السلام عليكم أنا أشرف إبراهيم وهذا المخبر الاقتصادي.
وفقاً لل The Economist هناك قصة شاركها شاب من الإيغور سنة 2015 اسمه حسن كان في عمر 23 سنة وكتبها على تطبيق WeChat الصيني الذي يشبه الفيسبوك:
النبي سليمان قرب من ابنه مرة وقال له أنا تلقيت رسالة أو وحي من ربنا وأريدك أن تجوب الأرض وترى هل هناك أشخاص يعيشون بأرواح حية أي يعرفون ربنا وقريبون منه.
أو هناك اشخاص آخرين يعيشون بأرواح ميتة أي ملحدين أو بعيدين عن ربنا بسبب خطاياهم.
بعد فترة عاد الابن إلى سيدنا سليمان وقال له: أبي لقد ذهبت إلى أماكن كثيرة وفي كل مكان كنت أرى الذين يعيشون بأرواح ميتة أكثر من الذين يعيشون بأرواح حية.
أي الذين يعرفون ربنا وقريبون منه قلة في كل مكان.
رجل من الإيغور
حسن ولد في بلدة يركاند جنوب مقاطعة شينجيانج أو تركستان الشرقية، وكان متديناً ويصلي الصلوات الخمس ويتبع تعاليم الإسلام.
سافر مع زوجته وابنته الصغيرة إلى مدينة أورومتشي التي تعتبر عاصمة الإقليم كي يبيع الأحذية وأحجار اليشم الكريمة التي تستخدم في الزينة، وبالمرة يعرف أكثر عن الإسلام من رجال الدين هناك.
وبعد ذلك بأيام اتصلت الشرطة في يركاند به وطلبت منه أن يعود ليحصل على بطاقة هوية جديدة.
حسن أخذ عائلته وركب الباص ليعود إلى بيته وفي الطريق وقعت لهم حادثة فماتت زوجته وبنته وأصيب هو.
وبعد أسبوعين من الحادثة تم إرساله إلى معسكر إعادة التأهيل أو غسيل الأدمغة التي تقوم به الحكومة الصينية للمسلمين الإيغور واختفى من حينها.
حسن واحد من مئات الآلاف من الإيغور الذين اختفوا في معسكرات غسل الأدمغة والتعذيب النفسي والإجبار على ارتكاب ممارسات مخالفة للإسلام.
وبقية الإيغور الذين هم خارج المعسكرات يعيشون في قبضة أمنية صارمة، الحركة والهمسة محسوبة عليهم، تتبع للمركبات وجمع للحمض النووي من الناس.
والاستيلاء على جوازات السفر واستخدام التكنولوجيا المتقدمة جداً لمراقبة الروتين اليومي لكل واحد منهم.
فلماذا ترتكب الصين هذا الإجرام بحق مسلمي الإيغور؟ هل الموضوع له أي أبعاد اقتصادية؟
وقبل الإجابة عن هذين السؤالين لنتحدث بداية عمن هم الإيغور أصلاً.
من هم الإيغور وأين يسكنون
شينجيانج أو تركستان الشرقية هي أكبر مقاطعة في الصين مساحتها أكبر من مساحة مصر بمرة ونصف وبمساحة دولة مثل إيران.
تقع في الشمال الغربي للصين وتطل على ثمانية دول منها جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً بالإضافة إلى منغوليا وأفغانستان وباكستان والهند.
عدد سكان الإقليم حوالي 22 مليون نسمة، ويعيش فيه مجموعتين عرقيتين بشكل رئيسي.
المجموعة الأولى هم الإيغور المسلمين ويمثلون حوالي 45% من عدد السكان، والمجموعة الأخرى هي الهان وتقترب نسبتهم من 40% تقريباً.
الإيغور هم الذين يعانون من الاضطهاد والتضييق من الحكومة الصينية والحزب الشيوعي رغم أنهم موجودون في هذا الإقليم من عشرات السنين.
عكس الهان الذين يعتبرون مهاجرين وبدأوا بالتدفق إلى الإقليم خلال 70 سنة الأخيرة مدفوعون بالطبع من الحكومة الصينية التي تسعى لتغيير التركيبة الاجتماعية في الإقليم.
وبالتالي فالهان موالون للحكومة والحزب الشيوعي، والمناطق التي يعيشون فيها لا يوجد فيها أي تضييق بل على العكس فيها تنمية اقتصادية كبيرة.
أهمية إقليم شينجيانغ
منطقة شينجيانغ لها تاريخ متقطع من الحكم الذاتي والاستقلال في بعض الأحيان، ولكنها مؤخراً خضعت للسيطرة الصينية من القرن الثامن عشر.
القادة الشيوعيون في الصين يعتقدون أن ما يفعلونه بالإيغور قطع للطريق أمام أي نزعات إنفصالية يمكن أن تنشأ فجأة في الإقليم.
إقليم شينجيانج مهم جداً للصين وتقريباً لا يوجد قوة على وجه الأرض قادرة على إبعاد الصين عن هذا الإقليم في الوقت الحالي، لماذا؟
ما تفسير التعامل الدموي للحكومة الصينية مع الإيغور ومع أي أحد يمكن أن يهدد السيطرة الصينية على الإقليم حتى لو كانت الولايات المتحدة نفسها؟
كلمة السر هي الأمن الاقتصادي الصيني.
المسألة الإقتصادية هي العامل الحاسم في هذه القضية، تتعامل الصين مع أي شيء يمكن أن يقوض اقتصادها بشكل عنيف جداً وغير قابل للتفاوض.
لأن الاقتصاد بالنسبة لهم أولوية ومسألة وجود، لذلك إن كنت تريد إيلام الصينين اشتغل بالاقتصاد، تريد استفزاز الصينيين اشتغل بالاقتصاد، فهذه نقطة شديدة الحساسية بالنسبة لهم.
إقليم شينجيانج يساهم بنسبة كبيرة جداً في تحقيق الأمن الاقتصادي الصيني سنتكلم عن ثلاث زوايا رئيسية فقط كي لا أطيل عليكم:
الموارد الطبيعية
الإقليم غني جداً بالموارد الطبيعية والمواد الخام التي تعتمد عليها الصين لتغذية نموها الاقتصادي الكبير.
مصنع العالم يلتهم ملايين الأطنان من المواد الخام كل سنة ويعيد ضخها للعالم في صورة منتجات وبضائع صينية.
حولت الصين منطقة شينجيانج إلى مركز وطني للطاقة والغاز والفحم، وتضخ مليارات الدولارات في الإقليم بهدف تعزيز استخراج النفط وتكريره وانتاج الفحم وتوليد الطاقة وإنتاج الغاز الطبيعي ونقله.
لأن شينجيانج أو تركستان الشرقية تمتلك حوالي 21 مليار طن من احتياطيات النفط أي خمس إجمالي الاحتياطي الصيني عدا عن الرواسب الكبيرة الموجودة.
شينجيانج تمتلك أكبر احتياطيات الفحم في البلاد وتقدر الاحتياطيات ب 40% من إجمالي الاحتياطيات الموجودة في الصين كلها، وتمتلك أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي أيضاً.
أي نتكلم عن الثلاثي الذي يدير مصنع العجلة: النفط والفحم والغاز الطبيعي. لذلك الحكومة الصينية وضعت المنطقة كواحدة من قواعد الطاقة الخمس في الصين والخطة الاقتصادية الخمسية.
صورة رقم واحد بتوقيت 6:04
قواعد الطاقة الخمس موجودون في هذه الصورة، وأكبر دائرة فيهم هي إقليم شينجيانج.
الأمر الآخر أن جميع الموارد المستوردة من النفط والغاز التي تأتي من آسيا الوسطى تمر عبر إقليم شينجيانج ومن ثم يتم توزيعها إلى باقي المقاطعات الصينية.
صناعة المنسوجات
الدور الثاني الذي يلعبه إقليم شينجيانج في الاقتصاد الصيني في صناعة المنسوجات وهي أضخم الصناعات الصينية.
حيث تعد الصين هي ثالث أكبر منتج للقطن في العالم بعد الهند والولايات المتحدة. ففي العام المالي 2018 – 2019 كانت الصين تستحوذ على 22% من الإنتاج العالمي للقطن في العالم.
لكن السؤال الآن الصين من أين تأتي بكل هذا القطن؟
حوالي 85% من إنتاج القطن الصيني مزروع بأدي الإيغور في منطقة شينجيانج، ملايين الأطنان من القطن يتم شحنها كل سنة من الإقليم إلى مناطق أخرى في الصين.
ليتم تصنيعه كملابس ومنسوجات تصدرها الصين لدول أخرى كالولايات المتحدة التي 30% من وارداتها من الملابس تشتريها من الصين.
تشغيل الإيغور برواتب منخفضة
الحكومة الصينية تشجع الشركات الخاصة والحكومية التي تعمل في مجال المنسوجات والملابس أن تشغل الإيغور المحتجزين في مراكز إعادة التأهيل.
وتسمح لهم بأن تدفع الشركات لهم بأقل من الحد الأدنى للأجور أو حتى لا تعطيهم أي راتب نهائياً.
وبالفعل هذه الشركات تشغل المحتجزين وتعطيهم من 300 إلى 1300 يوان في السنة في حين أن الحد الأدنى في الصين هو 1820 يوان في الشهر الواحد.
أي يأخذون في السنة راتب أسبوع واحد تقريباً وبعض الشركات لا تدفع أي أموال أصلاً. واستفادت الشركات بشكل كبير من استغلال المحتجزين بهذا الشكل.
لأن هذا ببساطة ساعدها أن تقلل من تكاليف إنتاجها بنسبة تصل إلى 30% تقريباً بالمقارنة بتكاليف الإنتاج في مناطق أخرى في الصين.
العمالة الرخيصة تجذب المزيد من الشركات
الشركات الأخرى التي تعمل في نفس المجال أعجبت بهذا الأمر وبدأت تنقل مصانعها إلى إقليم شينجيانج للاستفادة من العمالة الرخيصة أو التي ليس لها ثمن والتي تملأ مراكز إعادة التأهيل.
هناك أعداد تقول أن الإيغور المحتجزون تخطوا المليون إنسان لدرجة أن المسؤولين في المعسكرات يستغيثون بالشرطة لتوقف إرسال المزيد من الناس.
فالأماكن ممتلئة عن آخرها، وحركة بناء المعسكرات طبعاً تعمل على قدم وساق.
طريق الحرير
دور إقليم شينجيانج الذي يلعبه في الاقتصاد الصيني يتعلق بالوصول إلى الأسواق. فمصنع العالم يحتاج لتصدير بضاعته بأقل تكلفة.
وغالبية التجارة الخارجية للصين حالياً معتمدة على النقل البحري وهذا كان وما زال لوجيستياً مكلف جداً.
التكاليف اللوجستية في الصين ضعف مثيلاتها في الدول المتقدمة، وهذا بالطبع يمثل تحديداً لقدرة الصادرات الصينية أن تنافس وهنا يأتي دور إقليم شينجيانج.
فموقعه الجغرافي يجعله البوابة الغربية للصين على العالم، لأنه كما قلنا الإقليم ملاصق لحوالي 8 دول في وسط وشرق آسيا.
النقل البري من وإلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنها إلى أوروبا يوفر فرصاً تجارية منخفضة التكلفة.
لذلك إقليم شينجيانج يقع في قلب طريق الحرير، و هو بداية الخيط من الصين كما يظهر في الخريطة.
صورة رقم 2 التوقيت 9:18
وبالتالي الصين تنظر للاستقرار في الإقليم كعامل حاسم في نجاح مبادرة الحزام والطريق.
الحزام والطريق
ستة من ثمانية خطوط للسكة الحديدية الصينية الأوروبية تبدأ من إقليم شينجيانج قبل أن تدخل كازاخستان.
ممرات إركشتام وتورجارت التي تربط بين الصين وجمهورية قيرغيزستان تمر من إقليم شينجيانج. ولهم أهمية استراتيجية ضخمة جداً لأنهم أقصر الطرق بين الصين وقيرغستان وأوزبكستان.
شينجيانج ستلعب دوراً حيوياً أيضاً في ممر العبور الأوراسي الذي يؤسس للاتصال عبر بحر قزوين.
سيتم ربط موانئ أكتاو في كازاخستان وميناء تركمانباشي في تركمانستان بميناء باكو الدولي للتجارة البحرية في أذربيجان وبالتالي هذا سيمهد الطريق للشحن إلى أوروبا.
وبالتالي مقاطعة شينجيانج تعتبر مفترق طرق أوروبي آسيوي بالنسبة للصين.
الإيغور عائق أمام تقدم الصين
هذه كانت ثلاث أمور تبين الأهمية الاستراتيجية لإقليم شينجيانج بالنسبة للصين. طبعاً هناك أشياء أخرى كثيرة مثل التجارب النووية الصينية التي تتم في الإقليم وغيرها من الأمور.
باختصار مقاطعة شينجيانج أو تركستان الشرقية التي يسكنها الإيغور تعتبر منجم ذهب للصين، وبالتالي السيطرة التامة عليها يعتبر أمراً حيوياً وحاسماً للحزب الشيوعي الحاكم بالصين.
والذي يرى أن الإيغور المسلمين الذين يعيشون هناك يعتبر عائقاً في طريق تحقيق هذه السيطرة، وبالتالي تقرر سحقهم بدون رحمة.