كيف يحول رجال الأعمال الفاسدين أموالهم المشبوهة إلى أموال نظيفة ؟
اليوم سنعرف ماذا يعني غسيل الأموال ، والطرق المتعارف عليها لغسيل الأموال، وحجم الخسائر الاقتصادية للدول نتيجة ذلك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معكم مصطفى الصعيدي ..
تجار المخدرات والسلاح، وأي شيء غير قانوني، أكبر مشكلة تواجههم هي، أين سيخفون مالهم التي يكسبوها، وكيف يصرفوها.
فهم لا يستطيعون أن يضعوها في البنوك، لأنهم سيضطرون أن يبرروا المصدر، الذي أتت الأموال منه.
فيجب أن يكون السبب مقنعاً، ولا يمكن أن يقولون أيضاً، أنه شيء من الإرث من الأقرباء، فنحن نتحدث عن ملايين، وليس عن عشرات الآلاف.
وهنا يفكر هؤلاء التجار، كيف يستطيعون أن تكون أموالهم نظيفة، حتى يضعوها في البنوك بشكل رسمي، دون الحاجة لتبريرات.
غسيل وتبييض الأموال المشبوهة
غسيل الأموال، هي عملية تحويل أموال ناتجة عن أعمال غير شرعية وغير قانونية، إلى أموال ناتجة عن أعمال قانونية وشرعية، ومثبتة بالأرقام والأوراق بشكل رسمي.
عملية غسيل الأموال، تتم على ثلاث مراحل، وهي placement وlayering و integration وهي مصطلحات اقتصادية بحتة، ولكننا سنشرح الموضوع بأبسط طريقة.
تقسيم المال إلى مبالغ صغيرة
أول مرحلة يقوم بها غاسلي الأموال، أنهم يقومون بتقسيم الأموال الخاصة بهم، إلى مبالغ صغيرة، يسهل إيداعها في البنوك.
ويتم فتح حسابات كثيرة في كل البنوك، التي يعرفوها، في الدول المقيمين بها، أو خارج البلاد، ثم يحاولون إدخال المال في النظام المصرفي، في أي طريقة ممكنة.
الاستثمارات المشروعة
يستثمر غاسلي الأموال أموالهم، في أي شركات أو أسهم أو عقارات، وأي مشروع، المهم أن المال يأخذ شكل آخر، ثم يقومون بعملية تكرار الاستثمار.
فالذي اشترى عقاراً مثلاً، ينتظر لمدة شهر أو شهرين، ومن ثم يبيعه ويشتري غيره، وثم يبيعه ويشتري غيره، وهكذا.
وكلما قاموا بتكرار عملية التكرار هذه، ستكون في صالحهم، لأنهم بهذا يصنعون سجلاً حافلاً من العمليات والأرقام، وعندها الحكومة لن تستطيع أن تعرف مصدر المال.
تجميع الأرباح
وهي أن يتم جمع المال الذي تم ربحه، في مكان واحد، وبالتالي عند البحث والتدقيق عن هؤلاء الأشخاص، وعن مصادر أموالهم.
يستطيعون أن يبرزوا جميع الأوراق النظامية، والعقارات التي تم شراؤها، والأسهم التي تم بيعها، فيكون السجل كاملاً ونظيفاً.
أشكال غسيل الأموال
مثل أن يكون شخص لديه مليون دولار، وقد كسبها بطريقة غير شرعية، يحول هذا المال إلى البنك السويسري، أو أي بلد آخر، لا يسأل عن مصدر المال.
ومن ثم يقول هذا الشخص، بأن لديه شركة وهمية، وأنها صنعت أرباح كبيرة، ويدفع الضرائب على الأرباح.
أو مثلاً من الممكن أن يشتري لوحات فنية، بأرقام خيالية، ويبيعها بعد فترة بأرقام خيالية، كأن تباع لوحة برقم 140 دولار، وهذا رقم مبالغ فيه كثيراً.
المقامرة
إن صالات القمار، من أشهر الطرق لعمليات غسيل الأموال، لأن المال يتحول من يد إلى يد في ثوان.
هل يضر غسيل الأموال؟
طبعاً هو شيء مضر جداً، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية على البلاد.
الضرر الاجتماعي
كلما زادت عمليات غسيل الأموال، وتمت بنجاح، هذا سيشجع المجرمين هؤلاء وغيرهم، بأن يقوموا بأعمال مشبوهة بشكل أكبر، سرقة ومخدرات، وسلاح وأعمال اجرامية.
الضرر الاقتصادي
إن أكثر الدول تأثراً بغسيل الأموال، هي الدول النامية، التي ليس لديها قوانين صارمة، تحميها من الأموال المشبوهة.
الموضوع أن الأموال المشبوهة، عندما تدخل في الاقتصاد، يمكن أن تؤثر بتضخم مؤقت، في الشركات مثل العقارات.
فنحن ذكرنا أنهم يقومون بعملية شراء العقارات، لتغطية أموالهم الغير مشروعة، والذي يحصل عند دخول هذه الأموال في الاقتصاد.
يكون هناك طلب وهمي على العقارات، أي أن الأسعار سترتفع بشكل كبير، وبعد فترة، الأشخاص الذين اشتروا العقارات يبيعونها.
وعند البيع يحصل انهيار في سوق العقارات، وهذا دمار لكل المستثمرين، الموجودين في سوق العقارات، وهو أثر سلبي ودمار اقتصادي.
المستثمرين ذوي الأموال النظيفة
هؤلاء المستثمرين، لن يستطيعوا أن ينافسوا أصحاب الأموال المشبوهة، لأن أصحاب الأموال المشبوهة، بيدهم القدرة أن يبيعوا بأسعار قليلة، ومن الممكن أن يخسروا.
لأن هدفهم في الأساس، هو ليس الربح، بل أن غسيل المال وتحويله، من أموال غير قانونية، إلى أموال قانونية، وبالتالي الضرر الأكبر سيكون على المستثمرين السليمين في البلد.
من الممكن أن تكون شخصاً ذا مال نظيف، وتريد أن تبدأ بمشروع معين، فيأتي مستثمر ما لا تعرفه، ولا تعرف أنه يعمل في غسيل أمواله، وأن لديه تجارة أخرى ليست نظيفة.
وتبدأ معه في العمل بالمشروع، وبعد ذلك، تجد فجأة أن كل المال الخاص بهذا المستثمر، اختفى وهو اختفى أيضاً، فهذا يدمر المشروع، وبالتالي يدمر الاقتصاد.
البنوك وتأثرها بغسيل الأموال
يعرض غسيل الأموال البنوك، للمسائلة القانونية، سواء كانت تعلم أن الأموال لهؤلاء الأشخاص مشبوهة، أم لا، فهذا سيعود بالسوء على البنك في النهاية.
وهناك بنوك أقفلت في التسعينيات في بعض الدول، بسبب غسيل الأموال، ومعظم حالات غسيل الأموال، تكون عن طريق موظف في البنك، يوالي المجرمين.
ومع ذلك، البنك هو المسؤول عن موظفيه، وما يحدث في داخله، في عام 2012 بنك hsbc دفع 2 مليار تقريباً غرامة، نتيجة اكتشاف عمليات غسيل أموال لديهم.
في النهاية، إجمالي غسيل الأموال في كل عام، قد يصل إلى 2 ترليون دولار، 5% تقريباً من الناتج المحلي الاجمالي العالمي.
في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن يعتبر غسيل الأموال جريمة، يعاقب عليه القانون، حتى عام 1986ِ، وقبله كانت تقع تحت مسمى، جريمة التهرب الضريبي.
إن فكرة غسيل الأموال، هي فكرة قديمة منذ الأزل، ولكن بدأت تظهر بشكل واضح، مع عصابات المافيا في العشرينات، مثل آل كابوني.
آل كابوني في أمريكا، اشترى مجموعة مغاسل عامة، كنشاط تجاري يعمل، ويأتي بالأرباح اليومية بشكل نظيف.
وكان كل يوم، يضيف على إيراد المغاسل، جزء من أمواله المشبوهة، لكي يدخلها ويغسلها في هذا النشاط، ويستخدم المغاسل نشاط يخفي به، الأعمال الإجرامية.