تعليمحول العالمعلوم الفلك والأرض

ما هي المادة المظلمة


كيف اكتشف العلماء وجود المادة المظلمة

أعزائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج الدحيح.

حلقة اليوم عن المادة المظلمة .

عزيزي المشاهد أهلاً بك في بحر الظلمات، في حلقة سابقة تكلمنا عن الكون وحاولنا أن نستكشف ما هي المادة التي يتألف منها الكون.

نظرتنا للكون قبل اكتشاف المادة المظلمة

باختصار دخلنا في التطور الزمني لفهمنا للمادة، وأولهم فلاسفة اليونان الذين بحثوا عنها بشكل فلسفي، وأنها يمكن أن تتجزأ إلى ما لا نهاية.

ومروراً بالتجارب التي أدت لاكتشافنا للعناصر الكيميائية كالأوكسيجين والذهب والكربون، والتي هي فعلاً عناصر أساسية لا يمكن تحليلها لعناصر أبسط.

اكتشاف مكونات الذرة

ومن ثم تجربة روثرفورد Rutherford التي من خلالها وجدنا أن هذه عناصر الأوكسيجين والكربون والهيدروجين مؤلفة من ذرات Atoms.

مكونة من نواة في المركز مؤلفة من بروتونات Protons ونيوترونات Neutrons، ويلف حولها جزيء يدعى الكترون Electron.

اكتشاف مكونات النواة

ومع تطور الأجهزة التي نستخدمها في دراسة المادة، وجدنا أن نواة الذرة المؤلفة من البروتونات والنيوترونات يمكن تقسيمها إلى جزيئات أصغر Quarks، التي تكون المادة الأساسية لأي نواة.

إن المادة التي تتكون منها أنت والأرض والشمس والكواكب، والنجوم والمجرات، كلها حتى تتكون تحتاج إلى ثلاث جزيئات فقط.

الإلكترون Electron و الأبكوارك Up quark والداونكوارك down quark، هذه مكونات الذرة التي تشكل العناصر الكيميائية المختلفة التي تشكلك وتشكل النجوم والمجرات.

الجزيئات التي تؤلف الكون

ثم اكتشفنا بعد ذلك أن هناك ثلاثة عشر جزيئاً آخرين، يؤلفون مع بعضهم standard model، واكتشفنا بعدها أن كل هذه الجزيئات Particles الستة عشر يمثلون أقل من 5% من الكون.

أي في وسط اكتشافاتنا ودراساتنا للجزيئات الجديدة، نكتشف أن المادة التي نظن أنها تؤلف الكون كله من مكونات النواة الثلاثة والأجزاء الستة عشر القياسية التي تكون النجوم والمجرات تمثل فقط خمسة بالمائة.

وأن النسبة الباقية من الكون 95% تتكون من مادتين أخريين لا نعرف عنهما أي شيء، مجهولتان لحد الآن.

وهما 27% من المادة المظلمة Dark Matter، و68% من الطاقة المظلمة Dark Energy

أي هناك مادة مظلمة وطاقة مظلمة لا نعرف عنها شيئاً، والجزيئات الثلاثة عشر غير الثلاثة الذين اكتشفناهم، لا نعرف عنهم شيئاً، ولا نعرف سبب تواجدهم.

إذن ما الذي نعرفه، ومن أين كل تلك الثقة التي نملكها؟ ونخرج إلى الفضاء ونعود منه؟ ونحن لا نعلم شيئاً عن 95% من كوننا.

ثم نبني Large Hadron Collider الذي كلّف مليارات من الدولارات، دون أن نفهم أو نعرف شيئاً، ويحتاج صيانة دورية لمدة سنوات.

لكن هذا لا يدعونا لنقسو على العلماء، وسنتحدث اليوم عن المادة المظلمة وما هي.

Jacobus Kapteyn ودراسة المجرات

بدأ العالم الهولندي Jacobus Kapteyn بطرح فكرة الحديث عن المادة المظلمة في سنة 1922، كان يدرس نوعاً من المجرات في الفضاء المعروفة بالمجرات الدوارة Spinning Galaxies.

وهذه المجرات تتكون من مليارات النجوم كشمسنا هذه، لكنهم جميعاً يدورون حول بعضهم فيشكلون مجرتهم الدوارة.

رأى جاكوبوس أن سرعة دوران المجرة حول نفسها لا تتوافق مع عدد النجوم داخل المجرة.

فعندما حاول جاكوبوس عد النجوم الموجودة في تلك المجرة ليحسب عددياً سرعة لف المجرة، وجد أن هذا النوع من المجرات تلف بسرعات أكبر بكثير من حساباته.

ومع إعادته لحساباته على أكثر من مجرة، كان يخرج بذات النتيجة، وينتج لديه في حساباته سرعة أقل من سرعة المجرة.

حسابات العالم Fritz Zwicky

ولم يكن العالم الوحيد الذي وجد ذلك، فالعالم Fritz Zwicky عالم الفضاء السويسري سنة 1933 أجرى ذات الحسابات على نفس المجرات ومجرات أخرى وخرج بنفس النتيجة.

أي سرعة لف المجرة في الحساب أقل من سرعتها الحقيقية في الواقع، فما السبب؟ لماذا يوجد فرق بين ما نقيسه وبين ما نراه؟

عزيزي المشاهد إن هذا الكلام خطير جداً، لو أن المجرات تدور بالسرعات التي نقيسها، فإن النجوم التي داخل تلك المجرات من المفترض أن تقذف خارجة من المجرة بسبب السرعة العالية.

لماذا لا تخرج النجوم عن مسارها

لو أنك أحضرت كرات بينغ بونغ ووضعتها في دوارة الأطفال merry go round فبعد بدء الدوران تبدأ الكرات بالطيران خارجها، وهذا ما افترض العلماء حصوله.

فلماذا لم تخرج النجوم عن مسارها خارجة من المجرة وتنقذف خارجة وهي تلف بهذه السرعة الفائقة؟

هذا السؤال حيّر جاكوبوس وجعله يفكر أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت هناك قوة جاذبة تجعل النجوم تبقى في المجرة.

وتجعل النجوم تتماسك مع بعضها بشكل أو بآخر، وتمنعهم من الانفلات حتى لو كانت المجرة تدور بتلك السرعة الفائقة.

ونحن نعرف أن قوة الجاذبية تأتي عادة من الشيء الذي له كتلة Mass، فالشمس لها كتلة كبيرة فتملك قوة جاذبة للأرض وبقية الكواكب، وتثبتهم في مداراتهم وتمنعهم من الانفلات في الفضاء.

فما الذي يثبت النجوم الموجودة في المجرة التي تلف بتلك السرعة؟

فإذن ذلك نوع مادة جديد يدعى المادة المظلمة Dark Matter، يملأ المجرة ويؤثر على النجوم كلها بسبب جاذبيته، ونحن لا نراه فأسميناه المادة المظلمة. ولكن لا بد أنها موجودة.

تأثير المفعول العدسي التثاقلي  Gravitational Lensing

إن وجدت هذا الكلام غريباً، فيجب أن تعرف أن المجتمع العلمي كان مشككاً أيضاً. ولأنها مجرة بعيدة لنفترض أننا كنا مخطئين في حساباتنا.

وبعد أن قام العلماء بإنشاء تليسكوباتهم وقاموا بالتفكير عميقاً وراجعوا حساباتهم، وجدوا ظاهرة غريبة جديدة جعلتهم يعيدون النظر في أمر المادة المظلمة.

الظاهرة تدعى Gravitational Lensing المفعول العدسي التثاقلي. فكما نعلم أن قوة الجاذبية لكل جسم له كتلة Mass كالأرض مثلاً تقدر أن تؤثر على جسم آخر وتجذبه إليها، كما تجذبنا إليها.

قوة الجاذبية

عندما نقفز عن الأرض لا نبقى نحوم في الهواء وإنما نسقط عليها بسبب قوة جاذبية الأرض التي تشدنا إلى الأسفل.

ووجدنا أن قوة الجاذبية لا تؤثر فقط على أجسام ذات كتلة، بل أيضاً تؤثر على أشعة الضوء.

فلو أن هناك جسم كبير وكتلته كبيرة بالتالي فإن جاذبيته كبيرة، إذا مر شعاع ضوء بقربه فإنه يتأثر بجاذبية هذا الجسم وينحرف عن مساره بدل أن يسير بخط مستقيم، حتى يخرج من نطاق هذه الجاذبية.

فما علاقة ذلك بالمادة المظلمة؟

ازدواج مكان المجرات

عندما ننظر للمجرات البعيدة من خلال التلسكوبات، نجد ظاهرة غريبة وهي أن تلك  المجرات تظهر في مكانين بنفس الوقت.

والحقيقة أنها موجودة في مكان واحد لكننا نراها في مكانين مختلفين بسبب ظاهرة المفعول العدسي التثاقلي Gravitational Lensing.

إن أشعة الضوء وهي تتجه نحونا فإنها تمر بشيء له جاذبية تحرف إشعاعات الضوء ولا تدعها تسير في خط مستقيم.

تنحرف وتغير اتجاهها كما شرحنا، فنجد شعاعين يأتيان من اتجاهين متعاكسين، فنراهما كأنهما جاءا من مكانين مختلفين في السماء.

إذن ما الذي يحرف هذه الأشعة عن مسارها، يجب أن يكون نجماً كبيراً وعملاقاً تقدر جاذبيته على حرف مسار اشعة الضوء، أو كوكب ضخم أو مجرة ضخمة.

والحقيقة بحثنا عن هذا الجسم الذي له هذا التأثير ولم نجد شيئاً. فإننا لا نرى شيئاً بيننا وبين المجرات يمكن أن يكون لها هذا التأثير.

إن جاكوبوس وزويكي قالا أن المادة المظلمة لها كتلة وقوة جاذبية ولكن لا نقدر على رؤيتها، ولذا سميت مظلمة.

إن التفسير الوحيد الذي يجعل أشعة الضوء تنحرف وهي قادمة إلينا هي أن تمر على شيء له كتلة وقوة جاذبية بيننا وبين تلك النجوم لكن لا نراه.

صور تليسكوب Chandra Observatory

يبدو أنه هناك فعلاً مادة مظلمة، لكن ذلك ليس كل القصة. في سنة 2004 قام تليسكوب Chandra Observatory التابع لوكالة ناسا بأخذ صور رائعة لتجمع الطلقة Bullet Cluster.

وهو تجمع لآلاف المجرات المتصادمة فيما بينها على بعد أربعة سنين ضوئية منا. وعندما وجدنا هذه المجرات المتصادمة وجدنا ظاهرة غريبة تحصل في مكان الاصطدام Collision Site.

فالضوء الخارج من إحدى المجرات قبل الاصطدام كان يمر طبيعياً وبعد حدوث اصطدام مجرتين أمامه وابتعادهما عن بعض أصبح هذا النور مشوهاً distorted.

أي عندما مر الضوء من منطقة الاصطدام تأثر بجاذبية شيء موجود أمامه ب Gravitational Lensing فينحرف وظهر لنا أكثر من صورة لذات المجرة.

ففي تصوير التليسكوب Chandra Observatory تظهر المجرة واضحة،  ثم يمر ضوؤها بشيء ما فيتشتت وتظهر أكثر من صورة لها ثم تظهر المجرة في مكان آخر.

فهل هناك مادة في مكان الاصطدام جعلت الضوء يتصرف بهذا الشكل؟ إننا لن نجد شيئاً أو بكلام أدق لن نرى شيئاً. فالمادة الوحيدة التي يمكن أن تفعل ذلك هي المادة المظلمة.

السبب الغامض لانحراف الضوء

إن المجرات التي تصطدم ببعضها تحوي مادة مظلمة، تجعل النجوم متماسكة في المجرات، وعند الاصطدام يتبقى شيء من المادة المظلمة في مكان الاصطدام.

لذا فإن الضوء الذي يأتينا من مجرات أبعد يمر في هذا المكان فيتأثر بجاذبية سحابة المادة المظلمة فيتشوه وينحرف وينشئ أكثر من صورة لذات المجرة. 

إن المشهد الذي رأيناه سنة 2004 شيق جداً، حيث نرى شيئاً في مكانه ثم يصبح في ثلاث أماكن ثم في مكان آخر.

أين توجد المادة المظلمة

لنعد لكلامنا السابق، إن المادة المظلمة موجودة في كل المجرات وفي كل مكان في الكون لها كتلة وتؤثر على المجرات والضوء بجاذبيتها لكننا لا نراها لأنها لا تصدر ضوءاً.

والمادة المظلمة لا تتأثر بمادة مظلمة أخرى مثلها، لكنها موجودة والأكيد أنها موجودة، ونحن نعلم كم هي موجودة في الكون لكننا لا نعلم ماهيتها. إذن كيف نصل إليها؟

جزيء WIMP

في سنة 1995 طرح بعض العلماء أن تكون هذه المادة مؤلفة من جزيء أسموه weakly interacting massive particles باختصار WIMP وهو يمثل 27% من الكون.

وهذا الجزيء لا يتفاعل مع الضوء ولا أي قوى أخرى عدا الجاذبية. ويتفاعل معها بدرجة ضعيفة جداً.

لكن كيف سنراه إذا لم يكن يتفاعل مع الضوء، ولا يصدر نوراً ولا يفعل شيئاً؟ كيف نعرف أنه موجود؟

استخدام المصادمات لاسكتشاف المادة

اقترح بعض العلماء أنه يمكننا الوصول إلى المادة المظلمة Dark Matter من خلال Accelerators مصادم جزيئات كالذي في جنيف.

الذي يصادم جزيئات المادة كالبروتونات، ويحول كتلتها إلى طاقة، وهذه الطاقة تعود لتتحول إلى مادة وتنشأ جزيئات جديدة. فربما في يوم ما تتحول هذه الطاقة إلى WIMP.

هل ستتغير نظريات الفيزياء؟

إن الأبحاث ما زالت قائمة على هذا الموضوع وبقوة، لأن موضوع المادة المظلمة قد يكون خطيراً، لأنها موجودة حولنا في كل مكان ونحن لا نراها.

تتفاعل مع مجرتنا وتجعلها متماسكة، ولا يوجد أي نموذج رياضي أو فيزيائي يتنبأ بوجودها.

وهذا كلام خطير جداً لأنه يمكن أن يصل بنا إلى أن الفيزياء التي أوجدناها تحتاج تعديلات أو إعادة نظر.

وعلى الجانب الآخر لنتخيل الإمكانيات الضخمة لو قدرنا أن نصل إليها وأن نفهمها أكثر. ولو قدرنا أن نستخدمها وننتج بها الطاقة ونحل بها مشاكل الطاقة العالمية.

أو نستخدمها للتأثير على المواد التي نملكها ونصنع بها تكنولوجيا عظيمة.

المادة المظلمة Dark Matter مجهولة جداً وكمية الاحتمالات عنها كبيرة جداً،It actually matters.

وسؤالي في النهاية: هل يمكن لأحدهم أن يحمل المادة المظلمة ؟

المصادر

 

https://en.wikipedia.org/wiki/Dark_matter

https://en.wikipedia.org/wiki/Weakly_interacting_masive_particles

https://arxiv.org/absastro-ph/9407006

https://en.wikipedia.org/wiki/Bullet_Cluster

https://www.youtube.com/watch?v=_AqI9y7l2lM

https://en.wikipedia.org/wiki/Gravitational_lens

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى