سنتحدث اليوم عن تصديق أو اتباع كل ما يقوله الناجحون، وسنتحدث عن غلطة الانحياز إلى النجاح ، وعن كيفية اختيار ما يفيديك من تجارب ونصائح الناجحون التي تطلع عليها.
قصة اليزابيث هولمز والنجاح
منذ عدة سنوات كان هناك مقولة غريبة، لرائدة أعمال اسمها اليزابيث هولمز، وكانت هولمز قد أسست شركة اسمها ثيرانس.
تقول أنها تطور تقنية من خلال قطرة دم واحدة، تصنع عدد كبير من التحاليل، وتكشف عن عدد كبير من الأمراض، بسرعة وبتكلفة بسيطة جداً، مقارنة بالمتاح في معامل التحليل حالياً.
هذه الشركة استطاعت أن تجذب استثمارات ضخمة، ووصلت ثروتها إلى قرابة 10 مليار دولار، البعض وصف هولمز بأنها خليفة ستيف جوبز.
وهي في الحقيقة لم تكذب هذا الموضوع، وبدأت ترتدي مثله، وتظهر في المؤتمرات، لكي تعطي الشباب ورواد الأعمال خلاصة خبرتها في النجاح الباهر، الذي حققته.
فكانت المقولة الغريبة التي سمعتها عن النجاح (في اللحظة التي تضع فيها خطة احتياطية، تكون قد حكمت على خطتك الأساسية بالفشل)
الرأي في قصة النجاح لهولمز
وهذا بدا لي حينها أنه كلام فارغ، لا يقل سذاجة عن الذي يقول لك اقفز من قمة الجبل، وتعلم الطيران أثناء الهبوط، وهو بعيد عن فكرة النجاح.
فهذا ضد المنطق وضد كل الذي تتعلمه في علوم إدارة المخاطر والمخاطر المحسوبة، لكن المشكلة أن رغم أنه كلاماً فارغاً.
إلا أنه يلقى لدى البعض القبول، استناداً على النجاح المادي، لصاحب المقولة، وكأن أي شخص حقق النجاح المادي، سواء كان تأسيس شركة أو تحقيق ثراء أو شهرة.
أصبح لديه فيض لا ينضب من الحكمة والنجاح، لدرجة أن البعض يستمع إلى نصائح عن الحياة والنجاح، من المطربين الممثلين، حياتهم الشخصية ضائعة.
لكن من الواضح أن البعض يعتبر شهرة هؤلاء، سند كافي للثقة في كلامهم عن النجاح.
انهيار القصة النجاح لشركة ثيرانس
إن الدليل على صحة حديثنا، أن شركة يرانس قد انهارت وأفلست تماماً، واليزابيث هولمز تحاكم حالياً بتهمة النصب، والتحايل على المستثمرين بقصة النجاح الزائفة.
ومن الواضح أنها لم تكن قد حضرت خطة احتياطية، عندما فشلت خطتها الأساسية، ولكن بغض النظر عن هولمز.
لا تربط النجاح بالحكمة
حتى الذين حققوا النجاح الحقيقي بدون نصب أو تضليل، ليس معناه أنهم حققوا النجاح المادي، أنهم أصبحوا منبع الحكمة، ولا أن تجربتهم قابلة للتكرار.
لأن أي تجربة فيها الكثير من المتغيرات حتى لو كانت النجاح، الظروف والبيئة والتوقيت والقدرات الشخصية.
فليس بالضرورة إذا كررت الأفعال والأساليب، أن تحصل على نفس النتيجة في النجاح، لأنه يستحيل تقريباً تكرار باقي المتغيرات.
ولو كان من الممكن ذلك، قد أصبح لدينا آلاف بيل جيتس وستيف جوبز وإلين ماسك.
المغالطات في قصص النجاح
هناك مغالطة يقع فيها بعض الأفراد، بل وبعض مراكز الأبحاث أيضاً، وهي:
انحياز النجاة أو البقاء
والبعض يستخدمون المصطلح باسم انحياز النجاح، المغالطة هي تقييم مدى فعالية أسلوب أو قانون معين، بالنظر إلى حالات النجاح فقط، وتجاهل حالات الفشل.
فتجاهل حالات الفشل عادة يكون بسبب أنها غير معروفة أو غير واضحة، أي عندما نقول مثلاً أن بيل جيتس وستيف جوبز قد تركوا دراستهم في الجامعة لتأسيس شركات حققت النجاح الكبير.
لو اكتفيت بالنظر إلى هذه الحالات، ترك الدراسة وتأسيس شركة، سيبدو قراراً رائعاً، لكنه قرار مبني على مغالطة الانحياز إلى النجاح.
لأنه في مقابل الحالات القليلة الناجحة هذه، هناك آلاف الحالات الأخرى لأشخاص، تركوا الجامعة وأسسوا شركات، لكنهم توصلوا إلى الفشل.
ولأنهم وصلوا إلى الفشل، فأنت لم تسمع عنهم، لأنه لا أحد يحب أن يتحدث عن قصص الفشل طبعاً.
وبعض الأشخاص الذين وصلوا إلى النجاح، عندما يؤدون النصيحة تكون نظرته محدودة في تجربته الشخصية فقط.
ويقدم النصيحة على هذا الأساس، وهذه مشكلة لأن النجاح الشخصي له كان محصلة أمور كثيرة، منها قدراته الشخصية والبيئة الظروف والفرص المتاحة.
وبالتالي إيهام الناس بأنهم يمكنهم الوصول إلى نفس النتيجة النهائية الكبرى لقصة النجاح، باتباع بعض النصائح العامة، ليس بالمنطق السليم.
النصيحة المفيدة لقراءة قصص النجاح
يمكن الاستفادة من تجاربهم ونصائحهم طبعاً، ولكن الأمر يتطلب بعض الحكمة والفطنة، في اختيار ما تتبعه.
هناك نصيحتين أتمنى أن يكونا حاضرين لذهنك، عندما تسمع إلى أحد هؤلاء وحديثه عن قصة النجاح.
تجنب فكرة تكرار تجربة أحد الناجحين بشكل كامل
نحن من الممكن أن نستفيد من النصيحة في نطاق محدد، أي من الممكن أن تستفيد من نصيحة معينة في تحديد الأهداف، أو من أسلوب معين للتركيز في العمل، وهكذا.
لكن تجنب فكرة أن تكرر التجربة كلها، لتصل إلى النجاح، لا ينفع أن تقول أن إيلن ماسك يدير أكثر من شركة إلى النجاح، وبالتالي أنا أيضاً أستطيع أن أدير أكثر من شركة إلى النجاح.
أنت لست إيلن ماسك، لست في نفس البيئة ولا نفس الظروف ولا القدرات، ولا أنت مستعد على تقبل نفس القدر من التضحيات.
إن النجاح الذي حققه إيلن ماسك، كان على حساب حياته الشخصية، وفشل زواجه أكثر من مرة، وعلى حساب صحته وحاجته إلى تعاطي بعض الأدوية تساعده في ظل نومه لعدد ساعات أقل من الطبيعي.
وهو نفسه اعترف بأن ضغط العمل تسبب له، في أن يتخذ بعض القرارات، ويقوم ببعض التصرفات، التي تسببت في خسائر ضخمة لشركاته.
التفكير اعتماداً على المبادئ الأساسية
لكن من الممكن أن تستفيد من أشياء محددة في تجربة النجاح لإيلن ماسك، مثل أسلوب تفكريه اعتمادً على المبادئ الأساسية لحل المشكلات.
والتي يستخدمها في تطوير مشاريعه، وحل المشكلات التي تواجهه، ممكن عن مواصفات المنتج الناجح.
لا بد من وجود مرجعية تثق بها للحكم على الأشياء
لا يكفي أن يكون الشخص الذي يتحدث، أن يكون لديه النجاح كدليل على صحة حديثه، لا بد من وجود مرجعية تقيس وتحكم بها على هذا الحديث.
بالنسبة لي المرجعية هذه هي الدين والعلم، أي مثلاً كتاب ثمان وأربعين قانون للقوة، يقدم لك قوانين ونصائح تساعدك على النجاح.
ولكن الكثير من هذه القوانين غير أخلاقية، فأمور الدين يعتبرها نفاق وكذب وتدليس، لذلك أنا لن أقبل هذه النصائح حتى لو كانت ستحقق شكل من أشكال النجاح المادي فعلاً.
كذلك تقيس الأشياء على المنطق والعلم، فلو الأسلوب أو النصيحة تخالف المنطق والعلم، فلا تلتفت إليها، بغض النظر عن قائلها.
ومن أكثر الأخطاء التي يقع بها البعض، هو اعتبار التجارب الفردية، دليل منطقي أو علمي، أي نحن عادة نقدم نصائح تناسب الغالبية العظمى من البشر.
فلا ينفع أن تعترض على النصيحة بحجة أن هناك صحية من فلتات الزمن، استطاع أن يصل إلى النجاح بشكل مختلف.
النصيحة تكون جيدة، عندما يطبقها عدد كبير من الناس، ويصلون إلى النجاح بنسبة كبيرة، ولكن اتباع نصيحة أو أسلوب تتغير جيد بنسبة 1في المليون، فهي لا تناسب الغالبية العظمى من البشر.
فلو قررت أن تتبع نصيحة وأسلوب نسبة النجاح فيه ضعيفة، وتتطلب ظروف وقدرات خاصة، فعلى الأقل كن واعياً في اختيارك، وتكون قدرتك على تحمل هذه المخاطرة.
لعل هذين النصيحتين تساعدك على كشف قصص النجاح والناجحين، بحيث تأخذ ما يفيدك، وتترك ما غير ذلك.