منذ النكبة عام 1948 مدينة يافا تعاني، هذه المدينة الفلسطينية ذات التاريخ العريق.
فكيف أثرت النكبة على هذه المدينة وما نتائجها؟ وكيف ما زالت تعيش حاضرها ومستقبلها؟
مدينة يافا عروس فلسطين
هنالك الكثير ما يقال عن مدينة يافا وعن تاريخها، وبعد نكبة 1948 ما زال هناك أقلية عربية فلسطينية لم تهجّر.
ما زالت تعيش وتتفاعل مع ماضي وحاضر ومستقبل هذه المدينة العريقة.
كانت مدينة يافا أكبر مدينة في فلسطين من الناحية الديموغرافية خلال سنوات الانتداب البريطاني، حيث تجاوز عدد سكانها 80,000 فلسطيني.
إضافة إلى 40,000 فلسطيني كانوا يسكنون في القرى والبلدات التابعة لها.
وفي الفترة الواقعة بين قرار التقسيم عام 1947 وإعلان تأسيس دولة إسرائيل، قامت العصابات الصهيونية بتهجير 95% من سكان يافا.
قبل النكبة
كانت يافا قلب فلسطين النابض في زراعة الحمضيات وخاصة والبرتقال، مما جعل للمدينة مكانة مرموقة في السوق العالمي الاقتصادي.
وفي ثلاثينات القرن الماضي كانت تصدر عشرات الملايين من صناديق الحمضيات سنوياً، فتوفر آلاف فرص العمل والاستثمار الجديدة.
وشهدت المدينة نمواً في مجالات اقتصادية أخرى كافتتاح العديد من شركات الاستيراد والتصدير، والمصارف، شركات النقل البري والبحري، وغيرها.
وتطورت المدينة في مجال الصناعة المحلية مع افتتاح مصانع سكب الحديد والزجاج والثلج والسجائر، والعديد من الصناعات الأخرى.
خلال الانتداب البريطاني
كانت مدينة يافا عاصمة فلسطين الثقافية ومركزاً سياحياً بارزاً، حيث احتوت على أهم الصحف الفلسطينية والكثير من الفنادق والشركات السياحية.
إلى جانب احتوائها على أهم وأجمل دور السينما والمسارح في فلسطين. وانتشرت فيها عشرات النوادي الرياضية والثقافية.
خلال الحرب العالمية الثانية نقل البريطانيون محطة إذاعة الشرق الأدنى إلى يافا، فكانت أحد المراكز الهامة للحياة الثقافية بين 1941-1948.
مدينة يافا خلال النكبة 1948
منذ عام 1948 وبين ليلة وضحاها أصبحت المدينة تعاني التمييز والجريمة والتدمير وحتى يومنا هذا.
حيث بدأت عملية التطهير العرقي في فلسطين، فقام سكان مدينة يافا بتشكيل لجان مقاومة محلية لحماية مدينتهم وحوصرت حصاراً وحشياً.
لكنها سقطت في أيدي العصابات الصهيونية بعد شهرين من الحصار، وفي نفس الليلة أعلن قادة الحركة الصهيونية قيام دولة إسرائيل.
الاحتلال الإسرائيلي
احتلت المدينة عسكرياً واستطاع 4000 فلسطيني فقط من أصل 120,000 من سكانها من البقاء في مدينتهم.
وقام الصهاينة بتجميع ما تبقى من سكان المدينة وقراها في حي العجمي وعزله تحت حكم عسكري استمر حتى عام 1966.
خلال هذه الفترة، أحيط حي العجمي بالأسلاك الشائكة وبجنود صهاينة مع كلاب حراسة. وقد أطلق الصهاينة على الحي مصطلح جيتو.
وحرم السكان من معظم الحقوق الأساسية كالعمل والتعليم العالي، وكان الدخول والخروج من الحي يتم بموجب تصريح من الحاكم العسكري.
قرار الضم والتهويد
في بداية الخمسينيات ضمت بلدية تل أبيب مدينة يافا إدارياً تحت سلطتها، وأصبحت بلدية واحدة تسمى بلدية تل أبيب-يافا.
فقد سكان يافا الأكثرية في وطنهم، وأصبحوا أقلية هامشية تعيش تحت حكم احتلال استعماري ينكر ابسط حقوقهم كبشر ويعاملهم كأعداء.
وبدأ تنفيذ خطة تهويد المدينة، فغيروا أسماء الشوارع العربية إلى أسماء عبرية لقيادات الحركة الصهيونية، أو إلى أسماء غربية.
وعملت البلدية على تغيير الطراز المعماري للمدينة فهدمت أغلب المباني القديمة، وهدمت أحياء وقرى قد هجّروا سكانها خلال نكبة 1948.
وفي 1950 أقرّت حكومة إسرائيل قانون أملاك الغائبين، فسيطرت على أملاك الشعب الفلسطيني الذي طردته، ووضعت هذه الأملاك تحت تصرفها.
وسيطروا على أملاك سكان يافا الذين وضعوهم تحت الحكم العسكري بحي العجمي أيضاً، فعندما أحصوا أملاكهم لم يكونوا متواجدين فيها.
ومن تبقى من سكان المدينة أصبح أغلبهم عمالاً مأجورين لدى أصحاب محلات يهود، وهكذا تبدّل حال أهالي يافا العرب.
العيش المشترك
قامت اسرائيل بعد إنشائها بجلب آلاف المهاجرين اليهود من شتى مناطق العالم. ووزعت أملاك المهجّرين الفلسطينيين على المهاجرين اليهود الجدد.
وعندما لم تعد تتسع المباني لأعداد المهاجرين المتزايدة، أخذت الشركات الحكومية الإسرائيلية تقسم كل بيت عربي بيافا لعدة شقق سكنية.
وأجبرت الدولة سكان حي العجمي العرب، على العيش المشترك في نفس البيت مع عائلات يهودية من بلغاريا والمغرب ودول أخرى.
وهذا كان أصعب مأساة للعائلات الفلسطينية التي بقيت في يافا، حيث أجبرت على العيش المشترك مع العدو في نفس البيت.
وكان العديد من هذه العائلات اليهودية تحوي مجندين في الجيش الإسرائيلي، وأعضاء في المنظمات الصهيونية المسؤولين عن الجرائم بحق الفلسطينيين.
النهوض من العجز
خلال عامي 1951-1979 ولد جيل في واقع يختلف عمّا ولد فيه آباؤهم، وبدأ هذا الجيل بإعادة بناء نفسه من جديد.
وذلك بالانخراط في سوق العمل بوظائف أفضل، والعمل في مجالات لم يرغب بها اليهود كالبناء وإدارة المطاعم وكراجات السيارات.
وانخرط العديد من الشباب في مجال العمل السياسي كالحزب الشيوعي، وحركة الأرض الناصرية، وغيرها لتحدي الظلم ومقاومة سياسة مصادرة الأراضي.
ونتيجةً لتصاعد المعارضة الداخلية لقوانين التمييز في دولة إسرائيل اضطرت إلى إلغاء النظام العسكري المعمول به منذ النكبة في العام 1966.
شهدت السبعينيات ظهوراً نسبياً لحركات سياسية واجتماعية أدت لتشكيل مؤسسة رعاية شؤون العرب في مدينة يافا عام 1979.
من بين أهداف هذه المؤسسة الحفاظ على التراث العربي للمدينة، ومكافحة التمييز العنصري المستمر ضد عرب يافا، والنضال من أجل القضايا الهامة وعلى رأسها قضية السكن والتربية والتعليم.
وخلال السبعينيات، أصبح مشروع يهودية الدولة الإسرائيلية داخل حدود أراضي عام 1948، مشروعاً يمثل السياسة الرسمية للدولة بشكل علني.
فواجه سكان المدينة ضغوطات متزايدة لترك منازلهم بسبب السياسات العنصرية الإسرائيلية، كحرمانهم من إصلاح منازلهم، وخصوصاً المنازل المسجلة كأملاك غائبين.
وقد أهملت بلدية تل أبيب-يافا الأحياء القديمة مما تسبب في انهيار بعض المنازل، وقامت البلدية بهدم عدد آخر من المنازل.
وكنتيجة لهذا غادرت عدة عائلات يهودية حي العجمي إلى الإحياء المحيطة بمدينة يافا، وإلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
العودة
مع بداية الثمانينيات، ازدادت نسبة السكان الفلسطينيين في يافا، كنتيجة للزيادة الطبيعية للسكان وهجرة آلاف العرب من الجليل والمثلث إليها.
فاختلف وبشكل كبير واقع المدينة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، كما ظهر جيل جديد هو الثاني بعد النكبة.
وكان حظّه من التعليم الأكاديمي أفضل بكثير من الجيل السابق فاستفاد اقتصادياً، وبدأ ببناء ذاته وإدارة مصالح اقتصادية مختلفة.
وبدأت مدينة يافا تشهد تقدماً ملحوظاً مع استعادة أبناء المدينة العديد من المحلات التجارية، وترميم المساجد والكنائس والمباني العامة.
بالإضافة إلى ارتفاع نسبة خريجي الجامعات والمعاهد العليا، ومساهمتهم في إعادة بناء مجتمعهم مع الحفاظ على هويتهم الوطنية وانتمائهم للمدينة.
بالطبع ظلت محاولات تهويد المدينة، إلا أن السكان أصبحوا عاملاً فاعلاً، وشهدت التسعينيات نهضة سياسية وثقافية بين السكان العرب الفلسطينيين.
وانجذب معظم الجيل المثقف إلى عالم السياسة. وقد توّج هذا التحول مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000.
حق البقاء
الحق في البقاء أهم موضوع يواجهه الفلسطينيون في مدينة يافا اليوم، يتمثل في المسكن وسياسة الطرد الإسرائيلية.
كل فلسطيني في المدينة لديه جيران أو أقرباء يواجهون مشكلة الطرد والترحيل من قبل البلدية التي تمثل بالطبع السياسة العامة لدولة إسرائيل.
حيث تختلق الدولة مبررين رئيسيين للهدم والإخلاء يتمثلان في عدم الحصول على التراخيص اللازمة للبناء ومخالفة القانون.
أو اقتحام أملاك الدولة التي صادرتها من الفلسطينيين بعد نكبة 1948. ويتعدى الأمر قضية السكن والبقاء ومصادرة الأراضي.
إلى قيام دولة إسرائيل بعشرات مناقصات البيع وبناء مراكز يهودية كمركز بيرس للسلام ومركز لليهود المتعصبين في حي العجمي.
الفلسطينيون الذين لم يخرجوا من فلسطين، أجبروا على قبول جنسية الدولة التي احتلت أرضهم ويشكلون 20% من سكان دولة إسرائيل.
لكنهم يملكون فقط 3.5% من الأرض، بعد أن قامت إسرائيل بمصادرة معظم أراضيهم وأملاكهم.
أثبت الفلسطينيون في الداخل قدرتهم على التحدي وتمسكهم بانتمائهم والتزامهم العميق بنضال الشعب الفلسطيني كوحدة واحدة لا تتجزأ رغم الصعاب.
المصدر
فريق ماكتيوبس
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com