سيكولوجية المماطلة
المؤلف: ميجان مكاردل
كتبت ميجان لمجلة “ذي أتلانتك” حول المماطلة والجذور النفسية لها، تقدم ” ميجان مكاردل ” تحليلاً للرغبة في الانتظار الطويل والطويل جداً قبل بدء أي عمل
تعتبر ميجان أن المماطلة صفة لعدد كبير من البشر في هذا العصر خاصة من اعتادوا على التميز في المراحل الدراسية المبكرة
تركز ميجان هنا على بعض الوظائف مثل الكتابة والتي هي ربما أقل وضوحاً وتحديداً من غيرها غالباً ما يتصف العاملون بهذا المجال بدرجات مثيرة للدهشة من المماطلة لدرجة قد تكون خطرة على مسارهم المهني
أثناء كتابتها حول المماطلة
تعترف “مكاردل” أنها فحصت بريدها الالكتروني 3000 مرة تقريباً وكتبت وعدلت الكثير من قوائم متطلبات البقالة وانخرطت في معركة على “تويتر” حول معيار الذهب كأحد أسوأ السياسات الاقتصادية على الإطلاق
وبحثت عن اسمها في “جوجل” عدة مرات لكي تتأكد أنها كتبت مرة على الأقل شيئاً يود أحدهم قراءته الأمر سيء لكنها ببحثها عن جذور المماطلة اكتشفت أنها ليست وحدها
قابلت “مكاردل” محررة كتب كانت فخورة بأول كتاب لها خرج كاتبها للنور أواخر التسعينيات لكنها كانت قد تعاقدت عليه منذ عام 1972
زميل أخر ل” مكاردل” يتمتع بالموهبة والنجاح والشهرة، سألته كيف يستطيع أن ينجز بانتظام 8000 كلمة من النوع الذي يحظى بالتقدير
كانت الإجابة مثالية لكاتب، في البداية يؤجل لمدة أسبوعين أو ثلاثة عندما ينهض لتنظيف الجراح ثم يصعد الدرج ثم يهبطه ثم يشكو لزوجته لمدة ساعتين
في النهاية وبعد مرور يومين آخرين عندمما يسيطر عليه الخوف من عدم الالتزام بموعد التسليم يضطر أن يجلس ويكتب
على مر السنوات طورت مكاردل نظرية تفسر لماذا يماطل الكُتاب طبقاً لنظريتها كان الكتاب هم الطلاب الأكثر تميزاً في حصص اللغة أثناء الدراسة
ثمة استثاءات بالتأكيد لكنهم أيضاً استثناءات في عادات تأجيل الكتابة والمماطلة في سن مبكرة
كان معلموا اللغة يحاولون ان يغرسوا في أذهان الطلاب أن الاجتهاد هو مفتاح النجاح، حينها كان كتاب المستقبل يكتشفون كذب هذا الادعاء عندما كان زملاؤهم يتعلثمون أثناء القراءة
كانوا هم قد قرأوا بالفعل كتب الصفوف الأكبر منهم، ليس الأمر أنهم لم يفشلوا أبداً لكنهم في السن المبكرة لم يتعرضوا للفشل كثيراً هذا لأن مواهبهم الطبيعية كانت تبقيهم دوماً في المقدمة
تكمل مكاردل قائلة إن هذه الخبرة علمتهم درساً سيئاً وزائقاً للغاية، هو أن النجاح يعتمد في الغالب على المواهب الطبيعية لكن لسوء الحظ عندما تصبح كاتباً محترفاً ستجد نفسك في منافسة مع هؤلاء الأطفال
الذين كانوا جميعاً الأوائل في صفوف اللغة ستجد أن ما لديك لم يعد الأفضل بعد الآن إذا كنت من الذين قضوا حياتهم معتمدين على مواهبهم الطبيعية تكتب ما تجده سهلاً وسريعاً
فإن كل كلمة تكتبها تصبح وكأنها اختبار لقدراتك وكل مقال يصبح وكأنه استفتاء شعبي يثبت مدى صلاحيتك ككاتب جيد فطالما أنك لم تكتب هذا المقال بعد،
أوذاك الخطاب أو تلك الرواية فإنه لا يزال من الممكن أن تكون “بروست” و” أوسكار وايلد” و “جورج أوريل” سوياً بطريقة رائعة لكن عندما تنتهي مما تكتب تجد نفسك بعيداً كل البعد عما طمحت إليه في البداية
- هواجس الكمال والخوف
معظم الكتاب يتمكنون من الانتهاء من أعمالهم بسبب اقتراب مواعيد التسليم لأن خوفهم من الانتهاء إلى لا شيء يتفوق أخيراً على خوفهم من الانتهاء إلى شيء مروع
مع ذلك، تقول مكاردل إنها شاهدت عدداً مذهلاً من الصحفين الصغار دمروا أو يدمرون بالفعل طريقهم المهني لأنهم ببساطة يفشلون في تسليم المقالات
هؤلاء جميعاً خريجون متفوقون ليسوا إذاً كسولين أو غير أكفاء لكن الخوف من كتابة شيء دون المستوى يصيبهم بالشلل
هذا ما أكدت عليه كارول دويك أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد
دويك هي واحدة من أفضل الخبراء المتخصصين في علم نفس الدوافع وقضت مسيرتها المهنية في دراسة كيف يتفاعل الناس مع الفشل
تظهر أبحاثها أن الخوف من الفشل ليس الطريقة الوحيدة للتعامل مع الالتزامات، العديد من الناس الذين خضعوا لدراستها كانوا يكرهون المهام التي لا يستطيعون القيام بها جيداً لكن هناك بعض الناس الذين ازدهروا بسبب هذا التحدي
لقد تأثروا بشكل إيجابي بالأشياء التي لا يفعلونها بشكل جيد كان الفشل وسيلتهم للتعلم
تعتقد دويك أن السبب الذي جعل هؤلاء مختلفين عن أقرانهم ربما يكمن في الطريقة التي ينظرون بها للمواهب أي أن الأشخاص الذين يكرهون التحديات يعتقدون أن المواهب شيء ثابت لا يتغير إما أنك ولدت بها أو لم تولد بها
أما أولئك الذين يستمتعون بالتحديات يعتقدون أنها يمكن تنميتها عن طريق التدريب والمثابرة لهذا قسمت دويك الناس إلى أصحاب “عقلية الثبات” وأصحاب “عقلية النمو” ثم اعتبرت أن العقلية الأقرب لك هي التي تساعد في تحديد ردود أفعالك تجاه المهام التي تختبر قدراتك العقلية
أصحاب عقلية النمو يعتبرون التحديات فرصة لتنمية مواهبهم، لكن أصحاب عقلية الثبات لا يرون التحديات سوى مقياس لمستوى قدراتهم
بالنسبة لهم اكتشاف أنك لست كفؤاً بما يكفي لا عيني فرصة لتطوير نفسك بل يعني أن عليك البحث عن مهة أخرى تتطلب قدرات أقل مثل مسح الأرضيات
- تعطيل الذات ومتلازمة المحتال
الخوف من أن نكتشف أننا لسنا حقاً على درجة كافية من الكفاءة شائع للغاية ويسمى علمياً ” متلازمة المحتال “
عدد صادم من الأشخاص الناجحين (خصوصاً النساء) لا يعتقدون أنهم يستحقون ما وصلوا إليه وأنهم في خطر تعرضهم لفضيحة واعتبارهم محتالين في أي لحظة
معظم الناس يتعمدون البحث عن الاختبارات السهلة التي تظهرهم متميزين بدلاً من متابعة مواد ليست على نفس القدر من السهولة
فإذا اضطروا لخوض تحد ليسوا مستعدين له فمن الممكن أن ينخرطوا فيما يسميه علماء النفس “تعطيل الذات” أي القيام عمداً بفعل أشياء تعرقلهم لكي يمنحوا أنفسهم الأعذار عن ضعف أدائهم
“تعطيل الذات” بوسعه أن يكون مذهلاً تعمد الرجال تعاطي عقاقير تضعف أدائهم عندما واجهوا مهمة لا يتوقعون تأديتها بشكل جيد
يقول عالم النفس “إدوارد هيرت” يذهب الطالب لمشاهدة فيلم سينمائي في ليلة الامتحان فإذا كانت إجاباته ضعيفة يمكنه أن يعزي فشله إلى ضعف اجتهاده بدلاً من انعدام القدرات والذكاء
على الجانب الاخر إذا أجاب بشكل جيد بوسعه أن يستنتج أن لديه قدرات استثنائية لأنه قادر على التميز دون جهد
المؤلفين الذي لا يتجون أو يتركون ما يعملون عليه طويلاً لأنهم لا يستطيعون أن يكتبوا شيئاً جيداً يمنحون أنفسهم العذر المثالي لعدم النجاح
يقول ” ألان دو بوتون ” عندما يتغلب الخوف من إنتاج لا شيء على الخوف من إنتاج قطعة سيئة
لكن بالنسبة لبعض من لديهم ميل متطرف الى عقلية الثبات قد لا يحدث هذا أبداً إن خوفهم من احتمالية اكتشاف أهم لا يملكون الموهبة الكافية يتساوى مع خوفهم من إنتاج لا شيء
الموهبة.. ام الاجتهاد؟
مالذي يتعلمه الاطفال عندما يمتدح المعلمون ذكائهم بسبب مواهبهم الطبيعية في القراءة واللغة؟ تتسائل دويك
يتعلمون أن الذكاء ليس هو الجاح في التغلب على التحديات الصعبة لكنه ان تجد الامر سهلاً عندما يذهبون الى الجامعة أو في مرحلة الدراسات العليا عندما تبدأ الأمور في أن تصبح صعبة حقاً يجدون أنهم ليسوا مؤهلين للتعامل مع الوضع الجديد
تعتبر مكاردل أن النظام التعليمي مصمم بطريقة حاضنة لعقلية الثبات
فكر في الطريقة التي تدار بها حصة اللغة، في الحصص تقرأ عملاً عظيماً لكاتب مشهور وتناقش ما أراد الكاتب أن يقوله وكيف استخدم الكاتب اللغة والبنية والمجاز لكي يفعل ذلك تحفظ في الغالب مقتطفات بليغة لاحد الكتاب لكي تخرجها على ورقة الامتحان
نادرا ما يتم تشجيع الطلاب على إلقاء نظرة على المسودات الأولى لهذه الاعمال
كلما يروه هو المنتج النهائي المصقول بحرفية من قبل الكاتب والمحرر ليظهر بهذا التألق، عندما يسأل المعلم ما الذي يقوله الكاتب بشأن شيء ما؟
لا أحد سيجيب ان المؤلف ربما لم يكن يعلم بالضبط او ان هذه الجملة او تلك كانت مجرد جزء من مشهد مفتاحي في المسودات الأولى وتم نسيانها أثناء المراجعة
السبب في شعورنا بالخوف أثناء العمل هو اننا نقارن مسوداتنا الأولى بالأعمال الغظيمة التي خرجت الى النور
باستور فورتيك
إذا أخذنا بالاعتبار حصص العلوم فهي بالغالب تعج بالنظريات التي تم إثبات صحتها دون النظر في عشرات النظريات التي أمن العلماء بها يوما ثم ثبت خطأها
بعض النظريات قد تبلغ من السذاجة في نظرنا اليوم أن نعتبر واضعيها مجرد فلاحين او قليلي ثقافة ربما لا نعلم انها لعلماء قدموا اسهامات حقيقية في مجالاتهم
الطالب لا يرى الاخطاء او الكفاح الذي مر به الكاتب او العالم فلا عجب ان يكون تعريفه للكاتب الجيد هو ذلك الكاتب الذي لا يكتب أشياء سيئة
للأسف عندما تعمل على مشروع لك تواجه المشقة مع كل فقرة وكل استعارة ومع قصتك التي لا يبدو أنها تأخذ شكلاً متماسكاً
- جيل المهام المحددة بدقة
بدأ نمط غريب من السلوك يظهر بين جيل الألفية الجيدية الذين كانوا يتدقفون الى الجامعة، إنه جيل لا يؤمن بوجود رابحين او خاسرين او بفضل أحد على أحد الجميع مهما كان أداؤهم متواضعاً يمكنهم أن يحققوا انتصاراً في النهاية
الآن وصل هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل يريدون ان تكون بيئة عملهم مثل مدرستهم مريحة ودافئة ومنظمة بشدة
يطالبون بمهام محددة وموصوفة بالتفصيل وتعليقات مستمرة على مستوى عملهم وكأنهم يحاولون معرفة الحال الذي سيكونون عليه في الامتحان
إنهم بحاجة للثناء المستمر ومن الصعب جداً ان تعلق على عملهم بشكل سلبي دون ان يكون هذا بمثابة جرح لكرامتهم انهم يعتقون انهم يعرفون اكثر مما يعرفونه بالفعل
عندما بدأت مكاردل التقصي حول هذه الظاهرة كانت متشككة قليلاً لأن الكبار على مر القرون اعتادوا الشكوى من الأجيال الأصغر
لكنها عندما فتححت الموضوع فوجئت بسيل من الشكاوى بعضها م أشخاص قاموا باختيار الموظفين الجدد لعقود وبوسعهم مقارنتهم مع الأجيال السابقة دون أن تكون المقارنة مجرد صورة ذهنية عما نعتقده عن أنفسنا عندما كنا في نفس أعمارهم
أصروا جميعا ان هناك سيئا ما قد تغير، تغير حقاً، شيء لا يقتصر على الدلال الفائق الذي يحظى به أطفال الصفوة من الجيل السابق
لم يعد الشباب يرتاح في الأعمال غير المحددة بما يكفي فلا عجب أن تتجه نخب الشباب للعمل في مجالات ذات حدود ومعالم واضحة
يدير “تود” متجراً لتأجير السيارات، يقول: أنه إذاعين موظفاً في السابعة والعشرين فإنه سيكون جيداً لكن أولئك الذين في الثالثة والعشرين أو الرابعة والعشرين يريدون ان يتهجى لهم كل حرف وأن يكون كل شيء محدداً وبالتفاصيل المملة ويوريدون منه أن يبقى معهم مشرفاً عليهم
يرى تود أنه في ثلاث أو أربع سنوات هناك شيء ما تبدل فمن الممكن أن يكونوا أكثر جدية في العمل وأكثر وعياً من جيله لكن الكثير منهم يبدو غير منسجم نسبياً مع عالم العمل غير المحدد بدقة
ليس غريباً إذاً أن يذهب صفوة الطلاب للعمل في التمويل والاستشارات الذي يحيطهم بزملاء من الصفوة أيضاً يتعاملون سوياً بنفس المنطق الصارم والمحدد في التقييمات والترقيات
- مزيد من الدلال ليس الحل الأمثل اليوم يمنح الأباء لأبنائهم قدراً من الدلال والاهتمام لم يكن يحصل عليه إلا الأمراء، كل هذه المساعدة والاهتمام يمكن فعلاً أن تضر بمستقبلهم
عملت مكاردل أن ثمة وباء ينتشر في المدارس الخاصة في نيويورك وهو تأجير معلمين يقومون بواجبات الطلاب بدلاً عنهم وهو أمر لم يكن من الممكن أن يتخيله أحد منذ 20 عاماً حين كان الآباء دائماً في صف المعلمي لا الطلبة لكن الأن أباء قليلون يبدون مستعدون للمخاطرة باحتمال تعرض أبنائهم لتجربة فشل
إن الاهتمام الكبير بالأبناء هو رد فعل طبيعي لنظام تزداد فيه المنافسة باستمرار فأقل خطأ قد يجعل الابن خارج السباق، يفعل الآباء كل شيء لضما حياة جيدة لأبنائهم ، لكن هل هذه حقاً الطريقة الصحيحة للتربية؟ ان المؤهلات العالية ليست ضماناً للنجاح
خاصة إذا تضمن الطريق لهذه المؤهلات أن يحرم الأباء أبنائهم مما يحتاجونه بالفعل مثل القدرة على التعلم من أخطائهم والوقوف بعد السقوط والامتنان بعد الفشل
اقرأ أيضاً…مسار الحب لألين دي بوتون – ملخص كتاب
اقرأ أيضا…من صفر إلى واحد للمؤلف بيتر تيل – ملخص كتاب
اقرأ أيضا… سيكولوجية الجماهير – غوستاف لوبون – ملخص كتاب
سيكولوجية المماطلة – سيكولوجية المماطلة – سيكولوجية المماطلة – سيكولوجية المماطلة – سيكولوجية المماطلة