في فنزويلا دجاجة ثمنها 14 مليون، في دولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، كانت بالأمس أغنى دولة في أمريكا اللاتينية.
واليوم تحصد المجاعة أرواح أبناءها، عُملتها كانت تنافس الدولار، وأضحت ورقتها الواحدة أرخص ثمناً من ورق التواليت.
بلد كان من أكثر الديمقراطيات استقراراً، ويغرقُ اليوم في دوامة من العنف، في ظل حرب رجل واحد، مؤامرة أم سوء إدارة؟
فنزويلا كيف تحولت من الغنى إلى الفقر؟
كانت فنزويلا منذ عقد الثمانينات وما قبلها، أغنى دولة في أمريكا الجنوبية، ديمقراطيتها كانت من الأكثر استقراراً، وشعبها لا ينقصه شيء، ماء وكهرباء، وصحة وعمل.
لكن البلاد بأسرها، منذ الثمانينات وحتى اليوم، تحولت إلى ما يشبه الخراب، معدلات الجريمة هي الأعلى في العالم، أسعار تتضاعف كل 26 يوماً.
تضخم يتوقع صندوق النقد الدولي، أن يتجاوز 10 ملايين في المئة، بمعنى أن القلم الذي كان ثمنه 1 بوليفار عام 2013، سيكون ثمنه بأكثر من 10 مليون بوليفار عام 2019، هكذا كانت المصيبة.
من أين وكيف بدأت المشكلة؟
بدأت الحكاية في أوائل الثمانينات، عندما انتفضت أسعار النفط، من 120 دولار إلى 24 دولار للبرميل، كانت كارثة بكل المقاييس.
لأن فنزويلا بلد يعتمد ب 77% من صادراته على النفط، وكانت النتيجة أن انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 46%
اقتصاد منهار ونصف سكان فنزويلا، تحت خط الفقر، أوضاع ستحمل الشعب لانتخاب رئيس جديد، حمل لهم وعوداً بالإصلاح والقضاء على الفقر.
هوغو تشافيز
رجل اشتراكي من خلفية عسكرية، نفذ محاولة اغتيال فاشلة، على الرئيس كارلوس أندريه عام 1992 أودت به إلى السجن، ثم الحرية، ومن ثم إلى الرئاسة.
نفذ تشافيز سلسلة خطط وبرامج اجتماعية، للنهوض بالفقراء، فوزّع عليهم الأراضي وأمن لهم المنح الجامعية، ووجبات الغذاء المجانية، ووفر الرعاية الصحية للجميع.
لكن سياساته لم تذهب لإحداث اصلاحات هيكلية في الاقتصاد المعتمد على النفط، بل على العكس، فبعد أن كان النفط يمثل 77% من صادرات فنزويلا.
بات يمثل 96% من صادراتها، لماذا اختار تشافيز النفط ولم يقم بإصلاح الاقتصاد، لأن الرجل ببساطة حكم طيلة فترة الطفرة النفطية، ما بين عامي 2000 و 2014
وفيها ازدهرت أسعار النفط بشكل كبير، ولأنه كان منشغلاً بتحقيق سيطرة الدولة على الاقتصاد، أكثر من بناء اقتصاد قوي ومتنوع الموارد.
فما حدث بالضبط هو التالي، الأموال التي جنتها الدولة كانت تنفق فوراً، وكلما احتاجت للنقود إضافية، تذهب للاستدانة من الخارج.
لا مدخرات ولا صندوق ثروة سيادي، ودين عام تضاعف 6 مرات ما بين عامي 2004 و2013
تشافيز لم يدخر قرشه الأبيض ليوم فنزويلا الأسود، وما أن يرحل عن السلطة والحياة عام 2013، سيتغير عالم النفط الذي نعرفه، وتتغير فنزويلا معه.
عهد الانهيار نيكولاس مادورو
نيكولاس مادورو هو تلميذ تشافيز ونائبه، لكنه بلا كاريزما تشافيز، أو شعبيته، هذا الوجه هو من سيحمل فنزويلا إلى أخطر انهيار اقتصادي في تاريخها.
في عام 2014 انتهت الطفرة النفطية، وأخذت أسعار النفط بالتراجع، تراجع النفط كان يعني شيئاً واحداً، فنزويلا في خطر.
لم تعد الحكومة قادرة على توفير السلع الغذائية الأساسية للسكان، من الحليب مروراً بالأرز، وحتى معجون الأسنان.
لا أموال لدى الحكومة، لنستدين إذاً لكن من سيثق بك عندما تكون مديناً بالفعل بقرابة 150 مليار دولار؟ وأنت غير قادر على سدادها.
العقوبات الأمريكية
ومع عقوبات أمريكية فُرضت على فنزويلا، ستكون جميع الطرق مغلقة، ما عدا النفط، النفط الذي تراجع إنتاجه في عهد مادورو، من 2.8 من 10 مليون برميل إلى 1 مليون برميل، نفط أقل يعني أموالاً أقل، ولا أحد يعطيك بالدين، فما العمل؟
بدلاً من تطبيق إصلاحات اقتصادية حقيقية، قام مادورو بطباعة العملة بشكل كثيف، لضخ السيولة في الاقتصاد، لكن بلا غطاء نقدي حقيقي.
ما تسبب بإضعاف القيمة الشرائية لعملة البوليفار، إذا أردت شراء كيلو غرام من الجبنة، فعليك دفع 7.5 من عشر مليون بعملة البوليفار، وأصبحت أوراق العملة الفنزويلية مواد أولية لصناعة الحقائب التذكارية
مؤامرة أم سوء إدارة؟
يتهم رئيس فنزويلا الولايات المتحدة الأمريكية وكولومبيا، بتنفيذ مؤامرة لتدمير بلاده، ويقول أن سبب الأزمة بالأساس هو العقوبات الأمريكية.
ونظرية المؤامرة كانت في القلب من الخطاب الرسمي، طيلة 20 عاماً، ويمكن حصرها اليوم بمقولتين اثنتين.
نقص السلع الأساسية سببه التجار والشركات الفنزويلية، لخلق فوضى اقتصادية، الولايات المتحدة وكولومبيا، تخططان لغزو فنزويلا وتقسيم مواردها الطبيعية.
في الحقيقة الولايات المتحدة لن تفرح بشيء أكثر من انتزاع مادورو عن السلطة، ووضع فنزويلا الغني بالموارد ضمن السرب الأمريكي.
لكنها تفعل ذلك بطريقة تعتبرها فورن بوليسي خاطئة، فالعقوبات لا تسقط الأنظمة بقدر ما تجوّع الشعوب.
وإن كان تعويل الأمريكي على استثارة الشعب للثورة، فهذا بالضبط ما يعزز نظرية مادورو التآمرية.
سياسة ترامب العقابية سببت بتفاقم حجم الكارثة الاقتصادية في فنزويلا بالفعل، ليس لأن أمريكا تعد رابع أكبر مستورد للنفط الخام منها فحسب، بل لأن العقوبات تمنع فنزويلا من الوصول إلى الأسواق الدولية.
فلا يمكنها الاستيراد بحرية، ولا امكانية الحصول على ديون جديدة، ولا قدرة على الإيفاء بالديون القديمة.
لكن جذور المشكلة واستمراريتها لا تكمن فقط بما يكيده أعداء الخارج لفنزويلا، بل بدرجة أكبر لسوء إدارة الموارد من قبل الحكومة، التي فشلت في تحقيق أي إصلاحات على مدار عقدين من الزمن.
لقد وقعت فنزويلا ضحية للعنة النفط، الذي يسحر صاحبه بأنني سأبقى معك، ولك على الدوام، المنتج الثمين وأهم مصدر طاقة في العالم، لا يجب أن يكون مصدر دخلك الوحيد.
لقد وقعت فنزويلا ضحية لشيء من المؤامرة، لكن بدرجة أكبر لسوء إدارتها، وتعنت حكومتها، عندما أضاعت الفرص الكثيرة التي وفرتها فترة الطفرة النفطية، لإنشاء قطاعات اقتصادية قوية ومستدامة.
فنزويلا اليوم
شعب جائع، وتضخم من الأعلى في التاريخ، وحكومة غير قادرة على ضبط الشارع، وشارع ينتفض متجاهلاً عنف الحكومة.
جيش يسيطر على موارد البلاد، قوى سياسية منقسمة، انقسام بلغ ذروته بإعلان رئيس البرلمان خوان غوايدو نفسه رئيساً.
واعتراف أمريكي أوروبي به، وتمسك روسي صيني ب نيكولاس مادورو، انقسام انتقل إلى الشارع الغضب، فانطلقت التظاهرات المعارضة والمؤيدة.
ولكن في بلد مثل فنزويلا، تكمن صافرة النهاية بيد قوة داخلية واحدة، وهي الجيش، الكيان الوحيد القادر على إزاحة أحد الطرفين، وتثبيت الآخر.
الجيش الذي يدين بالولاء لمادورو تحاول واشنطن جذبه لصفها، لكن صافر نهاية أخرى قد تصم كل الآذان في أي لحظة، إذا ما قرر ترامب غزو فانزويلا عسكرياً،
الصحفي للرئيس ترامب: هل تأخذ بعين الاعتبار شن عمل عسكري ضد فنزويلا؟
الرئيس ترامب: أنا لا أضع أي اعتبارات الآن، فكل الخيارات مطروحة على الطاولة.
وبينما ينقسم السياسيون وتتصارع القوى العظمى، للحفاظ على مكتسباتها، تمتلئ شوارع فنزويلا بالجوعى، والغاضبين، فالشعب هو أكبر الخاسرين، من كل ما يجري.
المصدر: يوتيوب