رواية شرق المتوسط كانت من ضمن الروايات التي أسست بما يعرف بأدب السجون وهي أول رواية لمؤلفها.
أدب السجون هو نوع من الأدب الذي يصور حياة السجن والسجناء والتعذيب، دعونا نستعرض الرواية لكاتبها عبد الرحمن منيف.
رواية شرق المتوسط في سطور
كتب عبد الرحمن منيف المتوفى سنة 2004 هذه الرواية عام 1972 قبل أن تنشر له أية رواية.
ولخوفه من احتمال منعها بسبب موضوعها الذي يمس السياسة لم يقل فيها كل ما يجب قوله عن عالم السجن السياسي.
أو حول ما يتعرض له السجين من قسوة ومهانة، فإذا قرأتها لن تجد فيها وصفاً كثيراً لممارسات التعذيب.
فركزت أكثر على حياة السجين أثناء وبعد خروجه من السجن وحياة أهل السجين أثناء وبعد خروج سجينهم.
وهذا ما دفع بمنيف ليكفّر عن تحفظه في روايته الأولى برواية ثانية تعمق في تفاصيل السجون السياسة أكثر.
وهي رواية الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى، ونلاحظ أن المؤلف لم يحدد مكاناً بل اختار اسماً واسعاً شرق المتوسط.
أحداث فصول الرواية
يقوم سرد رواية شرق المتوسط على تقنية الاسترجاع أو الفلاش باك.
فتبدأ برجب اسماعيل على متن باخرة ليتعالج من مرض روماتيزم في الدم وهو يسترجع حياته في السجن.
إذن نحن في هذا الفصل نعلم أن رجب اسماعيل كان سجيناً وقد خرج من السجن ولكننا لا نعلم شيئاً عن سر دخوله في السجن ولا عن خروجه.
وسنكتشف عندما استرجع صفحات حياته في السجن أنه قد تم إطلاق سراحه بعد خمس سنوات في السجن.
عندما قدم الثمن الذي طلبوه كاملاً، والثمن عادة ما يكون هو الاعتراف.
وكان السجان يطفئ سجائره في جسده وهو يخبره بأنه كان يجب أن يفعل هذا قبل أربع أو خمس سنين لأنه قد دفع ثمنها من صحته.
ربما العبارة التي تصف حالته بدقة حينما قال: ظللت صامتاً كنت أحس نفسي عارياً.
دخل السجن بتعاطف مع غالبية الجميع ولكنه ما لبث أن بدأوا ينحسرون عنه، فأمه ماتت وكانت أكثر من يقف معه.
حبيبته هدى التي كانت أقوى الآمال التي تشده لعالم الحرية ولا يمل من انتظارها ويتصورها مثل بطلة الأساطير تركته.
ولم تنتظر وكتبت له: أنا مرغمة على الموافقة يا رجب ولكن سأحتفظ بالذكرى إلى الأبد.
لقد وجد أن السجن بدأ يسرق منه كل شيء سنوات عمره، أمه، حبيبته، فلم يستطع أن يمكث في السجن أكثر.
كان محكوماً بالسجن أحد عشر عاماً سقط رجب اسماعيل وقرر أن يوقع الورقة وبأن يوصم بالخيانة عند زملائه.
انتهت أيام السجن ولكنه كان يحمل السجن في داخله أينما ذهب.
اقتباسات من رواية شرق المتوسط
يقول رجب: آه ما أتعس الإنسان عندما يداهمه العجز ويفقد القدرة كلياً على أن يقول تلك الأشياء التي نامت معه.
وقامت خلال سنين الكلمات الشديدة التوهج التي قالها الناس في السجن.
حاول رجب أن يكتب ويدون ما يجري في السراديب وفي الظلمة ووراء الجدران كان يؤمن بأن الكلمة هي آخر الأسلحة.
وسنجد رجب بعدما سافر إلى الضفة الأخرى من المتوسط في أوروبا فيقارن بين الحالين ويقول:
إنني لم أحمل بندقية ولم أقتل أحداً ومع ذلك دق رأسي بالجدران مئات المرات كما تدق المسامير في أخشاب السنديان.
ودق الرأس بالجدران عبارة عن بداية سيمفونية العذاب:
بعد ذلك ضربوني بالسياط كنت عارياً عندما ضربوني كانوا يتعبون من الضرب كانوا يتعبون وكانوا أقوياء.
فإذا انتهى الضرب بدأت النيران تشتعل في جسدي، كانوا يطفئون السجائر في وجهي وفي صدري وفي أماكن أخرى.
ليس هذا كل شيء لقد أمسكوا بخصيتي وجروهما، شعرت تلك اللحظة أنني أموت، ثم علقت سبعة أيام في السقف.
كانت يداي مربوطتين بحبل والحبل يجرني إلى السقف، فأوقف على أطراف أصابعي.
عندما انتهت الأيام السبعة كانت ساقاي بحجم سيقان الفيل متورمتين زرقاوين ثقيلتين.
لا لن أحدثك أكثر من ذلك، إن مجرد تذكر تلك الأيام يجعل الإنسان مشوهاً، حتى أن براعة الطب وعبقريته لا يمكن أن يفعل شيئاً.
كل ما قلته لك حتى الآن الفصل الأول أما الفصول الأخرى فاعذرني إذا لم أستطع أن أقول لك كلمة واحدة.
تحملت التعذيب كله وماذا تتصور، هل صرخت؟ هل اعترفت؟ لا، كنت صامداً كنت أقوى من الجمل في صبره واحتماله.
لكن في لحظة خرساء سقطت، الإنسان الذي تراه أمامك الآن ليس قوياً بمقدار ما توحي الكلمات التي تموج في رأسه.
كان قوياً في فترة ما ثم سقط، انهار دفعة واحدة.
واقع المجتمع والسجن بين الشرق والغرب
سنجد أيضاً أن السجون السياسية تطال حتى المقربين من السجين أحياناً كما حدث لرجب اسماعيل عندما تم اعتقال زوج أخته.
سنجد أيضاً في الرواية مقارنة بين حال الشرق والغرب حينما سافر رجب للعلاج هناك.
وتساءل الطبيب بعدما حكى له رجب أنه كان سجيناً سياسياً قال: لماذا لا يقرأ الجلادون والحكام التاريخ؟
لو قرأوا جزءاً من الأشياء التي يجب أن يقرأوها لوفروا على أنفسهم وعلى الآخرين الشيء الكثير
ثم قال: ولكن يبدو أن كل شعب يجب أن يدفع ثمن حريته، والحرية أغلب الأحيان غالية الثمن.
سنجد في الرواية أيضاً واقع الفتاة في مجتمعات شرق المتوسط التي لا يترك لها الحرية في اختيار شريك حياتها.
لكن ربما الشيء المؤسف جداً في هذه الرواية أنك لن تجد فيها الحق هو من ينتصر في حلقته الأخيرة.
سيظل السجان حراً يرفع بالظلم سوطه، والسجين حتى وإن خرج قد كتبت على حياته النهاية.
من الصعب أن ترمم إرادة إنسان خرج من تلك السجون، فالحق على الأقل في هذه الدنيا لا ينتصر بالضرورة على الظلم في آخر حلقة.
ستجدون رسالة هدى التي كتبتها بعدما اضطرت للزواج برجل آخر وأخبرت أخت رجب بأن تسلمها له إن خرج.
ولو قرأها رجب لأدرك أن هدى لم تتخلى عنه بل زوجت قصراً، وأنها كانت مستعدة أن تتخلى عن حياتها.
وأن تعيش معه إن خرج من السجن، فلم يقرأها رجب وما زالت هدى بالنسبة له قد تخلت عنه وتركته.
خاتمة
لم يكن السرد كله يجري على لسان رجب ولكنه كان يتنقل بينه وبين أخته أنيسة.
فاستطاع منيف أن يصور حياة السجن من داخله عن طريق سرد السجين رجب، ومن خارجه عن طريق سرد أخته أنيسة.
قد يتساءل بعضكم عن جدول كتابة في أدب السجون، أجاب منيف في مقدمة الرواية بأن فضح إحدى الظواهر السلبية يشكل البداية لمواجهتها تمهيداً للتخلص منها.
رواية شرق المتوسط لا بأس بها، لم تكن مبهرة ولكنها أيضاً لم تكن سيئة، تقع في قرابة مائتين وخمسين صفحة.
المصادر
شاهد ايضاً
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com