إسلامالحياة والمجتمعالعناية بالذات

ماذا يريد الإنسان من الحياة

في هذه الحلقة من نورك فينا يشرح الدكتور طارق السويدان عن هدف الإنسان من الحياة وما هو سر النجاح والسعادة.

قُلْ هَلْ أنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا*

كل جمعة نمر على هذه الآيات في سورة الكهف ونرتجي ألا نكون نحن من هولاء الأخسرين أعمالا.

أيكون سعينا وبذلنا ونجاحنا كله يوم القيامة بلا وزن ؟ ماذا يبقى من العمر إذن ؟ ماذا يبقى ؟

حفل تخرج، ساعات عمل، نجاحات هنا وهناك، رصيد حساب يكبر كل يوم، آلاف المتابعين والمعجبين؟ هل سيبقى سهر وأنس وسمر؟

ما هو النجاح الذي يبقى له وزن؟ كيف نحافظ على وزن أعمالنا ثقيلة في الميزان؟

الله سبحانه وتعالى منحنا من الوسائل ما نعرف به ذلك، الله عز وجل منحنا وسائل معرفة الناس والحياة الطيبة.

ما هو هدف حياة الإنسان

ما هو هدف حياة الإنسان

عندما نسعى لتحديد ما نريد، ليس لدينا الأدوات التي نقيس بها ما إذا كان ما نريده سيحقق لنا النجاح والسعادة؟ أم لن يحققها.

حتى مفاهيم النجاح لدينا أصبحت نسبية، صارت تختلف من شخص لآخر.

ما الذي نسعى إليه بالضبط ؟ هل الذي نريده؟ هل هو السعادة؟ هل هذا هو القمة التي نريدها؟

إذا كانت السعادة هي القمة التي نريدها، إذن لابد أن نتأمل في مفهوم السعادة.

تقول ياسمين يوسف الباحثة في التنمية البشرية:

درس Martin Seligman السعادة وأسس نظرية اسمها Authentic Happiness  أو السعادة التلقائية أو الطبيعية.

لكنه سرعان ما أدرك أن السعادة أصبحت مفهوماً مستهلكاً أو نستخدمه بشكل كبير، لدرجة أنه فقد معناه.

وقال أن السعادة لا يمكن قياسها، بالتالي لا يمكن تنميتها أو يصعب تنميتها إلى جانب أن كلمة السعادة كمفهوم مرتبطة بالمشاعر الإيجابية والبهجة والمرح والضحك.

وهذه أشياء لا تستمر مع التحديات التي يواجهها الإنسان والمشاكل والمواقف الحياتية اليومية، فالسعادة شعور قد يختلف من وقت لآخر.

لكل هذه الأسباب قرر Martin Seligman أن يدرسWell-being  الحياة الطيبة بدلاً من السعادة .

هل السعادة هي الهدف

كلنا نعلم أن السعادة شعور، وكل المشاعر تأتي وتذهب، الشعور شيء، والحالة شيء آخر. السعادة شعور، وهي ليست حالة دائمة.

فكيف نبني حياتنا على شيء غير ثابت؟ كيف نبني حياتنا على شيء غير مضمون؟ كيف نبني حياتنا على شيء متغير؟

لو كانت السعادة هي الهدف الحقيقي لحدثنا الله عز وجل عنها في القرآن الكريم.

لكن الله سبحانه وتعالى يحدثنا عن صفات أقوام يحبهم سبحانه، وهذا الحب هو الذي نريد أن نصل إليه بأعماقنا.

دعونا نتأمل في بعض الآيات التي تتحدث عمن يحبهم الله سبحانه وتعالى:

عندما يخبرنا المولى عز وجل بأنه يحب المحسنين ويحب التوابين ويحب المتطهرين والمتقين والصابرين والمتوكلين والمقسطين.

الله عز وجل لا يحدثنا عن حبه لمشاعر تتغير، بل يحدثنا عن حالات وصفات الشخصية، ليس عن مشاعر تأتي وتذهب.

إذن علينا أن ندرك الفارق بين المشاعر وبين الصفات الشخصية، وأوضح مثال على ذلك، هو قول الله عز وجل:

ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ورَحمَةْ

الله سبحانه وتعالى يتحدث عن المودة والرحمة، وهما صفتان ومهارتان شخصيتان، فهو لا يتحدث هنا عن الحب بين الأزواج.

لأن الحب عاطفة، والعواطف و المشاعر تتغيران، بينما الحالات هي المستقرة. فمن عنده مودة ورحمة يصعب أن يتغير.

ومن المهم جداً أن نتعلم بناء حياتنا على صفات ومهارات شخصية ثابتة وليس على مشاعر تأتي وتذهب.

ما هو مفهوم النجاح

نعود للأسئلة الكبرى: ماذا نريد؟ هل نريد النجاح؟ هل هذا هو هدف الحياة، النجاح؟ هل أنت ناجح؟ وما تعريف النجاح؟

تقول فاطمة الزهراء وهي طالبة جامعية من الجزائر:  لعلي لا أعتبر نفسي إنسانة ناجحة ولكني لست فاشلة.

فأنا في طريقي إلى النجاح، فهو ليس هدفاً بذاته، لكنه تحقيق التوازن من نواحٍ متعددة أكثر من كونه الغاية الوصول إلى هدف واحد أو نقطة واحدة.

تقول إيثار هشام وهي طالبة جامعية مصرية: أعتقد أن مفهوم النجاح هو أن يضع أحد ما لنفسه هدفاً ويصل إليه.

يقول أسامة الشامي وهو صحفي مصري: أعتبر نفسي على طريق النجاح، فالنجاح بالنسبة لي هو أن أسير في طريق يريحني أولاً وأحقق فيه تقدماً وأتعلم من الفشل.

معايير الفلاح

لم ترد كلمة النجاح ولا مشتقاتها ولا مرة واحدة في القرآن الكريم، الذي ورد هو الفلاح، الفوز عكس الخسران.

هذا الذي ورد، لكن ما وردت كلمة النجاح، إذن، الحديث هنا عن الفلاح والفوز. فما هي معايير الفلاح ومعايير الفوز؟

فلنتأمل في الآيات الكريمة: ونفس وما سوّاها.

سوّاها: يعني جعلها متساوية، لا زيادة ولا نقصان. جعل فيها حب الخير وحب الشر بنفس الدرجة.

هناك مفهوم خطير، بعض الناس يقول: يولد الإنسان صفحة بيضاء. لا، لا يولد الإنسان صفحة بيضاء.

يولد الانسان وعنده الاستعداد الكامل نحو الخير ونحو الشر بنفس المستوى.

ونفس وما سواها*فألهمها فجورها وتقواها

من الذي يقرر أنه يتجه نحو هذا الاتجاه أو هذا الاتجاه؟ إنه الإنسان نفسه، وله الخيار الكامل، وإلا كان ظلماً.

قد أفلح من زكاها*وقد خاب من دساها* إذن، القرار لنا، نستطيع أن نفلح.

فلنأخذ آية أخرى فيها لفظ الفلاح: قد أفلح المؤمنون. هنا الحديث عن الفلاح مرة أخرى والصفة صفة الإيمان.

هي التي تعطيك الفلاح، فالفلاح مقرون بالإيمان، بتزكية النفس، وهذا واضح بشكل كبير في جميع ما جاء في القرآن الكريم.

تزكية النفس المقصود بها تنقيتها، رفع الشوائب عنها، تصفيتها، الوصول إلى أفضل نسخة من نفسك.

الفوز والخسران

كل إنسان عنده القدرة أن يكون نسخاً نسخ سيئة وأخرى حسنة؟ والفوز مصطلح آخر، هو عكس الخسران.

يقول الله سبحانه وتعالى: والْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*

كل إنسان سيخسر، وفي خسر، يعني يحيطه الخسر من كل مكان، هو داخل الخسر، كل إنسان محاط بالخسر.

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ*

فالفوز الذي هو عكس الخسران مقرون بالإيمان، مقرون بعمل الصالحات، مقرون بالتواصي، بالتفاعل، ليس اتجاهاً واحدًا One Way بل اتجاهين.

تواصٍ بالحق وتواصٍ بالصبر، لماذا؟ لأنه إذا التزمنا بالحق سنحتاج يقيناً إلى الصبر.

تأملوا معي قول الله سبحانه وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ  هذا الشرط الأول: عمل صالح

وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*

الحياة الطيبة

من المفارقات العجيبة أننا حين بحثنا في ترجمة عربية للنظرية الغربية التي من روادها Seligman الذي ذكرناه، لم نجد مفهوماً.

أو لنقل مصطلحاً أدق كترجمة حرفية لكلمة Well-being من الحياة الطيبة.

ما جاء في الآية الكريمة من سورة  النحل التي تحمل في داخلها على بساطتها وعلى قصرها منهجاً للحياة الطيبة.

هو منهج للدنيا ومنهج للآخرة، ليس للدنيا فقط، فدعونا نجمع كل هذه المفاهيم في إطار واحد يستند على التعاليم الربانية.

وما توصل له العلم الغربي، علم النفس الإيجابي، Positive Psychology، Seligman من رواد علم النفس الإيجابي.

هو وآخرون عملوا على هذه المسألة، فاقترح نموذجاً حدد فيه خمسة عناصر Well-being لما يعتبره الحياة الطيبة.

دعونا نستعرض هذه العناصر الرئيسة التي حددوها:

الرضا

هي أول عنصر من عناصر الحياة الطيبة لدى Seligman يقابله لدينا مفهوم الرضا.

سئل يحيى بن معاذ: متى يبلغ العبد مقام الرضا؟ فقال: إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه سبحانه.

فيقول الإنسان لربه:

إن أعطيتني، قبلت. وإن منعتني، رضيت. وإن تركتني، عبدت، وإن دعوتني، أجبت.

هذا هو المعنى الأول: الرضا.

الاستغراق

Well-being المعنى الثاني أو العنصر الثاني للحياة الطيبة، وهو يسميه الاستغراق

ويعني انغماس المرء في مهمة، في تحدي، يستثير هذا التحدي مهاراته الطبيعية، قدراته الذاتية.

سنتحدث عن المهارات من منظور إسلامي، ونستقيها من أسماء الله الحسنى.

الرسالة

الأمر الثالث من مكونات الحياة الطيبة هو الرسالة، وتعني: وجود معنى للحياة.

الإنجاز

الرسالة والإنجاز، عنصران رئيسيان من عناصر الحياة الطيبة، ولا سبيل لوضع معايير للحكم على قيمة الإنجاز.

وقيمة ما نعتبره رسالة الإنسان في الحياة، إلا من خلال المعايير الربانية.

العلاقات

كأهم عنصر من عناصر الحياة الطيبة.

ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى هذا العالم الجليل يحلل العلاقات لثلاثة محاور:

الأولى: العلاقة بالله عز وجل.

والثانية: العلاقة بالنفس، علاقة الإنسان بنفسه.

والثالثة: علاقة الإنسان بالآخرين.

يتناول ابن القيم إطار العلاقات في كتابه الجميل الرائع الوابل الصيب من الكلم الطيب، وقد قرأته شاباً.

فتأصل هذا المعنى الجميل في نفسي منذ ذلك الوقت.

حيث يضع فيه إطاراً للنجاح في هذه العلاقات، يقوم هذا الإطار على استيفاء حقوق الطرف الثاني من العلاقة.

فالعلاقة تقوم دائماً ما بين طرفين، والمطلوب أن نوفِّي حق الطرف الثاني بلا ظلم.

يقول ابن القيم أن دواوين الظلم في العلاقات ثلاث، ويقصد أن الانسان يظلم على ثلاث مستويات، ووفقها تكون النتائج.

يسميها هو بالدواوين:

ديوان الظلم الأول

فيقول في هذا الديوان، لا يغفر الله منه شيئاً وهو ديوان الشرك، وهو الظلم في استيفاء حق الله.

يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: إن الشرك لظلم عظيم. فالله تعالى لا يغفر الشرك إلا بالتوحيد.

يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ.

ديوان الظلم الثاني

يقول عنه ابن القيم رحمه الله: ديوان لا يعبأ الله سبحانه وتعالى به، أمره هين، وهو ظلم العبد لنفسه بالمعاصي.

فجعل النفس تستحق العقاب الذي توعَّد به الله سبحانه وتعالى، يقول ابن القيم: هذا الديوان ديوان المعاصي، ديوان ظلم النفس.

هو من أخف دواوين الظلم وأسرعها محواً، لأن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً. فيلزم العبد أن يتوب بالتوبة النصوح.

بما فيها الاستغفار على الذنب والاستعداد لعدم المعاودة، وتكفر أيضاً بالأعمال الحسنة والصالحة، وتكفر بالابتلاءات التي تمحي الذنوب.

إذن، فالله سبحانه وتعالى فتح باباً كبيراً لترميم حقوق هذا الديوان ولهذا، فإن أمره بسيط.

ديوان الظلم الثالث

الديوان الثالث من دواوين الظلم، ديوان لا يترك الله عز وجل منه شيئاً أي قد يتجاوز برحمته حتى عن الكفر.

فهذا حق لله عز وجل، هو الإله لا غيره، وهو من وعد سبحانه أن يتجاوز عن المعاصي.

لكن، هناك جانب لا يترك الله تعالى منه شيئاً وهو: ديوان ظلم العبد للآخرين.

فلا يمحى هذا الديوان إلا بالخروج لأصحاب الحقوق واستحلالهم فيرجع لهم حقوقهم ويستحل منهم.

يقول لصاحب الحق:  أتحلني من هذا، وقد أديت لك حقك؟ فلابد من رد الحق لأصحابه.

إذن، وبدراسة نموذج العلاقات لابن القيم ومقارنته بمعايير الفوز كما جاء في سورة العصر، كما سبق وذكرنا.

نجد أن منهج الفوز هو: الإيمان، وهو الذي يرتبط بالعلاقة مع الله عز وجل وعمل الصالحات وهي بعكس ارتكاب المعاصي.

فإذا رجعنا لسورة العصر: والعصر إن الانسان لفي خسر، إلا من؟ إلا الذين آمنوا، إذن الإيمان، العلاقة بالله عز وجل.

وعملوا الصالحات وهو عكس ارتكاب المعاصي، وهو مرتبط بالعلاقة مع النفس.

التواصي بالحق والتواصي بالصبر

وهو مرتبط بالعلاقة مع الآخرين، فإذا ما أحسنا العلاقة بالله سبحانه وتعالى، ثم بأنفسنا وبالآخرين فزنا في الدنيا وفي الآخرة.

فما أشبه حياتنا بشجرة، أساس هذه الشجرة، جذورها: العلاقة بالله عز وجل، متمثِّلةً بالإيمان بالله سبحانه وتعالى.

وكلما كانت جذور الإيمان عميقة استطالت الشجرة وبانت هويتها وتمكنت قوة وثباتاً، بينما يُمثِّل جسم الشجرة علاقتك بنفسك.

وكلما تحكمت في نفسك وقومتها، والتزمت بما أمر الله تعالى خالقها كلما كان جسم الشجرة قوياً في مواجهة الرياح والتحديات.

أما فروع الشجرة وثمارها فهي تُمثِّل علاقتنا بالآخرين بجميع أشكالهم، من المقربين والأبعدين، بما فيها إسهاماتنا المجتمعية.

لن تثمر شجرتنا إثماراً خالصاً صادقاً حقيقياً إلا إذا كانت الجذور قوية، نرويها بحبه عز وجل خالقها. ونعم السقاية ما كان في حب الله وطاعته.

فنفهم من نموذج ابن القيم لدواوين الظلم في العلاقات مفهوم العدل في العلاقات، وهو استيفاء حق كل طرف من الأطراف.

فنعطيه حقه من علاقتنا معه، علاقتنا بالله عز وجل، علاقتنا مع أنفسنا وعلاقتنا بالآخرين.

كل أزماتنا المعاصرة تحدث عندما نخل بذلك الميزان الدقيق ميززان العدل، نخل بالتوازن في علاقتنا الداخلية أو الخارجية.

وعندما يختل الميزان الخارجي يختل ميزان الداخلي.

الفطرة والفطرية

الله سبحانه وتعالى خلقكَ مطمئناً متوازن المشاعر، هذه حالة التي خلقنا الله تعالى عليها هي حالة السلام النفسي.

وهي ما ينبغي أن نسعى للاحتفاظ به، بعض العلماء يقولون: الله سبحانه وتعالى خلقنا على الفطرة التي فيها سلام متوازن

والمطلوب هو أن نعود إلى هذه الفطرية كما سماها شيخنا الجليل الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله تعالى صاحب كتاب الفطرية.

ينبغي علينا أن نحتفظ بهذا السلام الداخلي، بالاطمئنان، وهنا يحدثنا الله عز وجل عن عدم المغالاة في المشاعر الإيجابية والسلبية.

يقول الله سبحانه وتعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا.

هذا في علم الله، الذي لا يحكمه الزمان ما من ماضٍ ولا حاضر ولا مستقبل عند الله عز وجل.

إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ.

بين الإيمان والإسلام

يتحدث د.حاتم طعيمة استشاري المخ والأعصاب نظرية الثوابت والاعتقادعن نظرية من نظريات علم النفس:

المخ البشري يماثل تماماً البرنامج  Softwareوالعتاد Hardware. كل شيء يجتمع في مخنا، كل انسان يتصرف حسب السبب والنتيجة.

حياته كلها مقسمة إلى سبب ونتيجة، فإذا حدث حدث معين لابد أن يتصرف بهذه الصورة.

فإذا فقدت مالي لا بد أن أحزن بالصورة الفلانية، لذلك فإن تصرفاتنا دائماً معتمدة على قناعات مسبقة وليس على خطة أو بناء مستقبلي وهذا الذي يسبب مشكلة.

فلو كان للإنسان خطة لما سيحدث فلن يعتمد على قناعاته المسبقة، ولذلك، نجد كثيراً من الناس يفرطون في الحزن.

إذا تعرضوا لموقف من المواقف، فمن فقد ماله يدخل في حالة: لن أقدر على تعويض هذه الفلوس، يدخل حالة انهيار.

ليس بسبب أنه فقد المال، ولكن بسبب قناعاته الأكيدة الصادقة: أنني لن أستطيع تعويض هذا المال.

وهذا يمنعه بعد أن يمر بالصدمة أن يدخل في التوازن مرة أخرى.

فلا سبيل لتحقيق التوازن والسلام النفسي دون حفظ ميزان العلاقات، وأهم تلك العلاقات هي العلاقة بالله سبحانه والإيمان الحقيقي به.

لاحظوا أننا نتحدث عن الإيمان وليس عن الإسلام، وهذا ما تقوله الآية الكريمة في سورة الحجرات:

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

وكلمة لمّا تعني هنا: حتى الآن لم يحدث الايمان قد يحدث في المستقبل، فهل نحن مؤمنون أم مسلمون فقط ؟

اعلموا أنه لا سبيل لمعرفة النفس بدون معرفة الخالق.

خاتمة

تزدحم المهام وتثقل الحياة، وتلتهمنا الأزمات والمحن المتتالية، وتئن الأرواح من ثقل الخذلان ومن تسرب الآمال.

تضيق الصدور كأنما تصعد في السماء، وما ذلك إلا لأن الإنسان يعيش لشيء والله تعالى خلقه لشيء آخر.

آن الأوان للبحث عن أسرار أنفسنا وعن مراد الله فينا، ولن يكون ذلك حتى نتعرف على خالق كل شيء حق المعرفة، الله الخالق البارئ، سبحانه.

المصادر

قناة Media Masters


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى