مال وأعمال

صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي : 

يوصف بالوحش الذي يفترس الدول النامية ويشار إليه بالمؤسسة المالية المخادعة التي تسرق خيرات الدول وتسهم في انهيارها اقتصادياً.

صندوق النقد الدولي صديق وفيّ أم قاتل اقتصادي؟

صندوق النقد الدولي صديق وفيّ أم قاتل اقتصادي؟

في العام 2002 حدثت مجاعة في دولة مالاوي أقصى جنوب شرق أفريقيا، والسبب بيع كامل مخزونها من الحبوب عام 2001 لسداد جزء من ديونها لصندوق النقد.

العام 2001 انهيار اقتصادي في الأرجنتين والحكومة تعلن عجزها عن سداد قرابة 135 مليار دولار للصندوق.

تجربتان تقولان لنا إن هذا الكيان الاقتصادي متوحش.

في العام 2013 تسدد تركيا جميع ديونها لصندوق النقد، بينما تصعد بوصفها قوة اقتصادية بين العشرين الكبار.

تجربة تقول لك إن هذا الكيان الاقتصادي منه أمل لكن الغريب أن معظم الدول التي تعاملت مع الصندوق سواء نجحت في سداد ديونها أم لم تنجح تقول لك: احذر.

سنة 1944 وبينما كانت ملامح النصر تلوح للحلفاء في الحرب العالمية الثانية دعت أميركا 44 دولة للاجتماع بهدف وضع نظام نقدي دولي جديد.

فخرجوا اتفاقية بريتن وودز التي كانت أساس كل ما هو نظام جديد في العالم اقتصادياً وسياسياُ.

سياسياً مثل الأمم المتحدة، اقتصادياً مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

وبما أن موضوعنا عن الصندوق سنفكر من داخل الصندوق لنعرف عنه أكثر.

نشأة صندوق النقد

صندوق النقد نشأ بالأساس لمساعدة الدول المتضررة من الحرب على النهوض وتجنب الأزمات الاقتصادية الكبرى كتلك التي انفجرت في عام 1929.

يعد المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي، هو يحدد كيف تتم المدفوعات بين الدول، وهو يشرف على نظام أسعار الصرف للعملات المختلفة على أساس الدولار.

هدف صندوق النقد

وهدف إلى تحقيق التعاون الدولي في مجال النقد.

ومنع وقوع الأزمات في الاقتصادي العالمي.

وتقديم المشورة والتدريب والقروض المالية للدول عند الطلب.

ومراقبة اقتصادها الكلي.

من أين يأتي المال لصندوق النقد؟

هو صندوق فيه الكثير من المال، لكن من أين يأتي؟

يأتي المال من الدول الأعضاء، فكل دولة نساهم بالحصة التي تريدها بشرط أن تكون 25% بحقوق السحب الخاصة أو الذهب الورقي، وهي عملة الصندوق.

75 عملة محلية وكلما زاد رصيد الدولة في الصندوق كلما ارتفعت قوتها التصويتية داخله، أي من يتحكم به هي الدولة التي تعطيه أكبر كمية أموال ممكنة.

والإجابة هنا تكمن في دولة واحدة الولايات المتحدة الأمريكية.

موقع مقر صندوق النقد

هل أمريكا هي من تدير الصندوق من الخفاء؟

يقع مقر ” النقد الدولي” في واشنطن، عدد أعضائه 189 دولة.

فيه مجلسان، (المجلس التنفيذي) يتكون من 24 مديراً.

8 منهم ثابتون يمثلون الدول التالية، الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة إلى جانب الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية.

أما البقية فيتم انتخابهم ويمثلون بقية الدول الأعضاء.

(مجلس المحافظين) عدد أعضائه من عدد الدول الأعضاء في الصندوق، وهو الذي يتخذ القرارات الكبرى ويجتمع مرة في السنة.

وكل دولة تعيين محافظها الخاص ونائباً له، القرارات في الصندوق جماعية أي قرار يتطلب موافقة 85% من حصص الأعضاء لإصدارة، وعدم وجود فيتو أميركي.

نعم حتى في صندوق النقد يوجد فيتو بسبب الحصة الأميركية الكبيرة التي تقترب من حاجز 17%.

ليس هذا فقط ستجد أصلاً تفاوتاً كبيراً بتوزيع الحصص بين الدول.

مجموعة الدول الصناعية السبع وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا تسيطر على ما يقرب من نص الحصص مقابل 3.81% للصين و2.3% للهند و 2.5% للسعودية.

أي أننا أمام صندوق مستقل نظرياً، لكن يمكن لقراراته أن تكون رهينة القوى التي تمتلك الحصة الكبرى في أي لحظة.

والحقيقة أن الصندوق تأثر دوماً بما يحدث في أميركا وربط عملات كل الدول بدولارها.

حتى أن تغيراً اقتصادياً في هذا البلد الكبير غير من وظيفة صندوق النقد لاحقاً.

قلنا إن صندوق النقد نشأ ليضبط أسعار صرف عملات الدول مقابل الدولار، الدولار في الخمسينيات وحتى السبعينيات كان مرتبطاً بغطاء الذهب.

أي أن كل الدولارات الورقية وقتها كان يقابلها كم معين من الذهب.

لكن مع حلول عام 1970 توقفت أمريكا عن ربط عملتها بالذهب معنى فعلياً تعويم كل عملات العالم وجعل قيمتها تتحدد بناء على العرض والطلب في السوق.

وفي عام 1976 عقد مجلس محافظي صندوق النقد الدولي مؤتمراً في جامايكا تم فيه تعديل اتفاقية بريتون وودز .

وتم وضع بنود جديدة للنظام المالي الحديث، أهمها:

ترك الحرية للدول في اختيار نظام صرفها الخاص بتعويم أو بتدخل.

الاستغناء عن الذهب كغطاء

جعل وحدات حقوق السحب الخاصة هي الأصول الاحتياطية الأساسية في نظام النقد الدولي، وهذه الوحدات يصدرها صندوق النقد.

وهي عبارة عن أوراق نقدية يمكن للدول فقط التعامل بها في التجارة الدولية.

ومنذ جامايكا وحتى اليوم تحول صندوق النقد إلى بيت خبرة اقتصادي وصندوق أموال للإقراض.

والباب الأول الذي عليك أن تطرقه قبل الحديث إلى أي من المؤسسات المالية الدولية الأخرى.

من يأخذ ثقة صندوق النقد؟ يأخذ ثقة الجميع.

عقيدة صندوق النقد

يؤمن الصندوق بأن النمو الاقتصادي للدول يتحقق من حرية السوق المطلقة وإيقاف تدخل الدول فيه.

والوصفة الخاصة على النحو الآتي، خفض قيمة العملة الوطنية بتعويم جزئي أو كلي.

زيادة الضرائب والرسوم، ترشيد إنفاق الحكومة وإلغاء الدعم الحكومي عن السلع والخدمات.

التقشف بيع شركات القطاع العام للقطاع الخاص، تخفيض العمالة في القطاع العام.

رفع أسعار الخدمات العام وإلغاء الدعم عن الغذاء والمحروقات.

توافق واشنطن

وصفة تشبه تلك التي طرحها الاقتصادي جون وليامسون عام 1989 تحت اسم توافق واشنطن.

وتبناها صندوق النقد الدولي لحل الأزمات الاقتصادية في دول أمريكا اللاتينية كبداية.

ستلاحظ أن هذه الوصفة مدمرة للطبقة المتوسطة والفقيرة بالمجتمع، لأن هاتين الطبقتين تعتمدان على الدعم الحكومي للحياة.

لكن صندوق النقد لديه نظارة واحدة فقط، ويرى بها الجميع سواء كان دولة نامية أم دولة متقدمة.

ولديه وصفة اقتصادية واحدة للجميع، غالباً ما تحمل معها الكثير من الآلام للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهذه الوصفة قد تنجح وقد لا تنجح.

تجارب مع الصندوق

نجحت العديد من الدول في تسديد ديونها كاملة إلى الصندوق منذ عام 2000، وهي كوريا الجنوبية 2001 والبرازيل 2005 وروسيا والأورغواي 2006.

وتركيا ولاتفيا وهنغاريا 2013 ومقدونيا ورومانيا وآيسلندا 2015.

لكن هل هذه الدول تقول لنا تعاملوا مع صندوق النقد؟ الإجابة لا.

فمعظم الدول كي تصل لمرحلة تسديد الدين تكون قد عانت الأمرّين، وربما لم تصل للنمو الاقتصادي الذي كانت تحلم به.

دول نجحت نسبياً مع صندوق النقد

لنقل مثلاً تركيا، في عام 2002 شهدت البلاد أزمة اقتصادية كانت استمراراً لأوضاع سابقة.

حزب العدالة والتنمية الواصل للحكم حديثاً لجأ إلى صندوق النقد الذي فرض إجراء إصلاحات اقتصادية عديدة.

منها تشجيع الاستثمار الأجنبي وخصخصة القطاع العام، وتحرير سعر صرف الليرة وربطها بالدولار.

التجربة التركية كانت صعبة لكنها تعتبر ناجحةً نسبياً، فالحكومة تمكنت من التفاوض من أجل الوصول إلى شروط أخف وطأة، وتبنت برنامجاً متكاملاً للإصلاح يتناسب مع ظروف البلاد.

وفي عام 2013 أعلن رجب طيب أردوغان تسديد كامل ديون البلاد وإغلاق صفحة صندوق النقد تماماً.

دول فشلت تجربتها مع صندوق النقد

أبرز الدول مالاوي، الدولة الإفريقية الزراعية رفعت الدعم عن الأسمدة فلم يزرع المواطن، وباعت مخزونها من الحبوب فلم يأكل المواطن، وضربتها مجاعة قاتلة عام 2002.

ثم اقتربت مجاعة ثانية عام 2005، وألصقت التهمة بالنصائح التي أعطاها صندوق النقد.

قام الرئيس الجديد بينجو وا موثاريكا برمي برنامج الصندوق خلف ظهره، وأعاد الدعم للأسمدة، وتخلصت مالاوي من مجاعتها.

كانت الأرجنتين تمثل قصة نجاح لسياسات الصندوق في الأسواق الناشئة في عقد التسعينيات، غير أن الصندوق تدخل ليضمن تسديد قروض.

وفر قيوداً على الحكومة الأرجنتينية لمنع تطوير قطاعات التعليم والصحة والأمن ربط عملتها بالدولار.

وطالبها بالتركيز على الصادرات حتى تستطيع جمع ما يكفي من المال لسداد ديونها.

اضطرت الأرجنتين لإزالة جميع الحواجز التي تعترض التجارة الخارجية ودخلت السوق العالمية من أوسع أبوابه.

والنتيجة سحق الشركات المحلية، لم تكن الأرجنتين جاهزة اقتصادياً لهذا الانفتاح المباغت وأجبرت على اقتراض المزيد من الديون لإطعام سكانها.

اقترب معدل البطالة من 20%، وتراكمت عليها الديون، ومعدل نمو بلغ -11%، عمت الفوضى البلاد وانتشرت عمليات النهب والسرقة.

ليعلن الرئيس وقتها رودريجيز سا عجز الأرجنتين في 2001 عن سداد ديونها السيادية البالغة 93 مليار دولار.

ولم تنجح الأرجنتين بسداد ديونها إلأ في عام 2005، وأعلن الرئيس نستور كيرشنر أن صندوق النقد أضاف لبلاده 15 مليون فقير.

وعات الأرجنتين للاستدانة مجدداً وتعد اليوم أكبر المدينين لصندوق النقد الدولي بديون تصل إلى 43مليار دولار.

دول نجحت دون أن تلجأ إلى الصندوق

هناك الصين، الدولة التي تمتلك أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم والأسرع نمواً في التاريخ.

وماليزيا التي كانت تنهار مع تايلند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا عام 1997، واستطاعت أن تحقق القفزة الاقتصادية وحدها.

بل وسبقت جيرانها الذين استعانوا بصندوق النقد ليحل مشكلاتهم، وظلوا تحت وطأة الديون أعوام.

تلك كانت عينة صغيرة من التجارب مع الصندوق.

إحصائيات الديون صندوق النقد

وهذه بعض الأرقام المرعبة.

أكثر من 70 دولة من أصل 189 دولة مدينة لصندوق النقد الدولي بنحو 80 مليار دولار بحب إحصائيات عام 2016.

تاريخياً، عجزت 28 دولة عن تسديد ديونها للصدوق من بينها فيتنام والبوسنة والهرسك والسودان ومصر والكونغو وكوبا والعراق وأفغانستان والأرجنتين.

أما حاضراً فسنجد دول عربية تقترض من الصندوق في محاولة للخروج من أزماتها، مثل مصر والأردن وسط تكهنات بأن التجربة الأردنية ستكون صعبة للغاية.

في حين يشير تقرير الصندوق لعام 2019 إلى أن مصر تنجز خطوات جيدة.

لكن التقرير لا يشير أبداً إلى حجم الكارثة التي حلت بالطبقة الوسطى وتحويل غالبية الشعب المصري إلى فقراء نتيجة تعويم العملة وإيقاف كثير من برامج الدعم الحكومي.

علماً أن مصر تتعامل مع صندوق النقد منذ عهد السادات، ولم تحقق نهضتها الاقتصادية الموعودة حتى اليوم.

وتصنف ثاني أكبر مدين للصندوق بديون تصل إلى 11.8 مليار دولار.

انتقادات لصندوق النقد

مؤسسة هيريتاج فاونديشن وهي من كبار منتقدي الصندوق تقول: بين عامي 1965 و1995 يوجد 89 دولة نامية اقترضت من صندوق النقد الدولي.

48 منها ليست بحال أحسن مما كانت عليه، 32 دولة في حالة أكثر فقراً.

عالم الاقتصاد ميشيل تشوسودوفيسكي يقول: صندوق النقد الدولي قد يترك البلد أكثر فقراً مما كانت عليه مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراء.

الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز يقول: إن القروض التي تقدم من الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية.

ويتهم الصندوق بأنه أداة أمريكية للتحكم بالدول بحكم قدرتها على إعطاء القرض من عدمه، فهي الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو.

ويتهمه الكاتب جون بيركنز ايضاً بأنه أداة بيد الشركات العملاقة لدخول الدول النامية واستغلال مواردها.

ومن الانتقادات الأخرى أيضاً الصندوق لا يراعي ظروف كل بلد على حدة، فهو يضع وصفة واحدة قد تصلح البلد ولا تصلح لبلد آخر.

يمكن لصندوق النقد أن يقرض الدول الأعضاء مجتمعة مبلغ تريليون دولار، أي ألف مليار دولار.

فهل نأخذ من هذه التريليون أم لا؟

السؤال المهم ولكن الأهم هل نحن بحاجة إلى قروضه فعلاً؟

وهل هياكل اقتصاداتها وطبيعة الحياة في بلداننا تستقبل الانفتاح الكامل على العالم؟

وفجأة في غانة فتحت الأسواق فجاة فغزت الشركات الكبرى وانهارت الطبقة الوسطى والمشاريع الصناعية المتوسطة فوراً.

السؤال المهم أيضاً، هل تستطيع النهوض اقتصادياً بوصفتك المحلية الخالصة بدل الوصفة العامة الجاهزة؟ كما فعلت ماليزيا التي نهضت وحيدة بالرغم من كل أزماتها.

إلى حين الإجابة عن تلك الأسئلة نتذكر المقولة الشائعة:

فكر خارج الصندوق.

وقد يصح أن تكملها بـ ولا تأخذ النقود منه ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

المصدر:

يوتيوب /ميدان

https://www.youtube.com/watch?v=2blicd0QWNE

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى