بسم الله الرحمن الرحيم أهلاً بكم، موضوعنا اليوم عن البوذية وفي الواقع هذا موضوع كبير يحتاج منا أربعة حلقات.
فمن هو بوذا وكيف تحول من الترف إلى التقشف؟
من هو مؤسس الديانة البوذية؟
بوذا كان الإبن المدلل لعائلة أرستقراطية وكان يعيش وفي فمه ملعقة من ذهب، وفي يوم مل الترف وشعر أنه يريد شيئاً آخر غير كل هذا.
هرب من القصر وتسلل تحت جنح الظلام، وفوجئ بأنواع الفقر وأنواع البؤس خارج القصر، وصمم ألا يعود أبداً إلى حياة الترف، وانطلق في الغابات يبحث عن الحقيقة.
بوذا بالأصل من سريلانكا، سيلان قديماً، خرج من الجزيرة باتجاه الهند وسرح في الغابات ووصل إلى بلد بيجايا وجلس تحت شجرة يتأمل ويبحث عن الحقيقة.
استمر في الصوم وقرر أن لا يأكل بتاتاً حتى أوشك على الهلاك، وفي لحظة، تجلت عليه الحقيقة في ثلاث كلمات، طريق النجاة في نظر بوذا هو: جهاد النفس وجهاد البدن وجهاد العقل.
الحياة في نظر بوذا
الحياة في نظر البوذية معاناة والموت معاناة، حتى الفرح معاناة، والسعادة معاناة، وسبب ذلك هو أن كل شيء يتغير، كل شيء يزول.
لا يصح أن تتعلق بالشيء، إذا توكأت على حائط يمكن أن تستيقظ فلا تجده ولا تجد نفسك، إذا تعلقت بامرأة اليوم غدا تصبح ضدك، إذا تعلقت بولد أو أخ أو أب لا أحد يدري متى يموت.
كل شيء في حال التغير وفي حالة زوال وطبيعة الحياة والدنيا زائلة، فالشمس تأفل والورد يذبل والشباب يشيخ والحي يموت ولا شيء يبقى على حاله.
إذن، لا تتعلق بالشيء. لا تلوذ بأحد، لا تلجأ إلى ضريح، ولا تركع أمام صنم.
الحل أن تلوذ بنفسك، وبالنور الذي في داخلك، والطريقة هي جهاد النفس والبدن والعقل.
إذا عليك الجوع، صم. لتواجهه بنفسك بأنك لا تخضع للضرورة.
وإذا ألحت عليك شهوة الجسد، استعفف. لتدرب نفسك كيف تقهر الشهوة.
إخلاء غرفة البدن من قهر الضرورات وإخلاء العقل من الفضول والشوائب التي لا تلزم وإخلاء النفس من الشهوات، وأخيراً إخلاء غرفة النفس من النفس.
القصد النهائي لدى بوذا أن تتجاوز وتتخطى نفسك. أملاً أن تصل للسر أو النور الداخلي الذي يمكن أن يهديك.
الوصايا والنصائح
الوصايا الأولية في البوذية شبيهة بوصايا الأديان كلها: لا تسرق، لا تقتل، لا تزني، لا تكذب، الخ.
لكن إذا وصل الراهب البوذي إلى سن العشرين فهناك وصايا إضافية:
لا يأكل بعد الساعة الثانية عشر.
ويشحذ ما يأكله ليتفرغ للعبادة والتأمل ولا يسعى لأكله.
ويشحذ لغيره من الرهبان البوذيين.
ولا يلبس الناعم والحرير ولا يتزين.
ولا يحضر الحفلات، ولا يستمع إلى الموسيقى ولا يرقص.
وأيضاً لديهم النصائح الثمانية للوصول إلى هذه الدرجة من تصفية النفس والعقل والجسد وهي:
قول الحق وفعل الحق وسلوك الحق والتركيز الحق والانشغال الحق ولا يستخدمون قوتهم إلا في الحق وأن يكون لديه وعي في كل ما يفعله.
إذا كنت تتنفس فيتركز وعيك في التنفس وإن كنت تكنس الأرض فوعيك في كناسة الأرض
وإذا كنت تشحذ وتأخذ الطعام لشخص آخر فطوال الوقت يكون لديك إحساس أن أحدهم يعطيك الطعام فتوجه إليه الشكر.
الراهب في حالة وعي كامل بما يفعل.
وقصة الشحاذة هي شيء غريب لكن في البوذية هذه مهمة كي يتعلم على التواضع والتواضع هو سبيل الحياة.
هل للإله وجود في البوذية؟
والبوذية الغريب فيها أنها لم تتعرض للوجود الإلهي لا بإثبات ولا بإنكار، ولم يأخذ بوذا في مآلة الله ولم يتكلم عن آخرة، لكن كل البوذية هي موقف من النفس وتطهيرها وتطهير العقل والبدن.
ومن ثم تخطي النفس وتخطي الرغبة وتخطي الشهوات والتحكم بكل وجودك، فذروة البوذية هي اللحظة بأن يتحكم بوجوده كله بالبدن أو النفس أو العقل.
ولذلك التماثيل البوذية عندما تراها تشاهد أنه يتحكم في نظرة عينه وفي يديه ورجليه ووضعيته ولديهم جلسة اللوتس الخاصة ببوذا هي جلسة للتحكم بكل عضو في جسمه
فالتحكم بالجسم هو البداية للتحكم بالنفس.
الغريب في البوذية أنها ليست لجوء الإنسان إلى نفسه، لأن في النهاية والمراحل التي تبدأ بإخلاء غرفة البدن والعقل والنفس تنتهي بغرفة النفس من النفس تتجاوز النفس.
فالبوذية هي لجوء إلى شيء أعمق من النفس ويسمونه النفس اللانفسية أو النفس اللاشخصية وباختصار السر وراء الأنا.
نحن نعرف في القرآن بالكلمة البسيطة ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، فالأنا في داخلك وسرك هو السر الإلهي، لكن بوذا تجنب هذه الكلمة خشية التحريف غالباً.
لم يدخل في هذا الأمر بل اكتفى بالقول في النور الداخلي الذي يلي النفس ويلي الأنا وهو منطقة اللجوء الحقيقية في البوذية.