سنتحدث عن موضوع الهجرة و الإقامة من بلد المسكن القائم على دين الإسلام، إلى بلد آخر غير مسلم، والذي يقال أنه في تلك البلاد ينال الإنسان حقوقه كاملة.
وأنا قلت، أن تلك الحقوق التي ينالونها لا تقابل الخسارة التي يخسرونها، في إقامتهم في بلاد الكفر، لأنه قد يعيش الرجل الصالح في مجتمع فاسد، وقد يكون قصده أن يصلح بإقامته فيه غيره، وإذا به قد انقلبت القضية فيفسد هو بغيره.
دليل الحديث الأول في حكم الإقامة في بلاد أجنبية
من أجل ذلك ضرب عليه الصلاة والسلام، المثل المعروف الذي رواه البخاري وغيره، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك، إما أن يحذيك، أي أن يعطيك شيء مجاناً، وإما أن تشتري منه، وإما أن تشم منه رائحة طيبة.
يعني بأن الذي يجالس الجليس الصالح، هو الذي يكسب على كل حال، فإما أن يتفضل ويعطيك مجاناً، وإما أن تشتري منه وهذا أولى بك، أو تشم منه رائحة ذكية.
ثم ضرب مثل الجليس المعاكس، فقال عليه السلام: ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير، أي الحداد، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة كريهة.
معناه أن الذي يجالس الجليس السوء، هو خاسر بكل الأحوال، إلا بعض الاشخاص الصامدين مثل الجبل، أمام السيل الجرار ونسبتهم قليلة جداً.
فالشاهد أن المجتمع و الإقامة في بلاد أجنبية يؤثر في الرجل الصالح، شاء أم أبى، وهذا ما يوضحه النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل.
الحديث الثاني في حكم مخالطة المشركين
وجاءت الأحاديث تترى يتابع بعضها بعضاً، في النهي عن مجالسة المشركين ومساكنتهم، والسفر إلى بلادهم، والإقامة فيها.
فقال عليه الصلاة والسلام :أنا بريء من كل مسلم أقام بين ضاعني المشركين، وقال: من جامع المشرك، أي من خالطه، فهو مثله.
وفي الحديث الآخر بقوله عليه السلام: المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما، ومعناه أن المسلم لا يسكن قريباً من دار المشرك، حسب العادات العربية القديمة.
حيث أنهم كانوا يضرمون النار أمام الخيام، فدعا الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينصب الرجل خيمته، بعيداً عن خيمة المشركين، بحيث أنهم لا يرون نار بعضهم بعضاً.
وكل هذه الأحاديث ترتقي في نهي أن يقيم المسلم في بلاد الكفر، والحكم في هذه المسألة والسر هو ما أشار إليه الحديث بالجليس الصالح والجليس السوء.
كيف تؤثر حياة وعادات المشركين في المسلمين؟
ونحن نعبر عن الحكم بهذا بأن الطبع يسبق، إما خيراً وإما شراً، وأذكر في هذه المناسبة أنه قدر لي منذ أكثر من عشرين عاماً، أنني سافرت في سبيل الدعوة إلى بريطانيا.
وأخبرنا أحدهم أنه في مكان بعيد عن لندن أكثر من مائة كيلو متر، هناك داعية باكستاني سلفي طيب المعشر، فذهبنا للتعرف عليه وكنا في شهر رمضان.
فاستقبلنا الرجل عنده في مجلس عربي على الأرض، فلفت نظري أن الرجل كانت عقيدته فعلاً سلفية، وفهمه للدعوة جيد.
ولكن كان لباسه أجنبي، أي جاكيت وبنطال، بل وأكثر من ذلك، كان يرتدي العقدة على العنق، فوجدت أن من واجبي أن أذكره.
فقلت له أنت تعيش في بلاد الكفر ولو في سبيل الدعوة، ولكن عليك أن تحافظ على الزي الإسلامي، وأن لا تتشبه بالكفار وبخاصة العقدة التي ترتديها.
ذلك لأن التشبه بغيرها قد يكون بها فائدة، ولكن الأمر في الحقيقة في غير العقدة، مثلها كمثل الخمر فيها منافع للناس، ولكن شرها أكثر من خيرها.
فإن البنطال مثلاً فيه فائدة، فهو يعطي الدفئ ويمنع الحر ويستر العورة، وكذلك الجاكيت، أما العقدة فلا فائدة منها فقط هي لتمثيل الزي الكافر.
وعندما انتهيت مع الرجل ومن طيبه وإخلاصه، حل العقدة ورماها أرضاً، فشكرناه وجزيناه خيراً، ولكن لم تطل فرحتي به.
فأخذ يسوغ أن وضع العقدة في تلك البلاد، بسبب أن الإنجليز ينظرون إلى أخواننا الفلسطينيين، نظرة بغض وتحقير، لأن من عادتهم أنهم يتركون زر القميص مفتوحاً.
فهو تأثر بنظر الإنجليز للفلسطينيين، وحتى لا يظن به أنه فلسطيني، وضع العقدة، فقلت له: سامحك الله لو بقيت بما فعلت دون تبريرك بقولك هذا.
حقيقة أن الإقامة في بلاد الكفر، من النادر أن ينجو الإنسان فيها، دون أن يبتل بشيء من الأوزار والآثام وما شابه ذلك.