صوم الدوبامين يعلمك كيفية التحكم في مقدار الحافز والرغبة في العمل على الأعمال المهمة والصعبة. فما هو وكيف نستفيد منه؟
رغم أننا في العصر الحالي يتوفر لنا قدر كبير من المعرفة والأدوات النافعة التي نستخدمها لتطوير حياتنا.
إلا أن معظمنا يشتكي من أنه لا يجد الرغبة والحافز للعمل على الأمور المهمة التي تمكنه من تطوير حياته.
وبعض الأمور المفيدة التي كان الناس يقوم بها بسهولة ويستمتعون بعملها يجدون الآن القيام بها صعباً.
في مقالة اليوم سنركز على سبب رئيسي يفقدنا الحافز للعمل على الأمور المهمة ويجعلنا نشعر أن هذه الأمور صعبة ومملة.
أكثر من يحتاج لهذه المقال هم أكثر أناس يملون وغالباً لن يستمروا بالقراءة.
ما هي طريقة صوم الدوبامين
أحد مشاهير صناعة الترفيه مصاب بالسمنة بسبب حبه الشديد للطعام غير الصحي من وجبات سريعة ومقليات وحلويات ومشروبات غازية.
ومشكلته عدم قدرته على الالتزام بالأكل الصحي لأنه يعتبره مملاً جداً بدون طعم، والالتزام به لباقي حياته فكرة لا تحتمل.
لكنه وصل إلى مرحلة إجراء عملية جراحية لتكميم المعدة كمحاولة للتخلص من السمنة التي بدأت تسبب له أمراضاً كثيرة.
والطبيب قال له ما دمنا سنجري عملية جراحية لماذا لا نحاول محاولة أخيرة ولفترة قصيرة تجنبنا التدخل الجراحي.
وتحداه الطبيب بالالتزام بنظام غذائي صعب لمدة أسبوعين فقط لا يحتاج للالتزام به طوال حياته، ولا يجدي الالتزام به لفترة طويلة.
وهو أنه لمدة أسبوعين لا يأكل أي شيء عدا بطاطا مسلوقة بدون إضافات ولا حتى الملح.
وهذا النظام القاسي جداً سيساهم في إنقاص الوزن، لكن إنقاص الوزن لم يكن الهدف من هذا النظام.
وافق المريض على التحدي لأن الفترة محدودة ليتجنب التدخل الجراحي، وبعد مرور الأسبوعين بصعوبة جرب تناول الذرة المسلوقة بدون إضافات.
لكنه وصف إحساسه بالطعم كأنه يأكل قطعة من الحلوى ولم يكن يعتقد أن الذرة سيكون فيها كل هذا الطعم اللذيذ.
وفجأة أصبحت الخضار طعمها لذيذ وممتع، ففي فترة الأسبوعين لم يكن الهدف إنقاص الوزن بقدر ما كان لضبط حاسة التذوق.
المشكلة أن هذا الشخص انغمس بأنواع الطعام المليئة بمكسبات الطعم والسكر وغيرها من الإضافات المبالغ بها جداً.
التي جعلت دماغه لا يستثار بالطعم الطبيعي في الأكل الصحي ولذلك كان يشعر أنه ممل ولا طعم له.
وبعد هذه التجربة اقتنع تماماً أنه قادر على العيش بنظام أكل صحي ويصبح سعيداً ومستمتعاً.
وهذا ما ساعده على الالتزام بنظام غذائي صحي واستطاع إنقاص وزنه دون الحاجة للعملية الجراحية.
ما هو دور هرمون الدوبامين
هرمون الدوبامين المسؤول عن الشعور بالرغبة والحافز الذي يدفعك للقيام بأي فعل متوقع أن تحصل منه على مكافأة ما.
البعض يختلط عليه الأمر ويقول أن الدوبامين هو الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على مكافأة ويكون السبب في شعور السعادة والإشباع وهذا الكلام غير دقيق.
فالدوبامين دوره الأكبر في الشعور بالرغبة والحافز وليس السعادة والإشباع. ويفرز المخ الدوبامين قبل الحصول على المكافأة أصلاً.
فلو كنت عطشاناً ورأيت أمامك كوب ماء فمخك سيفرز الدوبامين ليحفزك على أن تذهب إلى كوب الماء وتشربه.
لأنه يتوقع أن فعل الشرب سيحصل منه على مكافأة وهي الارتواء والتخلص من العطش.
مقدار الدوبامين الذي يفرزه المخ يرتبط بمدى سرعة الحصول على المكافأة ومقدار الجهد المطلوب للحصول عليها.
وكلما كان الحصول على المكافأة أسرع وبجهد أقل كلما كان مقدار الدوبامين أكبر وبالتالي ستكون متحفز ولديك رغبة أكبر في القيام بالفعل للحصول على المكافأة.
فأفعال كالأكل والشرب وتصفح اليوتيوب والسوشيال ميديا وألعاب الفيديو كلها أفعال تحصل منها على مكافأة بسرعة وبجهد قليل.
ومجرد بدءك بالفعل تحصل على المكافأة بشكل طعم لذيذ أو تسلية أو إثارة.
في حين أفعال كالمذاكرة والعمل على مشروع أو ممارسة الرياضة مكافأتها مؤجلة في المستقبل وتحتاج إلى مجهود كبير لتحصل عليها.
فيفرز المخ قدراً أقل من الدوبامين، وإن كان المفروض أن يكون قدراً كافياً لبدء العمل رغم قلتهن لولا أن المشكلة تسوء لسبب آخر
كيف يصنع جسمك توازنه
في الجسم خاصية تدعى Homeostasis وهي ميل الجسم بأن يظل في حالة توازن.
فمثلاً عندما تبرد يرتعش الجسم ليولد قدراً من الحرارة ليحافظ على درجة حرارتك بقدر مناسب وكذلك عندما تشعر بالحر يفرز جسمك العرق ليلطف من درجة حرارتك.
حالة الإثارة والرغبة التي تنتج عن إفراز قدر كبير من الدوبامين يعتبرها المخ حالة غير متزنة، فيحاول موازنتها.
من خلال قبول وتكيف جسمك مع الوضع الجديد Tolerance وكأنه الوضع الطبيعي.
فعندما يبدأ المدمن تعاطي المخدرات، الجرعة التي كانت تحقق له النشوة والإثارة في بداية الإدمان يحاول الجسم مع الوقت أن يقلل من تأثيرها بحيث لا تحقق نفس الإثارة.
فيلجأ المدمن للحقن ليزيد الجرعة ليشعر بنفس النشوة التي كان يشعر بها في الماضي. وذات الأمر يحدث مع الدوبامين.
عندما يجد الجسم أنه يفرزه بكميات كبيرة نتيجة الانغماس في الملهيات يحاول تقليل تأثيره بتقليل حساسية مستقبلات الدوبامين Dopamine Receptors.
فتجد نفسك تنغمس في المليهات أكثر لتعوض قدر المتعة الذي فقدته كما يفعل المدمن بزيادة الجرعة مع مرور الوقت.
ونتيجة تقليل حساسية مستقبلات الدوبامين فإن إحساسك بالرغبة والحافز تجاه الأعمال المهمة كالتعلم وممارسة الرياضة يصبح أقل مما هو عليه.
ويصبح التأثير السلبي مضاعفاً. وفي المراحل المتقدمة من أي إدمان سواء إدمان مخدرات أو إباحية أو ألعاب فيديو وسوشيال ميديا.
يبدأ المخ بالتحيز تماماً لصالح الأفعال التي تشبع هذا الإدمان، ويفرز من أجلها الدوبامين ولا يفرزه لأي فعل آخر تقريباً.
لدرجة أن المدمن من أجل إشباع إدمانه يجد الحافز ليقوم بأي فعل مهما كان صعباً أو خطراً.
لكن في نفس الوقت ليس لأي فعل آخر مهما كان بسيطاً لدرجة إهمال النظافة الشخصية وهذا فقط في الحالات المتقدمة.
وإن كان المشكلة طبعاً موجودة لدى أكثرنا بقدر أقل لكنه قدر كافي ليحرمنا من تحقيق أهدافنا وطموحاتنا نتيجة عدم القدرة على إنجاز الأعمال المهمة.
كيف نحل المشكلة
خلاصة المشكلة كالآتي:
الانغماس في الأفعال الملهية التي ينتج عنها قدر كبير من الدوبامين مع الوقت يكون سبباً رئيسياً في أن نفقد الحافز والرغبة في القيام بالأعمال المهمة المفيدة.
كالشخص الذي انغمس في الأكل غير الصحي المليء بالمثيرات مع الوقت فقد إحساسه بطعم الأكل الصحي وأصبح مملاً بلا طعم.
والحل المقترح هو صوم الدوبامين Dopamine Fast، البعض يعترض على تسميته بها الإسم ويفضل إسم إدارة المثيرات Stimulus Control.
والمقصود منه هو أن تصوم أو تمتنع لفترة محددة عن الأفعال الملهية غير المفيدة التي تجعل المخ يفرز الدوبامين بكثرة.
الصوم والامتناع سيجعل المخ سيقوم بحالة توازن ويعود ليزيد شعوره بالحافز والرغبة تجاه الأعمال المفيدة التي تفرز الدوبامين بكميات أقل.
تماماً كما حالة الشخص الذي بدأنا حديثنا عنه، ما قام به هو أنه امتنع لفترة عن الأكل غير الصحي.
الذي يسيطر على مخهه وحاسة التذوق حتى أعاد مخه التوازن مرة أخرى وبدا يستمتع بالطعام الصحي العادي.
تطبيق صوم الدوبامين
صوم رمضان والنوافل المفروض أن يفيد في حل هذه المشكلة لأنك تصوم عن عدة أمور تسبب إفراز الدوبامين بكميات كبيرة.
لكن للأسف الكثير من الناس يتسلون بأمور ملهية غير مفيدة تفرز الدوبامين باستمرار، مثل التصفح والألعاب أو مشاهدة المحتوى الترفيهي.
والأكثر أسفاً أن بمجرد الإفطار يكون هناك إسراف شديد وانغماس شديد بكل ما هو ممتع ومسلي بشكل يضيع فوائد الصيام.
الأمر مرهون بصوم رمضان بالشكل الصحيح وليس كما اعتاد الناس في هذا العصر.
كيف نطبق صوم الدوبامين
المطلوب هو أن تحدد يوماً واحداً في الأسبوع تمتنع فيه عن أي فعل أو نشاط ممتع وغير مفيد.
فيوم تمتنع فيه عن استخدام الهاتف الذكي إلا للرد على المكالمات فقط وعن تصفح السوشيال ميديا وعن مشاهدة المحتوى الترفيهي.
وعن الألعاب الإلكترونية والوجبات السريعة والحلويات والمشروبات الغازية والتسالي بين الوجبات والاكتفاء بالوجبة الأساسية أو بما يسد جوعك من الطعام.
وبالنسبة للمخدرات والإباحية فنحن لسنا محتاجين لذكرهم لأنها من المفروض الامتناع عنها بشكل دائم وليس لمجرد يوم واحد في الأسبوع.
ولو وصلت إلى مرحلة متقدمة من إدمانهم فالمفروض أن تستعين بمتخصص للإقلاع عنهم.
وبعد أن تتوقف عن كل هذا لا تتفاجأ بأنك ستشعر بالملل فهذا متوقع، لكن هذا هو المطلوب أن تتعلم التعايش مع الملل لبعض الوقت ولا تهرب منه للملهيات والمشتتات.
أشياء تقوم بها أثناء الصوم
تذكر أنك خلال هذا اليوم تستطيع أن تلهي نفسك بعمل أي شيء كمهام مطلوبة منك أو التعلم.
يمكنك أن تقرأ الكتاب الذي أجلت قراءته، التعبد أو ممارسة الرياضة أو وضع خطط للشهور القادمة أو أي عمل مفيد.
المهم أن تبعد عن الملهيات التي تسلي بها نفسك خلال اليوم، وأن تقوم بأي تغيير في البيئة يساعدك في الالتزام.
كأن تحمل تطبيق Flipd على الموبايل وتشغله ليوم، الذي لن يسمح لك بتشغيل أي تطبيق على الموبايل إلا الاتصال والخرائط.
فلن تستطع استخدام السوشيال ميديا أو الألعاب طوال الفترة المحددة، أما في باقي أيام السبوع فالمطلوب منك شيئان:
حاول قدر الإمكان عدم الإسراف في الانشغال بالملهيات، هي مسموحة لكن لا تكثر منها قدر استطاعتك.
حاول جعل هذه الملهيات آخر اليوم بعد إنجاز الأعمال المفيدة بالفعل.
فيمكن أن تكون الملهيات مكافأة للعمل الجاد طوال اليوم وهي الملهيات المباحة فقط والتي ليس فيها معصية.
فلو لزمت نفسك بجعلها مكافأة للعمل الجاد على ما هو مفيد فأنت في الواقع تزيد الحافز للعمل على الأعمال النافعة.
فبالإضافة للمكافأة بعيدة المدى التي ستحصل عليها من إنجاز الأعمال المفيدة ستوفر لنفسك مكافأة على المدى القصير.
وهذه المكافآت يفرز لها الدماغ قدراً أكبر من الدوبامين كما شرحنا، وبالتالي الرغبة والحافز للعمل عليها سيكون أكبر.
نصيحة أخيرة
استمر في المحاولة ولا تتوقع نجاحاً باهراً من أول مرة خصوصاً أن الأمر يستحق.
هناك أشخاص ينتبهون متأخرين جداً على صدمة أن عمرهم ضاع في توافه الأمور فحاول أن لا تكون منهم.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com