إسلامحول العالمقصص وحكايات

لماذا حول محمد الفاتح كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد

هناك سؤال حساس وخطير، وهو لماذا محمد الفاتح حوّل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد؟ وهل يجوز شرعاً أن يحول كنيسة الى مسجد؟

ولماذا لم يفعل مثلما فعل عمر بن الخطاب رضي الله وأرضاه عندما دخل إلى القدس؟

فلم يصلي في كنيسة القيامة، ولم يحولها إلى مسجد، ولم يحول أي من كنائس القدس إلى مساجد.

كنيسة آيا صوفيا

كنيسة آيا صوفيا

للإجابة عن هذا السؤال بإيجاز فإن آيا صوفيا هي أكبر كنيسة في العالم في ذلك الزمن، وظلت كذلك فترة طويلة.

إلى أن أنشأ الإسبان كنيسة في إشبيلية بعد فتح القسطنطينية بحوالي 700 عاماً في 1520 فأصبحت كنيسة إشبيلية هي أكبر كنيسة في العالم.

آيا صوفيا لها مكانة كبيرة جداً عند الأرثوذوكس، فقد بدأ انشاؤها في سنة 532 وانتهوا من انشائها في سنة 537.

وبقيت كنيسة حتى دخل محمد الفاتح إلى القسطنطينية سنة 1503 ميلادي أي 916 عاماً.

فهي ليست مجرد كنيسة بل هي القيادة الأولى ورأس الهرم الأرثوذوكسي في العالم وموازية ومساوية للفاتيكان في روما.

فالحدث ضخم وكبير.

الحروب بين الدولة البيزنطية والدولة الاسلامية

الحروب بين الدولة الاسلامية والدولة البيزنطية قديمة للغاية، فهي حروب من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكانت أول المعارك هي معركة مؤتة سنة 8 للهجرة ثم تبوك 9 للهجرة، ثم بعث الشام سنة 11 للهجرة.

والتي لم تكتمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم  فقد مات عليه الصلاة والسلام وهو يتهيأ للخروج سنة 11 للهجرة.

وبعدها فتوح الشام بكل معاركها في عهد الصديق ثم عهد عمر بن الخطاب، ثم توالت اللقاءات مع الدولة البيزنطية.

في عهد الدولة الأموية وعهد الدولة العباسية ثم عهد السلاجقة، أي نتحدث عن أكثر من 800 عاماً من الصراع.

نقض العهود التي أدت إلى معركة القسطنطينية

الأصل في الأمور بين الدولة الإسلامية أياً كان من يمثلها خلفاء راشدون او أمويون أو عباسيون أو عثمانيون.

الأصل أن القتال دائر بين دولتين، أحياناً تحدث هدنات واتفاقيات سلام مؤقتة بين الدولتين.

وعند فتح القسطنطينية كان هناك تعاهد بين المسلمين العثمانيين وبين البيزنطيين، وقد نقض البيزنطيون العهد وسببوا أكثر من مشكلة.

فاعتبر محمد الفاتح أنه نقض للعهد مع المسلمين وأعلن الحرب على الدولة البيزنطية، وحاصر القسطنطينية 53 يوماً إلى أن سقطت.

وأثناء أيام الحصار كان يحاول محمد الفاتح بالطرق السلمية أن يعقد معاهدة مع القسطنطينية وتفتح أبوابها سلماً.

ويجلسوا معاً ليضعوا الشروط التي يسلم بها أهل القسطنطينية البلد، أو يكمل الحرب. وكان هذا عرضه لعدة مرات.

فرفض قسطنطين الحادي عشر آخر أباطرة الدولة البيزنطية السلم واستمر في القتال.

فتح القسطنطينية

نجح محمد الفاتح في فتح القسطنطينية في 29 أيار 1453.

الآن أول اعتبار نأخذه في هذه المسألة أن هناك فرق في الشريعة الاسلامية والأعراف الدولية في ذلك الزمن وما تلاه.

أن البلاد التي تفتح قسراً وعنوة لها طريقة معينة في التعامل تختلف عن البلاد التي تفتح صلحاً وسلماً.

فعمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح القدس سلماً، والناس داخل القدس فتحوا له الأبواب وأعطوه المفاتيح واتفقوا فيما بينهم.

وكانت بنود هذه الاتفاقية تقضي ألا يمس المسلمون كنائس النصارى في القدس وهذا في عهد عمر المكتوب المتفق عليه سلماً مع بطريرك القدس في ذلك الوقت.

أي أن هذه البلاد لا تمس كنائسها ولا أهلها ولا أموالها فهي اتفاقية وعهد كبير عند المسلمين.

فإن اتفقنا سلماً يعود كل شيء لأهل البلد ولا نمتلك منها شيء، فقط البنود التي اتفقنا عليها مثل الجزية مثلاً.

أما البلاد التي تفتح قسراً هي ملك للمسلمين ولا يوجد اتفاقيات،فهم كانوا حتى آخر لحظة حريصون على قتل الناس خارج أسوار مدينتهم.

ونحن كنا حريصون على قتلكم فالأمر حرب،المنتصر يأخذ كل شيء والمغلوب يذهب منه كل شيء.

هذا موجود في الشريعة الإسلامية وهو عرف في العالم كله.

فأين مساجد طليطلة عندما سقطت في أيدي الصليبيين في أسبانيا، ومساجد قرطبة وإشبيلية وفالنسيا وبرشلونة؟

كل هذه البلاد كانت مسلمة في يوم من الأيام واقتحموها قسراً وأخذوا كل المساجد وحولوها إلى كنائس دون اعتراض لأنها أخذت عنوة.

في الشريعة ما فعله محمد الفاتح ليس بمشكلة أن يحوّل كنائس اسطنبول كلها وليس فقط كنيسة آيا صوفيا إلى مساجد.

فموقف محمد الفاتح يختلف عن موقف عمر بن الخطاب ولا ينفع أن نقارن بين الموقفين.

تحويل الكنائس إلى دور عبادة لجميع الأديان

الفاتح حول كنائس القسطنطينية إلى مساجد وأشياء أخرى غير المساجد.

ففي رواية المؤرخ التركي اسماعيل سرهنت أنه حول أربع كنائس منها كانت كنيسة آيا صوفيا

والمؤرخ الأمريكي ستانفورد شو المتخصص بالتاريخ العثماني الذي لديه كتب قيمة يقول أنها كانت 17 كنيسة تحولت إلى مساجد.

ومحمد فريد في الدولة العلية العثمانية يقول أن محمد الفاتح حول نصف كنائس القسطنطينية إلى مساجد.

فواقعاً قام بتحويل أكثر من كنيسة إلى مسجد ولا يوجد إحصاء واضح للعدد لكن المهم، أنه حولها فعلاً إلى مساجد.

بل وأعطى بعض الكنائس إلى الأرمن وأعطى بعضها إلى اليهود، وهي من ضمن صلاحياته كحاكم فاتح القسطنطينية.

وكان بامكانه استعباد الشعب بأجمعه لكنه لم يفعل ذلك، بل أعطى الشعب حرية لم يجدها في أي مكان في أوروبا.

وتعامل برقي بالغ مع الجميع  فلم يؤذ أحد وكان عطوفاً لطيفاً، وكان فكره منفتحاً ولا يمانع التعامل مع الحضارات المختلفة.

مقارنة بين العثمانيين والبيزنطيين

كان عدد السكان مهماً في الموضوع أيضاً، فقد دخل محمد الفاتح بجيش وبشعب ودولة عثمانية بحجمها الكبير إلى مدينة القسطنطينية.

فمدينة القسطنطينية قبل الفتح التي هجرها أهلها على مدار عشرات السنوات السابقة بسبب ضعف الحالة الاقتصادية والاجتماعية وتهدم المباني.

وكمقارنة بين الجيش العثماني والجيش البيزنطي أثناء الحصار فكان الجيش البيزنطي الذي كان يدافع عن القسطنطينية حوالي 7000 جندي.

وأغلبهم من جنوى الإيطالية، فقد أرسلوا ما يقارب 4000 جندياً يساعدون البيزنطيين في الدفاع عن القسطنطينية.

وأهل المدينة كان جيشهم 2000 إلى 3000، أما الجيش العثماني المحاصر للقسطنطينية كان 250 ألف جندي.

فالشعب العثماني المسلم الذي دخل إلى القسطنطينية واستقر فيها كان كبيراً، والشعب الأرثوزوكسي النصراني الموجود داخلها كان قليلاً.

فأصبح هناك كنائس مهجورة ومسلمون كثر ليس لهم مساجد، لهذا حوّل الكنائس بسبب الاحتياج إلى دور عبادة للمسلمين.

لم يكن الأمر عناداً للنصارى وإنما لحاجة المسلمين لدور عبادة فالكنائس كانت زائدة عن حاجتهم.

وعندما استقدم الأرمن إلى داخل القسطنطينية كان لديه فكرة أن يجعلها دولية، فيها كل الأعراق والجنسيات ومنها ينطلق لحكم العالم.

لهذا جلب أعراق وأديان مختلفة للعيش فيها، فأتى بالأرمن والذين لم يكن لهم كنيسة في داخل المدينة فأعطاهم من الكنائس.

واليهود دخلوا القسطنطينية لم يكن لهم كعابد فأعطاهم بعض الكنائس ليؤسسوا معابدهم وأصبح كل الناس الموجودون يؤدون عباداتهم.

الظرف السياسي

الدولة العثمانية تحارب الدولة البيزنطية، وانتصرت عليها انتصاراً كبيراً في القسطنطينية، وأصبح العدو يترنح فيجب الضرب على الحديد وهو ساخن.

آيا صوفيا هي رمز للبيزنطيين والأرثوذوكس في العالم، فإذا حول هذا الرمز إلى مسجد، فالناحية النفسية عند المقاومين ستكون سيئة.

وكان وارداً أن يسحب النصر منه بانقلاب عليه بعد سقوط القسطنطينية فهي أكبر أحداث التاريخ ولا يمكن معرفة ردود الأفعال.

فكان يريد تقليل حجم ردات الفعل وخاصة أن البيزنطيين بعد القسطنطينية لم ينتهوا بل لهم أماكن أخرى في العالم.

كانوا يحكمون أجزاء كبيرة من اليونان وخاصة أثينا التي فيها إمارة أتيكا المستقلة يحكمها أمير بيزنطي وبقية اليونان البولونيز لديهم أمير بيزنطي آخر.

ومملكة طرابزون الكبيرة الموجودة في شمال الأناضول ويحكمها إمبراطور فيمكن أن تساعد البيزنطيين.

فكان يريد أن يقتل هذه الروح التي من الممكن أن تتحرك ضده من البيزنطيين وهذا عدا الأرثوذوكس مختلفي الجنسيات.

فمنهم البلغار والصرب والشام والروس، كل تلك البلاد أرثوذوكسية شرقية لذا أراد أن يحسم المسألة ويغلق الأبواب على الغرب الكاثوليكي.

حيث كانوا يرسلون إلى القسطنطينية ويضعون شروطاً ليساعدوها، فلو قبلت بهذه الشروط لحدثت الكارثة ولاجتمعت عليه فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وأسبانيا.

الشبهات والافتراءات حول محمد الفاتح

من الذي ينتقد محمد الفاتح في هذه المسألة والذي ينشر الشبهات عن تحويل الكنيسة إلى مسجد؟

لم يكن الأرثوذوكس فقد عاشوا  في ظروف أفضل مما كانوا فيه وأخذوا الأمر بواقعية وتعاملوا مع محمد الفاتح بتعامل حضاري.

محمد الفاتح كان يحترم البطريرك الذي كانوا يريدونه وكان قسطنطين الحادي عشر يرفضه فعندما جاء أعاد البطريرك لمكانته.

بل وجعله عضواً في الديوان فيجلس في الديوان مع محمد الفاتح في وضع لم يره الأرثوذوكس في أوروبا حينها.

كان الغرب الكاثوليكي هو من يعترض، فقد دخلوا القسطنطينية منذ سنة 204 وبقوا حتى 461.

ومنذ اليوم الأول حولوا آيا صوفيا إلى كنيسة كاثوليكية رومانية، فنهبوا الثروات وعذبوا الشعب وهذا لم يحدث مع محمد الفاتح.

وهناك جملة مشهورة قالها البطاركة الأرثوذوكس عندما أراد قسطنطين الحادي عشر الانقلاب إلى الكاثوليكية لتساعده إيطاليا ثم يجد حلاً آخر.

رفضوا رفضاً تاماً وقالوا: نفضل أن نرى العمامة التركية في بلادنا على أن نرى قبعة كاثوليكية. وهذا منقول من داخل البلاط البيزنطي موثق لدى الغرب.

بالمقابل ماذا فعل النصارى في البلاد التي فتحوها في الأندلس؟ فطليطلة وإشبيلية وقرطبة سقطت في أيديهم قسراً.

لكن غرناطة فتحت صلحاً حيث جلسوا مع ملك غرناطة من ابن الأحمر واتفقوا باتفاقية من ثمانية وتسعين بنداً.

ومن البنود أنكم ستعطون المسلمين كامل الحرية ولا تمسوا المساجد ولا تنصروا مسلماً ولا تنهبوا مالاً ولا تأخذوا ولداً وغيرها.

وصدّق عليها البابا، وبمجرد فتح الأبواب نقضوا كل ذلك وتحولت كل مساجد غرناطة إلى كنائس حتى المساجد داخل القصر.

وهنا قارن غرناطة بالقدس وليس بالقسطنطينية التي فتحت قسراً، وانظر ما فعل عمر بن الخطاب وما فعلوا هم.

ولا يقلن أحدكم أن الزمن يتغير، فسقوط غرناطة كان قريباً من زمن محمد الفاتح، أي بعد 11 سنة فقط من وفاته.

احترام مشاعر المسيحيين في كنيسة آيا صوفيا

عند دخول محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا وجد الجدران مزينة بفسيفساء ذهبية رائعة وكانت جميعها صور لحيوانات وأشخاص وملائكة.

فلم يرد أن يجرح مشاعر النصارى بالهدم والتكسير، ولكن في نفس الوقت لا يجوز للمسلمين أن يصلوا في هذا المكان.

فقام بتغطيتها بالجص وحافظ عليها وهي موجود إلى الآن خلف الجدران البيضاء.

وأمر آخر مهم وهو خطاب أرسله حاخام يهودي إلى أصدقائه في ألمانيا، ومنها إلى أصدقائه الآخرين في هولندا وبلجيكا.

وكان هذا الخطاب من أعاجيب خطابات التاريخ، يعرفنا كيف كان يتعامل العثمانيون مع غيرهم من غير المسلمين.

وهذه شهادات استخرجناها من كتب اليهود والغربيين وليس من كتب المسلمين.


المصادر

قناة الدكتور راغب السرجاني


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى