لا أظن أي فصيلة قديمة ألهمت البشر كما الديناصورات ، على الرغم من كثر الفصائل والمخلوقات المنقرضة عبر تاريخ الكوكب، لم يهتم الناس لهم كما اهتموا بالديناصورات.
لا ترى أحدهم صنع أفلاماً عن قواقع ما قبل التاريخ، بينما أفلام ومتاحف الديناصورات تملأ العالم. ومن شبه المستحيل أن تدخل محل ألعاب أو ملابس أطفال لا يكون فيه صورة هنا أو هنا لهم.
وسبب شعبية الديناصورات وأحد أول الأفكار التي تعلمها البشر اليوم هي الانقراض. أغلب الأطفال قبل وصولهم للمدرسة يكونون واعين أن هناك كائنات عملاقة اسمها الديناصورات وهي مخيفة.
وإن كان الطفل سريع التعلم، يكون واعياً في العادة أنها مخلوقات لم تعد موجودة، لكن لكثرة بروزهم في ثقافتنا المعاصرة، الديناصورات وآثارهم لم يتم اكتشافهم إلا قريباً نسبياً.
معلومات عن الديناصورات
المستحاثات أو بقايا الكائنات الحية المتحجرة يعرفها البشر من قديم الأزمان وأبداً لم يعتبروا شيئاً جديداً.
فكلما حفرت بئراً أو حرثت أرضاً أو نقبت عن المعادن، تجد مستحاثات لأنهم موجودن في كل مكان على سطح الكوكب.
موجود أصلاً العديد من القبور القديمة حول العالم، مزينة بأحافير وبقايا حيوانات متحجرة فنعم، البشر منذ زمن وهم يعلمون عن الأحافير.
ابن سينا والأحافير
أغلب الحضارات في الشرق والغرب تتكلم عنهم وحاولت أن تجد تفسيراً لسبب وجودهم، فمثلاً في العالم الإسلامي، ابن سينا في كتابه المشهور كتاب الشفاء كان لديه تفسير يقول:
( وإن كان ما يحكى من تحجر نبات وحيوانات صحيحاً فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجرة تحدث في بعض البقاع البحرية أو تنفصل دفعة من الأرض في الزلازل والخسوف فتحجر ما تلقاه. )
باختصار إذا كان فهمي صحيح لكلامه ابن سينا كان يظن أن هناك قوة طبيعية اسمها القوة المعدنية المحجرة هي المسؤولة عن تحول العظام وبقايا الحيوانات إلى مستحاثات وقطع حجرية.
زبدة الكلام أن البشر يعرفون الأحافير من زمن بعيد، وغالباً أن معظم الشعوب وجدت عظاماً لديناصورات بين الأحافير التي وجدتها في وقت من الأوقات.
فلا نستطيع تحديد بالضبط من الذي اكتشف الديناصورات للمرة الأولى.
ما نستطيع تحديده هو أول من درسهم ووصفهم وجمع كل هذه المخلوقات تحت مسمى واحد الديناصورات.
العظمة الكبيرة
أول مرة ظهر وصف واضح ومفصل لشيء له علاقة بالديناصورات في تاريخ البشر كانت رسمة فخذ عملاقة في عام 1677. وقد وجدت في إنجلترا.
وقعت هذه العظمة في يد عالم اسمه روبرت بلوت Robert Plot رسمها أو جعل أحدهم أن يرسمها له ودون أوصافها ونظرياته حولها، وذلك في القرن السابع عشر الميلادي.
في ذلك الوقت لم يكن أحد يملك أي فكرة من أي مخلوق جاءت العظمة، لم يكن أحد يعرف الديناصورات فكلمة ديناصورات لم تكن موجودة أصلاً.
روبرت لاحظ أن العظمة كبيرة جداً ولا يمكن أن تكون جاءت من أي مخلوق معروف فقال أن العظمة جاءت من رجل عملاق كان يعيش في الماضي.
والناس تلك الأيام لم يكن لديهم مشكلة في أن يتقبلوا أن البشر كانوا عمالقة قديماً، الآن العظمة نعلم أنها تأتي من ديناصور الميجالصور.
الرسمة هي أول وصف واضح لشيء له علاقة بالديناصورات. لكن العظمة الأصلية ليست موجودة الآن، إما ضاعت أو سرقت أو موجودة في مستودع ما، لاأحد يدري عنها شيئاً وكل ما لدينا هو هذه الرسمة.
من بعد روبرت بلوت ظهر بضعة أوصاف هنا وهناك لعظام وأسنان في مقالات وأوراق علمية مختلفة لكن لم يعرف أحد من أين أتت هذه العظام، هل هي لعمالقة أو فيلة أو تماسيح.
جيديون مانتل
إلى أن ظهر العالمان جيديون مانتل وويليام بكلاند إلى الساحة، مانتل كان رجلاً يعيش جوه الخاص مركزاً على أبحاثه ومجتهداً في دراسة آثار الحيوانات القديمة.
ذات يوم وقع في يده ضرس عملاق لكائن لا أحد يعرفه، البعض يقول أن زوجته هي من وجدته، والبعض يقولون أن مانتل وجده في أحد مناطق التنقيب.
ما يهم في الأمر أن مانتل استوعب أن هذا الحجر فعلاً ضرس، وليس ضرساً عادياً بل هو لحيوان غير معروف عملاق جداً نباتي وشبيه بالسحالي.
مانتل كان مصيباً في كل استنتاجاته، لكن لم يكن لديه دليل على أي منها، كل ما لديه هو ضرس، وعوضاً عن الإعلان عن اكتشافه الذي سيبهر العالم، ذهب إلى صديقه العالم بكلاند.
قام العالم بكلاند بتهدئته وطلب منه أن يجمع أدلة وآثاراً إضافية عن هذا الحيوان العجيب ومن ثم يعلن اكتشافه للناس.
نصيحة بكلاند كانت جيدة في حينها، وبقي لمدة ثلاث سنوات يبحث عن أدلة تدعم نظريته عن هذا الحيوان الغريب. أرسل الضرس لبعض زملائه المهتمين بالأحافير.
البعض قال له أن هذا ضرس فرس نهر، وآخر قال له أن هذا سن يشبه أسنان سحالي الإغوانا. مانتل أعجبته الملاحظة وقرر أن يسمي حيوانه الغامض إجواندون Iguanodon تيمناً بتلك السحالي.
ولا يزال هذا الإسم يطلق على الديناصور الذي جاء منه الضرس. مع أنه لا علاقة له بسحالي الإغوانا لا من قريب ولا من بعيد.
مانتل أصبح لديه عدداً كافياً من الأدلة ليعلن عن اكتشافه الكبير، وجهز بحثاً ليصف فيه هذا الاكتشاف وقبل أن ينشره، جاءته المفاجأة من صديقه وليام بكلاند.
الرجل الذي نصحه بأن لا يستعجل بالإعلان عن اكتشافه أعلن للناس أنه اكتشف عظام لسحلية غامضة وعملاقة.
ويليام بكلاند
اكتشف بكلاند عظمة فك لحيوان آخر عملاق والفك كان شبيهاً بفك التماسيح لكنه مختلف بقدر كافي وحجمه أكبر بكثير من أي تمساح.
بكلاند أسمى الحيوان ميجالوصور Megalosaurus أي السحلة العظيمة.
السؤال الآن من الذي اكتشف أول ديناصور؟
رسمياً أغلب الناس تعتبر بكلاند مكتشف الديناصورات لأنه أول من أعلن عن ديناصور، بالرغم من أن فعلياً هناك أناس سبقوه.
وهذه القصة تتكرر دائماً في التاريخ كثير من الناس اكتشفوا نظريات واختراعات وأضافوا للعلم قبل غيرهم لكنهم إما يسكتون أو لا يعلنون عن اكتشافاتهم أو لا يحصلون على التغطية الإعلامية الكافية.
وهكذا ينساهم التاريخ ويذهب الفضل لغيرهم.
الآن بكلاند يعتبر مكتشف الديناصورات لأنه فعلياً هو من أعلن عن أول ديناصور وإن لم يكن هو أول من اكتشفهم.
كيف نتصور شكل الديناصور
هذان الديناصوران أول اثنان تم اكتشافهم ودراستهم. الميجالوصور وإيجواندون.
لكن دراستهم لم تكن سهلة أبداً، المشكلة الأزلية في دراسة الديناصورات هي كيف تحدد أشكالهم.
الأشكال التي نراها حالياً احتاجت وقتاً طويلاً جداً ليصلوا إليها. نادراً ما يتم الحصول على هيكل عظمي مكتمل وسليم مدفون في الأرض.
بالعادة إما يجدون عظاماً مكسرة ومبعثرة، أو ينقص منها الكثير من القطع فلا يكون هناك تصور واضح لشكل الهيكل الأصلي. ولا يمكن الوثوق أبداً أن يكون رصفها صحيحاً مائة بالمائة.
على سبيل المثال الميجالوصور، في البداية كان التصور عنه مختلف جداً عن الشكل الحالي، بكلاند كان يتصور أنه حيوان يمشي على ارجله الأربع قريباً بشكله من كلب البولدوغ.
وتخيل أنه سحلية برمائية وطوله 12 متراً. بكلاند كان تائهاً وتصوره أبداً لم يكن يشبه الشكل الحقيقي.
الآن الشكل أصبح أقرب للشكل المعروف أنه يقف على رجليه وقصير الذراعين، وحتى الآن هناك جدل حول شكل رأسه.
مع الزمن أصبح لدينا فهم أكثر للديناصورات وتشريحهم فأصبح أسهل أن تتصور شكل الديناصور من عظام بسيطة. لأنه تم اكتشاف عدداً كبيراً من الأحافير الديناصورية، وبعضها في حالة ممتازة جداً.
فيمكن مقارنة الأحافير ببعض ويمكن مقارنتها بأشكال بحيوانات اليوم فيصبح لدينا صورة اشمل عما يمكن أن يكون شكل الديناصور.
خبراء الديناصور عادة يكونون خبراء في علم التشريح فبعضهم اليوم يستطيع تخمين الديناصور وملامحه العامة من شكل أسنانه فقط.
مانتل يكتشف الهيكل الثالث
لنعد للتاريخ، الآن أصبح لدينا ديناصورين، لكن حتى الآن لم يكن هناك تصنيف اسمه الديناصورات.
صحيح اكتشفنا سحليتين لم ندري عن وجودهما، لكن هما سحليتان فقط، فلن يتم اختراع تصنيف جديد في عالم الحيوان لأجل سحليتين.
في عام 1832 مانتل اكتشف سحلية عملاقة ثالثة، الهيليوصور، الآن أصبح الوضع غريباً فقد تم اكتشاف ثلاثة سحالي، وبهذا يكون هناك قسم كامل من الحيوانات لا نعرفه وهو السحالي العملاقة.
العالم ريتشارد أوين Richard Owen قرر أن يضيف تصنيفاً جديداً لمملكة الحيوان واسماه الديناصريات أو Dinosauria ومعناه السحالي الفظيعة أو المرعبة.
وأصبح رسمياً شيء اسمه الديناصورات، وفتح الباب لاستيعاب الناس ان الكثير من الأحافير التي لم يكونوا يعرفون لأي حيوانات تنتمي هي من فصيلة عملاقة منقرضة تشبه الزواحف.
الكثير من الديناصورات بدأت تكتشف في تلك الفترة ، لكن لا شيء دفع بالتطور في مجال أحافير الديناصورات مثل العالمين إدوارد كوب Edward Cope و أوثنيال مارش Othniel Marsh.
حرب العظام
مارس وكوب كانا عالمي أحافير صديقين، وكانا من الأثرياء المترفين، وكانا يعملان معاً في التنقيب والبحث عن الأحافير والآثار وخصوصاً الديناصورات.
في البداية كانا معاً لدرجة أنهما كانا يسميان الأحافير التي يكتشفونها بأسماء بعضهما كنوع من التقدير ولكن بعد مدة دب بينهما خلاف ولم يعودا صديقين، بل أصبحا أعداء.
الكراهية بين الرجلين تحولت إلى منافسة في البحث عن الأحافير وكل منهما كان يحاول اكتشاف حيوانات وديناصورات منقرضة أكثر من الآخر.
المنافسة بينهما كانت تصل إلى مستويات طفولية لدرجة أن لو أحدهما يعمل في موقع حفر كان الآخر يرميه مع رجاله بالحجارة والقمامة.
وكان الإثنان ينشران مقالاتهما في الصحف والمجلات العلمية، يشتمان بعضهما البعض ويقللان من إنجازات بعض.
وأصبح هناك رشاوى للحصول على المستحاثات وسرقة ممتلكات وحتى تكسير للأحافير حتى لا يصل الطرف الآخر لهم. كانا يحاولان التخريب على بعض بأي طريقة.
وبالرغم من كل ذلك، فقد خرجا بنتائج مبهرة، فقد اكتشف الاثنان حول 140 ديناصور جديد بنفسيهما.
أغلب الديناصورات التي نعرفها اليوم جاءت من عندهما، ستيجاصور Stegosaurus، برنتوسور Brontosaurus، تريسيراتوبس Triceratops، ديبلودوكس Diplodocus، وغيرها.
كل ذلك تم اكتشافه من قبلهما باستثناء تيرانوصر Tyrannosaurus أو T rex الذي اكتشفه بارنام براون Barnum Brown.
وعدا عن الديناصورات، اكتشفا عدد مهول من الأحافير لحيوانات أخرى منقرضة، ومن كثرة اندفاعهما فلا ينتبهان أحياناً أنهما اكتشفا أحافير لكائنات معروفة أصلاً.
مثل حيوان يونتاثريوم أنسبس Uintatherium Anceps فقد اكتشفوه أكثر من عشرين مرة.
العلماء من بعدهما تعبوا وهم يصححون الأخطاء التصنيفية التي خلفاها بعد موتهما. ونادراً ما عداوة تدفع عجلة التنمية في مجال علمي مثل عداوة هذان الإثنان.
بسبب عداوتهما أصبح الاهتمام العام بالديناصورات أكبر وأكثر انتشاراًن والديناصورات التي اكتشفوها أصبحت تعرض في المتاحف والكتب والمجالات وعرفت الكثير من الناس على مجال دراسة الأحافير.
عدد اكتشافات كوب ومارش
إذا كان لديك فضول لتعرف من منهما انتصر في النهاية فيجب أن تعرف أن كوب اكتشف 56 فصيلة من الديناصورات، ومارس اكتشف 80 فصيلة.
لكن إذا حسبنا كل الأحافير التي اكتشفاها، من ديناصورات وغيرها فالنتيجة أن كوب اكتشف حوالي 1300 فصيلة ووصفها في أوراق علمية، ومارش اكتشف حوالي 500.
ولا تعتبر هذه الأرقام دقيقة كما قلنا لأنهما أعادا اكتشاف عدة أصناف مكتشفة مسبقاً. وألان أصبح لديك فكرة بسيطة عن بداية قصة اكتشاف الديناصورات.
القصة طبعاً لم تنته مع كوب ومارش، إلى الآن هناك أنواع جديدة يتم اكتشافها ورويداً رويداً البشرية تحصل على آثار لهذه المخلوقات التي كانت تحكم الأرض.
اليوم الاكتشافات الجديدة في عالم الديناصورات تأتي من المناطق التي لم يبحث فيها بشكل جيد مثل أمريكا الجنوبية والصين والهند والعالم العربي. ويمكن في يوم ما نسمع عن ديناصورات عربية.
لكن فعلاً هناك بعض الأحافير عن الديناصورات اكتشفت في العالم العربي وتستحق أن يتكلم عنها أحد ويعرف الناس عن تاريخ الحياة هنا، لكن هذا موضوع آخر.