مال وأعمال

لماذا لا تستطيع الحكومات طباعة الأموال

الكل يفكر أو يتسائل لماذا الدول الفقيرة لا تقوم بعملية طباعة الأموال لتسدد الديون التي عليها، أو يعطون نقوداً للعاطلين عن العمل.

فتصبح الدولة غنية والحياة حلوة والكل يصرف ماله دون أن يهتم؟

الأكيد أن السؤال يأتي على بال كثير من الناس، أن الدول الفقيرة لم لا تطبع عملتها بكميات كبيرة فتصبح غنية فتنتهي مشاكلها.

السبب هو كلمة واحدة التضخم، وهو أن ترتفع الأسعار بشكل كبير ومستمر، ومن أسبابه زيادة في حجم المال الذي يؤدي إلى خسارة قيمة العملة.

فالعملات النقدية تحصل على قيمتها فقط من قيمة الأشياء التي تشتريها، أي قيمة المال مرتبطة بقيمة الأشياء التي يشتريها.

نستطيع القول أن تأثير تينكربيل Tinkerbell effect مسيطر علينا، فتأثير تينكربيل يعني وجود ظواهر نعتبرها حقيقية مع أنها محض خيال.

وبالتالي، لا يمكن لهذه المظاهر أن تبقى إلا لأن الناس تتخيلها. والتي هي بهذه الحالة المال الذي أعطيناه القيمة.

تاريخ طباعة الأموال

تاريخ طباعة الأموال

من الأكيد أن المال لم يكن بنفس وضعه الحالي منذ آلاف السنين، فقد تم استخدامه لأول مرة في شكل سلع.

تم تداول الأشياء التي لها قيمة فعلية، مثل الملح والتوابل والخيول والأسلحة، ثم استخدم الذهب والفضة لأنهما أسهل للتسوق.

فتم استخدام المعادن الثمينة كمال، ثم انتقلنا لطريقة ثانية وهي إعطاء الذهب للبنوك التي تحتفظ بالذهب مقابل قطعة من الورق.

والورقة هي سند مكتوب عليه قيمة من الذهب، فاستخدمت الأوراق كمال، وأصبح بإمكان أي شخص استبدالها بالذهب في أي وقت.

وصولاً إلى الطريقة التي كلنا نعرفها وهي استخدام النقود الورقية في كل دول العالم.

وقد مرّت الولايات المتحدة بكل الأنظمة النقدية الثلاث التي تحدثنا عنهم في 200 سنة تقريباً.

ففي عام 1792 توقفت الولايات المتحدة عن استخدام الأموال الأوروبية، ووضعوا قانون العملات لعام 1792 ليبدأ استخدام الدولار الأمريكي.

وكان الدولار الأمريكي في الأصل على شكل أموال سلعية وعلى شكل عملات ذهبية وفضية ونحاسية.

فالعملات كانت مصنوعة من ذهب وفضة ونحاس بالفعل، وكانت قيمة المعدن التي صنعت منه العملات مساوية تماماً لقيمتها الإسمية.

ثم انتقلت أميركا إلى مزيج من السلع والأموال التمثيلية مع قانون معيار الذهب Gold Standard Act المعروف في عام 1900.

فأصدرت الحكومة سندات بالدولار التي يمكن لحاملها استبدالها بالذهب متى يشاء. ومعيار الذهب نوع من الأموال التمثيلية التي تستخدمها الدولة.

فكانت الطريقة فعالة لحساب سعر الصرف بين البلدان بدقة.

فإن كان جرام الذهب يكلف جنيهاً إسترلينياً في بريطانيا و 1.50 دولاراً في أمريكا، فيمكنك بسهولة استنتاج أن 1 جنيهاً إسترلينياً يساوي 1.50 دولاراً، وهذا معيار الذهب بكل بساطة.

في عام 1971، أوقف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون رسمياً التعامل بمعيار الذهب، وانتقلت الولايات المتحدة إلى الأموال الورقية.

أي أصبح المال قطعة ورق بدل الذهب أو الفضة.

تأثير التضخم المدمر على زيمبابوي

تأثير التضخم المدمر على زيمبابوي

في الاقتصاد الزيادة في العرض تؤدي إلى انخفاض في الطلب وبالتالي انخفاض في السعر.

فلو قولنا أن أميركا أخذت بطباعة الأموال بكثرة، فسيكون هناك زيادة في المال الورقي، وستنخفض قيمة الدولار أمام باقي العملات.

زيادة المال في الاقتصاد ستسبب خللاً في الطلب على السلع والخدمات، لأن الجميع سيملك أكثر والشراء سيصبح أكثر طبعاً.

لكن أن لم يقابل ذلك زيادة في الناتج الاقتصادي فالأسعار سترتفع، وما تشتريه ب5 دولار مثلاً ستشتريه ب20 دولار.

هذا الكلام ليس نظرية اقتصادية عن أن طباعة الأموال هو فكرة سيئة، لأن هناك أمثلة عن ذلك في التاريخ الحديث.

أحدث مثال هو دولة زيمبابوي، ففي عام 2008، أخذ الرئيس روبرت موغابي قرار طباعة الأموال، مما جعل التضخم يزيد بقوة.

وعندما رأى الرئيس موغابي الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً، طبع المزيد من الأموال لدفع الإنفاق الحكومي فارتفع التضخم بشكل كبير Hyperinflation.

وفي منتصف نوفمبر 2008، بلغ التضخم في زيمبابوي ذروته عند 79.6 مليار في المائة. وأخذت الأسعار تتضاعف كل 24 ساعة.

حاولت الحكومة حل المشكلة بطباعة الأموال بفئات أعلى لكن المشكلة ازدادت سوءاً، وأصبح التسوق لشراء السلع الأساسية أمراً صعباً.

حتى أن الحكومة وصلت لمرحلة انكار ما يحدث من تضخم، وكانت تعتقل بعض الناس بتهمة رفع الأسعار.

وفي 12 أبريل عام 2009، قررت زيمبابوي تعليق التعامل بالدولار المحلي، واستبداله بالدولار الأميركي أو الراند الجنوب أفريقي.

وذلك بعد أن وصل سعر السنت الأميركي الواحد إلى 500 مليار دولار زيمبابوي عام 2008. مقارنة بأول دولار زيمبابوي كان يساوي حوالي 1.25 دولار أمريكي.

وفي منتصف عام 2015، أعلنت زمبابوي عن خطط للتحول بالكامل إلى الدولار الأمريكي.

الولايات المتحدة تحاول استهداف نسبة التضخم عند مستويات 2٪، فيتفق الاقتصاديون بشكل عام أن مستوى التضخم حوالي 1-3٪ هو الأمثل.

وتتراوح معدلات التضخم في دول العالم الأول اليوم بين 0-5٪. ويقال أن الدولة قد دخلت في التضخم المفرط عندما تتجاوز مستويات التضخم فيها 50 ٪.

تأثير التضخم على المجر

على الرغم من أنه يمكن اعتبار موضوع زيمبابوي بسيطاً، لكنها كارثة بتاريخ الدولة ويعتبر ثاني أسوأ تضخم في تاريخ العالم.

التضخم الأكبر حدث في المجر أي هنغاريا في عام 1946 الذي كان 41.9 كوادريليون ٪ حيث الكوادريليون هو مليون المليار.

أي واحد وبجانبه 15 صفراً، وبعض الأرقام كانت تقول أنه وصل إلى 47 سيبتيليون % أي تريليون التريليون.

وطبعاً الأسعار كانت تتضاعف بالمجر في عام 1946 كل 15 ساعة.

مع أن الطبيعي  أن تتضاعف الأسعار كل 23 سنة. وهذا عندما يكون وضع الدولة صحي والتضخم مناسباً بين 2-3%.

العملة بالمجر وقتها كان اسمها بينجو وكان سعرها الطبيعي قبل الفاجعة يتراوح بين 12 سنتاً إلى 20 سنتاً أمريكياً.

وكل 5 بينجو تساوي دولاراً أمريكياً واحداً في عام 1941، لكن مع ارتفاع التضخم انهارت العملة الرسمية بينجو.

وقامت المجر بتبيدل عملتها إلى عملة اسمها بيل بينجو والتي تساوي مليار من عملتها القديمة بينجو.

فالمجر ضربت رقمين قياسيين حينها، الرقم القياسي الأول هو للتضخم، والرقم القياسي الثاني لأعلى فئة من عملة نقدية على الإطلاق.

فكانت الورقة النقدية 100 مليون بيل بينجو تساوي 100 مليون مليار من بينجو.

ويُقال أنه تم طباعة العملة الورقية مليارد بيل بينجو لكن لم يتم إصداراها أبداً. والمليارد يعني ألف مليون.

ثم بدّلوا عملتهم إلىforint  فورنت الذي يساوي 400 أوكتليون من عملتهم السابقة بينجو، أي 4 وبجانبها 29 صفراً.

وكلما طبعت عملات أو غيرت عملات كان الوضع يزداد سوءاً.

ولهذا السبب لا تستطيع الحكومة طباعة الأموال فقط لسداد ديونها، لأنه سينتهي بنتائج سيئة للدولة ويزيد الدين العام ويدمر الاقتصاد بكل الطرق.

المصادر

قناة يلا اقتصاد


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى