم المئة أكبر بكثير، لكي تغير فكرة قم بتبديل صورتها بصورة ثانية.

شكري هو رئيس تحرير لجريدة، لا يشتريها أحد ولا يقرأها أحد، ولا يعرف شكري أحد ولا يعلم أحد عن جريدته شيء، سيقوم بعمل حلقات ينتقد بها رموز دينية، فالناس كلها ستنزعج وتغضب وتقاطع الصحيفة، ويتحدثون عنه وعن الذي فعله، وبالتالي لم يكن يعلم عنه وعن جريدته أحد، أصبح الناس كلهم تقريباً يتكلمون عنه، وعندما يصل لمرحلة الهيجان الأكبر للناس، يصدر اعتذاراً للشيء الذي فعله، وسيمسح بكل سهولة الصورة السلبية السابقة عنه، ويستبدلها بصوره إيجابية، وسيكتسب دعاية كبيرة دون أن يخسر من ماله.

الناس تحب تقليد غيرهم، فالأفكار لها مرحلة مثل الثياب، تنتشر فجأة وترى الناس كلهم متشابهون، وبعد سنة ستجد أنهم تغيروا وتبنوا شيئاً آخر، فالجماهير  تسيطر عليها عدوى الأفكار والعواطف، ينقلون الأساطير والاشاعات بمنتهى السهولة فيما بينهم.

عدوى البيئة

خالد وحاتم وهما توأم، خالد سافر إلى ألمانيا من عشرين سنة، وحاتم بقي في بلده، تقابلا في يوم من الأيام، وكل منهما له صفات مختلفة عن الآخر، فالبيئة أثرت عليهما تماماً وشكلت شخصيتهما، وكل منهما قد تأثر بالعدوى من البيئة المحيطة به، وشكلت آراءه وكونت أفكاره.

لو وجدت منشور على مواقع الانترنت والناس كلها تمتدحه، سيبقى رأيك متأثر بالناس، وفرصة انتقادك له أقل، بعكس لو لم يكن على هذا المنشور أي إعجاب.

ولو كان هناك محلان قريبان من بعضهما، وأحدهما مزدحم، والآخر فارغ، ستختار المحل المزدحم، لأنك بنية رأيك بأنه طالما هناك أناس يشترون منه أكثر، إذاً هو المحل الأفضل.

ولو كان هناك تجمع للناس بطريقة ما، وأحدهم بدأ بالركض، سيركض الناس معه، ولو رمى أحدهم حجراً فالناس جميعهم سيفعلون مثله.

فالناس تقلد الشخصيات القوية، ولكن لا يجب أن تكون أفكارهم شاذة جداً، أو بعيدة عن الأفكار المنتشرة في هذا العصر، سيكون تفكيرهم متأثر وأفكارهم أصعب.

الأشخاص المتفوقين بعصرهم يتم تكريمهم، ولكن المتفوقين جداً لا يتم تكريمهم إلا بعد وفاتهم، ويكونون سابقين لعصرهم، يجب أن تكون الفكرة التي تريد أن تدخلها للعدوى، غير تقليدية بنسبة كبيرة، وإلا لن تنتشر.

استبداد الجماهير

الجماهير متعصبة وتميل للاستبداد، مهما ادعت الثورية التجديد، فهي تعشق المحافظة والتقاليد، وتحترم القوة فقط، وترى الطيبة على أنها ضعف، وتحب التمرد على السلطة الضعيفة، فنابليون كانت الجماهير تصفق له، وهم أنفسهم كانوا قد قاموا بثورة قبل ذلك ينادون بالحرية، ونابليون جاء يلغي الحرية.

والجماهير تبالغ بإهانة الدكتاتور المخلوع، ليس لأنه كان يستعبدها، ولكن لأنه فقد قوته وانتقل من خانة القادة الأقوياء لخانة الضعفاء.

الجمهور لن يسمح بأي اعتراض أو مناقشة لأفكاره، بالطرق العقلانية، عندما تجد الناس كلها متجهة لرأي معين، فلا تقف أمامهم وتحاول التحدث بالعقل والمنطق.

نبيل رئيس دولة لا يوجد بها المال، ويعلم أن الحل هو فرض تقشف أكثر، ولكن لا يستطيع أن يعلن ذلك، لأنه خائف على أصوات الناخبين، ومن المظاهرات والاضطرابات التي من الممكن أن تقوم ضده، فيخضع لهم بدل أن يكونوا هم خاضعين له، ويتحول القائد من القدرة على خلق رأي عام، لمجرد مستجيب ومتبني لراي الجمهور.

مشكلة الأشخاص الراغبين في الاصلاح ونواياهم تكون حسنة، أنهم لا يمتلكون مهارات المحرض الصحيحة، لا يعرفون جذب الجمهور، وخطابهم كله قائم على العقلانية فقط.

العقل الجمعي

ردود أفعال الجمهور ليست سيئة بالضرورة في كل الأحوال، فكما أنها من الممكن أن تكون مجرمة قد تكون بطولية، فالجماهير تمتلك حس روحي عالي، ولو كان هناك محرض يوجهها بصورة صحيحة، ممكن أن تضحي وتقوم بأعمال راقية كثيرة، مثل حروب الاستقلال وثورات دفع الظلم، وإنجاز المشروعات الضخمة الوطنية.

في حالات الحروب والأزمات، العقل الجمعي يحمي الناس، يخلق تضامن اجتماعي قوي، يحمي الناس أنفسهم وراءه، روح الجماهير هي التي تجعل الشعب بناء الحضارة، وأن يضحي بنفسه ويحمي الذي بناه.

 

أخضر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى